"
ولقد أتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)التوراة من بعد ما دمرنا الأقوام السابقة أنوار للخلق أى نفع أى فائدة لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى أى أعطى أى أوحى لموسى (ص)الكتاب وهو الفرقان أى التوراة مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان"وذلك من بعد أن أهلك القرون الأولى والمراد من بعد ما دمر الأقوام السابقة بسبب كفرهم بالحق والكتاب بصائر أى منافع للناس وفسره بأنه هدى أى رحمة أى نفع أى فائدة لهم لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة المؤمنون والمراد لعلهم يطيعون الوحى .
"وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "المعنى وما كنت بجوار الطور حين أوحينا لموسى (ص)الحكم أى ما كنت من الحاضرين،يبين الله لنبيه (ص)أنه لم يكن بجانب الغربى أى بجوار جبل الطور من ناحية الغرب إذ قضى الله إلى موسى الأمر والمراد حين أوحى لموسى (ص)الألواح وهو حكم الله الممثل فى التوراة وفسر الله هذا بأنه لم يكن من الشاهدين أى الموجودين فى ذلك الزمان أو المكان وهذا رد على من ادعوا أنهم كانوا محمد(ص)فى عصر وموسى (ص)فى عصر وغيرهم فى عصور أخرى فهنا محمد(ص)لم يكن موجودا فى عصر موسى (ص).
"ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا فى أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين "المعنى ولكنا خلقنا أقواما فبعد عليهم الوقت وما كنت مقيما فى أصحاب مدين تبلغ لهم أحكامنا ولكنا كنا مبلغين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أنشأ قرونا والمراد خلق أقواما من بعد وفاة موسى (ص)فتطاول عليهم العمر والمراد فمرت عليهم السنين فكفروا،ويبين له أنه ما كان ثاويا فى أهل مدين والمراد ما كان موجودا مع أصحاب مدين فى عصر موسى (ص)يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه كنا مرسلين أى منذرين أى مبلغين للوحى لهم مصداق لقوله بسورة الدخان"إنا كنا منذرين "وهذا يعنى بعثه رسل أبلغوا الوحى للقرون وهم الأقوام ومنهم مدين الذين أبلغهم موسى (ص)رسالة الله.
"وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون "المعنى وما كنت بجوار الجبل حين أوحينا ولكن نعمة من إلهك لتخبر ناسا ما جاءهم من مخبر من قبلك لعلهم يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان بجانب الطور إذ نادى موسى (ص)والمراد ما كان موجودا بجوار جبل الطور حين أوحى لموسى (ص)الوحى وهذا تكرار لنفى وجوده فى زمن موسى (ص)ويبين له أن الوحى نزل عليه رحمة من ربه والمراد نعمة من خالقه والسبب لينذر قوما ما أتاهم من نذير من قبله أى ليبلغ ناسا ما جاءهم من مبلغ من قبله وهذا يعنى أن الناس فى عهد الرسول (ص)لم يرسل لهم رسلا بالوحى والسبب فى إبلاغ الوحى لهم هو لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة "والمراد لعلهم يطيعون حكم الله .
"ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين"المعنى ولولا أن تمسهم عقوبة بما عملت أنفسهم فيقولوا إلهنا لولا بعثت لنا مبعوثا فنطيع أحكامك ونصبح من المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن السبب فى بعثه للناس هو ألا يقولوا إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم والمراد ألا يزعموا إذا مسهم عذاب بما عملت أنفسهم مصداق لقوله بسورة المائدة "ما قدمت لهم أنفسهم "ربنا أى إلهنا لولا أرسلت إلينا رسولا والمراد هلا بعثت لنا مبعوثا يعلمنا فنتبع آياتك أى فنطيع أحكامك ونكون من المؤمنين أى "من الصالحين "كما قال بسورة التوبة والمراد من المصدقين بوحى الله ،وهذا يعنى أن الله بعث رسوله (ص)حتى لا يكون للناس حجة عليه عند إنزاله العذاب عليهم جزاء عملهم .
"فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون "المعنى فلما أتاهم العدل من لدينا قالوا هلا أعطى شبه الذى أعطى موسى (ص)هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل قالوا مخادعان اتفقا وقالوا إنا بكل مكذبون ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس لما جاءهم الحق من عند الله والمراد أن الناس لما أتاهم الوحى من لدى الرب قالوا :لولا أوتى مثل ما أوتى موسى والمراد هلا أعطى شبه ما أعطى موسى وهذا يعنى أنهم يريدون أن يعطى محمد(ص)معجزات كالتى أعطاها الله لموسى (ص)ويسأل الله نبيه (ص)أو لم يكفروا بما أوتى أى هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل ؟قالوا سحران تظاهرا أى ماكران اتفقا على المكر وقالوا إنا بكل كافرون أى مكذبون؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)وإيانا أنهم كذبوا بالمعجزات التى كانت مع موسى (ص)ومن ثم سيكذبون بها إذا أعطاها لمحمد(ص)ومن ثم فلا داعى لإعطاءها له ما دامت النتيجة تكذيبهم بها .
"قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين "المعنى قل فهاتوا وحى من لدى الرب هو أعدل منهما أطيعه إن كنتم محقين فى قولكم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه والمراد هاتوا وحى من لدى الرب هو أفضل من القرآن والتوراة أطيعه إن كنتم صادقين أى "إن كنتم مسلمين"كما قال بسورة يونس وهذا يعنى أنه يطلب من اليهود إحضار وحى أفضل من القرآن والتوراة من عند الله وذلك حتى يترك طاعتهما ويتبع الوحى الذى يحضرونه وهذا الوحى طبعا لن يأتى لأن الله لن يعطيه لهما ومن ثم سيظل متبعا للقرآن والتوراة والخطاب للنبى(ص)ومنه للكفار وما بعده له
"فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى فإن لم يردوا عليك فاعرف أنما يطيعون ظنونهم ومن أكفر ممن أطاع ظنه بغير رشاد من الرب إن الرب لا يثيب الناس الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن اليهود إن لم يستجيبوا له والمراد إن لم يحضروا الوحى المطلوب من لدى الله كما طلب منهم فعليه أن يعلم أى يعرف أن الكفار يتبعون أهواءهم أى يطيعون ظنونهم مصداق لقوله بسورة يونس "إن يتبعون إلا الظن "ويبين له أن ليس أضل أى أظلم ممن اتبع هواه بغير علم والمراد من الذى أطاع ظنه بغير هدى أى وحى أى علم من الله مصداق لقوله بسورة الأنعام "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم "ويبين له أنه لا يهدى القوم الظالمين أى أنه لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران "فإن الله لا يحب الكافرين ".
"ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أبلغنا لهم الوحى لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه وصل للناس القول والمراد أبلغ لهم الوحى والسبب فى تبليغه لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة والمراد لعلهم يطيعون القول مؤمنين به والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين "المعنى الذين أعطيناهم الوحى من قبله هم به يصدقون وإذا يبلغ لهم قالوا صدقنا به إنه العدل من إلهنا إنا كنا من قبله مطيعين أولئك يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا أى يمحون بالصالح الفاسد أى من الذى أوحينا لهم يعملون أى إذا علموا الباطل خالفوه وقالوا لنا أفعالنا ولكم أفعالكم خير لكم لا نطيع الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أتاهم الكتاب من قبل القرآن به يؤمنون والمراد أن الذين أوحى لهم الوحى من قبل نزول القرآن هم بالقرآن يصدقون مصداق لقوله بسورة آل عمران"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم "وفسر هذا بأنه إذا يتلى أى يبلغ لهم القرآن قالوا :آمنا به أى صدقنا بالقرآن إنه الحق من ربنا والمراد إنه العدل من عند خالقنا إنا كنا من قبل نزول القرآن مسلمين أى مطيعين لحكم الله السابق ولذا يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا والمراد يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا وهذا يعنى أن الله يعطيهم كفل من رحمته فى الدنيا وهو حكمهم الأرض بحكمه وكفل من رحمته فى القيامة وهو الجنة مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"يؤتكم كفلين من رحمته "وفسر الله صبرهم بأنهم يدرءون بالحسنة السيئة والمراد يذهبون بعمل الصالح عمل الباطل مصداق لقوله بسورة هود"إن الحسنات يذهبن السيئات "وفسر هذا بأنهم مما رزقناهم ينفقون والمراد من الذى أوحى الله لهم يعملون وفسر هذا بأنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه والمراد إذا علموا بالباطل عصوا أحكامه وقالوا للكفار :لنا أعمالنا أى لنا جزاء أفعالنا ولكم أعمالكم أى ولكم جزاء أفعالكم والمراد لنا ديننا ولكم أديانكم التى نحاسب بكل منها بعملنا بها مصداق لقوله بسورة الكافرون "لكم دينكم ولى دين "سلام عليكم أى الخير لكم وهو قول يسخر من الكفار،لا نبتغى الجاهلين أى لا نطيع حكم وهو أديان الكافرين والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين "المعنى إنك لا ترحم من وددت ولكن الرب يرحم من يؤمن وهو أعرف بالمرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لا يهدى من أحب والمراد لا يرحم من يريد أى لا يدخل الجنة من يود ولكن الله يهدى من يشاء والمراد ولكن الرب يرحم أى يدخل الجنة من يؤمن بحكمه مطيعا له والله أعلم بالمهتدين أى المرحومين أى الداخلين الجنة لإيمانهم وطاعتهم حكم الله .
"وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون "المعنى وقالوا إن نطيع الوحى معك نطرد من بلادنا أو لم نخلق لهم مكانا مطمئنا يأتى له منافع كل نوع عطاء من عندنا ولكن أغلبهم لا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا والمراد إن نطيع حكم الله معك نطرد من بلادنا وهذا يعنى أن نتيجة إتباع الحق فى رأيهم هى إصابتهم بالظلم فى بلادهم وهو الطرد منها ويسأل الله أو لم نمكن لهم حرما آمنا والمراد ألم نخلق لهم مكانا حصينا يجبى إليه ثمرات كل شىء والمراد يحضر لهم منافع كل نوع رزقا من لدنا أى عطاء من عندنا ؟والغرض من السؤال هو إخبار المسلمين أن الله وضع فى الأرض مكان منيع لا يظلمون فيه هو مكة التى يأتيها الرزق بكل أنواعه من عند الله ومع هذا تعلل الكفار أن سبب عدم إيمانهم هو عدم وجود أمان فى أرضهم فى حالة إيمانهم ويبين الله لنا أن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يونس "ولكن أكثرهم لا يشكرون "والمراد أنهم لا يطيعون حكم الله .
"وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين "المعنى وكم دمرنا من أهل بلدة رفضت رحمتها فتلك بيوتهم لم تشغل من بعدهم إلا قصيرا وكنا نحن المالكين ،يبين الله لنبيه (ص)أن كم من قرية أهلكها والمراد أن عدد أهالى البلدات التى قصمها أى دمرها الله كبير مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة "والسبب أنها بطرت معيشتها أى رفضت حياتها وهى الجنة فى الآخرة مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت "وإن الدار الآخرة لهى الحيوان "أى المعيشة الحقة وهذا يعنى أنهم كذبوا وحى الله الذى يؤدى بهم للمعيشة الدائمة فتلك مساكنهم وهى بيوتهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا والمراد أنها لم تشغل بالسكان إلا وقتا قصيرا هو وقت الدنيا وكان الله هو الوارث أى المالك لمساكنهم .
"وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا يتلوا عليها آياتنا وما كنا ربك مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون "المعنى وما كان إلهك معذب أهل البلاد حتى يرسل فى أصلها مبعوثا يبلغ لهم أحكامنا وما كنا معذبى أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان مهلك القرى والمراد ما كان معاقب أهل البلاد حتى يبعث فى أمها رسولا والمراد حتى يرسل إلى ناسها مبعوثا مصداق لقوله بسورة الإسراء "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "وهذا الرسول يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه ما كان مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون والمراد ما كان معذب أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون بحكمه وهذا يعنى أن سبب الهلاك هو الظلم أى الكفر والخطاب وما قبله وما قبله للنبى(ص) .
"وما أوتيتم من شىء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون "المعنى والذى أعطيتم من رزق هو نفع المعيشة الأولى أى فائدتها والذى لدى الرب أحسن وأدوم أفلا تفهمون؟ ،يبين الله للناس أن ما أوتوا من شىء والمراد ما أعطوا من رزق فى دنياهم فهو متاع الحياة الدنيا وفسره بأنه زينة الدنيا والمراد نفع المعيشة الأولى وأن ما عند الله خير وأبقى والمراد وأن الذى لدى الرب وهو متاع الجنة هو أفضل من متاع الدنيا وأدوم لأنه لا يفنى ويسألهم أفلا تعقلون أى "أفلا تبصرون "كما قال بسورة القصص والمراد أفلا تطيعون حكم الله والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب طاعة حكم الله والخطاب وما بعده للناس.
"أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين "المعنى هل من أخبرناه خبرا نافعا فهو داخله كما أعطيناه نفع المعيشة الأولى ثم هو يوم البعث من المعذبين ،يسأل الله الناس :أفمن وعدناه وعدا حسنا أى هل من أخبرناه خبرا طيبا وهو دخول الجنة مصداق لقوله بسورة التوبة "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات"فهو لاقيه والمراد فهو داخل الجنة كمن متعناه متاع الحياة الدنيا أى كمن لذذناه بنفع المعيشة الأولى ثم هو يوم القيامة وهو يوم البعث من المحضرين أى "من المعذبين "كما قال بسورة الشعراء وهذا يعنى أن داخل الجنة لا يستوى مع داخل النار وهو العذاب .
"ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون "المعنى ويوم يخاطبهم فيسألهم أين مقاسمى الذين كنتم تعبدون ؟يبين الله لنبيه (ص)أن يوم القيامة يناديهم أى يسأل الكفار على لسان الملائكة فيقول :أين شركاءى أى مقاسمى فى الملك الذين كنتم تزعمون أى تعبدون أى تقولون أنهم شفعاؤكم عندى مصداق لقوله بسورة الشعراء "أين ما كنتم تعبدون "والغرض من السؤال هو إخبارهم أن لا وجود لأى آلهة غير الله
"قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون "المعنى قال الذين صدق فيهم الحديث إلهنا هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا تبنا لك ما كانوا إيانا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين حق عليهم القول والمراد أن الذين صدقت عليهم كلمة العذاب مصداق لقوله بسورة الزمر "أفمن حق عليه كلمة العذاب"قالوا ربنا أى إلهنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا والمراد هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا وهذا يعنى أنهم أبعدوا الناس عن الحق كما أبعدهم عن الحق الذين من قبلهم وهذا معناه أن كل أمة تلقى المسئولية على سابقتها وهذا هو قول الكفار وأما الآلهة التى زعموا وجودها فقد قالوا :تبرأنا إليك والمراد تبنا لك أى أخلصنا لك ما كانوا إيانا يعبدون أى يطيعون وهذا يعنى أن الآلهة المزعومة تنفى أن الكفار كانوا يتبعون إياهم والخطاب للنبى(ص).
"وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون "المعنى وقيل نادوا آلهتكم فنادوهم فلم يردوا عليهم وشاهدوا النار لو أنهم كانوا يعقلون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قال الله لهم على لسان الملائكة :ادعوا شركاءكم والمراد نادوا آلهتكم المزعومة مصداق لقوله بسورة سبأ"ادعوا الذين زعمتم من دون الله "فدعوهم أى فنادوا عليهم لينقذوهم فلم يستجيبوا لهم والمراد لم ينقذوهم من العذاب ورأوا العذاب أى وشاهدوا العقاب والمراد فدخلوا النار لو أنهم كانوا يهتدون أى يعملون بالرشد فى الدنيا ما دخلوا النار والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين"المعنى ويوم يخاطبهم فيقول بماذا رددتم على المبعوثين فأخفيت عليهم الأخبار يومذاك فهم لا يستفهمون ،فأما من أناب أى صدق وفعل حسنا فعسى أن يصبح من المرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فى يوم القيامة ينادى أى يخاطب أى يسأل الله الكفار على لسان الملائكة فيقول :ماذا أجبتم المرسلين أى بماذا رددتم على الأنبياء ؟وفى هذا اليوم عميت عليهم الأنباء أى خفيت عليهم الأخبار والمراد أنهم جهلة بالأحداث فى هذا اليوم ومن ثم فهم لا يتساءلون أى لا يستفهمون عن شىء لأن "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه " كما قال بسورة عبس وأما من تاب أى أناب لدين الله وفسر هذا بأنه آمن أى صدق حكم الله وعمل صالحا أى وفعل حسنا مما فى حكم الله فعسى أن يكون من المفلحين وهم الفائزين بجنة الله مصداق لقوله بسورة مريم "إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ".
"وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون "المعنى وإلهك ينشىء ما يريد ويصطفى ما كان لهم الاختيار ،علا أى ارتفع عن الذى يعبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه يخلق ما يشاء والمراد أن خالقه يبدع ما يريد من الأفراد وهو يختار أى يصطفى منهم من يريد رسولا ،وسبحان أى تعالى الله عما يشركون والمراد أن طاعة الله فضلت أى علت على طاعة الذى يطيعون وهو الآلهة المزعومة فهو من يجب طاعته لكونه الإله الوحيد والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون "المعنى وإلهك يعرف الذى تخفى نفوسهم والذى يبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه وهو خالقه يعلم ما تكن صدور الناس والمراد يدرى الذى تكتم نفوس الناس وما يعلنون وهو الذى يظهرون أى يبدون مصداق لقوله بسورة المائدة "والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ".
"وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فى الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون "المعنى وهو الرب لا رب سواه له الطاعة فى الدنيا والقيامة أى له الملك ولجزاءه تعودون ،يبين الله للناس أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب سوى الله له الحمد أى الطاعة لحكم الرب وفسر هذا بأنه له الحكم وهو الأمر فى الكون مصداق لقوله بسورة الرعد"لله الأمر جميعا "فى الأولى وهى الدنيا وفى الآخرة وهى القيامة ويبين الله للناس أنهم إليه يرجعون أى إليه يقلبون أى يحشرون والمراد يعودون لجزاء الله مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون "وقوله بسورة العنكبوت "وإليه تقلبون" والخطاب للناس.
"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون "المعنى قل أعلمتم إن خلق الرب لكم الليل دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بنور أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس السؤال التالى :أرأيتم أى عرفونى إن جعل الله عليكم الليل وهو الظلام سرمدا أى إن خلق الله لكم الظلام مستمرا إلى يوم القيامة وهى البعث من إله غير الله يأتيكم بضياء والمراد من رب سوى الله يجيئكم بنور ؟أفلا تسمعون أى "أفلا تبصرون "كما قال بالآية التالية أى أفلا تعقلون ؟والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إنارة الليل وأما غيره فلا يقدرون على إنارة الليل بالضوء إذا أراد الليل دائم حتى يوم القيامة وإن الواجب عليهم هو السماع أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.
"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون "المعنى قل عرفونى إن خلق الرب لكم النهار دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بليل ترتاحون فيه أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الناس أرأيتم والمراد أعلمونى إن جعل أى خلق الله لكم النهار سرمدا أى مستمرا من إله غير الله يأتيكم بليل أى يجيئكم بظلام تسكنون أى تنامون أى ترتاحون فيه ؟أفلا تبصرون أى "أفلا تعقلون "كما قال بسورة يس والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إظلام النهار إذا أصبح سرمدا أى مستمرا حتى يوم القيامة وأما غيره فلا يقدرون على هذا إذا أراد الله أن يكون النهار دائما وعليه فالله وحده هو القادر على إظلام النهار حتى يسكن أى يرتاح الناس وإن الواجب عليهم هو البصر أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه .
"ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون "المعنى ومن نفعه خلق لكم الليل والنهار لترتاحوا فيه ولتطلبوا من رزقه ولعلكم تطيعون ،يبين الله للناس أن من رحمته وهى نفعه لهم أن جعل أى خلق لهم الليل ليسكنوا فيه والمراد ليرتاحوا فيه وخلق النهار ليبتغوا من فضله والمراد ليطلبوا فيه من رزق الله وقد خلق الليل والنهار لعل الناس يشكرون أى "لعلكم تذكرون "كما قال بسورة النور والمراد لعلهم يطيعون حكم الله والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.
"وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "المعنى وما كنت بجوار الطور حين أوحينا لموسى (ص)الحكم أى ما كنت من الحاضرين،يبين الله لنبيه (ص)أنه لم يكن بجانب الغربى أى بجوار جبل الطور من ناحية الغرب إذ قضى الله إلى موسى الأمر والمراد حين أوحى لموسى (ص)الألواح وهو حكم الله الممثل فى التوراة وفسر الله هذا بأنه لم يكن من الشاهدين أى الموجودين فى ذلك الزمان أو المكان وهذا رد على من ادعوا أنهم كانوا محمد(ص)فى عصر وموسى (ص)فى عصر وغيرهم فى عصور أخرى فهنا محمد(ص)لم يكن موجودا فى عصر موسى (ص).
"ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا فى أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين "المعنى ولكنا خلقنا أقواما فبعد عليهم الوقت وما كنت مقيما فى أصحاب مدين تبلغ لهم أحكامنا ولكنا كنا مبلغين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أنشأ قرونا والمراد خلق أقواما من بعد وفاة موسى (ص)فتطاول عليهم العمر والمراد فمرت عليهم السنين فكفروا،ويبين له أنه ما كان ثاويا فى أهل مدين والمراد ما كان موجودا مع أصحاب مدين فى عصر موسى (ص)يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه كنا مرسلين أى منذرين أى مبلغين للوحى لهم مصداق لقوله بسورة الدخان"إنا كنا منذرين "وهذا يعنى بعثه رسل أبلغوا الوحى للقرون وهم الأقوام ومنهم مدين الذين أبلغهم موسى (ص)رسالة الله.
"وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون "المعنى وما كنت بجوار الجبل حين أوحينا ولكن نعمة من إلهك لتخبر ناسا ما جاءهم من مخبر من قبلك لعلهم يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان بجانب الطور إذ نادى موسى (ص)والمراد ما كان موجودا بجوار جبل الطور حين أوحى لموسى (ص)الوحى وهذا تكرار لنفى وجوده فى زمن موسى (ص)ويبين له أن الوحى نزل عليه رحمة من ربه والمراد نعمة من خالقه والسبب لينذر قوما ما أتاهم من نذير من قبله أى ليبلغ ناسا ما جاءهم من مبلغ من قبله وهذا يعنى أن الناس فى عهد الرسول (ص)لم يرسل لهم رسلا بالوحى والسبب فى إبلاغ الوحى لهم هو لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة "والمراد لعلهم يطيعون حكم الله .
"ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين"المعنى ولولا أن تمسهم عقوبة بما عملت أنفسهم فيقولوا إلهنا لولا بعثت لنا مبعوثا فنطيع أحكامك ونصبح من المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن السبب فى بعثه للناس هو ألا يقولوا إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم والمراد ألا يزعموا إذا مسهم عذاب بما عملت أنفسهم مصداق لقوله بسورة المائدة "ما قدمت لهم أنفسهم "ربنا أى إلهنا لولا أرسلت إلينا رسولا والمراد هلا بعثت لنا مبعوثا يعلمنا فنتبع آياتك أى فنطيع أحكامك ونكون من المؤمنين أى "من الصالحين "كما قال بسورة التوبة والمراد من المصدقين بوحى الله ،وهذا يعنى أن الله بعث رسوله (ص)حتى لا يكون للناس حجة عليه عند إنزاله العذاب عليهم جزاء عملهم .
"فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون "المعنى فلما أتاهم العدل من لدينا قالوا هلا أعطى شبه الذى أعطى موسى (ص)هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل قالوا مخادعان اتفقا وقالوا إنا بكل مكذبون ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس لما جاءهم الحق من عند الله والمراد أن الناس لما أتاهم الوحى من لدى الرب قالوا :لولا أوتى مثل ما أوتى موسى والمراد هلا أعطى شبه ما أعطى موسى وهذا يعنى أنهم يريدون أن يعطى محمد(ص)معجزات كالتى أعطاها الله لموسى (ص)ويسأل الله نبيه (ص)أو لم يكفروا بما أوتى أى هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل ؟قالوا سحران تظاهرا أى ماكران اتفقا على المكر وقالوا إنا بكل كافرون أى مكذبون؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)وإيانا أنهم كذبوا بالمعجزات التى كانت مع موسى (ص)ومن ثم سيكذبون بها إذا أعطاها لمحمد(ص)ومن ثم فلا داعى لإعطاءها له ما دامت النتيجة تكذيبهم بها .
"قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين "المعنى قل فهاتوا وحى من لدى الرب هو أعدل منهما أطيعه إن كنتم محقين فى قولكم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه والمراد هاتوا وحى من لدى الرب هو أفضل من القرآن والتوراة أطيعه إن كنتم صادقين أى "إن كنتم مسلمين"كما قال بسورة يونس وهذا يعنى أنه يطلب من اليهود إحضار وحى أفضل من القرآن والتوراة من عند الله وذلك حتى يترك طاعتهما ويتبع الوحى الذى يحضرونه وهذا الوحى طبعا لن يأتى لأن الله لن يعطيه لهما ومن ثم سيظل متبعا للقرآن والتوراة والخطاب للنبى(ص)ومنه للكفار وما بعده له
"فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى فإن لم يردوا عليك فاعرف أنما يطيعون ظنونهم ومن أكفر ممن أطاع ظنه بغير رشاد من الرب إن الرب لا يثيب الناس الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن اليهود إن لم يستجيبوا له والمراد إن لم يحضروا الوحى المطلوب من لدى الله كما طلب منهم فعليه أن يعلم أى يعرف أن الكفار يتبعون أهواءهم أى يطيعون ظنونهم مصداق لقوله بسورة يونس "إن يتبعون إلا الظن "ويبين له أن ليس أضل أى أظلم ممن اتبع هواه بغير علم والمراد من الذى أطاع ظنه بغير هدى أى وحى أى علم من الله مصداق لقوله بسورة الأنعام "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم "ويبين له أنه لا يهدى القوم الظالمين أى أنه لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران "فإن الله لا يحب الكافرين ".
"ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أبلغنا لهم الوحى لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه وصل للناس القول والمراد أبلغ لهم الوحى والسبب فى تبليغه لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة والمراد لعلهم يطيعون القول مؤمنين به والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين "المعنى الذين أعطيناهم الوحى من قبله هم به يصدقون وإذا يبلغ لهم قالوا صدقنا به إنه العدل من إلهنا إنا كنا من قبله مطيعين أولئك يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا أى يمحون بالصالح الفاسد أى من الذى أوحينا لهم يعملون أى إذا علموا الباطل خالفوه وقالوا لنا أفعالنا ولكم أفعالكم خير لكم لا نطيع الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أتاهم الكتاب من قبل القرآن به يؤمنون والمراد أن الذين أوحى لهم الوحى من قبل نزول القرآن هم بالقرآن يصدقون مصداق لقوله بسورة آل عمران"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم "وفسر هذا بأنه إذا يتلى أى يبلغ لهم القرآن قالوا :آمنا به أى صدقنا بالقرآن إنه الحق من ربنا والمراد إنه العدل من عند خالقنا إنا كنا من قبل نزول القرآن مسلمين أى مطيعين لحكم الله السابق ولذا يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا والمراد يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا وهذا يعنى أن الله يعطيهم كفل من رحمته فى الدنيا وهو حكمهم الأرض بحكمه وكفل من رحمته فى القيامة وهو الجنة مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"يؤتكم كفلين من رحمته "وفسر الله صبرهم بأنهم يدرءون بالحسنة السيئة والمراد يذهبون بعمل الصالح عمل الباطل مصداق لقوله بسورة هود"إن الحسنات يذهبن السيئات "وفسر هذا بأنهم مما رزقناهم ينفقون والمراد من الذى أوحى الله لهم يعملون وفسر هذا بأنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه والمراد إذا علموا بالباطل عصوا أحكامه وقالوا للكفار :لنا أعمالنا أى لنا جزاء أفعالنا ولكم أعمالكم أى ولكم جزاء أفعالكم والمراد لنا ديننا ولكم أديانكم التى نحاسب بكل منها بعملنا بها مصداق لقوله بسورة الكافرون "لكم دينكم ولى دين "سلام عليكم أى الخير لكم وهو قول يسخر من الكفار،لا نبتغى الجاهلين أى لا نطيع حكم وهو أديان الكافرين والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين "المعنى إنك لا ترحم من وددت ولكن الرب يرحم من يؤمن وهو أعرف بالمرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لا يهدى من أحب والمراد لا يرحم من يريد أى لا يدخل الجنة من يود ولكن الله يهدى من يشاء والمراد ولكن الرب يرحم أى يدخل الجنة من يؤمن بحكمه مطيعا له والله أعلم بالمهتدين أى المرحومين أى الداخلين الجنة لإيمانهم وطاعتهم حكم الله .
"وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون "المعنى وقالوا إن نطيع الوحى معك نطرد من بلادنا أو لم نخلق لهم مكانا مطمئنا يأتى له منافع كل نوع عطاء من عندنا ولكن أغلبهم لا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا والمراد إن نطيع حكم الله معك نطرد من بلادنا وهذا يعنى أن نتيجة إتباع الحق فى رأيهم هى إصابتهم بالظلم فى بلادهم وهو الطرد منها ويسأل الله أو لم نمكن لهم حرما آمنا والمراد ألم نخلق لهم مكانا حصينا يجبى إليه ثمرات كل شىء والمراد يحضر لهم منافع كل نوع رزقا من لدنا أى عطاء من عندنا ؟والغرض من السؤال هو إخبار المسلمين أن الله وضع فى الأرض مكان منيع لا يظلمون فيه هو مكة التى يأتيها الرزق بكل أنواعه من عند الله ومع هذا تعلل الكفار أن سبب عدم إيمانهم هو عدم وجود أمان فى أرضهم فى حالة إيمانهم ويبين الله لنا أن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يونس "ولكن أكثرهم لا يشكرون "والمراد أنهم لا يطيعون حكم الله .
"وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين "المعنى وكم دمرنا من أهل بلدة رفضت رحمتها فتلك بيوتهم لم تشغل من بعدهم إلا قصيرا وكنا نحن المالكين ،يبين الله لنبيه (ص)أن كم من قرية أهلكها والمراد أن عدد أهالى البلدات التى قصمها أى دمرها الله كبير مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة "والسبب أنها بطرت معيشتها أى رفضت حياتها وهى الجنة فى الآخرة مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت "وإن الدار الآخرة لهى الحيوان "أى المعيشة الحقة وهذا يعنى أنهم كذبوا وحى الله الذى يؤدى بهم للمعيشة الدائمة فتلك مساكنهم وهى بيوتهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا والمراد أنها لم تشغل بالسكان إلا وقتا قصيرا هو وقت الدنيا وكان الله هو الوارث أى المالك لمساكنهم .
"وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا يتلوا عليها آياتنا وما كنا ربك مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون "المعنى وما كان إلهك معذب أهل البلاد حتى يرسل فى أصلها مبعوثا يبلغ لهم أحكامنا وما كنا معذبى أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان مهلك القرى والمراد ما كان معاقب أهل البلاد حتى يبعث فى أمها رسولا والمراد حتى يرسل إلى ناسها مبعوثا مصداق لقوله بسورة الإسراء "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "وهذا الرسول يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه ما كان مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون والمراد ما كان معذب أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون بحكمه وهذا يعنى أن سبب الهلاك هو الظلم أى الكفر والخطاب وما قبله وما قبله للنبى(ص) .
"وما أوتيتم من شىء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون "المعنى والذى أعطيتم من رزق هو نفع المعيشة الأولى أى فائدتها والذى لدى الرب أحسن وأدوم أفلا تفهمون؟ ،يبين الله للناس أن ما أوتوا من شىء والمراد ما أعطوا من رزق فى دنياهم فهو متاع الحياة الدنيا وفسره بأنه زينة الدنيا والمراد نفع المعيشة الأولى وأن ما عند الله خير وأبقى والمراد وأن الذى لدى الرب وهو متاع الجنة هو أفضل من متاع الدنيا وأدوم لأنه لا يفنى ويسألهم أفلا تعقلون أى "أفلا تبصرون "كما قال بسورة القصص والمراد أفلا تطيعون حكم الله والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب طاعة حكم الله والخطاب وما بعده للناس.
"أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين "المعنى هل من أخبرناه خبرا نافعا فهو داخله كما أعطيناه نفع المعيشة الأولى ثم هو يوم البعث من المعذبين ،يسأل الله الناس :أفمن وعدناه وعدا حسنا أى هل من أخبرناه خبرا طيبا وهو دخول الجنة مصداق لقوله بسورة التوبة "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات"فهو لاقيه والمراد فهو داخل الجنة كمن متعناه متاع الحياة الدنيا أى كمن لذذناه بنفع المعيشة الأولى ثم هو يوم القيامة وهو يوم البعث من المحضرين أى "من المعذبين "كما قال بسورة الشعراء وهذا يعنى أن داخل الجنة لا يستوى مع داخل النار وهو العذاب .
"ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون "المعنى ويوم يخاطبهم فيسألهم أين مقاسمى الذين كنتم تعبدون ؟يبين الله لنبيه (ص)أن يوم القيامة يناديهم أى يسأل الكفار على لسان الملائكة فيقول :أين شركاءى أى مقاسمى فى الملك الذين كنتم تزعمون أى تعبدون أى تقولون أنهم شفعاؤكم عندى مصداق لقوله بسورة الشعراء "أين ما كنتم تعبدون "والغرض من السؤال هو إخبارهم أن لا وجود لأى آلهة غير الله
"قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون "المعنى قال الذين صدق فيهم الحديث إلهنا هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا تبنا لك ما كانوا إيانا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين حق عليهم القول والمراد أن الذين صدقت عليهم كلمة العذاب مصداق لقوله بسورة الزمر "أفمن حق عليه كلمة العذاب"قالوا ربنا أى إلهنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا والمراد هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا وهذا يعنى أنهم أبعدوا الناس عن الحق كما أبعدهم عن الحق الذين من قبلهم وهذا معناه أن كل أمة تلقى المسئولية على سابقتها وهذا هو قول الكفار وأما الآلهة التى زعموا وجودها فقد قالوا :تبرأنا إليك والمراد تبنا لك أى أخلصنا لك ما كانوا إيانا يعبدون أى يطيعون وهذا يعنى أن الآلهة المزعومة تنفى أن الكفار كانوا يتبعون إياهم والخطاب للنبى(ص).
"وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون "المعنى وقيل نادوا آلهتكم فنادوهم فلم يردوا عليهم وشاهدوا النار لو أنهم كانوا يعقلون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قال الله لهم على لسان الملائكة :ادعوا شركاءكم والمراد نادوا آلهتكم المزعومة مصداق لقوله بسورة سبأ"ادعوا الذين زعمتم من دون الله "فدعوهم أى فنادوا عليهم لينقذوهم فلم يستجيبوا لهم والمراد لم ينقذوهم من العذاب ورأوا العذاب أى وشاهدوا العقاب والمراد فدخلوا النار لو أنهم كانوا يهتدون أى يعملون بالرشد فى الدنيا ما دخلوا النار والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين"المعنى ويوم يخاطبهم فيقول بماذا رددتم على المبعوثين فأخفيت عليهم الأخبار يومذاك فهم لا يستفهمون ،فأما من أناب أى صدق وفعل حسنا فعسى أن يصبح من المرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فى يوم القيامة ينادى أى يخاطب أى يسأل الله الكفار على لسان الملائكة فيقول :ماذا أجبتم المرسلين أى بماذا رددتم على الأنبياء ؟وفى هذا اليوم عميت عليهم الأنباء أى خفيت عليهم الأخبار والمراد أنهم جهلة بالأحداث فى هذا اليوم ومن ثم فهم لا يتساءلون أى لا يستفهمون عن شىء لأن "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه " كما قال بسورة عبس وأما من تاب أى أناب لدين الله وفسر هذا بأنه آمن أى صدق حكم الله وعمل صالحا أى وفعل حسنا مما فى حكم الله فعسى أن يكون من المفلحين وهم الفائزين بجنة الله مصداق لقوله بسورة مريم "إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ".
"وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون "المعنى وإلهك ينشىء ما يريد ويصطفى ما كان لهم الاختيار ،علا أى ارتفع عن الذى يعبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه يخلق ما يشاء والمراد أن خالقه يبدع ما يريد من الأفراد وهو يختار أى يصطفى منهم من يريد رسولا ،وسبحان أى تعالى الله عما يشركون والمراد أن طاعة الله فضلت أى علت على طاعة الذى يطيعون وهو الآلهة المزعومة فهو من يجب طاعته لكونه الإله الوحيد والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون "المعنى وإلهك يعرف الذى تخفى نفوسهم والذى يبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه وهو خالقه يعلم ما تكن صدور الناس والمراد يدرى الذى تكتم نفوس الناس وما يعلنون وهو الذى يظهرون أى يبدون مصداق لقوله بسورة المائدة "والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ".
"وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فى الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون "المعنى وهو الرب لا رب سواه له الطاعة فى الدنيا والقيامة أى له الملك ولجزاءه تعودون ،يبين الله للناس أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب سوى الله له الحمد أى الطاعة لحكم الرب وفسر هذا بأنه له الحكم وهو الأمر فى الكون مصداق لقوله بسورة الرعد"لله الأمر جميعا "فى الأولى وهى الدنيا وفى الآخرة وهى القيامة ويبين الله للناس أنهم إليه يرجعون أى إليه يقلبون أى يحشرون والمراد يعودون لجزاء الله مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون "وقوله بسورة العنكبوت "وإليه تقلبون" والخطاب للناس.
"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون "المعنى قل أعلمتم إن خلق الرب لكم الليل دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بنور أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس السؤال التالى :أرأيتم أى عرفونى إن جعل الله عليكم الليل وهو الظلام سرمدا أى إن خلق الله لكم الظلام مستمرا إلى يوم القيامة وهى البعث من إله غير الله يأتيكم بضياء والمراد من رب سوى الله يجيئكم بنور ؟أفلا تسمعون أى "أفلا تبصرون "كما قال بالآية التالية أى أفلا تعقلون ؟والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إنارة الليل وأما غيره فلا يقدرون على إنارة الليل بالضوء إذا أراد الليل دائم حتى يوم القيامة وإن الواجب عليهم هو السماع أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.
"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون "المعنى قل عرفونى إن خلق الرب لكم النهار دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بليل ترتاحون فيه أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الناس أرأيتم والمراد أعلمونى إن جعل أى خلق الله لكم النهار سرمدا أى مستمرا من إله غير الله يأتيكم بليل أى يجيئكم بظلام تسكنون أى تنامون أى ترتاحون فيه ؟أفلا تبصرون أى "أفلا تعقلون "كما قال بسورة يس والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إظلام النهار إذا أصبح سرمدا أى مستمرا حتى يوم القيامة وأما غيره فلا يقدرون على هذا إذا أراد الله أن يكون النهار دائما وعليه فالله وحده هو القادر على إظلام النهار حتى يسكن أى يرتاح الناس وإن الواجب عليهم هو البصر أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه .
"ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون "المعنى ومن نفعه خلق لكم الليل والنهار لترتاحوا فيه ولتطلبوا من رزقه ولعلكم تطيعون ،يبين الله للناس أن من رحمته وهى نفعه لهم أن جعل أى خلق لهم الليل ليسكنوا فيه والمراد ليرتاحوا فيه وخلق النهار ليبتغوا من فضله والمراد ليطلبوا فيه من رزق الله وقد خلق الليل والنهار لعل الناس يشكرون أى "لعلكم تذكرون "كما قال بسورة النور والمراد لعلهم يطيعون حكم الله والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.