قراءة فى بحث عين الشيطان في الثقافات القديمة حول العالم
صاحب البحث حسين سالم عبشل وهو يدور حول عين الشيطان وهو يقصد بها عين الحسود وليس أى عين أخرى وقد تحدث فى مستهل البحث عن اعتقاد الكثير من الأمم أن الشرير وهو الإنسان تخرج من عينه اشعاعات تقوم بإمراض أو قتل أو ايذاء الأخرين وأملاكهم ومن يحبون ومن ثم صنع المعتقدون التمائم وغيرها للحماية من هذا الضرر المزعوم فقال :
"على الرغم من الغموض الشديد الذي يلف عالم السحر والجن و عين الحسد الذي لم نستطع فتح تشابك خيوطه حتى الأن إلا أن شعوب الحضارات القديمة استطاعت التفريق بين السحر و عين الشيطان أو كما يُسمى بعين الحسود و قد وُجدت نقوش و رسومات أثرية على الجدران و مخطوطات تتحدث عن الإصابة بالحسد و كيف أن العين قد تسبب المرض أو سوء الحظ و قد أعتقد اليونانيون والرومان أن عين الحاسد تطلق إشعاع يصيب الأنسان والجماد كما يصيب السهم الطريدة حتى أنهم قد صنعوا التمائم والتعويذات التي تحميهم من شر تلك العين الحسود و لعل أشهر تلك التمائم هي تلك القطعة الزجاجية الزرقاء التي تكون على شكل عين و قد انتشرت هذه التميمة في منطقة ايجة أو ما تُعرف اليوم بتركيا، و مناطق البحر الأبيض المتوسط و قارة أسيا والوطن العربي و لا زالت تُستخدم حتى اليوم."
وتحدث عن مواصفات الحسود فى الثقافات المختلفة وهى تحديقه المستمر فى الناس والأشياء وحديثه السلبى ومواصفات خاصة بالعين فقال :
"مواصفات من تجسدت به عين الحسد
الحسود ينظر إلى ما بيد غيره من المؤكد أن الشخص الذي يعتقد أنه يملك القدرة على إلحاق الأذى بالأخرين و ممتلكاتهم بواسطة عين الحسد، يكون منبوذ من الناس و لا يرغب أحداً بالاقتراب منه و لعل أهم صفة يميزه الناس بها هي تحديقه المستمر بالأخرين و ممتلكاتهم و تحدثه بكلمات تحمل تأثير سلبي يكون مضمونه الحسد والتذمر، و بالأساس يكون هذا الشخص فاقداً للشيء الذي يحسده و بما أن تلك القوة تتركز بعين هذا الشخص فقد أعتقد كثير من الناس أن لون العين و شكلها يحدد فيما إذا كان الشخص يمتلك تلك القوة أم لا توافقت أغلب الأوصاف أن هذا الشخص يملك عينين ذات منظر حاد حيث تكون حدقة العين منحسر بالوسط واغلب مساحة عينه تميل إلى البياض، هذا بالإضافة إلى حدة حواجب العين التي تظهره بمظهر الشخص الغاضب و تختلف هذه الصفات من بلد إلى أخر ففي ألمانيا كان الناس يعتقدون أن الاشخاص ذوي حدقات العين البنية يملكون عين الحسد، أما في إيرلندا فأعتقد الناس أن الاشخاص المصابون بحول أو انحراف بالعين يمتلكون تلك القوة و في إيطاليا أعتقد الناس أن حواجب العين المتصلة صفة أساسية لهؤلاء الأشخاص ذوي الأعين الشيطانية و في المناطق الأسيوية واجزاء من أفريقيا ظن الناس أن علامات الشر تتجسد بالأشخاص ذوي العيون الزرقاء أو الخضراء، أما الصفات العامة فقد يكون الشخص قصير القامة مصاب بعاهة أو فقير معوز لهذا يحسد الأخرين و هذا وصف غير دقيق، فمن أمتلك نفساً خبيثة لن تشبعه كنوز العالم."
واختلاف الثقافات فى تحديد لون العين ما بين بنى وزرقاء وخضراء ومواصفاتها كالحول او اتصال الحواجب وكثرة بياض العين يؤكد أن هذا الاعتقاد كاذب لأنه لو كان صادق لاتحدوا فى التحديد
وتحدث عن طرق الوقاية من العين الشريرة فى الثقافات فقال :
"طرق الوقاية والعلاج من عين الشيطان
كانت أبرز الطرق للوقاية من عين الحسد عبر التمائم والتعويذات التي يرتديها الناس في العصور القديمة كقلائد وحلي تحوي على نقوش ورسوم قد تكون رموز مقدسة أو على شكل عين وقد وُجد رسم العين على كثير من القطع الأثرية والسفن القديمة، حيث أعتقد القدماء أنها تدفع عنهم العين الحاسدة.
