ذهبت للدار وفى نفسى صراع يدور بين جانبين جانب يقول اعتذر وجانب يقول لا تعتذر ولما دخلت الدار وجدتنى أسرع لأبى قائلا اعفو عنى يا أبى بسبب ما حدث البارحة فأخذنى أبى فى أحضانه وقال لى قد عفوت عنك فسألته لماذا تذهب وصاحبك لأناس وأنت لا تصدق ما يقولون ؟أجاب يا بنى لم يعرف الباطل من لم يتعايش مع أهله فقلت تقصد أننا لا نعرف الحق إلا إذا علمنا الباطل فقال لا قصدت أن الباطل يظهر لنا من خلال معرفتنا بالحق والباطل متغير الأشكال ومن ثم لابد لنا من معرفة الأشكال الجديدة حتى نحذر الناس منها بعد معرفتها ،أردت أن أنصرف فوقفت ولما بدأت الخطوة الأولى قال والدى ما رأيك لو ذهبت معى لمجلس وجد وسماع ؟فرددت أخشى ألا أصبر على ما يقال فأسبب لك حرجا وأظهر أمام الناس بمظهر الإبن العاق لوالده فضحك وقال رحم الله امرىء عرف قدر نفسه فسكت برهة وقال لابد أن تعود نفسك على الصبر عند وجود الباطل الكلامى حتى تقدر على مواجهته مواجهة صحيحة ولن يتأتى لك هذا إلا بسماع ورؤية الباطل والسكوت عليه حتى ينتهى ثم تنكره وبعد أيام صحبنى أبى ومعنا عمى إسماعيل العدنى لمجلس فى تكية الصوفية فى البلدة ولما دخلنا وجدنا قوما يفترشون أرض المكان ثيابهم أكثرها مرقعات من الصوف ولها رائحة عطنة وأقلهم من يلبس ثيابا عادية وفى مكان عالى نوعا ما جلس القوال ومعه آلة موسيقية وبدأ ينشد :
سرت بأناس فى الغيوب قلوبهم فحلوا بقرب الماجد المتفضل
عراصا بقرب الله فى ظل قدسه تجول بهم أرواحهـم وتنقل
مواردهم فيها على العز والنهى ومصدرهم عنها لما هو أكمل
تروح بعز مفرد من صفاتــه وفى حلل التوحيد تمشى وترفل
ومن بعد هذا ما تدق صفاتـه وما كتمه أولى لديه وأعـدل
سأكتم من علمى به ما يصونه وأبذل منه ما أرى الحق يبـذل
وأعطى عباد الله منه حقوقهم وأمنع منه ما أرى المنع يفضـل
على أن للرحمن سرا يصونـه إلى أهله فى السر والصون أجمل
وكلما نطق الرجل بيتا تعالت الصيحات يا حق 000يا هوو 000أكرمك الله 000زدنا 000الله الله000بركاتك يا سيدنا000وهم يسمعون فقط ولا يفكرون مثلهم مثل بقية الناس يعجبون بالألفاظ ويرددونها دون أن يفهموا معناها وهنا كانت القصيدة كفرا فالقلوب التى على الأرض حلت عند الله- مع أن الله ليس فى مكان – بقربه ولا طريقة لهذا حتى على فرض أن الله فى السماء – وهو فرض محال- والقائل يكتم علمه عن الناس وهو علمه بالله مع أن الله يطالب المسلم بنشر علمه للمسلمين وأنشد القوال:
نهانى حيائى منك أن أكشف الهوى وأغنيتنى بالفهم منك عن الكشف
تلطفت فى أمرى فأبديت شاهدى إلى غائبى واللطف يدرك باللطف
تراءيت لى بالغيب حتى كــأنما يبشرنى بالغيب أنك فى الكـف
أراك وبى من هيبتى لك وحشـة فتؤنسنى باللطف منك وبالعطف
وتحيى محبا أنت فى الحب حتفـه وذا عجب كون الحياة مع الحتف
وهى أبيات كلها خبل فما معنى فأبديت شاهدى إلى غائبى فالإنسان كله شاهد ليس منه غائب ورؤية القائل لله "تراءيت لى "وأراك "مع أنه قال لموسى(ص)"لن ترانى "وما معنى أن الحياة مع الحتف ؟أليس هذا جنونا أن تكون الحياة بجانب الموت فى المحب ؟إن المحب حى لا يلقى حتفه بدليل قوله "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم "وحياة المحب هى فى الجنة أى الدار الأخرة كما قال "وإن الدار الأخرى لهى الحيوان "أى الحياة الحقة السعيدة وقال القوال :
