سورة الملك
سميت بهذا الاسم لذكر كلمة الملك بقوله"تبارك الذى بيده الملك".
"بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شىء قدير "المعنى بحكم الرب النافع المفيد دام الذى بأمره الحكم وهو لكل أمر فاعل ،يبين الله للناس أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو تبارك الذى بيده الملك والمراد دام جزاء الذى بإرادته الحكم وهذا يعنى دوام جزاء الله الذى يحكم كل شىء بإرادته وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد " والخطاب للإنسان.
"الذى خلق سبع سموات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير"المعنى الذى أنشأ سبع سموات متتالية ما تشهد فى إنشاء النافع من اختلاف فأعد النظر هل تعلم من تباين ثم أعد النظر مرتين يعد لك النظر مثبتا وهو كاشف ،يبين الله للإنسان أن الله هو الذى خلق أى أنشأ أى أبدع سبع سموات طباقا أى طرائق أى متتالية تحت بعضها ،ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت والمراد لا تشاهد فى إنشاء النافع من فطور أى اختلاف والمراد فساد أى انحراف ويطلب الله من الإنسان أن يرجع البصر هل يرى من فطور والمراد أن يعيد النظر وهو الفكر فى الكون هل يعلم من تباين أى فساد فيه؟ويطلب منه أن يرجع البصر كرتين والمراد أن يعيد النظر وهو الفكر مرتين فى إنشاء الكون والسبب أن يعلم النتيجة التالية أن ينقلب البصر إليه خاسئا وهو حسير والمراد يعود الفكر له مقيما وهو كاشف للحقيقة أى مثبتا لنفس الحقيقة وهى أن لا فساد فى الكون .
"ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير "المعنى ولقد جملنا السماء القريبة بكواكب وخلقناها محرقة للمردة وجهزنا لهم عقاب النار،يبين الله للناس أنه قد زين السماء الدنيا بمصابيح والمراد قد جمل السماء القريبة للأرض بزينة الكواكب وهى النجوم مصداق لقوله بسورة الصافات"إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"وجعلناها رجوما للشياطين والمراد وخلقناها محرقة للجن المارد وهو المتسمع أخبار الغيب مصداق لقوله بسورة الصافات"وحفظا من كل شيطان مارد"وأعتدنا لهم عذاب السعير والمراد وجهزنا لهم عقاب النار بعد الهلاك بشهب المصابيح والخطاب للناس.
"وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهى تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شىء إن أنتم إلا فى ضلال كبير "المعنى وللذين كذبوا بخالقهم عقاب النار وساء المقام إذا دخلوا فيها علموا لها ألما وهى تغلى تريد تقطع من الغضب كلما أدخلت أمة قال لهم حراسها ألم يجئكم مبلغ قالوا بلى أتانا مبلغ فكفرنا وقلنا ما أوحى الرب من وحى إن أنتم إلا فى كذب عظيم،يبين الله للنبى(ص) أن للذين كفروا بربهم وهم الذين كذبوا بحكم إلههم عذاب جهنم وهو عقاب النار وبئس المصير أى وقبح المرجع والمراد وساء المستقر مصداق لقوله بسورة الكهف"إنها ساءت مستقرا ومقاما"وهم إذا ألقوا فيها والمراد إذا دخلوا فى أرضها سمعوا لها شهيقا أى علموا لها تغيظا مصداق لقوله بسورة الفرقان"سمعوا لها تغيظا "والمراد علموا أن لها غضبا هو الألم النازل بهم وهى تفور تكاد تميز من الغيظ والمراد وهى تغلى تهم تتقطع من الغضب وهذا يعنى أن غضبها شديد الألم لهم وكلما ألقى فيها فوج والمراد وكلما دخل فيها جمع من الكفار سألهم خزنتها والمراد استفهم منهم حراسها :ألم يأتكم نذير والمراد هل لم يحضر لكم مبلغ لحكم الله فيقولوا مجيبين :بلى قد جاءنا نذير والمراد بلى قد أتانا مبلغ للوحى فكذبنا والمراد فكفرنا برسالته وقلنا ما نزل الله من شىء والمراد ما أوحى الرب من حكم للناس إن أنتم إلا فى ضلال كبير والمراد إن أنتم إلا فى افتراء عظيم على الله وهذا يعنى أنهم اتهموا الرسل بالضلال وهو إفتراء الكذب على الله والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير "المعنى وقالوا لو كنا نفقه أى نطيع ما كنا فى أهل النار فأقروا بكفرهم فويل لأهل النار ،يبين الله للنبى(ص) أن الكفار يقولون فى النار :لو كنا نسمع أى نعقل ما كنا فى أصحاب السعير والمراد لو كنا نتبع الوحى أى نطيع حكم الله ما كنا فى أهل النار ،فاعترفوا بذنبهم والمراد فأقروا أى فشهدوا بكفرهم وهو عدم عقلهم مصداق لقوله بسورة الأنعام" فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين "فسحقا لأصحاب السعير والمراد فويل لأهل النار.
"إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور "المعنى إن الذين يخافون خالقهم بالخفاء لهم رحمة أى ثواب عظيم أخفوا حديثكم أو أعلنوه إنه عارف بنية النفوس،يبين الله للناس أن الذين يخشون ربهم بالغيب وهم الذين يخافون عذاب خالقهم بالخفاء والمراد وهو خفى عنهم مصداق لقوله بسورة الإسراء"ويخافون عذابه"لهم مغفرة أى رحمة وفسرها بأنها أجر كبير والمراد ثواب عظيم هو الجنة مصداق لقوله بسورة المائدة"لهم مغفرة وأجر عظيم "،ويطلب من الناس التالى بقوله وأسروا قولكم أو اجهروا به والمراد وأخفوا حديثكم أو أظهروه إنه عليم بذات الصدور والمراد إنه خبير بنية وهى ما فى النفوس مصداق لقوله بسورة البقرة "واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم"والغرض من القول هو إخبارهم بعلم الله لكل شىء فى الخفاء والعلن حتى يخافوا من علمه حتى لا يعاقبهم والخطاب للناس وما بعده
"ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "المعنى ألا يعرف من أنشأ وهو العليم العارف ؟يسأل الله ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير والمراد ألا يعرف من أبدع وهو المحيط العليم؟والغرض من السؤال إخبار الناس أنه يعرف كل شىء عن كل مخلوق خلقه .
"هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور "المعنى هو الذى خلق لكم الأرض مهادا فسيروا فى بلادها وخذوا من نفعه وإليه القيام ،يبين الله للناس أنه هو الذى جعل أى خلق لهم الأرض ذلولا أى ممهدة أى مفروشة أى معدة لنفعهم مصداق لقوله بسورة البقرة "الذى جعل لكم الأرض فراشا"فامشوا فى مناكبها والمراد فانتشروا فى نواحى الأرض وكلوا من رزقه والمراد وابتغوا أى وخذوا من نفعه وهو فضله المعد لكم مصداق لقوله بسورة الجمعة "فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله"وإليه النشور والمراد وإلى جزاء الله البعث وهو الرجوع مصداق لقوله بسورة العلق "إن إلى ربك الرجعى ".
"أأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هى تمور أم أمنتم من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف كان نذير "المعنى أأستحلتم إله من فى السماء أن يزلزل بكم اليابس فإذا هى تتحرك ؟هل استحلتم إله من فى السماء أن يبعث لكم حجارة فستعرفون كيف كان عقاب ؟يسأل الله الكفار أأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض والمراد أأستبعدتم رب من فى السماء أن يزلزل بكم جانب البر مصداق لقوله بسورة الإسراء"أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر"فإذا هى تمور أى تتحرك مهلكة لكم ؟أم أمنتم من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا والمراد هل استبعدتم رب من فى السماء أن يبعث لكم حجارة مهلكة ؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أن جعلهم الخسف والحاصب شىء مستحيل الوقوع من رب كل من فى السماء هو وهم وخداع لأنفسهم ولذا يقول فستعلمون كيف كان نذير والمراد فستعرفون "فكيف كان عقاب"كما قال بسورة غافر والمراد سيدرون بعقاب الله وقت نزوله عليهم والخطاب للكفار .
"ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير "المعنى ولقد كفر الذين سبقوهم فكيف كان عقاب؟يبين الله للمؤمنين أن الذين من قبلهم وهم من سبقوهم فى الوجود الزمنى قد كذبوا أى كفروا بحكم الله فكيف كان نكير أى "فكيف كان عقاب"كما قال بسورة غافر والمراد من السؤال إخبارنا وإياهم أن عقاب المكذبين كان عظيما حتى نتخذ العبرة مما حدث لهم والخطاب للمؤمنين .
"أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شىء بصير "المعنى هل لم يعلموا بالطير أعلاهم صفوف ويطرن ما يبقيهن إلا النافع إنه بكل أمر عليم،يسأل الله أو لم يعلموا إلى الطير فوقهم صافات والمراد ألم يدروا بالطير أعلاهم مجموعات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن والمراد ويطرن فى الجو ما يبقيهن فى الجو إلا قدرة النافع ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار عرفوا أن الله هو الذى أعطى الطير القدرة على البقاء فى جو السماء مدد متفاوتة ومع هذا لم يعرفوا من هذا وجوب طاعة حكمه وحده ويبين لنا أنه بكل شىء بصير والمراد أنه بكل أمر عليم مصداق لقوله بسورة العنكبوت"إن الله بكل شىء عليم"والخطاب للمؤمنين .
"أمن هذا الذى هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا فى غرور أمن هذا الذى يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا فى عتو ونفور "المعنى أمن هذا الذى هو ناصر لكم ينجيكم من سوى النافع ؟إن المكذبون إلا فى ضلال ،أمن هذا الذى يعطيكم إن منع نفعه ؟لقد استمروا فى كفر أى تكذيب،يسأل الله الكفار أمن والمراد من هو الذى هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن والمراد من هو الذى هو منقذ لكم ينقذكم من غير النافع وهو الله ؟والغرض من السؤال إخبارهم أن لا منجى لهم من عذابه سواه ويبين أن الكافرون وهم المكذبون بحكم الله فى غرور أى ضلال أى خداع لأنفسهم ،ويسأل أمن هذا الذى يرزقكم إن أمسك رزقه والمراد من هو هذا الذى ينفعكم إن منع الله نفعه عنكم ؟والغرض من السؤال إخبارهم أن لا رازق سوى الله ويبين لنا أنهم لجوا فى عتو والمراد استمروا فى كفر وفسره بأنه نفور أى تكذيب لحكم الله والخطاب للناس وما بعده.
"أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أمن يمشى سويا على صراط مستقيم "المعنى هل من يسير مسيئا إلى نفسه أرشد أمن يسير مطيعا لطريق عادل؟يسأل الله الناس أفمن يمشى مكبا على وجهه والمراد هل من يعمل مسيئا إلى مصلحته أفضل جزاء أمن يمشى سويا على صراط مستقيم والمراد أم من يعمل مطيعا لدين سليم ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن المطيع للدين العادل أفضل أجرا من المكب المسيىء لنفسه .
"قل هو الذى أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون "المعنى قل هو الذى أبدعكم و خلق لكم النفس أى القلوب أى الصدور قليلا ما تطيعون حكمه ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس الله هو الذى أنشأكم أى "هو الذى خلقكم "كما قال بسورة الأعراف وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة والمراد ووضع فيكم النفوس أى القلوب أى الصدور لتشكروا ولكن قليلا ما تشكرون والمراد ولكن عددا قليلا منكم من يطيعون حكم الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"قل هو الذى ذرأكم فى الأرض وإليه تحشرون "المعنى قل هو الذى خلقكم فى الأرض وإليه تعودون،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس هو الذى ذرأكم فى الأرض والمراد هو الذى خلقكم من الأرض وإليه تحشرون والمراد"وإليه ترجعون"كما قال بسورة فصلت والمراد وإلى جزاء الله تعودون والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين "المعنى ويسألون متى هذا البعث إن كنتم محقين قل إنما المعرفة لدى الرب وإنما أنا مبلغ أمين ،يبين الله لنا أن الكفار يقولون للنبى (ص)متى هذا الوعد وهو الفتح أى البعث كما قال بسورة السجدة "متى هذا الفتح"إن كنتم صادقين أى إن كنتم عادلين فى قولكم بوقوعه؟وهذا يعنى أنهم يريدون معرفة الموعد تحديدا وهو ما لا يفيدهم ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم :إنما العلم وهو معرفة اليوم تحديدا عند الله وإنما أنا نذير مبين والمراد وإنما أنا مبلغ أمين لوحى الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذى كنتم به تدعون "المعنى فلما شهدوه واقعا حزنت نفوس الذين كذبوا وقيل هذا الذى كنتم به تكذبون،يبين الله للنبى (ص)أن الكفار لما رأوه والمراد لما شاهدوا العذاب زلفة أى واقعا أمامهم سيئت وجوه الذين كفروا أى اسودت والمراد حزنت نفوس الذين كذبوا بحكم الله وقالت لهم الملائكة هذا الذى كنتم به تدعون أى تكذبون فى الدنيا مصداق لقوله بسورة الطور"هذه النار التى كنتم بها تكذبون " والخطاب للنبى(ص)ومحذوف ما قبله .