وقد اشتهرت اليونان منذ قديم الزمان بكونها عاصمة الحضارة والثقافة و كان لها دور هام بترسيخ تلك المعتقدات حيث كان يُطلق عيها أسم ماتي Mati وقد أبتكر اليونانيون عدة طرق للكشف وعلاج أثار العين الحاسدة، وابرز طرق الكشف عنها هي طريقة تلاوة تراتيل تطلب العون من الآلهة و بواسطة أواني خاصة تستخدم لذلك الغرض و في حال أُصاب المشعوذ والمصاب بالتثاؤب الشديد فهذا يدل على الإصابة بعين الحسود أما الطريقة الأخرى فهي استخدام قطرات زيت الزيتون حيث يتم وضع قطرة من زيت الزيتون في وعاء فيه ماء و مراقبتها جيداً و في الحالة الطبيعية تطفو قطرة الزيت لكون كثافتها أقل من كثافة الماء أما في حال أن قطرة الزيت غطست للأسفل فهذا دليل على وجود تلك العين الشريرة كما أن قطرات الزيت لو ظلت منفصلة عن بعضها فهذا يدل أن الشخص غير مصاب بالعين أما في حال اندماج القطرات مع بعضها فهذا دليل على وجود عين الشر أما الطريقة الاخيرة فيتم فيها استخدام حبات القرنفل، فبعد غرزها بالدبابيس يتم تمريرها على رأس المريض والتلويح بها بشكل متقاطع و يطلب الكاهن من المريض أن يفكر بالشخص الذي من المحتمل أن يكون قد اصابه بالعين ثم يقوم الكاهن بوضع حبات القرنفل في النار و في حال احتراق حبات القرنفل بهدوء فهذا دليل على سلامة الشخص من المرض أما إذا احدثت تلك الحبات فرقعة و دخان كثيف فهذا دليل على أن الشخص مصاب بذلك الشر، و يتم جمع الرماد و دفنه بالأرض حتى يتلاشى شر تلك العين.
أما في روما القديمة فكان الناس يضعون تمائم تحمل إيحاء جنسي، حيث كانت تشبه إلى حد كبير الأعضاء التناسلية حتى تشعر العين الحسود بالخزي و تبتعد عنهم أما الإيطاليون أحفاد الرومان فقد كانوا في قمة الأناقة حيث استخدموا تمائم يُطلق عليها cornicello أو كما يُعرف بالقرن الصغير و هو عبارة عن قرن منحني قليلاً مصنوع من المرجان الأحمر أو من الذهب والفضة يتم ارتدائها كقلادة حول العنق، و هناك أيضا اشارات أصابع اليد، حيث يشير الإيطاليون إلى صاحب عين الحسد بأصابع أيديهم بإشارات تحمل مضمون جنسي حتى يتجنبوا شره و في المكسيك وامريكا الجنوبية تأثر سكانها بالثقافة الإسبانية و مزجو بينها و بين حضارة الازتك والمايا وأعتقد الناس بالمكسيك أن عين الشر أو كما تُسمى مال دي أوجو Mal de ojo تصيب الأطفال الرضع بشكل أساسي كون أجسادهم ضعيفة و كونهم أغلى ما تملكه الاسرة، و لهذا يتم تزيين أيدي وارجل الأطفال بأسوار منقوش عليها رموز تشبه عين الحسد و عندما تشك الأسرة بأي شخص يحتمل أن يصيب أطفالهم بعين الحسد فأنهم يطلبون منه أن يلمس الاطفال حتى يبطل مفعولها و لا يصيبهم بأذى أما طريقة العلاج المتبعة بالمناطق الريفية والمنعزلة بالمكسيك فالبيض النيء عنصر أساسي بتلك الطقوس حيث يقوم الكاهن بتمرير بيضة دجاج نيئة حول جسد المريض عدة مرات ثم يقوم بكسرها في كأس من الماء و يتركها تحت فراش المريض بجانب رأسه حتى الصباح ثم ينظر إليها فإذا لم يتغير شكلها دل ذلك أن الرجل غير مصاب بعين الشر أما إذا تغير شكلها واصبحت مثل البيضة المطبوخة دل ذلك على أن الشخص مصاب بعين الشر، و يجب التخلص من تلك البيضة كونها اصبحت ملوثة بالشر ويتعافى المريض فوراً من الضعف والغثيان والإسهال الذي كان يعاني منه. أما في شمال الهند فيطلق عليها اسم دريشتي Drishti و يحمل نفس المعنى وهو العين الشريرة و لتجنبها يقوم الأهل بتزيين أعين أطفالهم و نساءهم بالكحل الأسود لتجب شر عين الحسد، أما ممتلكاتهم من حيوانات و سيارات فيتم رسم بعض الرموز والحروف المقدسة عليها كرمز أوم المقدس بالديانة الهندوسية، أما في جنوب الهند فيطلق عليها أسم ديستي Disti و تتم إزالتها باستخدام الملح الصخري والفلفل الأحمر، ملفوف بقطعة قماش مدهونة بالزيت، حيث يُطاف بهذه القطعة حول المريض ثم يتم أحراقها.
واشتهرت تركيا بصنع خرزة العين الزرقاء أو ما يُطلق عليها بالتركي Nazar نزرة ويتم صنعها من الزجاج والياقوت الأزرق ويرجع سبب اختيار اللون الأزرق إلى كونه من الألوان الثلاث الأساسية حيث أعتقد القدماء أن الالوان ثلاثة هي الأحمر لون الدماء التي توهب الحياة والأخضر لون الأشجار والأزرق لون السماء حيث توجد الآلهة، و قد انتشرت انتشاراً واسع بالوطن العربي لكون تركيا كانت عاصمة الخلافة العثمانية و قد طورها العرب و جعلوها تشبه الكف بخمسة اصابع و في وسطها تقع عين الحسد و قد أحتفظ الأتراك بشيء خاص بهم و هو صناعة اللحاف والسجاد حيث يتم رسم أشكال هندسية خاصة يُعتقد أنها تقي من العين و يتم إهداءها للعروس حتى تحميها من العين."