كانت لقلبى أهواء مفرقـــة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائـى
فصار يحسدنى من كنت أحسده وصرت مولى الورى مذ صرت مولاى
تركت الناس دنياهم ودينهـم شغلا بذكرك يا دينى ودنيـــاى
قلت آه من الكفر رؤية العين لله ، الإتحاد بالله حتى أصبح العبد والإله واحد فالعبد أصبح هو الله مولى الورى وإتحاد الكل بالله حتى صار الحاسد محسودا والمحسود حاسدا ثم ختم القوال الوصلة الأولى بقولهم :
أحبك حبـين حب الهوى وحبا لأنــــك أهل لذاكا
فأما الذى هو حب الهوى فشغلى بـذكرك عمن سواكا
وأما الذى أنــت أهل له فكشفك لى الحجب حتى أراكا
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لى ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا
قلت كلامها كفر فهى الله يكشف لها الحجب ولم يكشف لموسى (ص)أى حجاب ولما أنهى القوال الوصلة الأولى قلت لأبى إيش رأيك ؟فقال كفر اختلط بإسلام فاسمع ثم فى البيت نتحدث وفى أثناء راحة القوال وزع على الحضور شراب اللوز البارد فشربوا منه ومنهم من استزاد السقاة ثم بدأ القوال ينشد :
لا تخدعن فللحبيب دلائــل ولديه من تحف الحبيب وسائل
منها تنعمه بمـــــر بلائه وسروره فى كل ما هو فاعل
فالمنع منه عطية مقبولـــة والفقر إكــرام وبر عاجل
ومن الدلائل أن ترى من عزمه طوع الحبيب وإن ألح العاذل
ومن الدلائل أن يـرى مبتسما والقلب فيه من الحبيب بلابل
ومن الدلائل أن يـرى متفهما لكلام من يحظى لديه السائل
ومن الدلائل أن يـرى متقشفا متحفظا من كل ما هو قائل
ومن الدلائل أن تراه مـشمرا فى خرقتين على شطوط الساحل
ومن الدلائل حزنه ونحيبــه جوف الظلام فما له من عاذل
ومن الدلائل أن تراه مسافـرا نحو الجهاد وكـل فعل فاضل
ومن الدلائل زهده فيما يرى من دار ذل والنــعيم الزائل
ومن الدلائل أن تراه باكيــا أن قد رأه على قبيـح فعائل
ومن الدلائل أن تراه مسلمـا كل الأمور إلى المليك العـادل
ومن الدلائل أن تراه راضيـا بمليكه فى كل حكم نــازل
ومن الدلائل ضحكه بين الورى والـقلب محزون كقلب الثاكل
قلت هذا والله أفضل مما سبق وإن كان لا يخلو من مخالفة للقرآن حيث سمى الفقر إكرام وبر عاجل وما هو إلا ابتلاء كما قال بسورة البقرة "ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون "وجعل المنع عطية وهو تناقض فكيف يكون المانع للشىء معطيا إياه بمنعه ؟وأنشد القوال :
عجبت لمـــن يقول إلفى وهل أنسى فأذكر ما نسيت
أموت إذ ذكرتــك ثم أحيا ولولا حسن ظنى ما حييت
فأحيا بالمنى وأموت شــوقا فكم أحيا عليك وكم أموت
شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفد الشرب وما رويت
فليت خياله نصب لعيــنى فإن قصرت فى نظرى عميت
وهو كلام كله تخريف فذكر الله موت مع قوله "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم "فذكر الله حياة من ضمن الدعوة وجعل لله خيال سبحانه وتعالى عن هذا .
