"ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادى فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى "المعنى ولقد ألقينا لموسى (ص)أن أخرج بخلقى فاصنع لهم سبيلا فى الماء جافا لا تخشى لحاقا ولا ترهب ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله أوحى أى ألقى أى قال لموسى (ص)أن أسر بعبادى أى أن اخرج ببنى إسرائيل ليلا مصداق لقوله بسورة الدخان"فأسر بعبادى ليلا"فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا والمراد فإصنع بعصاك سبيلا لهم فى اليم جافا مصداق لقوله بسورة الشعراء"أن اضرب بعصاك البحر"لا تخاف دركا أى لا تخشى والمراد لا ترهب لحاقا منهم،وهذا يعنى أن يصنع للقوم سبيل لسيرهم عن طريق ضرب البحر بالعصا وعليه ألا يخاف من لحاق العدو بهم فهم لن يلحقوا بهم .
"فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى "المعنى فذهب فرعون بعسكره فأصابهم من البحر الذى أهلكهم وأهلك فرعون شعبه أى ما رحم ،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون أتبعهم بجنوده أى خرج خلفهم بجيشه فكانت النتيجة أن غشيهم من اليم ما غشيهم والمراد أن أصابهم من البحر الذى أهلكهم وهو الغرق مصداق لقوله بسورة الزخرف"فأغرقناهم أجمعين"ويبين له أن فرعون أضل قومه أى أهلك شعبه وفسر هذا بأنه ما هدى أى ما رحم والمراد ما جلب لهم السعادة .
"يا بنى إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى وإنى لغفار لمن تاب وأمن وعمل صالحا ثم اهتدى "المعنى يا أولاد يعقوب قد أنقذناكم من كارهكم وواقتناكم ناحية الجبل الأيمن وأعطينا لكم المن أى الطائر اطعموا من منافع ما أعطيناكم ولا تظلموا فيه فينزل عليكم عقابى ومن ينزل عليه عقابى فقد خسر وإنى لتواب على من عاد أى صدق وصنع حسنا أى رشد ،يبين الله لنبيه(ص)أنه خاطب القوم فقال:يا بنى إسرائيل أى يا أولاد يعقوب :قد أنجيناكم من عدوكم والمراد قد أنقذناكم من عذاب كارهكم مصداق لقوله بسورة الدخان"ولقد نجينا بنى إسرائيل من العذاب المهين"وواعدناكم الطور الأيمن أى وواقتناكم ناحية الجبل الأيمن وهذا يعنى أنه حدد لكلامهم ناحية جبل الطور الأيمن ،ونزلنا عليكم المن أى وأعطينا لكم السلوى وهى طائر لحمه لذيذ عند بعض الناس ،كلوا من طيبات ما رزقناكم أى اعملوا من أحاسن ما أوحينا لكم والمراد أطيعوا أفضل أحكام الوحى ولا تطغوا فيه أى ولا تخالفوا الوحى متبعين خطوات الشيطان مصداق لقوله بسورة الأنعام"كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان "فيحل عليكم غضبى أى فينزل بكم سخطى أى يكون نصيبكم عقابى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى أى ومن ينزل به سخطى فقد خسر مصداق لقوله بسورة النساء"فقد خسر خسرانا مبينا "وإنى لغفار لمن تاب والمراد وإنى نافع لمن عاد لدينى أى أمن أى صدق وحيى وعمل صالحا أى وفعل حسنا وفسر هذا بقوله اهتدى أى رشد أى فعل الحق .
"وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثرى وعجلت إليك ربى لترضى "المعنى وما أبعدك عن شعبك يا موسى (ص)قال هم هؤلاء على دربى وأسرعت إلهى لتقبلنى ،يبين الله لنبيه(ص)أنه سأل موسى (ص)ما أعجلك عن قومك أى ما السبب فى سرعة تركك لشعبك يا موسى (ص)؟والغرض من السؤال هو إخباره بما حدث بعد رحيله فأجاب :هم أولاء على أثرى والمراد أنهم هؤلاء على دينى وهذا يعنى أن السبب هو اتباع الشعب لدين موسى(ص)وقال وعجلت إليك ربى لترضى أى وأسرعت لك إلهى لتقبل ،وهذا يعنى أن السبب الثانى هو رغبة موسى (ص)فى رضا الله عنه .
"قال فإنا فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى "المعنى قال فإنا قد ابتلينا شعبك من بعدك أى أسقطهم السامرى ،يبين الله لنبيه(ص) أنه قال لموسى (ص):فإنا قد فتنا أى أبعدنا أهلك من بعدك عن الحق أى أهلكهم السامرى ،وهذا يعنى أن هناك شخص يدعى السامرى فى بنى إسرائيل قد جعلهم يكفرون بالله .
"فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدى "المعنى فعاد موسى (ص)إلى شعبه ثائرا حزينا قال يا شعبى ألم يخبركم خالقكم خبرا طيبا فهل بعد عليكم الميثاق أم أحببتم أن ينزل بكم عقاب من إلهكم فعصيتم أمرى ؟ يبين الله لنبيه(ص) أن موسى (ص) رجع أى عاد إلى قومه بعد الميقات وهو غضبان أى أسف والمراد ثائر حزين فقال لهم :يا قوم أى يا شعبى :ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا والمراد هل لم يخبركم إلهكم خبرا طيبا هو النصر دنيا وأخرة ؟والغرض من السؤال هو إخبار بنى إسرائيل أن الله وعدهم بالثواب فى الدنيا والأخرة فى الميثاق ثم سألهم أفطال عليكم العهد أى هل بعد عليكم الميثاق أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم أى أم شئتم أن ينزل بكم عذاب من خالقكم فأخلفتم موعدى أى فعصيتم أمرى ؟والغرض من السؤال هو إخبار بنى إسرائيل أن السبب فى مخالفتهم لأمره هو أمر من اثنين الأول طول العهد عليهم أى بعد الثواب عليهم فى الميثاق والثانى إرادتهم أن يبعث الله عليهم عذاب من عنده.
"قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامرى "المعنى قالوا ما عصينا أمرك بمالنا ولكنا أخذنا أحمالا من ذهب القوم فجمعناهم فهكذا قال السامرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن بنى إسرائيل قالوا ردا على سؤال موسى (ص):ما أخلفنا موعدك بملكنا أى ما عصينا أمرك بمالنا ،وهذا يعنى أنهم ينفون أنهم قد نكثوا عهدهم معه بمالهم وقالوا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها والمراد ولكنا أخذنا حليا من ذهب القوم فجمعناها مصداق لقوله بسورة الأعراف"من حليهم عجلا جسدا"،وهذا يعنى أن القوم قد أخذوا من قوم فرعون أحمال من الذهب فجمعوها لصناعة العجل وقال فكذلك ألقى السامرى أى فهكذا قال السامرى ،وهذا يعنى أن السامرى هو الذى أشار عليهم بجمع الذهب لصناعة العجل الذى سيعبدونه .
"فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا "المعنى فصنع لهم عجلا ذهبا له صوت فقالوا هذا ربكم ورب موسى (ص)فمتروك أفلا يعلمون ألا يشرع لهم حكما ولا يقدر لهم على أذى ولا فائدة ،يبين الله لنبيه (ص)أن السامرى أخرج لهم عجلا جسدا له خوار والمراد صنع لهم من أثقال الذهب عجلا ذهبيا له صوت يخرج منه فقالوا لبعضهم :هذا إلهكم أى هذا ربكم وإله أى ورب موسى (ص)فنسى أى فمتروك لا يطاع ويسأل الله أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا والمراد هل لا يعلمون ألا يتكلم معهم كلاما مصداق لقوله بسورة الأعراف"ألم يروا أنه لا يكلمهم "ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا والمراد ولا يقدر لهم على أذى أو نفع ؟ والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن العجل لا يقدر على إصدار تشريع ولا يقدر على إضرار عابديه أو نفعهم بشىء وهذا دليل على أنه ليس إلها .
"ولقد قال لهم هارون من قبل إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعونى وأطيعوا أمرى "المعنى ولقد وعظهم هارون (ص)من قبل :يا شعبى إنما ابتليتم به وإن إلهكم النافع فأطيعونى أى اتبعوا قولى ،يبين الله لنبيه(ص)أن هارون (ص)قال أى نصح القوم عند عبادتهم العجل فقال :يا قوم أى يا شعبى إنما فتنتم به أى إنما ابتليتم أى ضللتم بالعجل وإن ربكم الرحمن والمراد وإن خالقكم النافع فاتبعونى أى أطيعونى أى أطيعوا أمرى أى اتبعوا حكمى ،وهذا يعنى أنه بين لهم أن عبادتهم للعجل كفر وأن معبودهم الحق هو الله وأن الواجب عليهم هو طاعة هارون (ص)وهو اتباع قوله .
"قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى "المعنى قالوا لن نتخلى عنه عابدين حتى يعود إلينا موسى (ص)،يبين الله لنبيه(ص)أن القوم ردوا على هارون (ص):لن نبرح عليه عاكفين والمراد لن نتخلى عن العجل عابدين إياه حتى يرجع أى يعود إلينا موسى (ص)،وهذا يعنى أنهم أخبروا هارون (ص)أنهم لن يتخلوا عن عبادتهم للعجل حتى يعود موسى (ص)لهم وهو كلام جنونى فهم اعتبروا موسى (ص)الدليل على الله وليس أيا شىء حتى ولو كان مفهوما .
"قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمرى قال يابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى "المعنى قال يا هارون (ص)ما حملك حين علمتهم كفروا ألا تطيعنى أفخالفت قولى قال يا ولد أمى لا تمسك بذقنى ولا بشعرى إنى خفت أن تقول باعدت بين أولاد يعقوب (ص)ولم تنتظر أمرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لهارون (ص)ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أى ما حملك حين عرفتهم عصوا الحق ألا تطيعنى ؟أفعصيت أمرى أى هل خالفت قولى ؟وهذا السؤال يبين لنا أن موسى (ص)أوصى هارون (ص)فى حالة كفر بعض أو كل القوم أن يفعل فعل محدد ولم يفعله هارون (ص)عند كفرهم فسأله هل قصدت بذلك مخالفة حكمى ؟فرد هارون (ص)عليه فقال يابن أم والمراد يا ولد والدتى :لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى والمراد لا تجذبنى من شعر ذقنى أو شعر دماغى وهذا يعنى أن موسى (ص)جذب هارون (ص)من شعر ذقنه ودماغه وقال له :إنى خشيت أن تقول أى إنى خفت أن تقول فرقت بنى إسرائيل أى باعدت بين أولاد يعقوب ولم ترقب قولى أى ولم تنتظر حكمى وهذا يعنى أن هارون (ص)عمل على إبقاء وحدة القوم خوفا من أن يلومه موسى (ص)على تفريقهم إلى فريقين متعاديين.
"قال فما خطبك يا سامرى قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لى نفسى "المعنى قال فما أمرك يا سامرى قال شهدت ما لم يشهدوا فأخذت أخذة من موضع المبعوث فأمسكتها وهكذا وسوست لى شهوتى ،يبين الله لنبيه (ص) أن موسى (ص)سأل السامرى فقال فما خطبك والمراد ما حكايتك يا سامرى؟والغرض من السؤال هو أن يعرف حكاية السامرى فأجاب:بصرت بما لم يبصروا به والمراد رأيت الذى لم يروا وهذا يعنى أنه رأى شىء لم يره أحد من القوم وقال فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها أى فأخذت كفا من التراب الذى خطا المبعوث فأمسكتها وهذا يعنى أنه رأى وقع خطا جبريل(ص)على الأرض وهو يقود موسى (ص)وقومه فى طريق البحر فأخذ ملء الكف من التراب الذى داس عليه فاحتفظ به ظنا منه أن لهذ التراب خواص فريدة وقال وكذلك سولت لى نفسى والمراد وهكذا حسنت لى شهوتى صناعة العجل .
"قال فاذهب فإن لك فى الحياة أن تقول لا مساس وأن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا "المعنى قال فانصرف فإن لك فى المعيشة أن تقول لا لمس وإن لك ميقاتا لن تنقضه ،واشهد صنمك الذى استمررت له عابدا لنشعلنه ثم لندمرنه فى الماء تدميرا ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال للسامرى :فاذهب والمراد فارحل من هذا المكان فإن لك فى الحياة وهى الدنيا أن تقول لا مساس أى لا لمس وهذا يعنى أن العذاب الذى أنزله الله بالسامرى هو أن يسقط جلده إذا مسه أحد ومن ثم كان عليه أن يقول طوال يقظته :لا مساس أى لا يلمسنى أحد ،وقال وإن لك موعدا لن تخلفه أى وإن لك أجلا لن تنقضه والمراد وإن لك عهدا عند الله لن تستطيع الهرب منه ،وقال وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفا والمراد وشاهد عجلك الذى استمررت له عاكفا أى عابدا لنحرقنه أى لنوقدن عليه ثم لننسفنه فى اليم نسفا والمراد لندمرنه فى البحر تدميرا وهذا يعنى أن العجل أشعل موسى (ص)فيه النار وبعد ذلك رمى التراب المتخلف عن حرق العجل فى الماء.
"إنما إلهكم الله الذى لا إله إلا هو وسع كل شىء علما "المعنى إنما ربكم الله الذى لا رب إلا هو شمل كل مخلوق معرفة ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال لقومه :إنما إلهكم الله أى إنما ربكم الله مصداق لقوله بسورة الأعراف "إن ربكم الله"لا إله إلا هو والمراد لا رب إلا الله وسع كل شىء علما أى أحاط بكل مخلوق معرفة مصداق لقوله بسورة الطلاق"وإن الله أحاط بكل شىء علما "وهذا يعنى أن الله يعرف كل شىء يجرى فى الكون .
"كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد أتيناك من لدنا ذكرا "المعنى وهكذا نتلو عليك من أخبار ما قد مضى وقد أعطيناك من عندنا وحيا ،يبين الله لنبيه (ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى الوحى يقص عليه من أنباء ما قد سبق والمراد يحكى له من أخبار الذى قد غاب مصداق لقوله بسورة هود"تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك"وهى أخبار الماضى ويبين له أنه قد أتاه من لديه ذكرا أى أعطاه من عنده قرآنا مصداق لقوله بسورة الحجر"ولقد أتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم ".
"من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا "المعنى من تولى عنه فإنه يدخل يوم البعث عقابا مقيمين فيه وقبح لهم يوم البعث مقاما ،يبين الله لنبيه(ص)أن من أعرض عنه أى من تولى والمراد من خالف الذكر فإنه يحمل يوم القيامة وزرا أى فإنه يدخل يوم البعث جهنم مصداق لقوله بسورة النحل"فادخلوا أبواب جهنم"وهم خالدين أى مقيمين أى "ماكثين فيها "كما قال بسورة الكهف وساء لهم يوم القيامة حملا والمراد وقبحت النار يوم البعث مقاما مصداق لقوله بسورة الفرقان"إنها ساءت مستقرا ومقاما"وهذا يعنى أن النار مكان سيىء للكفار لأنه يعذبهم
"يوم ينفخ فى الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما "المعنى يوم ينفث فى البوق ونبعث الكافرين يومذاك وفدا يتهامسون بينهم إن عشتم إلا عشرا ،نحن أعرف بالذى يزعمون إذ يقول أحسنهم مذهبا إن عشتم إلا يوما،يبين الله لنبيه(ص)أن يوم القيامة هو اليوم الذى ينفخ فيه فى الصور والمراد ينقر فيه فى الناقور حتى يقوم الخلق مصداق لقوله بسورة المدثر "فإذا نقر فى الناقور"
وفيه يحشر الله المجرمين زرقا والمراد يجمع الله الكافرين وردا أى وفدا مصداق لقوله بسورة مريم"ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا "والكفار يتخافتون أى يتناجون والمراد يتكلمون بصوت هامس فيما بينهم فيقولون :إن لبثتم إلا عشرا أى إن عشتم إلا ساعة مصداق لقوله بسورة الروم"يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة" ويبين له أنه أعلم بما يقولون أى أعرف أى أدرى بالذى يتحدثون به إذ يقول أمثلهم طريقا أى أفضلهم قولا :إن لبثتم إلا يوما والمراد لقد عشتم يوما فى الدنيا ،وهذا يعنى أن أفضل أقوال الكفار فى يوم القيامة فى مدة البقاء فى الدنيا هو أنهم بقوا فى الدنيا يوم واحد.
"ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا "المعنى ويستخبرونك عن الرواسى فقل يدمرها إلهى تدميرا فيتركها قعرا مستويا لا تشهد فيها إنحرافا ولا تدرجا ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس يسألونه عن الجبال والمراد يستفهمون منه عن الرواسى ماذا يفعل الله بها ويطلب منه أن يجيب فيقول :ينسفها ربى نسفا أى يبسها خالقى بسا مصداق لقوله بسورة الواقعة "وبست الجبال بسا "والمراد يدمرها الله تدميرا فيذرها قاعا صفصفا والمراد فيتركها قعرا خاليا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا والمراد لا تشاهد فيها انحرافا ولا بروزا وهذا يعنى أن الله يهلك الجبال بحيث تصبح أرضا خالية من أى عوج أى أمت وهو البروز وهو رد على السائلين الذين ظنوا أن الله غير قادر على إفناء الجبال.
"يومئذ يتبعون الداعى لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا "المعنى يومذاك يستجيبون للمنادى لا هرب منه وخضعت النفوس للنافع فلا تعلم إلا مناجاة ،يبين الله للنبى (ص)أن فى يوم القيامة يتبع الخلق الداعى أى يستجيب الناس للمنادى وهو النافخ فى الصور وهو لا عوج له أى لا هروب منه مصداق لقوله بسورة الكهف"وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا "وخشعت الأصوات للرحمن والمراد وعنت أى خضعت الوجوه وهى النفوس للنافع مصداق لقوله بسورة طه"وعنت الوجوه للحى القيوم"ولا يسمع الإنسان إلا همسا والمراد لا يعلم إلا مناجاة النفس لنفسها .
"يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما "المعنى يومذاك لا يفيد الكلام إلا من سمح له النافع وقبل منه حديثا يعرف الذى أمامهم والذى وراءهم ولا يعلمون به معرفة كاملة ،يبين الله لنبيه(ص) أن الشفاعة وهى الكلام فى يوم القيامة لا ينفع إلا من أذن له الرحمن أى لا يفيد إلا من سمح له النافع بالكلام ورضى منه قولا أى وقبل منه كلاما مصداق لقوله بسورة النبأ"لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا "والله يعلم ما بين أيديهم والمراد يعرف الذى فى أنفس الملائكة مما يعلنون والذى خلفهم والذى يخفون فى أنفسهم مصداق لقوله بسورة النحل"والله يعلم ما تسرون وما تعلنون"وهم لا يحيطون بشىء من علمه أى لا يعلمون ببعض من معرفته إلا بما شاء مصداق لقوله بسورة البقرة "ولا يحيطون بشىء من علمه إلا بما شاء".
"وعنت الوجوه للحى القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما "المعنى وخشعت النفوس للباقى الحافظ وقد خسر من فعل كفر ومن يفعل من الحسنات وهو مصدق فلا يخشى نقصا أى بخسا ،يبين الله لنبيه(ص)أن الوجوه وهى النفوس قد عنت للحى القيوم والمراد قد خشعت أى استسلمت لحكم الله الباقى الحافظ للقوم والمراد خضعت مصداق لقوله بنفس السورة "وخشعت الأصوات للرحمن"ويبين له أنه قد خاب من حمل ظلما والمراد أنه قد خسر من صنع كفرا وأما من يعمل من الصالحات والمراد وأما من يفعل من الحسنات وهو مؤمن أى مصدق بوحى الله فلا يخاف ظلما أى هضما والمراد فلا يخشى نقصا أى بخسا للحق.
"وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا"المعنى وهكذا أوحيناه حكما مفهوما وقلنا فيه من التخويف لعلهم يطيعون أو يبقيهم عبرة،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى وسيلة نزول الوحى أنزلنا أى أوحينا الوحى قرآنا عربيا أى حكما واضحا مصداق لقوله بسورة الرعد "وكذلك أنزلناه حكما عربيا"ويبين له أنه صرف فيه من الوعيد أى قال فيه من آيات التخويف والسبب لعلهم يتقون أى يطيعون الحكم أو يحدث لهم ذكرا أى يبقيهم عبرة للناس بعقابهم .
"فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدنى علما "المعنى فتكبر الرب الحاكم العدل ولا تسرع بالوحى من قبل أن ينهى لك كلامه وقل إلهى أكثرنى معرفة ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله وهو الرب الملك أى الحاكم الحق أى العدل قد تعالى أى تكبر أى عظم على كل شىء ويطلب الله من نبيه(ص)ألا يعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه والمراد ألا يحرك لسانه بالوحى قبل أن ينهى جبريل(ص)إليه كلام الوحى مصداق لقوله بسورة القيامة "لا تحرك به لسانك لتعجل به "وهذا يعنى أنه كان يسرع فى ترديد كلام الوحى حتى يحفظه ويطلب منه أن يقول رب زدنى علما أى إلهى أكثرنى معرفة وهذا يعنى أنه يطلب زيادة علمه.
"ولقد عهدنا إلى أدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما "المعنى ولقد قلنا لأدم(ص)من قبل فعصى ولم نلق له قوة،يبين الله لنبيه(ص)أنه عهد إلى أدم (ص)والمراد فرض على أدم(ص)من قبل حكم هو الأكل من كل ثمار الجنة ما عدا ثمار شجرة واحدة فكانت النتيجة أنه نسى أى عصى الحكم ولم يجد الله له عزما والمراد ولم يلق له قوة للطاعة للحكم الإلهى .
"وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى "المعنى وقد قلنا للملائكة أطيعوا أدم (ص)فأطاعوهإلا إبليس عصى ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قال للملائكة :اسجدوا لأدم (ص)والمراد أطيعوا أى أقروا بأفضلية أدم(ص)عليكم فكانت النتيجة أن سجدوا أى أقروا بأفضليته إلا إبليس أبى أى عصى حكم الله .
"فقلنا يا أدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى "المعنى فقلنا يا إنسان إن هذا كاره لك ولامرأتك فلا يطردنكما من الحديقة فتتعب إن لك ألا تجوع فيها ولا تنكشف وأنك لا تعطش فيها ولا تمرض ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله أوحى لأدم وحيا قال له فيه:يا أدم (ص)إن هذا والمراد الشهوة عدو لك ولزوجك أى كاره لك ولامرأتك وهذا يعنى أنه بين لهما أن الشهوة فى نفسهما تبغضهما ،وقال فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى والمراد فلا يطردنكما من الحديقة فتتعب ،وهذا يعنى أنه بين لهما أن هدف الشهوة وهى الهوى الضال هى طردهم من الجنة حتى يتعبوا فى الدنيا ،وقال إن لك ألا تجوع والمراد إن لك أن تشبع فى الجنة باستمرار ولا تعرى أى ولا تتكشف والمراد أن تظل مكسيا فيها وإنك لا تظمؤا فيها والمراد وإنك لا تعطش فيها أى إنك مروى فيها باستمرار ولا تضحى أى ولا تتعب والمراد ولا تمرض فى الجنة وهذه هى السعادة التامة .
"فوسوس إليه الشيطان قال يا أدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى "المعنى فدعته الشهوة قالت يا إنسان هل أرشدك إلى ثمرة البقاء أى حكم لا يفنى ،يبين الله لنبيه(ص) أن الشيطان وهو الشهوة أى الهوى الضال وسوست أى حسنت له السوء فقالت :يا أدم هل أدلك أى أرشدك على شجرة الخلد وهى ثمرة البقاء وفسر هذا فقال وملك لا يبلى والمراد وحياة لا تنتهى ،وهذا يعنى أن الهوى الضال استغل حب الإنسان للبقاء وهو الخلود فى تغرير أدم (ص).
"فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى أدم ربه فغوى "المعنى فطعما منها فظهرت لهما عوراتهما وظلا يقطعان عليهما من أوراق الحديقة وخالف أدم (ص)خالقه فهوى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الزوجين أكلا منها أى ذاقا ثمر الشجرة مصداق لقوله بسورة الأعراف "فلما ذاقا الشجرة" فكانت النتيجة أن بدت لهما سوءاتهما والمراد أن ظهرت لهما عوارتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة والمراد واستمرا يقطعان على أجسامهما من أوراق الشجرة لتغطية عوارتهما مصداق لقوله بسورة الأعراف"وطفقا يخصفان عليهما من ورق الشجرة ".
"ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى "المعنى ثم اختاره خالقه فغفر له وأرشد قال انزلا منها كلكم بعضكم لبعض كاره فإما يجيئنكم من حكم فمن أطاع حكمى فلا يعاقب ولا يعذب ،يبين الله لنبيه (ص)أن آدم(ص) اجتباه ربه أى اختاره إلهه رسولا وقد تاب عليه والمراد وقد غفر له ذنب الأكل بعد استغفار أدم(ص)له وهداه أى علمه الوحى وقال له ولزوجته :اهبطا منها جميعا والمراد اخرجا من الجنة كلكم بعضكم لبعض عدو والمراد كاره وهذا يعنى أن هذا إخبار لهم بما يحدث فى المستقبل وهو معاداة البشر لبعضهم ،وقال فإما يأتينكم منى هدى والمراد فإما يجيئنكم منى حكم فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى والمراد فمن أطاع حكمى فلا يتعب أى لا يعاقب وهذا يعنى أن من يطيع حكم الله لا يعذب ولا يعاقب .
"ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك أياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى "المعنى ومن تولى عن هداى فإن له حياة مؤلمة ونبعثه يوم البعث كافرا وقال إلهى لم بعثتنى كافرا وقد كنت مسلما قال هكذا جاءتك أحكامنا فعصيتها وكذلك اليوم تترك ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال للأبوين :ومن أعرض عن ذكرى والمراد ومن تولى عن حكمى أى ومن كفر بحكمى فإن له معيشة ضنكا أى حياة مؤلمة ونحشره يوم القيامة أعمى والمراد ونبعثه يوم البعث جاهلا وهذا يعنى أن الله يحيى الكافر فى الأخرة كما كان فى الدنيا كافرا فقال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا والمراد إلهى لماذا بعثتنى كافرا وقد كنت مسلما ،وهذا يعنى أن الكافر يعترض على خلقه كافرا فى الأخرة بحجة أنه كان فى الدنيا مسلما وقد ورد نفيه فى قوله بسورة الأنعام"والله ربنا ما كنا مشركين "،فيقول الله له على لسان الملائكة :كذلك أتتك آياتنا فنسيتها والمراد هكذا جاءتك أحكامنا فعصيتها وهذا يعنى أنهم عصوا أحكام الله لما جاءهم بها الرسل،وقال وكذلك اليوم تنسى أى تترك أى تعاقب والمراد لا ترحم .
"وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الأخرة أشد وأبقى "المعنى وهكذا نعاقب من كفر ولم يصدق بأحكام خالقه ولعقاب القيامة أعظم وأدوم،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى العذاب الدنيوى يجزى الله من أسرف والمراد يعاقب الله من كفر بحكم الله ولم يؤمن بآيات الله والمراد ولم يصدق بأحكام الله أى أعرض عن أحكام الله مصداق لقوله بسورة الأنعام"سنجزى الذين يصدفون عن آياتنا"ويبين له أن عذاب الأخرة وهو عقاب القيامة أشد أى أخزى مصداق لقوله بسورة فصلت "ولعذاب الأخرة أخزى "وهو أبقى أى أدوم والمراد مستمر لا ينتهى .
"أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم إن فى ذلك لآيات لأولى النهى "المعنى أفلم يظهر لهم كم دمرنا قبلهم من الأمم يسيرون فى بلادهم إن فى ذلك لبراهين لأهل العقول ،يسأل الله أفلم يهد لهم والمراد هل لم يتضح للناس كم أهلكنا أى دمرنا قبلهم من القرون وهم الأقوام يمشون فى مساكنهم أى يسيرون فى بلادهم ؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن الله دمر الكثير من الأقوام بسبب كفرهم ومن ثم عليهم أن يحذروا من أن يكون مصيرهم مماثل لمصير تلك الأقوام ،ويبين له أن فى ذلك وهو عقاب الأقوام السابقة آيات لأولى النهى أى براهين أى عبر لأصحاب العقول وهى الأبصار مصداق لقوله بسورة آل عمران"إن فى ذلك لعبرة لأولى الألباب ".
"ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن أناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى "المعنى ولولا حكم مضى إلهك لكان واجبا وموعد محدد فتحمل ما يزعمون وقم بطاعة إلهك قبل شروق الشمس وقبل مغيبها ومن أجزاء الليل فأطع وأجزاء النهار لعلك تقبل ،يبين الله لنبيه(ص)أن لولا كلمة سبقت من الرب أى لولا حكم صدر من الله بعدم نزول العذاب الدنيوى خلف الذنب وهى كلمة الفصل مصداق لقوله بسورة الشورى "ولولا كلمة الفصل "لكان لزاما أى لكان فرضا وفسر الله كلمة الفصل بأنها أجل مسمى أى موعد محدد حدده الله من قبل لعذابهم ويطلب من النبى (ص)أن يصبر على ما يقولون والمراد أن يطيع حكم الله رغم ما يزعمون من افتراءات مصداق لقوله بسورة الإنسان"فاصبر لحكم ربك"وفسر هذا بأن يسبح بحمد الرب أى يعمل بحكم الله وهو اسم الله مصداق لقوله بسورة الواقعة "فسبح باسم ربك العظيم "وهذه الطاعة تكون من قبل طلوع أى شروق الشمس وهو الليل وقبل غروبها أى غيابها وهو النهار وفسر هذا بأن أناء الليل وهو أجزاء الليل التى يصحو فيها وأطراف النهار وهى أجزاء النهار وعليه أن يسبحه أى يطيع حكمه ويبين الله له أن عليه أن يرضى أى يقبل بهذا الحكم .
"ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى "المعنى ولا تعد نفسك إلى ما أعطينا أفرادا منهم متاع المعيشة الأولى لنبتليهم به وعطاء إلهك أحسن وأدوم ،يطلب الله من نبيه(ص)ألا يمدن عينيه أى ألا تطمع نفسه أى ألا تعد نفسه إلى ما متعنا به أزواجا منهم والمراد ألا تطمع نفسه فى ما أعطينا لهم أفرادا منهم وهو زهرة أى زينة الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى مصداق لقوله بسورة الكهف"ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا "والسبب فى إعطاء الله لهم هو أن يفتنهم فيه والمراد أن يستدرجهم به والمراد أن يجعلهم يسقطون فى امتحان الله به لهم ،ويبين له أن رزق الرب وهو رحمة الله خير أى أفضل وأبقى أى أدوم والمراد ليس له نفاد مصداق لقوله بسورة ص"إن هذا لرزقنا ما له من نفاد".
"وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى"المعنى وادعو قومك للدين واتبع قوله لا نطالبك بنفع نحن ننفعك والجنة للطائع ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يأمر أهله بالصلاة والمراد أن يطالب المؤمنين بطاعة الدين وأن يصطبر عليها والمراد وأن يطيع حكم الدين ويبين له أنه لا يسأله رزق والمراد لا يطالبه بمال على الدين ويبين له أنه يرزقهم والمراد يعطيهم النفع ويبين له أن العاقبة وهى النصر أى الجنة للتقوى وهم المطيعين المتقين مصداق لقوله بسورة الأعراف"والعاقبة للمتقين ".
"وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الأولى " المعنى وقالوا هلا يجيئنا بمعجزة من خالقه ،أو لم تجيئهم علامة الذى فى الكتب السابقة ؟يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار قالوا له لولا يأتينا بآية من ربه والمراد هلا يجيئنا بمعجزة من خالقه وهذا يعنى أنهم يريدون من محمد(ص)معجزة ورد الله عليهم فقال أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الأولى والمراد هل لم يجيئهم برهان الذى فى الكتب السابقة وهو كفر الأقوام السابقة بالمعجزات والغرض من السؤال أنه لن يبعث لهم المعجزات لأنهم سيكفرون به مصداق لقوله بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ".
"ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى "المعنى ولو أنا دمرناهم بعقاب من قبله لقالوا إلهنا هلا بعثت لنا مبعوثا فنطيع أحكامك من قبل نهان أى نؤلم ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو أهلك الناس بعذاب من قبل الرسول (ص)والمراد أنه لو عاقب الناس بعقاب من قبل بعث محمد(ص)لقالوا :ربنا أى إلهنا :لولا أرسلت إلينا رسولا والمراد هلا بعثت لنا مبعوثا من عندك فنتبع آياتك أى فنطيع أحكامك المنزلة على المبعوث من قبل أن نذل أى نخزى أى نهان ،وهذا يعنى أنهم سيحتجون بعدم إرسال رسول لهم إذا عذبهم الله قبل بعث هذا الرسول ومن أجل هذا بعث لهم الرسول.
"قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوى ومن اهتدى "المعنى قل كل منتظر فانتظروا فستعرفون من أهل الدين الحق أى من رحم ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :كل متربص أى كل منتظر الجزاء فتربصوا أى فانتظروا مجىء الجزاء مصداق لقوله بسورة يونس"قل فانتظروا إنى معكم من المنتظرين" فستعلمون أى فستعرفون من أصحاب الصراط السوى والمراد من أهل الدين العادل وفسر هذا بأنه من اهتدى أى من رحم و"من هو فى ضلال مبين "كما قال بسورة الملك وبعض القول محذوف وهو معناه ومن هو فى ضلال مبين .
"فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى "المعنى فذهب فرعون بعسكره فأصابهم من البحر الذى أهلكهم وأهلك فرعون شعبه أى ما رحم ،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون أتبعهم بجنوده أى خرج خلفهم بجيشه فكانت النتيجة أن غشيهم من اليم ما غشيهم والمراد أن أصابهم من البحر الذى أهلكهم وهو الغرق مصداق لقوله بسورة الزخرف"فأغرقناهم أجمعين"ويبين له أن فرعون أضل قومه أى أهلك شعبه وفسر هذا بأنه ما هدى أى ما رحم والمراد ما جلب لهم السعادة .
"يا بنى إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى وإنى لغفار لمن تاب وأمن وعمل صالحا ثم اهتدى "المعنى يا أولاد يعقوب قد أنقذناكم من كارهكم وواقتناكم ناحية الجبل الأيمن وأعطينا لكم المن أى الطائر اطعموا من منافع ما أعطيناكم ولا تظلموا فيه فينزل عليكم عقابى ومن ينزل عليه عقابى فقد خسر وإنى لتواب على من عاد أى صدق وصنع حسنا أى رشد ،يبين الله لنبيه(ص)أنه خاطب القوم فقال:يا بنى إسرائيل أى يا أولاد يعقوب :قد أنجيناكم من عدوكم والمراد قد أنقذناكم من عذاب كارهكم مصداق لقوله بسورة الدخان"ولقد نجينا بنى إسرائيل من العذاب المهين"وواعدناكم الطور الأيمن أى وواقتناكم ناحية الجبل الأيمن وهذا يعنى أنه حدد لكلامهم ناحية جبل الطور الأيمن ،ونزلنا عليكم المن أى وأعطينا لكم السلوى وهى طائر لحمه لذيذ عند بعض الناس ،كلوا من طيبات ما رزقناكم أى اعملوا من أحاسن ما أوحينا لكم والمراد أطيعوا أفضل أحكام الوحى ولا تطغوا فيه أى ولا تخالفوا الوحى متبعين خطوات الشيطان مصداق لقوله بسورة الأنعام"كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان "فيحل عليكم غضبى أى فينزل بكم سخطى أى يكون نصيبكم عقابى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى أى ومن ينزل به سخطى فقد خسر مصداق لقوله بسورة النساء"فقد خسر خسرانا مبينا "وإنى لغفار لمن تاب والمراد وإنى نافع لمن عاد لدينى أى أمن أى صدق وحيى وعمل صالحا أى وفعل حسنا وفسر هذا بقوله اهتدى أى رشد أى فعل الحق .
"وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثرى وعجلت إليك ربى لترضى "المعنى وما أبعدك عن شعبك يا موسى (ص)قال هم هؤلاء على دربى وأسرعت إلهى لتقبلنى ،يبين الله لنبيه(ص)أنه سأل موسى (ص)ما أعجلك عن قومك أى ما السبب فى سرعة تركك لشعبك يا موسى (ص)؟والغرض من السؤال هو إخباره بما حدث بعد رحيله فأجاب :هم أولاء على أثرى والمراد أنهم هؤلاء على دينى وهذا يعنى أن السبب هو اتباع الشعب لدين موسى(ص)وقال وعجلت إليك ربى لترضى أى وأسرعت لك إلهى لتقبل ،وهذا يعنى أن السبب الثانى هو رغبة موسى (ص)فى رضا الله عنه .
"قال فإنا فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى "المعنى قال فإنا قد ابتلينا شعبك من بعدك أى أسقطهم السامرى ،يبين الله لنبيه(ص) أنه قال لموسى (ص):فإنا قد فتنا أى أبعدنا أهلك من بعدك عن الحق أى أهلكهم السامرى ،وهذا يعنى أن هناك شخص يدعى السامرى فى بنى إسرائيل قد جعلهم يكفرون بالله .
"فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدى "المعنى فعاد موسى (ص)إلى شعبه ثائرا حزينا قال يا شعبى ألم يخبركم خالقكم خبرا طيبا فهل بعد عليكم الميثاق أم أحببتم أن ينزل بكم عقاب من إلهكم فعصيتم أمرى ؟ يبين الله لنبيه(ص) أن موسى (ص) رجع أى عاد إلى قومه بعد الميقات وهو غضبان أى أسف والمراد ثائر حزين فقال لهم :يا قوم أى يا شعبى :ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا والمراد هل لم يخبركم إلهكم خبرا طيبا هو النصر دنيا وأخرة ؟والغرض من السؤال هو إخبار بنى إسرائيل أن الله وعدهم بالثواب فى الدنيا والأخرة فى الميثاق ثم سألهم أفطال عليكم العهد أى هل بعد عليكم الميثاق أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم أى أم شئتم أن ينزل بكم عذاب من خالقكم فأخلفتم موعدى أى فعصيتم أمرى ؟والغرض من السؤال هو إخبار بنى إسرائيل أن السبب فى مخالفتهم لأمره هو أمر من اثنين الأول طول العهد عليهم أى بعد الثواب عليهم فى الميثاق والثانى إرادتهم أن يبعث الله عليهم عذاب من عنده.
"قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامرى "المعنى قالوا ما عصينا أمرك بمالنا ولكنا أخذنا أحمالا من ذهب القوم فجمعناهم فهكذا قال السامرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن بنى إسرائيل قالوا ردا على سؤال موسى (ص):ما أخلفنا موعدك بملكنا أى ما عصينا أمرك بمالنا ،وهذا يعنى أنهم ينفون أنهم قد نكثوا عهدهم معه بمالهم وقالوا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها والمراد ولكنا أخذنا حليا من ذهب القوم فجمعناها مصداق لقوله بسورة الأعراف"من حليهم عجلا جسدا"،وهذا يعنى أن القوم قد أخذوا من قوم فرعون أحمال من الذهب فجمعوها لصناعة العجل وقال فكذلك ألقى السامرى أى فهكذا قال السامرى ،وهذا يعنى أن السامرى هو الذى أشار عليهم بجمع الذهب لصناعة العجل الذى سيعبدونه .
"فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا "المعنى فصنع لهم عجلا ذهبا له صوت فقالوا هذا ربكم ورب موسى (ص)فمتروك أفلا يعلمون ألا يشرع لهم حكما ولا يقدر لهم على أذى ولا فائدة ،يبين الله لنبيه (ص)أن السامرى أخرج لهم عجلا جسدا له خوار والمراد صنع لهم من أثقال الذهب عجلا ذهبيا له صوت يخرج منه فقالوا لبعضهم :هذا إلهكم أى هذا ربكم وإله أى ورب موسى (ص)فنسى أى فمتروك لا يطاع ويسأل الله أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا والمراد هل لا يعلمون ألا يتكلم معهم كلاما مصداق لقوله بسورة الأعراف"ألم يروا أنه لا يكلمهم "ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا والمراد ولا يقدر لهم على أذى أو نفع ؟ والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن العجل لا يقدر على إصدار تشريع ولا يقدر على إضرار عابديه أو نفعهم بشىء وهذا دليل على أنه ليس إلها .
"ولقد قال لهم هارون من قبل إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعونى وأطيعوا أمرى "المعنى ولقد وعظهم هارون (ص)من قبل :يا شعبى إنما ابتليتم به وإن إلهكم النافع فأطيعونى أى اتبعوا قولى ،يبين الله لنبيه(ص)أن هارون (ص)قال أى نصح القوم عند عبادتهم العجل فقال :يا قوم أى يا شعبى إنما فتنتم به أى إنما ابتليتم أى ضللتم بالعجل وإن ربكم الرحمن والمراد وإن خالقكم النافع فاتبعونى أى أطيعونى أى أطيعوا أمرى أى اتبعوا حكمى ،وهذا يعنى أنه بين لهم أن عبادتهم للعجل كفر وأن معبودهم الحق هو الله وأن الواجب عليهم هو طاعة هارون (ص)وهو اتباع قوله .
"قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى "المعنى قالوا لن نتخلى عنه عابدين حتى يعود إلينا موسى (ص)،يبين الله لنبيه(ص)أن القوم ردوا على هارون (ص):لن نبرح عليه عاكفين والمراد لن نتخلى عن العجل عابدين إياه حتى يرجع أى يعود إلينا موسى (ص)،وهذا يعنى أنهم أخبروا هارون (ص)أنهم لن يتخلوا عن عبادتهم للعجل حتى يعود موسى (ص)لهم وهو كلام جنونى فهم اعتبروا موسى (ص)الدليل على الله وليس أيا شىء حتى ولو كان مفهوما .
"قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمرى قال يابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى "المعنى قال يا هارون (ص)ما حملك حين علمتهم كفروا ألا تطيعنى أفخالفت قولى قال يا ولد أمى لا تمسك بذقنى ولا بشعرى إنى خفت أن تقول باعدت بين أولاد يعقوب (ص)ولم تنتظر أمرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لهارون (ص)ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أى ما حملك حين عرفتهم عصوا الحق ألا تطيعنى ؟أفعصيت أمرى أى هل خالفت قولى ؟وهذا السؤال يبين لنا أن موسى (ص)أوصى هارون (ص)فى حالة كفر بعض أو كل القوم أن يفعل فعل محدد ولم يفعله هارون (ص)عند كفرهم فسأله هل قصدت بذلك مخالفة حكمى ؟فرد هارون (ص)عليه فقال يابن أم والمراد يا ولد والدتى :لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى والمراد لا تجذبنى من شعر ذقنى أو شعر دماغى وهذا يعنى أن موسى (ص)جذب هارون (ص)من شعر ذقنه ودماغه وقال له :إنى خشيت أن تقول أى إنى خفت أن تقول فرقت بنى إسرائيل أى باعدت بين أولاد يعقوب ولم ترقب قولى أى ولم تنتظر حكمى وهذا يعنى أن هارون (ص)عمل على إبقاء وحدة القوم خوفا من أن يلومه موسى (ص)على تفريقهم إلى فريقين متعاديين.
"قال فما خطبك يا سامرى قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لى نفسى "المعنى قال فما أمرك يا سامرى قال شهدت ما لم يشهدوا فأخذت أخذة من موضع المبعوث فأمسكتها وهكذا وسوست لى شهوتى ،يبين الله لنبيه (ص) أن موسى (ص)سأل السامرى فقال فما خطبك والمراد ما حكايتك يا سامرى؟والغرض من السؤال هو أن يعرف حكاية السامرى فأجاب:بصرت بما لم يبصروا به والمراد رأيت الذى لم يروا وهذا يعنى أنه رأى شىء لم يره أحد من القوم وقال فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها أى فأخذت كفا من التراب الذى خطا المبعوث فأمسكتها وهذا يعنى أنه رأى وقع خطا جبريل(ص)على الأرض وهو يقود موسى (ص)وقومه فى طريق البحر فأخذ ملء الكف من التراب الذى داس عليه فاحتفظ به ظنا منه أن لهذ التراب خواص فريدة وقال وكذلك سولت لى نفسى والمراد وهكذا حسنت لى شهوتى صناعة العجل .
"قال فاذهب فإن لك فى الحياة أن تقول لا مساس وأن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا "المعنى قال فانصرف فإن لك فى المعيشة أن تقول لا لمس وإن لك ميقاتا لن تنقضه ،واشهد صنمك الذى استمررت له عابدا لنشعلنه ثم لندمرنه فى الماء تدميرا ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال للسامرى :فاذهب والمراد فارحل من هذا المكان فإن لك فى الحياة وهى الدنيا أن تقول لا مساس أى لا لمس وهذا يعنى أن العذاب الذى أنزله الله بالسامرى هو أن يسقط جلده إذا مسه أحد ومن ثم كان عليه أن يقول طوال يقظته :لا مساس أى لا يلمسنى أحد ،وقال وإن لك موعدا لن تخلفه أى وإن لك أجلا لن تنقضه والمراد وإن لك عهدا عند الله لن تستطيع الهرب منه ،وقال وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفا والمراد وشاهد عجلك الذى استمررت له عاكفا أى عابدا لنحرقنه أى لنوقدن عليه ثم لننسفنه فى اليم نسفا والمراد لندمرنه فى البحر تدميرا وهذا يعنى أن العجل أشعل موسى (ص)فيه النار وبعد ذلك رمى التراب المتخلف عن حرق العجل فى الماء.
"إنما إلهكم الله الذى لا إله إلا هو وسع كل شىء علما "المعنى إنما ربكم الله الذى لا رب إلا هو شمل كل مخلوق معرفة ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال لقومه :إنما إلهكم الله أى إنما ربكم الله مصداق لقوله بسورة الأعراف "إن ربكم الله"لا إله إلا هو والمراد لا رب إلا الله وسع كل شىء علما أى أحاط بكل مخلوق معرفة مصداق لقوله بسورة الطلاق"وإن الله أحاط بكل شىء علما "وهذا يعنى أن الله يعرف كل شىء يجرى فى الكون .
"كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد أتيناك من لدنا ذكرا "المعنى وهكذا نتلو عليك من أخبار ما قد مضى وقد أعطيناك من عندنا وحيا ،يبين الله لنبيه (ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى الوحى يقص عليه من أنباء ما قد سبق والمراد يحكى له من أخبار الذى قد غاب مصداق لقوله بسورة هود"تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك"وهى أخبار الماضى ويبين له أنه قد أتاه من لديه ذكرا أى أعطاه من عنده قرآنا مصداق لقوله بسورة الحجر"ولقد أتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم ".
"من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا "المعنى من تولى عنه فإنه يدخل يوم البعث عقابا مقيمين فيه وقبح لهم يوم البعث مقاما ،يبين الله لنبيه(ص)أن من أعرض عنه أى من تولى والمراد من خالف الذكر فإنه يحمل يوم القيامة وزرا أى فإنه يدخل يوم البعث جهنم مصداق لقوله بسورة النحل"فادخلوا أبواب جهنم"وهم خالدين أى مقيمين أى "ماكثين فيها "كما قال بسورة الكهف وساء لهم يوم القيامة حملا والمراد وقبحت النار يوم البعث مقاما مصداق لقوله بسورة الفرقان"إنها ساءت مستقرا ومقاما"وهذا يعنى أن النار مكان سيىء للكفار لأنه يعذبهم
"يوم ينفخ فى الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما "المعنى يوم ينفث فى البوق ونبعث الكافرين يومذاك وفدا يتهامسون بينهم إن عشتم إلا عشرا ،نحن أعرف بالذى يزعمون إذ يقول أحسنهم مذهبا إن عشتم إلا يوما،يبين الله لنبيه(ص)أن يوم القيامة هو اليوم الذى ينفخ فيه فى الصور والمراد ينقر فيه فى الناقور حتى يقوم الخلق مصداق لقوله بسورة المدثر "فإذا نقر فى الناقور"
وفيه يحشر الله المجرمين زرقا والمراد يجمع الله الكافرين وردا أى وفدا مصداق لقوله بسورة مريم"ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا "والكفار يتخافتون أى يتناجون والمراد يتكلمون بصوت هامس فيما بينهم فيقولون :إن لبثتم إلا عشرا أى إن عشتم إلا ساعة مصداق لقوله بسورة الروم"يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة" ويبين له أنه أعلم بما يقولون أى أعرف أى أدرى بالذى يتحدثون به إذ يقول أمثلهم طريقا أى أفضلهم قولا :إن لبثتم إلا يوما والمراد لقد عشتم يوما فى الدنيا ،وهذا يعنى أن أفضل أقوال الكفار فى يوم القيامة فى مدة البقاء فى الدنيا هو أنهم بقوا فى الدنيا يوم واحد.
"ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا "المعنى ويستخبرونك عن الرواسى فقل يدمرها إلهى تدميرا فيتركها قعرا مستويا لا تشهد فيها إنحرافا ولا تدرجا ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس يسألونه عن الجبال والمراد يستفهمون منه عن الرواسى ماذا يفعل الله بها ويطلب منه أن يجيب فيقول :ينسفها ربى نسفا أى يبسها خالقى بسا مصداق لقوله بسورة الواقعة "وبست الجبال بسا "والمراد يدمرها الله تدميرا فيذرها قاعا صفصفا والمراد فيتركها قعرا خاليا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا والمراد لا تشاهد فيها انحرافا ولا بروزا وهذا يعنى أن الله يهلك الجبال بحيث تصبح أرضا خالية من أى عوج أى أمت وهو البروز وهو رد على السائلين الذين ظنوا أن الله غير قادر على إفناء الجبال.