وكل هذه الاختلافات فيما بين الثقافات تؤكد علىشىء واحدوهو :
ان الكهنة الذين اخترعوا خرافة العين الشريرة أرادوا من خلف نشرها بين الناس بيع منتجات بعينها للمغفلين وهم يعلمون أنه لا وجود لأضرار العين المزعومة فالغرض فى الأساس هو ادخال أموال لجيوب الكهنة بلا تعب من خلال بيه مانعات الضرر الحسدى
الحسدكما فىالقرآن ليس سوة تمنى نفسى لا يخرج من جسد الإنسان اشعاع لعمله كما قال تعالى :
" حسدا من عند أنفسهم "
وبين الله أن ما يؤذى هو أن الحاسد يحول تمنيه النفسى وهو القلبى لشر فعةل عن طريق اليد سواء كان قتلا أو جرحا أو اشعالا للنار فى الممتلكات أو سم الحيوانات أو ما شابه
وتحدث عن اختلاف الأقوام فى المانعات المزعومات والتى انقرضت فى بلدته فقال :
"لا شك أن لكل منطقة عادات و تقاليد لطرد تلك العين الشريرة واتذكر عندما كنت صغير كنت أشاهد بعض الأحذية القديمة المعلقة على السيارات أو سياج الحديقة و عندما كنت أسأل يقولوا لي: أنها تحمي من العين والحسد و تجعل الحاسد يبعد نظرة عن ذلك الحذاء القديم، طبعاً هذه عادة اندثرت و لم تعد موجودة بمدينتي مدينة عدن باليمن"
قطعا الحسد ما زال موجودا وما زالت مانعات ضرر المزعومة تباع فى كل مكان
ونحا الباحث منحى أخر فى البحث فذكر حكاية طويلة ليؤكد وجود العين الشريرة ووجوب حربها بخرافة المانعات فقال :
"جريمة بسبب عين الشيطان
تنبأت بموت زوجها ابتدأت الاحداث عام 1910 م بقرية رينج تاون الواقعة ضمن ولاية بنسلفانيا، حيث عاشت السيدة سوزان مومي برفقة زوجها هنري، ذلك العامل الفقير الذي يقضي نهاره في طاحونة القرية ليكسب قوت يومه بينما تنشغل سوزان بعمل المنزل، كانت حياتهما طبيعية جداً حتى تعرضت سوزان لكوابيس أقضت مضجعها و حرمتها من النوم الهانئ، أخبرت زوجها عن تلك الكوابيس و خوفها الشديد عليه من تعرضه لمكروه إذا ذهب إلى العمل بذلك الطاحون يوم 5 يوليو حسب ما رأته بتلك الكوابيس، حاول هنري طمأنتها واخبرها أنه لا يستطيع التغيب عن عمله كونه فقير و غير مستعد لفقدان أُجرة ذلك اليوم، اشتكت سوزان لصديقاتها بالقرية واخبرتهم عن كوابيسها و لكن دون جدوى، و في ذلك اليوم ودعت سوزان زوجها بخوف والدموع تذرف من عينيها، لم يعر هنري أي اهتمام لدموعها و توسلاتها و مضى في طريقه إلى العمل، عادت سوزان إلى المنزل متمنية أن تكون تلك مجرد كوابيس، و مع غروب الشمس جاءت الاخبار المفجعة لتهز قلب سوزان المرتجف، لقد قُتل هنري بسبب انفجار الطاحون و تقطع جسده إلى أشلاء، و بالرغم من المصيبة التي حلت بها فأنها لم تجد من يواسيها، بل على العكس فقد سرت الشائعات حول سوزان بأنها ساحرة شريرة و نذير شؤم تسببت بموت زوجها، و لم يمضِ وقت طويل حتى نبذها الناس و صارت معزولة عن أهل القرية الذين أتهموها أنها ساحرة و تصيب الاخرين بعين الحسد.