سمعت من أبى ما زاد استغرابى من نية صاحبه إسماعيل أن يتتلمذ على يد سهل الصوفى وهو صاحب أبى ويسمع منه ما يقال فى التصوف والصوفية وقد طار صوابى منى وأنا أراه يرتدى الخرقة فلم أشعر إلا وأنا أعرض عنه ولا أرد السلام الذى ألقاه على وأتركه وأنا غاضب لمكان بعيد وظللت أسير حتى وصلت لشاطىء النهر فجلست عليه ووضعت قدمى فى المياه واستمررت أضرب بها فى الماء ثم غسلت وجهى فأحسست براحة فى قلبى وأن غضبى على العم بدأ فى الزوال فقلت لنفسى :
كان ينبغى أن تناقشه لا أن تخاصمه وتهجره ،كان ينبغى أن تبين له الصواب من الخطأ بدلا من أن تتركه ينساق وراء هذا الشيخ وقمت من مجلسى وذهبت للبيت وبدأت أتصفح بعض الكتب فى مكتبة أبى ولم أستطع القراءة بتركيز كانت عيناى تمران على السطور مرور الكرام ولكن عقلى كان بعيدا يفكر فى العم وقمت ودخلت حجرتى واستلقيت على الفرش ولم أستطع النوم عقلى متحير نفضت عنى الغطاء وأسرعت للخروج من البيت ووجدت نفسى تقود جسمى لبيت أو عشة سهل الصوفى خارج البلدة وعندما اقتربت منه ألقيت عليه السلام فرده باشمئزاز فقلت له حدثنى عن خرقتكم فقال الخرقة يا بنى هى إرتباط بين الشيخ والمريد وتحكيم من المريد للشيخ فى نفسه قلت إذا هى علامة العبودية فابتسم وقال بل علامة توقير الشيخ فالشيخ أعلم فمثلنا ومثل المريد كمثل العبد الصالح الخضر ومثل موسى فقد اشترط على موسى لكى يعلمه أن يطيعه طاعة عمياء فقلت له ولكنهما لم يكونا شيوخا ولا مريدين لأن الشيخوخة لا تتفق مع العلم فقد قال تعالى بسورة النحل "ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علم شيئا "فالإنسان عندما يبدأ فى الشيخوخة يبدأ فى نسيان العلم فكيف يكون معلما ؟قال من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان فقلت ضاحكا كان لليهود وللنصارى وللصابئين وللمجوس ولغيرهم من الأمم أساتذة فهل هم على الحق لمجرد وجود أساتذة لهم ؟فرد أتنكر وجوب وجود معلمين للناس ؟فقلت إن المعلم قد يضل ولكن الله جعل هناك معلما ثابتا ليس من الناس وهو كتاب الله حتى يتحاكم المعلم والتلاميذ له إن حدث خلاف أو ضلال وفى هذا قال بسورة الشورى "وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله" فقال يا بنى إن الشيخ فى أمة محمد كالنبى فى بنى إسرائيل فضحكت وقلت حتى الحديث أنت لا تحسنه فالحديث رغم أنه لم يثبت فى النسبة للنبى (ص)يقول العالم فى أمتى كالنبى فى بنى إسرائيل"أو "علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل" فقال سهل إن الشيخ يكون متخلق بأخلاق الله من معنى قول الله تعالى "ألا طال شوق الأبرار إلى لقائى وإنى إلى لقائهم لأشد شوقا "ومن ثم فالمريد يكون جزء من الشيخ كما أن الولد جزء من الوالد بالولادة الطبيعية فقلت له سأوافقك على كلامك رغم أن الله لا يشتاق لأحد لأنه غنى عن كل شىء ومع هذا هل تعنى أن المريد فى النهاية لابد أن يساوى الشيخ؟فأجاب قائلا ليس كل المريدين فكما قال ابن سينا فى كتاب الإشارات "جل جناب الحق أن يكون شرعه لكل وارد أو يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد "فضحكت وقلت معنى هذا أن النبى (ص)الذى تقول أن تصوفك مبنى على دينه الإسلام كان كاذبا عندما أبلغ الرسالة أى الشرع أى الإسلام لكل الناس والشرع كما تقول لا يطلع أحد عليه إلا قلة ودعنى أسألك من يحدد الشيخ أنت أم من فقال الرجل الله فقلت نعم الله هو المحدد لكل شىء ومن ضمنها أنك تقول أنك شيخ وفلان يقول أنه شيخ وحتى أنا من الممكن أن أقول أنى شيخ ومع هذا لا تقدر على تكذيبى لأنى عند نفسى شيخ والشيخ لا يكذب لأنه متخلق بأخلاق الله .