"يومئذ يتبعون الداعى لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا "المعنى يومذاك يستجيبون للمنادى لا هرب منه وخضعت النفوس للنافع فلا تعلم إلا مناجاة ،يبين الله للنبى (ص)أن فى يوم القيامة يتبع الخلق الداعى أى يستجيب الناس للمنادى وهو النافخ فى الصور وهو لا عوج له أى لا هروب منه مصداق لقوله بسورة الكهف"وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا "وخشعت الأصوات للرحمن والمراد وعنت أى خضعت الوجوه وهى النفوس للنافع مصداق لقوله بسورة طه"وعنت الوجوه للحى القيوم"ولا يسمع الإنسان إلا همسا والمراد لا يعلم إلا مناجاة النفس لنفسها .
"يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما "المعنى يومذاك لا يفيد الكلام إلا من سمح له النافع وقبل منه حديثا يعرف الذى أمامهم والذى وراءهم ولا يعلمون به معرفة كاملة ،يبين الله لنبيه(ص) أن الشفاعة وهى الكلام فى يوم القيامة لا ينفع إلا من أذن له الرحمن أى لا يفيد إلا من سمح له النافع بالكلام ورضى منه قولا أى وقبل منه كلاما مصداق لقوله بسورة النبأ"لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا "والله يعلم ما بين أيديهم والمراد يعرف الذى فى أنفس الملائكة مما يعلنون والذى خلفهم والذى يخفون فى أنفسهم مصداق لقوله بسورة النحل"والله يعلم ما تسرون وما تعلنون"وهم لا يحيطون بشىء من علمه أى لا يعلمون ببعض من معرفته إلا بما شاء مصداق لقوله بسورة البقرة "ولا يحيطون بشىء من علمه إلا بما شاء".
"وعنت الوجوه للحى القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما "المعنى وخشعت النفوس للباقى الحافظ وقد خسر من فعل كفر ومن يفعل من الحسنات وهو مصدق فلا يخشى نقصا أى بخسا ،يبين الله لنبيه(ص)أن الوجوه وهى النفوس قد عنت للحى القيوم والمراد قد خشعت أى استسلمت لحكم الله الباقى الحافظ للقوم والمراد خضعت مصداق لقوله بنفس السورة "وخشعت الأصوات للرحمن"ويبين له أنه قد خاب من حمل ظلما والمراد أنه قد خسر من صنع كفرا وأما من يعمل من الصالحات والمراد وأما من يفعل من الحسنات وهو مؤمن أى مصدق بوحى الله فلا يخاف ظلما أى هضما والمراد فلا يخشى نقصا أى بخسا للحق.
"وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا"المعنى وهكذا أوحيناه حكما مفهوما وقلنا فيه من التخويف لعلهم يطيعون أو يبقيهم عبرة،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى وسيلة نزول الوحى أنزلنا أى أوحينا الوحى قرآنا عربيا أى حكما واضحا مصداق لقوله بسورة الرعد "وكذلك أنزلناه حكما عربيا"ويبين له أنه صرف فيه من الوعيد أى قال فيه من آيات التخويف والسبب لعلهم يتقون أى يطيعون الحكم أو يحدث لهم ذكرا أى يبقيهم عبرة للناس بعقابهم .
"فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدنى علما "المعنى فتكبر الرب الحاكم العدل ولا تسرع بالوحى من قبل أن ينهى لك كلامه وقل إلهى أكثرنى معرفة ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله وهو الرب الملك أى الحاكم الحق أى العدل قد تعالى أى تكبر أى عظم على كل شىء ويطلب الله من نبيه(ص)ألا يعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه والمراد ألا يحرك لسانه بالوحى قبل أن ينهى جبريل(ص)إليه كلام الوحى مصداق لقوله بسورة القيامة "لا تحرك به لسانك لتعجل به "وهذا يعنى أنه كان يسرع فى ترديد كلام الوحى حتى يحفظه ويطلب منه أن يقول رب زدنى علما أى إلهى أكثرنى معرفة وهذا يعنى أنه يطلب زيادة علمه.
"ولقد عهدنا إلى أدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما "المعنى ولقد قلنا لأدم(ص)من قبل فعصى ولم نلق له قوة،يبين الله لنبيه(ص)أنه عهد إلى أدم (ص)والمراد فرض على أدم(ص)من قبل حكم هو الأكل من كل ثمار الجنة ما عدا ثمار شجرة واحدة فكانت النتيجة أنه نسى أى عصى الحكم ولم يجد الله له عزما والمراد ولم يلق له قوة للطاعة للحكم الإلهى .
"وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى "المعنى وقد قلنا للملائكة أطيعوا أدم (ص)فأطاعوهإلا إبليس عصى ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قال للملائكة :اسجدوا لأدم (ص)والمراد أطيعوا أى أقروا بأفضلية أدم(ص)عليكم فكانت النتيجة أن سجدوا أى أقروا بأفضليته إلا إبليس أبى أى عصى حكم الله .
"فقلنا يا أدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى "المعنى فقلنا يا إنسان إن هذا كاره لك ولامرأتك فلا يطردنكما من الحديقة فتتعب إن لك ألا تجوع فيها ولا تنكشف وأنك لا تعطش فيها ولا تمرض ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله أوحى لأدم وحيا قال له فيه:يا أدم (ص)إن هذا والمراد الشهوة عدو لك ولزوجك أى كاره لك ولامرأتك وهذا يعنى أنه بين لهما أن الشهوة فى نفسهما تبغضهما ،وقال فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى والمراد فلا يطردنكما من الحديقة فتتعب ،وهذا يعنى أنه بين لهما أن هدف الشهوة وهى الهوى الضال هى طردهم من الجنة حتى يتعبوا فى الدنيا ،وقال إن لك ألا تجوع والمراد إن لك أن تشبع فى الجنة باستمرار ولا تعرى أى ولا تتكشف والمراد أن تظل مكسيا فيها وإنك لا تظمؤا فيها والمراد وإنك لا تعطش فيها أى إنك مروى فيها باستمرار ولا تضحى أى ولا تتعب والمراد ولا تمرض فى الجنة وهذه هى السعادة التامة .
"فوسوس إليه الشيطان قال يا أدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى "المعنى فدعته الشهوة قالت يا إنسان هل أرشدك إلى ثمرة البقاء أى حكم لا يفنى ،يبين الله لنبيه(ص) أن الشيطان وهو الشهوة أى الهوى الضال وسوست أى حسنت له السوء فقالت :يا أدم هل أدلك أى أرشدك على شجرة الخلد وهى ثمرة البقاء وفسر هذا فقال وملك لا يبلى والمراد وحياة لا تنتهى ،وهذا يعنى أن الهوى الضال استغل حب الإنسان للبقاء وهو الخلود فى تغرير أدم (ص).
"فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى أدم ربه فغوى "المعنى فطعما منها فظهرت لهما عوراتهما وظلا يقطعان عليهما من أوراق الحديقة وخالف أدم (ص)خالقه فهوى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الزوجين أكلا منها أى ذاقا ثمر الشجرة مصداق لقوله بسورة الأعراف "فلما ذاقا الشجرة" فكانت النتيجة أن بدت لهما سوءاتهما والمراد أن ظهرت لهما عوارتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة والمراد واستمرا يقطعان على أجسامهما من أوراق الشجرة لتغطية عوارتهما مصداق لقوله بسورة الأعراف"وطفقا يخصفان عليهما من ورق الشجرة ".
"ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى "المعنى ثم اختاره خالقه فغفر له وأرشد قال انزلا منها كلكم بعضكم لبعض كاره فإما يجيئنكم من حكم فمن أطاع حكمى فلا يعاقب ولا يعذب ،يبين الله لنبيه (ص)أن آدم(ص) اجتباه ربه أى اختاره إلهه رسولا وقد تاب عليه والمراد وقد غفر له ذنب الأكل بعد استغفار أدم(ص)له وهداه أى علمه الوحى وقال له ولزوجته :اهبطا منها جميعا والمراد اخرجا من الجنة كلكم بعضكم لبعض عدو والمراد كاره وهذا يعنى أن هذا إخبار لهم بما يحدث فى المستقبل وهو معاداة البشر لبعضهم ،وقال فإما يأتينكم منى هدى والمراد فإما يجيئنكم منى حكم فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى والمراد فمن أطاع حكمى فلا يتعب أى لا يعاقب وهذا يعنى أن من يطيع حكم الله لا يعذب ولا يعاقب .
"ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك أياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى "المعنى ومن تولى عن هداى فإن له حياة مؤلمة ونبعثه يوم البعث كافرا وقال إلهى لم بعثتنى كافرا وقد كنت مسلما قال هكذا جاءتك أحكامنا فعصيتها وكذلك اليوم تترك ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال للأبوين :ومن أعرض عن ذكرى والمراد ومن تولى عن حكمى أى ومن كفر بحكمى فإن له معيشة ضنكا أى حياة مؤلمة ونحشره يوم القيامة أعمى والمراد ونبعثه يوم البعث جاهلا وهذا يعنى أن الله يحيى الكافر فى الأخرة كما كان فى الدنيا كافرا فقال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا والمراد إلهى لماذا بعثتنى كافرا وقد كنت مسلما ،وهذا يعنى أن الكافر يعترض على خلقه كافرا فى الأخرة بحجة أنه كان فى الدنيا مسلما وقد ورد نفيه فى قوله بسورة الأنعام"والله ربنا ما كنا مشركين "،فيقول الله له على لسان الملائكة :كذلك أتتك آياتنا فنسيتها والمراد هكذا جاءتك أحكامنا فعصيتها وهذا يعنى أنهم عصوا أحكام الله لما جاءهم بها الرسل،وقال وكذلك اليوم تنسى أى تترك أى تعاقب والمراد لا ترحم .
"وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الأخرة أشد وأبقى "المعنى وهكذا نعاقب من كفر ولم يصدق بأحكام خالقه ولعقاب القيامة أعظم وأدوم،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى العذاب الدنيوى يجزى الله من أسرف والمراد يعاقب الله من كفر بحكم الله ولم يؤمن بآيات الله والمراد ولم يصدق بأحكام الله أى أعرض عن أحكام الله مصداق لقوله بسورة الأنعام"سنجزى الذين يصدفون عن آياتنا"ويبين له أن عذاب الأخرة وهو عقاب القيامة أشد أى أخزى مصداق لقوله بسورة فصلت "ولعذاب الأخرة أخزى "وهو أبقى أى أدوم والمراد مستمر لا ينتهى .
"أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم إن فى ذلك لآيات لأولى النهى "المعنى أفلم يظهر لهم كم دمرنا قبلهم من الأمم يسيرون فى بلادهم إن فى ذلك لبراهين لأهل العقول ،يسأل الله أفلم يهد لهم والمراد هل لم يتضح للناس كم أهلكنا أى دمرنا قبلهم من القرون وهم الأقوام يمشون فى مساكنهم أى يسيرون فى بلادهم ؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن الله دمر الكثير من الأقوام بسبب كفرهم ومن ثم عليهم أن يحذروا من أن يكون مصيرهم مماثل لمصير تلك الأقوام ،ويبين له أن فى ذلك وهو عقاب الأقوام السابقة آيات لأولى النهى أى براهين أى عبر لأصحاب العقول وهى الأبصار مصداق لقوله بسورة آل عمران"إن فى ذلك لعبرة لأولى الألباب ".
"ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن أناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى "المعنى ولولا حكم مضى إلهك لكان واجبا وموعد محدد فتحمل ما يزعمون وقم بطاعة إلهك قبل شروق الشمس وقبل مغيبها ومن أجزاء الليل فأطع وأجزاء النهار لعلك تقبل ،يبين الله لنبيه(ص)أن لولا كلمة سبقت من الرب أى لولا حكم صدر من الله بعدم نزول العذاب الدنيوى خلف الذنب وهى كلمة الفصل مصداق لقوله بسورة الشورى "ولولا كلمة الفصل "لكان لزاما أى لكان فرضا وفسر الله كلمة الفصل بأنها أجل مسمى أى موعد محدد حدده الله من قبل لعذابهم ويطلب من النبى (ص)أن يصبر على ما يقولون والمراد أن يطيع حكم الله رغم ما يزعمون من افتراءات مصداق لقوله بسورة الإنسان"فاصبر لحكم ربك"وفسر هذا بأن يسبح بحمد الرب أى يعمل بحكم الله وهو اسم الله مصداق لقوله بسورة الواقعة "فسبح باسم ربك العظيم "وهذه الطاعة تكون من قبل طلوع أى شروق الشمس وهو الليل وقبل غروبها أى غيابها وهو النهار وفسر هذا بأن أناء الليل وهو أجزاء الليل التى يصحو فيها وأطراف النهار وهى أجزاء النهار وعليه أن يسبحه أى يطيع حكمه ويبين الله له أن عليه أن يرضى أى يقبل بهذا الحكم .
"ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى "المعنى ولا تعد نفسك إلى ما أعطينا أفرادا منهم متاع المعيشة الأولى لنبتليهم به وعطاء إلهك أحسن وأدوم ،يطلب الله من نبيه(ص)ألا يمدن عينيه أى ألا تطمع نفسه أى ألا تعد نفسه إلى ما متعنا به أزواجا منهم والمراد ألا تطمع نفسه فى ما أعطينا لهم أفرادا منهم وهو زهرة أى زينة الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى مصداق لقوله بسورة الكهف"ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا "والسبب فى إعطاء الله لهم هو أن يفتنهم فيه والمراد أن يستدرجهم به والمراد أن يجعلهم يسقطون فى امتحان الله به لهم ،ويبين له أن رزق الرب وهو رحمة الله خير أى أفضل وأبقى أى أدوم والمراد ليس له نفاد مصداق لقوله بسورة ص"إن هذا لرزقنا ما له من نفاد".
"وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى"المعنى وادعو قومك للدين واتبع قوله لا نطالبك بنفع نحن ننفعك والجنة للطائع ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يأمر أهله بالصلاة والمراد أن يطالب المؤمنين بطاعة الدين وأن يصطبر عليها والمراد وأن يطيع حكم الدين ويبين له أنه لا يسأله رزق والمراد لا يطالبه بمال على الدين ويبين له أنه يرزقهم والمراد يعطيهم النفع ويبين له أن العاقبة وهى النصر أى الجنة للتقوى وهم المطيعين المتقين مصداق لقوله بسورة الأعراف"والعاقبة للمتقين ".
"وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الأولى " المعنى وقالوا هلا يجيئنا بمعجزة من خالقه ،أو لم تجيئهم علامة الذى فى الكتب السابقة ؟يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار قالوا له لولا يأتينا بآية من ربه والمراد هلا يجيئنا بمعجزة من خالقه وهذا يعنى أنهم يريدون من محمد(ص)معجزة ورد الله عليهم فقال أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الأولى والمراد هل لم يجيئهم برهان الذى فى الكتب السابقة وهو كفر الأقوام السابقة بالمعجزات والغرض من السؤال أنه لن يبعث لهم المعجزات لأنهم سيكفرون به مصداق لقوله بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ".
"ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى "المعنى ولو أنا دمرناهم بعقاب من قبله لقالوا إلهنا هلا بعثت لنا مبعوثا فنطيع أحكامك من قبل نهان أى نؤلم ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو أهلك الناس بعذاب من قبل الرسول (ص)والمراد أنه لو عاقب الناس بعقاب من قبل بعث محمد(ص)لقالوا :ربنا أى إلهنا :لولا أرسلت إلينا رسولا والمراد هلا بعثت لنا مبعوثا من عندك فنتبع آياتك أى فنطيع أحكامك المنزلة على المبعوث من قبل أن نذل أى نخزى أى نهان ،وهذا يعنى أنهم سيحتجون بعدم إرسال رسول لهم إذا عذبهم الله قبل بعث هذا الرسول ومن أجل هذا بعث لهم الرسول.
"قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوى ومن اهتدى "المعنى قل كل منتظر فانتظروا فستعرفون من أهل الدين الحق أى من رحم ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :كل متربص أى كل منتظر الجزاء فتربصوا أى فانتظروا مجىء الجزاء مصداق لقوله بسورة يونس"قل فانتظروا إنى معكم من المنتظرين" فستعلمون أى فستعرفون من أصحاب الصراط السوى والمراد من أهل الدين العادل وفسر هذا بأنه من اهتدى أى من رحم و"من هو فى ضلال مبين "كما قال بسورة الملك وبعض القول محذوف وهو معناه ومن هو فى ضلال مبين .