ربما أن حظ سوزان السيء قد ورطها بالتواجد في أماكن حصول الكوارث والمصائب مما جعل الناس يتهمونها بتلك التهم، لم يكن هناك خيار أمام تلك الأرملة المكلومة إلا الرحيل من تلك القرية وانتقلت للعيش في أرض تبعُد ميلين و نص عن قريتها، و هناك قامت بفلاحة و زراعة الأرض لكي توفر قوت يومها. شعرت سوزان بالوحدة كونها لم ترزق بطفل و لهذا قررت الذهاب إلى دار الأيتام لتبني طفل، و هناك وقعت عيناها على طفلة يتيمة أسمها توفيليا كانت مصابة بإعاقة بسبب حمى شديدة أصابتها، تحركت عاطفة الأمومة لدى سوزان و قررت تبي تلك الطفلة، ربما اختارتها لأن حظها التعيس يشبه حظ هذه الطفلة اليتيمة، عاشت توفيليا بمنزل سوزان التي اعتبرتها كأمها، و في عام 1934م أنضم إليهم جاكوب ريس بعدما وجدته سوزان مصاب بجروح بليغة و قررت نقله إلى بيتها لعلاجه، فسوزان كانت مشهورة بقدرتها العجيبة على علاج الجروح بالرغم من النحس والإشاعات التي تحيط بها، و هناك صار جاكوب فرد من تلك العائلة الصغيرة
و في ليلة السبت 17 مارس من نفس العام و بينما كانت سوزان تقوم بتغيير ضماد جرح جاكوب والفتاة توفيليا ممسكة بمصباح الزيت لتضيء لها المكان، دوى صوت انفجار عنيف على أثره تناثر زجاج النافذة واوقعت توليفيا المصباح على الأرض و عم الظلام المكان، لم يعلم سكان المنزل ما سبب ذلك الانفجار و ما هي إلا لحظات حتى تكرر ذلك الصوت وهنا أيقنوا أنهم يتعرضون لإطلاق النار وانبطحوا على الأرض لتجنب تلك الطلقات الغادرة، عم الصمت المكان إلا من صوت بكاء توفيليا و زحف جاكوب في الظلام الدامس حتى أستطاع الإمساك بالمصباح واشعاله، وهنا صُدم الأثنان بمشهد مروع حيث كانت سوزان مرمية على الأرض والدم ينزف من الجرح الغائر في صدرها، كانت إصابة سوزان قاتلة ولفظت أنفاسها على الفور، لم يكن أمام جاكوب ما يمكن فعله غير احتضان المسكينة توفيليا و محاولة تهدئتها حتى بزوغ الفجر.
و مع ساعات الفجر الأولى أنطلق جاكوب رغم أصابته و قطع مسافة ميل مشياً على الأقدام واستعان بأحد الجيران لإيصاله إلى المدينة على عربة تقودها الخيول، و هناك أبلغ جاكوب الشرطة بما حصل تلك الليلة، و تم أرسال عدد من رجال الشرطة مع أحد المحققين إلى القرية. فرح الناس كثيراً بمقتل سوزان و لم يتعاون أي منهم مع الشرطة مما وضع المحقق في موقف محرج فلم تتوفر لديه سوى النزر اليسير من المعلومات، و كل ما لديه من معلومات أن الجريمة حصلت الساعة 8 المساء، ليلة السبت هذا بالإضافة إلى نتائج التشريح التي أوضحت أن الطلقة قد اخترقت الجانب الأيمن من صدر سوزان مروراً بالرئة والقلب ثم استقرت بالمعدة، و بعد 3 أيام تقدم صبي إلى المحقق واخبره عن رؤيته لسيارة متوقفة مساء ذلك اليوم بنفس الطريق المؤدي إلى منزل سوزان، و من خلال مواصفات السيارة استطاعت الشرطة تحديد هوية مالك السيارة بسهولة لكون السيارات نادرة الوجود بتلك القرية النائية، أنه ألبرت شينسكي ذلك الشاب ذو 23 عاماً، في البداية لم يصدق أحد أنه من الممكن أن يقوم ذلك الشاب الهادئ المحبوب بين الناس وابن أسرة شينسكي ذات المكانة العالية بالمجتمع، لم تصدق حبيبته الجميلة سلينا بيرنستيل ما قيل عن صديقها فقد وعدها أنه سوف يتقدم لخطبتها في القريب العاجل، واثناء التحقيق معه حول مقتل السيدة سوزان، اعترف ألبرت أنه هو من قام بقتلها بواسطة بندقية أستعارها من صديقه و وضع فيها طلقات سحرية لقتل تلك العجوز الشريرة، و عندما سأله المحقق عن الأسباب التي دفعته لقتلها، قال ألبيرت: أنها أمرأه شريرة و كان لا بد من قتلها حتى تزول لعنتها عني، و هنا بدأ ألبيرت يخبر المحقق قصته الغريبة: عندما كنت بعمر 17 عام عملت كفلاح في أحد مزارع القرية، لقد كنت فتى نشيطاً واعمل بجد، و كان صاحب المزرعة يثني على عملي الجاد و يمتدحني، كان العمل أكثر من رائع و لم ينغصه إلا تلك الجارة السيئة التي كانت بينها و بين صاحب المزرعة مشاكل حول حدود المزرعة فقد كانت تدعي أننا قد تجاوزنا حدود مزرعتها، و في يوم من الأيام و بينما كنت أقوم ببعض الأعمال في أطراف المزرعة رأيت تلك السيدة تختبئ خلف أحدى الاشجار و تنظر إلي بنظرات غريبة، كانت نظرات يملؤها الحقد والشر، أقسم لك أيها المحقق أنني شعرت بدبابيس تخترق جسدي، و شعرت بأيدي خفية تخنقني، و تصبب العرق البارد من جسدي، و منذ ذلك اليوم وانا أشعر بالكسل والإرهاق الشديد و لم أعد أنام بسبب الكوابيس التي تلاحقني، عندما أنام فأني أرى قط أسود يحدق بي بعينيه الخضراوين و يتضاعف حجمه حتى يغطي كامل الغرفة و يقوم بخنقي، لقد تركت العمل بتلك المزرعة و حاولت أن أعمل بمنطقة أخرى كسائق أنقل عمال المنجم بسيارتي، لكني توقفت عن العمل لضعف جسدي و صرت طريح الفراش، أخبرت عائلتي بما يحصل لي فسخروا مني، حاولت العلاج عند الأطباء والمشعوذين و لكن دون جدوى، ذهبت إلى سوزان و رجوتها أن تزيل تلك اللعنة عني و لكنها رفضت طلبي، لم يكن أمامي من خيار أخر سوى قتلها، أخذت البندقية و حشوتها بتلك الطلقات السحرية ثم تسللت إلى مزرعتها ليلاً واطلقت عليها النار، و في تلك اللحظة شعرت أنني تحررت من لعنتها إلى الأبد و زالت عني تلك القيود التي كبلت جسدي لسنين عديدة، أنا سعيد الأن و لا أخشى الإعدام بالكرسي الكهربائي.