سرت بأناس فى الغيوب قلوبهم فحلوا بقرب الماجد المتفضل
عراصا بقرب الله فى ظل قدسه تجول بهم أرواحهـم وتنقل
مواردهم فيها على العز والنهى ومصدرهم عنها لما هو أكمل
تروح بعز مفرد من صفاتــه وفى حلل التوحيد تمشى وترفل
ومن بعد هذا ما تدق صفاتـه وما كتمه أولى لديه وأعـدل
سأكتم من علمى به ما يصونه وأبذل منه ما أرى الحق يبـذل
وأعطى عباد الله منه حقوقهم وأمنع منه ما أرى المنع يفضـل
على أن للرحمن سرا يصونـه إلى أهله فى السر والصون أجمل
وكلما نطق الرجل بيتا تعالت الصيحات يا حق 000يا هوو 000أكرمك الله 000زدنا 000الله الله000بركاتك يا سيدنا000وهم يسمعون فقط ولا يفكرون مثلهم مثل بقية الناس يعجبون بالألفاظ ويرددونها دون أن يفهموا معناها وهنا كانت القصيدة كفرا فالقلوب التى على الأرض حلت عند الله- مع أن الله ليس فى مكان – بقربه ولا طريقة لهذا حتى على فرض أن الله فى السماء – وهو فرض محال- والقائل يكتم علمه عن الناس وهو علمه بالله مع أن الله يطالب المسلم بنشر علمه للمسلمين وأنشد القوال:
نهانى حيائى منك أن أكشف الهوى وأغنيتنى بالفهم منك عن الكشف
تلطفت فى أمرى فأبديت شاهدى إلى غائبى واللطف يدرك باللطف
تراءيت لى بالغيب حتى كــأنما يبشرنى بالغيب أنك فى الكـف
أراك وبى من هيبتى لك وحشـة فتؤنسنى باللطف منك وبالعطف
وتحيى محبا أنت فى الحب حتفـه وذا عجب كون الحياة مع الحتف
وهى أبيات كلها خبل فما معنى فأبديت شاهدى إلى غائبى فالإنسان كله شاهد ليس منه غائب ورؤية القائل لله "تراءيت لى "وأراك "مع أنه قال لموسى(ص)"لن ترانى "وما معنى أن الحياة مع الحتف ؟أليس هذا جنونا أن تكون الحياة بجانب الموت فى المحب ؟إن المحب حى لا يلقى حتفه بدليل قوله "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم "وحياة المحب هى فى الجنة أى الدار الأخرة كما قال "وإن الدار الأخرى لهى الحيوان "أى الحياة الحقة السعيدة وقال القوال :
كانت لقلبى أهواء مفرقـــة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائـى
فصار يحسدنى من كنت أحسده وصرت مولى الورى مذ صرت مولاى
تركت الناس دنياهم ودينهـم شغلا بذكرك يا دينى ودنيـــاى
قلت آه من الكفر رؤية العين لله ، الإتحاد بالله حتى أصبح العبد والإله واحد فالعبد أصبح هو الله مولى الورى وإتحاد الكل بالله حتى صار الحاسد محسودا والمحسود حاسدا ثم ختم القوال الوصلة الأولى بقولهم :