"قل أرايتم إن أهلكنى الله ومن معى أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم "المعنى قل أعرفتم إن عذبنى الرب ومن ناصرنى أو أنقذنا فمن يمنع عن المكذبين عقاب شديد ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول أرأيتم إن أهلكنى الله ومن معى أو رحمنا والمراد أعلمتم إن عاقبنى الرب ومن آمن بى أو نصرنا أى نفعنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم والمراد فمن يمسك عن المكذبين بحكم الله عقاب الله المهين ؟والغرض من السؤال إخبار الكفار أن لا منقذ للكفار من عذاب الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو فى ضلال مبين "المعنى قل هو النافع صدقنا به وبه احتمينا فستعرفون من هو فى عذاب عظيم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يجيب على سؤال الآية السابقة :فمن يجير الكافرين من عذاب أليم؟بقوله هو الرحمن أى النافع آمنا به أى صدقنا بحكمه وعليه توكلنا والمراد وبطاعة حكمه احتمينا من العذاب فستعلمون من هو فى ضلال مبين والمراد فستعرفون من هو فى عذاب كبير ومن هو فى الجنة والخطاب للنبى(ص)وما بعده للناس
"قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين "المعنى قل أعلمتم إن أصبح شرابكم بعيدا فمن يجيئكم بماء متدفق ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للكفار أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا والمراد أعرفتم إن أصبح شرابكم بعيدا عن متناول أيديكم فمن يأتيكم بماء معين والمراد فمن يجيئكم بشراب متدفق والغرض من القول إخبارهم أن الله وحده هو القادر على مدهم بالمياه .
سميت بهذا الاسم لذكر كلمة الملك بقوله"تبارك الذى بيده الملك".
"بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شىء قدير "المعنى بحكم الرب النافع المفيد دام الذى بأمره الحكم وهو لكل أمر فاعل ،يبين الله للناس أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو تبارك الذى بيده الملك والمراد دام جزاء الذى بإرادته الحكم وهذا يعنى دوام جزاء الله الذى يحكم كل شىء بإرادته وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد " والخطاب للإنسان.
"الذى خلق سبع سموات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير"المعنى الذى أنشأ سبع سموات متتالية ما تشهد فى إنشاء النافع من اختلاف فأعد النظر هل تعلم من تباين ثم أعد النظر مرتين يعد لك النظر مثبتا وهو كاشف ،يبين الله للإنسان أن الله هو الذى خلق أى أنشأ أى أبدع سبع سموات طباقا أى طرائق أى متتالية تحت بعضها ،ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت والمراد لا تشاهد فى إنشاء النافع من فطور أى اختلاف والمراد فساد أى انحراف ويطلب الله من الإنسان أن يرجع البصر هل يرى من فطور والمراد أن يعيد النظر وهو الفكر فى الكون هل يعلم من تباين أى فساد فيه؟ويطلب منه أن يرجع البصر كرتين والمراد أن يعيد النظر وهو الفكر مرتين فى إنشاء الكون والسبب أن يعلم النتيجة التالية أن ينقلب البصر إليه خاسئا وهو حسير والمراد يعود الفكر له مقيما وهو كاشف للحقيقة أى مثبتا لنفس الحقيقة وهى أن لا فساد فى الكون .
"ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير "المعنى ولقد جملنا السماء القريبة بكواكب وخلقناها محرقة للمردة وجهزنا لهم عقاب النار،يبين الله للناس أنه قد زين السماء الدنيا بمصابيح والمراد قد جمل السماء القريبة للأرض بزينة الكواكب وهى النجوم مصداق لقوله بسورة الصافات"إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"وجعلناها رجوما للشياطين والمراد وخلقناها محرقة للجن المارد وهو المتسمع أخبار الغيب مصداق لقوله بسورة الصافات"وحفظا من كل شيطان مارد"وأعتدنا لهم عذاب السعير والمراد وجهزنا لهم عقاب النار بعد الهلاك بشهب المصابيح والخطاب للناس.
"وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهى تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شىء إن أنتم إلا فى ضلال كبير "المعنى وللذين كذبوا بخالقهم عقاب النار وساء المقام إذا دخلوا فيها علموا لها ألما وهى تغلى تريد تقطع من الغضب كلما أدخلت أمة قال لهم حراسها ألم يجئكم مبلغ قالوا بلى أتانا مبلغ فكفرنا وقلنا ما أوحى الرب من وحى إن أنتم إلا فى كذب عظيم،يبين الله للنبى(ص) أن للذين كفروا بربهم وهم الذين كذبوا بحكم إلههم عذاب جهنم وهو عقاب النار وبئس المصير أى وقبح المرجع والمراد وساء المستقر مصداق لقوله بسورة الكهف"إنها ساءت مستقرا ومقاما"وهم إذا ألقوا فيها والمراد إذا دخلوا فى أرضها سمعوا لها شهيقا أى علموا لها تغيظا مصداق لقوله بسورة الفرقان"سمعوا لها تغيظا "والمراد علموا أن لها غضبا هو الألم النازل بهم وهى تفور تكاد تميز من الغيظ والمراد وهى تغلى تهم تتقطع من الغضب وهذا يعنى أن غضبها شديد الألم لهم وكلما ألقى فيها فوج والمراد وكلما دخل فيها جمع من الكفار سألهم خزنتها والمراد استفهم منهم حراسها :ألم يأتكم نذير والمراد هل لم يحضر لكم مبلغ لحكم الله فيقولوا مجيبين :بلى قد جاءنا نذير والمراد بلى قد أتانا مبلغ للوحى فكذبنا والمراد فكفرنا برسالته وقلنا ما نزل الله من شىء والمراد ما أوحى الرب من حكم للناس إن أنتم إلا فى ضلال كبير والمراد إن أنتم إلا فى افتراء عظيم على الله وهذا يعنى أنهم اتهموا الرسل بالضلال وهو إفتراء الكذب على الله والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير "المعنى وقالوا لو كنا نفقه أى نطيع ما كنا فى أهل النار فأقروا بكفرهم فويل لأهل النار ،يبين الله للنبى(ص) أن الكفار يقولون فى النار :لو كنا نسمع أى نعقل ما كنا فى أصحاب السعير والمراد لو كنا نتبع الوحى أى نطيع حكم الله ما كنا فى أهل النار ،فاعترفوا بذنبهم والمراد فأقروا أى فشهدوا بكفرهم وهو عدم عقلهم مصداق لقوله بسورة الأنعام" فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين "فسحقا لأصحاب السعير والمراد فويل لأهل النار.
"إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور "المعنى إن الذين يخافون خالقهم بالخفاء لهم رحمة أى ثواب عظيم أخفوا حديثكم أو أعلنوه إنه عارف بنية النفوس،يبين الله للناس أن الذين يخشون ربهم بالغيب وهم الذين يخافون عذاب خالقهم بالخفاء والمراد وهو خفى عنهم مصداق لقوله بسورة الإسراء"ويخافون عذابه"لهم مغفرة أى رحمة وفسرها بأنها أجر كبير والمراد ثواب عظيم هو الجنة مصداق لقوله بسورة المائدة"لهم مغفرة وأجر عظيم "،ويطلب من الناس التالى بقوله وأسروا قولكم أو اجهروا به والمراد وأخفوا حديثكم أو أظهروه إنه عليم بذات الصدور والمراد إنه خبير بنية وهى ما فى النفوس مصداق لقوله بسورة البقرة "واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم"والغرض من القول هو إخبارهم بعلم الله لكل شىء فى الخفاء والعلن حتى يخافوا من علمه حتى لا يعاقبهم والخطاب للناس وما بعده
"ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "المعنى ألا يعرف من أنشأ وهو العليم العارف ؟يسأل الله ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير والمراد ألا يعرف من أبدع وهو المحيط العليم؟والغرض من السؤال إخبار الناس أنه يعرف كل شىء عن كل مخلوق خلقه .
"هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور "المعنى هو الذى خلق لكم الأرض مهادا فسيروا فى بلادها وخذوا من نفعه وإليه القيام ،يبين الله للناس أنه هو الذى جعل أى خلق لهم الأرض ذلولا أى ممهدة أى مفروشة أى معدة لنفعهم مصداق لقوله بسورة البقرة "الذى جعل لكم الأرض فراشا"فامشوا فى مناكبها والمراد فانتشروا فى نواحى الأرض وكلوا من رزقه والمراد وابتغوا أى وخذوا من نفعه وهو فضله المعد لكم مصداق لقوله بسورة الجمعة "فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله"وإليه النشور والمراد وإلى جزاء الله البعث وهو الرجوع مصداق لقوله بسورة العلق "إن إلى ربك الرجعى ".
"أأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هى تمور أم أمنتم من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف كان نذير "المعنى أأستحلتم إله من فى السماء أن يزلزل بكم اليابس فإذا هى تتحرك ؟هل استحلتم إله من فى السماء أن يبعث لكم حجارة فستعرفون كيف كان عقاب ؟يسأل الله الكفار أأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض والمراد أأستبعدتم رب من فى السماء أن يزلزل بكم جانب البر مصداق لقوله بسورة الإسراء"أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر"فإذا هى تمور أى تتحرك مهلكة لكم ؟أم أمنتم من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا والمراد هل استبعدتم رب من فى السماء أن يبعث لكم حجارة مهلكة ؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أن جعلهم الخسف والحاصب شىء مستحيل الوقوع من رب كل من فى السماء هو وهم وخداع لأنفسهم ولذا يقول فستعلمون كيف كان نذير والمراد فستعرفون "فكيف كان عقاب"كما قال بسورة غافر والمراد سيدرون بعقاب الله وقت نزوله عليهم والخطاب للكفار .
"ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير "المعنى ولقد كفر الذين سبقوهم فكيف كان عقاب؟يبين الله للمؤمنين أن الذين من قبلهم وهم من سبقوهم فى الوجود الزمنى قد كذبوا أى كفروا بحكم الله فكيف كان نكير أى "فكيف كان عقاب"كما قال بسورة غافر والمراد من السؤال إخبارنا وإياهم أن عقاب المكذبين كان عظيما حتى نتخذ العبرة مما حدث لهم والخطاب للمؤمنين .
"أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شىء بصير "المعنى هل لم يعلموا بالطير أعلاهم صفوف ويطرن ما يبقيهن إلا النافع إنه بكل أمر عليم،يسأل الله أو لم يعلموا إلى الطير فوقهم صافات والمراد ألم يدروا بالطير أعلاهم مجموعات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن والمراد ويطرن فى الجو ما يبقيهن فى الجو إلا قدرة النافع ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار عرفوا أن الله هو الذى أعطى الطير القدرة على البقاء فى جو السماء مدد متفاوتة ومع هذا لم يعرفوا من هذا وجوب طاعة حكمه وحده ويبين لنا أنه بكل شىء بصير والمراد أنه بكل أمر عليم مصداق لقوله بسورة العنكبوت"إن الله بكل شىء عليم"والخطاب للمؤمنين .
"أمن هذا الذى هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا فى غرور أمن هذا الذى يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا فى عتو ونفور "المعنى أمن هذا الذى هو ناصر لكم ينجيكم من سوى النافع ؟إن المكذبون إلا فى ضلال ،أمن هذا الذى يعطيكم إن منع نفعه ؟لقد استمروا فى كفر أى تكذيب،يسأل الله الكفار أمن والمراد من هو الذى هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن والمراد من هو الذى هو منقذ لكم ينقذكم من غير النافع وهو الله ؟والغرض من السؤال إخبارهم أن لا منجى لهم من عذابه سواه ويبين أن الكافرون وهم المكذبون بحكم الله فى غرور أى ضلال أى خداع لأنفسهم ،ويسأل أمن هذا الذى يرزقكم إن أمسك رزقه والمراد من هو هذا الذى ينفعكم إن منع الله نفعه عنكم ؟والغرض من السؤال إخبارهم أن لا رازق سوى الله ويبين لنا أنهم لجوا فى عتو والمراد استمروا فى كفر وفسره بأنه نفور أى تكذيب لحكم الله والخطاب للناس وما بعده.
"أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أمن يمشى سويا على صراط مستقيم "المعنى هل من يسير مسيئا إلى نفسه أرشد أمن يسير مطيعا لطريق عادل؟يسأل الله الناس أفمن يمشى مكبا على وجهه والمراد هل من يعمل مسيئا إلى مصلحته أفضل جزاء أمن يمشى سويا على صراط مستقيم والمراد أم من يعمل مطيعا لدين سليم ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن المطيع للدين العادل أفضل أجرا من المكب المسيىء لنفسه .
"قل هو الذى أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون "المعنى قل هو الذى أبدعكم و خلق لكم النفس أى القلوب أى الصدور قليلا ما تطيعون حكمه ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس الله هو الذى أنشأكم أى "هو الذى خلقكم "كما قال بسورة الأعراف وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة والمراد ووضع فيكم النفوس أى القلوب أى الصدور لتشكروا ولكن قليلا ما تشكرون والمراد ولكن عددا قليلا منكم من يطيعون حكم الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"قل هو الذى ذرأكم فى الأرض وإليه تحشرون "المعنى قل هو الذى خلقكم فى الأرض وإليه تعودون،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس هو الذى ذرأكم فى الأرض والمراد هو الذى خلقكم من الأرض وإليه تحشرون والمراد"وإليه ترجعون"كما قال بسورة فصلت والمراد وإلى جزاء الله تعودون والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين "المعنى ويسألون متى هذا البعث إن كنتم محقين قل إنما المعرفة لدى الرب وإنما أنا مبلغ أمين ،يبين الله لنا أن الكفار يقولون للنبى (ص)متى هذا الوعد وهو الفتح أى البعث كما قال بسورة السجدة "متى هذا الفتح"إن كنتم صادقين أى إن كنتم عادلين فى قولكم بوقوعه؟وهذا يعنى أنهم يريدون معرفة الموعد تحديدا وهو ما لا يفيدهم ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم :إنما العلم وهو معرفة اليوم تحديدا عند الله وإنما أنا نذير مبين والمراد وإنما أنا مبلغ أمين لوحى الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذى كنتم به تدعون "المعنى فلما شهدوه واقعا حزنت نفوس الذين كذبوا وقيل هذا الذى كنتم به تكذبون،يبين الله للنبى (ص)أن الكفار لما رأوه والمراد لما شاهدوا العذاب زلفة أى واقعا أمامهم سيئت وجوه الذين كفروا أى اسودت والمراد حزنت نفوس الذين كذبوا بحكم الله وقالت لهم الملائكة هذا الذى كنتم به تدعون أى تكذبون فى الدنيا مصداق لقوله بسورة الطور"هذه النار التى كنتم بها تكذبون " والخطاب للنبى(ص)ومحذوف ما قبله .
"قل أرايتم إن أهلكنى الله ومن معى أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم "المعنى قل أعرفتم إن عذبنى الرب ومن ناصرنى أو أنقذنا فمن يمنع عن المكذبين عقاب شديد ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول أرأيتم إن أهلكنى الله ومن معى أو رحمنا والمراد أعلمتم إن عاقبنى الرب ومن آمن بى أو نصرنا أى نفعنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم والمراد فمن يمسك عن المكذبين بحكم الله عقاب الله المهين ؟والغرض من السؤال إخبار الكفار أن لا منقذ للكفار من عذاب الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو فى ضلال مبين "المعنى قل هو النافع صدقنا به وبه احتمينا فستعرفون من هو فى عذاب عظيم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يجيب على سؤال الآية السابقة :فمن يجير الكافرين من عذاب أليم؟بقوله هو الرحمن أى النافع آمنا به أى صدقنا بحكمه وعليه توكلنا والمراد وبطاعة حكمه احتمينا من العذاب فستعلمون من هو فى ضلال مبين والمراد فستعرفون من هو فى عذاب كبير ومن هو فى الجنة والخطاب للنبى(ص)وما بعده للناس
"قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين "المعنى قل أعلمتم إن أصبح شرابكم بعيدا فمن يجيئكم بماء متدفق ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للكفار أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا والمراد أعرفتم إن أصبح شرابكم بعيدا عن متناول أيديكم فمن يأتيكم بماء معين والمراد فمن يجيئكم بشراب متدفق والغرض من القول إخبارهم أن الله وحده هو القادر على مدهم بالمياه .