القاتل البرت شينسكي اضطرت الشرطة لنقل المتهم إلى سجن المدينة بسرعة بسبب احتشاد العشرات من سكان القرية المتعاطفين مع ألبرت حول السجن، بعدها نقل ألبرت إلى المحكمة و هناك عُرضت ملفاته الطبية التي تثبت خلوه من الأمراض النفسية و رغم ذلك برر الأطباء ما حصل أنه من الممكن أن يكون ألبرت مصاب جنون الارتياب، و بعد أستماع القاضي لجميع الأطراف، حكمت المحكمة بحجز ألبرت في مصح فايرفيوالسيء السمعة حتى يتم علاجه، حاولت سيلينا بيرنستيل التواصل مع حبيبها البرت و عرضت عليه الزواج و هو بهذه الحالة و لكنه رفض ذلك و تزوجت برجل أخر بعد عدة سنين، أما ألبرت فقد قضى 41 عام في ذلك المصح الذي كان أقل ما يُقال عنه أنه الجحيم بعينه، فالأطباء والممرضون بذلك المستشفى كانوا قساة و مات العديد من المرضى بسبب معاملتهم السيئة، و بعد تلك السنين القاسية قام المحامي ويليام كرينسويتز بمسح الغبار عن قضية ألبيرت واعاد فتحها من جديد، واقنع البرت بالاعتذار و طلب الصفح، و بالمحكمة وقف ذلك العجوز الذي أفنى شبابه بذلك المصح و قدم اعتذاره و ندمه على ما حصل و تم الأفراج عنه عام 1975م ليموت بعد ذلك ب 8 سنوات."
وبعد هذه الحكاية التى تدل على إيمان الناس بالخرافة تحدث الباحث عن كون العين الشريرة موجودة فقال تحت عنوان ملاحظات :
"ملاحظات :
ربما يقول البعض أن تلك العين الشريرة مجرد نظرات أو كلمات سيئة تصيب الشخص بالوهم و تأثر في معنوياته فيمرض أو يصيبه الفشل، و لكن الحيوانات والجماد لا تفهم و لا تملك مشاعر فكيف يصيبها الضرر؟ أن أنتشار الاعتقاد بوجود عين الشر والحسد بين الحضارات والشعوب دليل على حضورها القوي الذي لا يمكن تجاهله"
وناقض نفس فى أخر جملة بالقول أن تلك العادات غير صحيحة فقال :
"أما بخصوص قضية مقتل سوزان مومي واعتقاد البرت شينسكي أنها قد أصابته باللعنة بنظراتها الشريرة، فربما كانت بسبب الشائعات التي نُسجت حول تلك السيدة، هذه القضية تجعلني أطرح سؤال هل ينتهي مفعول العين الحاسدة بموت الحاسد؟ حاولت البحث عن حالات شُفيت من العين بعد موت صاحب العين الحاسدة و لكني لم أجد أي معلومات مؤكدة، بالأخيرة هذه مقالة تتحدث عن عادات الشعوب و لا تعني أن تلك العادات صحيحة. "
صاحب البحث حسين سالم عبشل وهو يدور حول عين الشيطان وهو يقصد بها عين الحسود وليس أى عين أخرى وقد تحدث فى مستهل البحث عن اعتقاد الكثير من الأمم أن الشرير وهو الإنسان تخرج من عينه اشعاعات تقوم بإمراض أو قتل أو ايذاء الأخرين وأملاكهم ومن يحبون ومن ثم صنع المعتقدون التمائم وغيرها للحماية من هذا الضرر المزعوم فقال :
"على الرغم من الغموض الشديد الذي يلف عالم السحر والجن و عين الحسد الذي لم نستطع فتح تشابك خيوطه حتى الأن إلا أن شعوب الحضارات القديمة استطاعت التفريق بين السحر و عين الشيطان أو كما يُسمى بعين الحسود و قد وُجدت نقوش و رسومات أثرية على الجدران و مخطوطات تتحدث عن الإصابة بالحسد و كيف أن العين قد تسبب المرض أو سوء الحظ و قد أعتقد اليونانيون والرومان أن عين الحاسد تطلق إشعاع يصيب الأنسان والجماد كما يصيب السهم الطريدة حتى أنهم قد صنعوا التمائم والتعويذات التي تحميهم من شر تلك العين الحسود و لعل أشهر تلك التمائم هي تلك القطعة الزجاجية الزرقاء التي تكون على شكل عين و قد انتشرت هذه التميمة في منطقة ايجة أو ما تُعرف اليوم بتركيا، و مناطق البحر الأبيض المتوسط و قارة أسيا والوطن العربي و لا زالت تُستخدم حتى اليوم."