أحبك حبـين حب الهوى وحبا لأنــــك أهل لذاكا
فأما الذى هو حب الهوى فشغلى بـذكرك عمن سواكا
وأما الذى أنــت أهل له فكشفك لى الحجب حتى أراكا
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لى ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا
قلت كلامها كفر فهى الله يكشف لها الحجب ولم يكشف لموسى (ص)أى حجاب ولما أنهى القوال الوصلة الأولى قلت لأبى إيش رأيك ؟فقال كفر اختلط بإسلام فاسمع ثم فى البيت نتحدث وفى أثناء راحة القوال وزع على الحضور شراب اللوز البارد فشربوا منه ومنهم من استزاد السقاة ثم بدأ القوال ينشد :
لا تخدعن فللحبيب دلائــل ولديه من تحف الحبيب وسائل
منها تنعمه بمـــــر بلائه وسروره فى كل ما هو فاعل
فالمنع منه عطية مقبولـــة والفقر إكــرام وبر عاجل
ومن الدلائل أن ترى من عزمه طوع الحبيب وإن ألح العاذل
ومن الدلائل أن يـرى مبتسما والقلب فيه من الحبيب بلابل
ومن الدلائل أن يـرى متفهما لكلام من يحظى لديه السائل
ومن الدلائل أن يـرى متقشفا متحفظا من كل ما هو قائل
ومن الدلائل أن تراه مـشمرا فى خرقتين على شطوط الساحل
ومن الدلائل حزنه ونحيبــه جوف الظلام فما له من عاذل
ومن الدلائل أن تراه مسافـرا نحو الجهاد وكـل فعل فاضل
ومن الدلائل زهده فيما يرى من دار ذل والنــعيم الزائل
ومن الدلائل أن تراه باكيــا أن قد رأه على قبيـح فعائل
ومن الدلائل أن تراه مسلمـا كل الأمور إلى المليك العـادل
ومن الدلائل أن تراه راضيـا بمليكه فى كل حكم نــازل
ومن الدلائل ضحكه بين الورى والـقلب محزون كقلب الثاكل
قلت هذا والله أفضل مما سبق وإن كان لا يخلو من مخالفة للقرآن حيث سمى الفقر إكرام وبر عاجل وما هو إلا ابتلاء كما قال بسورة البقرة "ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون "وجعل المنع عطية وهو تناقض فكيف يكون المانع للشىء معطيا إياه بمنعه ؟وأنشد القوال :
عجبت لمـــن يقول إلفى وهل أنسى فأذكر ما نسيت
أموت إذ ذكرتــك ثم أحيا ولولا حسن ظنى ما حييت
فأحيا بالمنى وأموت شــوقا فكم أحيا عليك وكم أموت
شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفد الشرب وما رويت
فليت خياله نصب لعيــنى فإن قصرت فى نظرى عميت
وهو كلام كله تخريف فذكر الله موت مع قوله "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم "فذكر الله حياة من ضمن الدعوة وجعل لله خيال سبحانه وتعالى عن هذا .