وتحدث عن مواصفات الحسود فى الثقافات المختلفة وهى تحديقه المستمر فى الناس والأشياء وحديثه السلبى ومواصفات خاصة بالعين فقال :
"مواصفات من تجسدت به عين الحسد
الحسود ينظر إلى ما بيد غيره من المؤكد أن الشخص الذي يعتقد أنه يملك القدرة على إلحاق الأذى بالأخرين و ممتلكاتهم بواسطة عين الحسد، يكون منبوذ من الناس و لا يرغب أحداً بالاقتراب منه و لعل أهم صفة يميزه الناس بها هي تحديقه المستمر بالأخرين و ممتلكاتهم و تحدثه بكلمات تحمل تأثير سلبي يكون مضمونه الحسد والتذمر، و بالأساس يكون هذا الشخص فاقداً للشيء الذي يحسده و بما أن تلك القوة تتركز بعين هذا الشخص فقد أعتقد كثير من الناس أن لون العين و شكلها يحدد فيما إذا كان الشخص يمتلك تلك القوة أم لا توافقت أغلب الأوصاف أن هذا الشخص يملك عينين ذات منظر حاد حيث تكون حدقة العين منحسر بالوسط واغلب مساحة عينه تميل إلى البياض، هذا بالإضافة إلى حدة حواجب العين التي تظهره بمظهر الشخص الغاضب و تختلف هذه الصفات من بلد إلى أخر ففي ألمانيا كان الناس يعتقدون أن الاشخاص ذوي حدقات العين البنية يملكون عين الحسد، أما في إيرلندا فأعتقد الناس أن الاشخاص المصابون بحول أو انحراف بالعين يمتلكون تلك القوة و في إيطاليا أعتقد الناس أن حواجب العين المتصلة صفة أساسية لهؤلاء الأشخاص ذوي الأعين الشيطانية و في المناطق الأسيوية واجزاء من أفريقيا ظن الناس أن علامات الشر تتجسد بالأشخاص ذوي العيون الزرقاء أو الخضراء، أما الصفات العامة فقد يكون الشخص قصير القامة مصاب بعاهة أو فقير معوز لهذا يحسد الأخرين و هذا وصف غير دقيق، فمن أمتلك نفساً خبيثة لن تشبعه كنوز العالم."
واختلاف الثقافات فى تحديد لون العين ما بين بنى وزرقاء وخضراء ومواصفاتها كالحول او اتصال الحواجب وكثرة بياض العين يؤكد أن هذا الاعتقاد كاذب لأنه لو كان صادق لاتحدوا فى التحديد
وتحدث عن طرق الوقاية من العين الشريرة فى الثقافات فقال :
"طرق الوقاية والعلاج من عين الشيطان
كانت أبرز الطرق للوقاية من عين الحسد عبر التمائم والتعويذات التي يرتديها الناس في العصور القديمة كقلائد وحلي تحوي على نقوش ورسوم قد تكون رموز مقدسة أو على شكل عين وقد وُجد رسم العين على كثير من القطع الأثرية والسفن القديمة، حيث أعتقد القدماء أنها تدفع عنهم العين الحاسدة.
وقد اشتهرت اليونان منذ قديم الزمان بكونها عاصمة الحضارة والثقافة و كان لها دور هام بترسيخ تلك المعتقدات حيث كان يُطلق عيها أسم ماتي Mati وقد أبتكر اليونانيون عدة طرق للكشف وعلاج أثار العين الحاسدة، وابرز طرق الكشف عنها هي طريقة تلاوة تراتيل تطلب العون من الآلهة و بواسطة أواني خاصة تستخدم لذلك الغرض و في حال أُصاب المشعوذ والمصاب بالتثاؤب الشديد فهذا يدل على الإصابة بعين الحسود أما الطريقة الأخرى فهي استخدام قطرات زيت الزيتون حيث يتم وضع قطرة من زيت الزيتون في وعاء فيه ماء و مراقبتها جيداً و في الحالة الطبيعية تطفو قطرة الزيت لكون كثافتها أقل من كثافة الماء أما في حال أن قطرة الزيت غطست للأسفل فهذا دليل على وجود تلك العين الشريرة كما أن قطرات الزيت لو ظلت منفصلة عن بعضها فهذا يدل أن الشخص غير مصاب بالعين أما في حال اندماج القطرات مع بعضها فهذا دليل على وجود عين الشر أما الطريقة الاخيرة فيتم فيها استخدام حبات القرنفل، فبعد غرزها بالدبابيس يتم تمريرها على رأس المريض والتلويح بها بشكل متقاطع و يطلب الكاهن من المريض أن يفكر بالشخص الذي من المحتمل أن يكون قد اصابه بالعين ثم يقوم الكاهن بوضع حبات القرنفل في النار و في حال احتراق حبات القرنفل بهدوء فهذا دليل على سلامة الشخص من المرض أما إذا احدثت تلك الحبات فرقعة و دخان كثيف فهذا دليل على أن الشخص مصاب بذلك الشر، و يتم جمع الرماد و دفنه بالأرض حتى يتلاشى شر تلك العين.
أما في روما القديمة فكان الناس يضعون تمائم تحمل إيحاء جنسي، حيث كانت تشبه إلى حد كبير الأعضاء التناسلية حتى تشعر العين الحسود بالخزي و تبتعد عنهم أما الإيطاليون أحفاد الرومان فقد كانوا في قمة الأناقة حيث استخدموا تمائم يُطلق عليها cornicello أو كما يُعرف بالقرن الصغير و هو عبارة عن قرن منحني قليلاً مصنوع من المرجان الأحمر أو من الذهب والفضة يتم ارتدائها كقلادة حول العنق، و هناك أيضا اشارات أصابع اليد، حيث يشير الإيطاليون إلى صاحب عين الحسد بأصابع أيديهم بإشارات تحمل مضمون جنسي حتى يتجنبوا شره و في المكسيك وامريكا الجنوبية تأثر سكانها بالثقافة الإسبانية و مزجو بينها و بين حضارة الازتك والمايا وأعتقد الناس بالمكسيك أن عين الشر أو كما تُسمى مال دي أوجو Mal de ojo تصيب الأطفال الرضع بشكل أساسي كون أجسادهم ضعيفة و كونهم أغلى ما تملكه الاسرة، و لهذا يتم تزيين أيدي وارجل الأطفال بأسوار منقوش عليها رموز تشبه عين الحسد و عندما تشك الأسرة بأي شخص يحتمل أن يصيب أطفالهم بعين الحسد فأنهم يطلبون منه أن يلمس الاطفال حتى يبطل مفعولها و لا يصيبهم بأذى أما طريقة العلاج المتبعة بالمناطق الريفية والمنعزلة بالمكسيك فالبيض النيء عنصر أساسي بتلك الطقوس حيث يقوم الكاهن بتمرير بيضة دجاج نيئة حول جسد المريض عدة مرات ثم يقوم بكسرها في كأس من الماء و يتركها تحت فراش المريض بجانب رأسه حتى الصباح ثم ينظر إليها فإذا لم يتغير شكلها دل ذلك أن الرجل غير مصاب بعين الشر أما إذا تغير شكلها واصبحت مثل البيضة المطبوخة دل ذلك على أن الشخص مصاب بعين الشر، و يجب التخلص من تلك البيضة كونها اصبحت ملوثة بالشر ويتعافى المريض فوراً من الضعف والغثيان والإسهال الذي كان يعاني منه. أما في شمال الهند فيطلق عليها اسم دريشتي Drishti و يحمل نفس المعنى وهو العين الشريرة و لتجنبها يقوم الأهل بتزيين أعين أطفالهم و نساءهم بالكحل الأسود لتجب شر عين الحسد، أما ممتلكاتهم من حيوانات و سيارات فيتم رسم بعض الرموز والحروف المقدسة عليها كرمز أوم المقدس بالديانة الهندوسية، أما في جنوب الهند فيطلق عليها أسم ديستي Disti و تتم إزالتها باستخدام الملح الصخري والفلفل الأحمر، ملفوف بقطعة قماش مدهونة بالزيت، حيث يُطاف بهذه القطعة حول المريض ثم يتم أحراقها.
واشتهرت تركيا بصنع خرزة العين الزرقاء أو ما يُطلق عليها بالتركي Nazar نزرة ويتم صنعها من الزجاج والياقوت الأزرق ويرجع سبب اختيار اللون الأزرق إلى كونه من الألوان الثلاث الأساسية حيث أعتقد القدماء أن الالوان ثلاثة هي الأحمر لون الدماء التي توهب الحياة والأخضر لون الأشجار والأزرق لون السماء حيث توجد الآلهة، و قد انتشرت انتشاراً واسع بالوطن العربي لكون تركيا كانت عاصمة الخلافة العثمانية و قد طورها العرب و جعلوها تشبه الكف بخمسة اصابع و في وسطها تقع عين الحسد و قد أحتفظ الأتراك بشيء خاص بهم و هو صناعة اللحاف والسجاد حيث يتم رسم أشكال هندسية خاصة يُعتقد أنها تقي من العين و يتم إهداءها للعروس حتى تحميها من العين."