سمعت من أبى ما زاد استغرابى من نية صاحبه إسماعيل أن يتتلمذ على يد سهل الصوفى وهو صاحب أبى ويسمع منه ما يقال فى التصوف والصوفية وقد طار صوابى منى وأنا أراه يرتدى الخرقة فلم أشعر إلا وأنا أعرض عنه ولا أرد السلام الذى ألقاه على وأتركه وأنا غاضب لمكان بعيد وظللت أسير حتى وصلت لشاطىء النهر فجلست عليه ووضعت قدمى فى المياه واستمررت أضرب بها فى الماء ثم غسلت وجهى فأحسست براحة فى قلبى وأن غضبى على العم بدأ فى الزوال فقلت لنفسى :
كان ينبغى أن تناقشه لا أن تخاصمه وتهجره ،كان ينبغى أن تبين له الصواب من الخطأ بدلا من أن تتركه ينساق وراء هذا الشيخ وقمت من مجلسى وذهبت للبيت وبدأت أتصفح بعض الكتب فى مكتبة أبى ولم أستطع القراءة بتركيز كانت عيناى تمران على السطور مرور الكرام ولكن عقلى كان بعيدا يفكر فى العم وقمت ودخلت حجرتى واستلقيت على الفرش ولم أستطع النوم عقلى متحير نفضت عنى الغطاء وأسرعت للخروج من البيت ووجدت نفسى تقود جسمى لبيت أو عشة سهل الصوفى خارج البلدة وعندما اقتربت منه ألقيت عليه السلام فرده باشمئزاز فقلت له حدثنى عن خرقتكم فقال الخرقة يا بنى هى إرتباط بين الشيخ والمريد وتحكيم من المريد للشيخ فى نفسه قلت إذا هى علامة العبودية فابتسم وقال بل علامة توقير الشيخ فالشيخ أعلم فمثلنا ومثل المريد كمثل العبد الصالح الخضر ومثل موسى فقد اشترط على موسى لكى يعلمه أن يطيعه طاعة عمياء فقلت له ولكنهما لم يكونا شيوخا ولا مريدين لأن الشيخوخة لا تتفق مع العلم فقد قال تعالى بسورة النحل "ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علم شيئا "فالإنسان عندما يبدأ فى الشيخوخة يبدأ فى نسيان العلم فكيف يكون معلما ؟قال من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان فقلت ضاحكا كان لليهود وللنصارى وللصابئين وللمجوس ولغيرهم من الأمم أساتذة فهل هم على الحق لمجرد وجود أساتذة لهم ؟فرد أتنكر وجوب وجود معلمين للناس ؟فقلت إن المعلم قد يضل ولكن الله جعل هناك معلما ثابتا ليس من الناس وهو كتاب الله حتى يتحاكم المعلم والتلاميذ له إن حدث خلاف أو ضلال وفى هذا قال بسورة الشورى "وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله" فقال يا بنى إن الشيخ فى أمة محمد كالنبى فى بنى إسرائيل فضحكت وقلت حتى الحديث أنت لا تحسنه فالحديث رغم أنه لم يثبت فى النسبة للنبى (ص)يقول العالم فى أمتى كالنبى فى بنى إسرائيل"أو "علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل" فقال سهل إن الشيخ يكون متخلق بأخلاق الله من معنى قول الله تعالى "ألا طال شوق الأبرار إلى لقائى وإنى إلى لقائهم لأشد شوقا "ومن ثم فالمريد يكون جزء من الشيخ كما أن الولد جزء من الوالد بالولادة الطبيعية فقلت له سأوافقك على كلامك رغم أن الله لا يشتاق لأحد لأنه غنى عن كل شىء ومع هذا هل تعنى أن المريد فى النهاية لابد أن يساوى الشيخ؟فأجاب قائلا ليس كل المريدين فكما قال ابن سينا فى كتاب الإشارات "جل جناب الحق أن يكون شرعه لكل وارد أو يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد "فضحكت وقلت معنى هذا أن النبى (ص)الذى تقول أن تصوفك مبنى على دينه الإسلام كان كاذبا عندما أبلغ الرسالة أى الشرع أى الإسلام لكل الناس والشرع كما تقول لا يطلع أحد عليه إلا قلة ودعنى أسألك من يحدد الشيخ أنت أم من فقال الرجل الله فقلت نعم الله هو المحدد لكل شىء ومن ضمنها أنك تقول أنك شيخ وفلان يقول أنه شيخ وحتى أنا من الممكن أن أقول أنى شيخ ومع هذا لا تقدر على تكذيبى لأنى عند نفسى شيخ والشيخ لا يكذب لأنه متخلق بأخلاق الله .