وكل هذه الاختلافات فيما بين الثقافات تؤكد علىشىء واحدوهو :
ان الكهنة الذين اخترعوا خرافة العين الشريرة أرادوا من خلف نشرها بين الناس بيع منتجات بعينها للمغفلين وهم يعلمون أنه لا وجود لأضرار العين المزعومة فالغرض فى الأساس هو ادخال أموال لجيوب الكهنة بلا تعب من خلال بيه مانعات الضرر الحسدى
الحسدكما فىالقرآن ليس سوة تمنى نفسى لا يخرج من جسد الإنسان اشعاع لعمله كما قال تعالى :
" حسدا من عند أنفسهم "
وبين الله أن ما يؤذى هو أن الحاسد يحول تمنيه النفسى وهو القلبى لشر فعةل عن طريق اليد سواء كان قتلا أو جرحا أو اشعالا للنار فى الممتلكات أو سم الحيوانات أو ما شابه
وتحدث عن اختلاف الأقوام فى المانعات المزعومات والتى انقرضت فى بلدته فقال :
"لا شك أن لكل منطقة عادات و تقاليد لطرد تلك العين الشريرة واتذكر عندما كنت صغير كنت أشاهد بعض الأحذية القديمة المعلقة على السيارات أو سياج الحديقة و عندما كنت أسأل يقولوا لي: أنها تحمي من العين والحسد و تجعل الحاسد يبعد نظرة عن ذلك الحذاء القديم، طبعاً هذه عادة اندثرت و لم تعد موجودة بمدينتي مدينة عدن باليمن"
قطعا الحسد ما زال موجودا وما زالت مانعات ضرر المزعومة تباع فى كل مكان
ونحا الباحث منحى أخر فى البحث فذكر حكاية طويلة ليؤكد وجود العين الشريرة ووجوب حربها بخرافة المانعات فقال :
"جريمة بسبب عين الشيطان
تنبأت بموت زوجها ابتدأت الاحداث عام 1910 م بقرية رينج تاون الواقعة ضمن ولاية بنسلفانيا، حيث عاشت السيدة سوزان مومي برفقة زوجها هنري، ذلك العامل الفقير الذي يقضي نهاره في طاحونة القرية ليكسب قوت يومه بينما تنشغل سوزان بعمل المنزل، كانت حياتهما طبيعية جداً حتى تعرضت سوزان لكوابيس أقضت مضجعها و حرمتها من النوم الهانئ، أخبرت زوجها عن تلك الكوابيس و خوفها الشديد عليه من تعرضه لمكروه إذا ذهب إلى العمل بذلك الطاحون يوم 5 يوليو حسب ما رأته بتلك الكوابيس، حاول هنري طمأنتها واخبرها أنه لا يستطيع التغيب عن عمله كونه فقير و غير مستعد لفقدان أُجرة ذلك اليوم، اشتكت سوزان لصديقاتها بالقرية واخبرتهم عن كوابيسها و لكن دون جدوى، و في ذلك اليوم ودعت سوزان زوجها بخوف والدموع تذرف من عينيها، لم يعر هنري أي اهتمام لدموعها و توسلاتها و مضى في طريقه إلى العمل، عادت سوزان إلى المنزل متمنية أن تكون تلك مجرد كوابيس، و مع غروب الشمس جاءت الاخبار المفجعة لتهز قلب سوزان المرتجف، لقد قُتل هنري بسبب انفجار الطاحون و تقطع جسده إلى أشلاء، و بالرغم من المصيبة التي حلت بها فأنها لم تجد من يواسيها، بل على العكس فقد سرت الشائعات حول سوزان بأنها ساحرة شريرة و نذير شؤم تسببت بموت زوجها، و لم يمضِ وقت طويل حتى نبذها الناس و صارت معزولة عن أهل القرية الذين أتهموها أنها ساحرة و تصيب الاخرين بعين الحسد.
ربما أن حظ سوزان السيء قد ورطها بالتواجد في أماكن حصول الكوارث والمصائب مما جعل الناس يتهمونها بتلك التهم، لم يكن هناك خيار أمام تلك الأرملة المكلومة إلا الرحيل من تلك القرية وانتقلت للعيش في أرض تبعُد ميلين و نص عن قريتها، و هناك قامت بفلاحة و زراعة الأرض لكي توفر قوت يومها. شعرت سوزان بالوحدة كونها لم ترزق بطفل و لهذا قررت الذهاب إلى دار الأيتام لتبني طفل، و هناك وقعت عيناها على طفلة يتيمة أسمها توفيليا كانت مصابة بإعاقة بسبب حمى شديدة أصابتها، تحركت عاطفة الأمومة لدى سوزان و قررت تبي تلك الطفلة، ربما اختارتها لأن حظها التعيس يشبه حظ هذه الطفلة اليتيمة، عاشت توفيليا بمنزل سوزان التي اعتبرتها كأمها، و في عام 1934م أنضم إليهم جاكوب ريس بعدما وجدته سوزان مصاب بجروح بليغة و قررت نقله إلى بيتها لعلاجه، فسوزان كانت مشهورة بقدرتها العجيبة على علاج الجروح بالرغم من النحس والإشاعات التي تحيط بها، و هناك صار جاكوب فرد من تلك العائلة الصغيرة
و في ليلة السبت 17 مارس من نفس العام و بينما كانت سوزان تقوم بتغيير ضماد جرح جاكوب والفتاة توفيليا ممسكة بمصباح الزيت لتضيء لها المكان، دوى صوت انفجار عنيف على أثره تناثر زجاج النافذة واوقعت توليفيا المصباح على الأرض و عم الظلام المكان، لم يعلم سكان المنزل ما سبب ذلك الانفجار و ما هي إلا لحظات حتى تكرر ذلك الصوت وهنا أيقنوا أنهم يتعرضون لإطلاق النار وانبطحوا على الأرض لتجنب تلك الطلقات الغادرة، عم الصمت المكان إلا من صوت بكاء توفيليا و زحف جاكوب في الظلام الدامس حتى أستطاع الإمساك بالمصباح واشعاله، وهنا صُدم الأثنان بمشهد مروع حيث كانت سوزان مرمية على الأرض والدم ينزف من الجرح الغائر في صدرها، كانت إصابة سوزان قاتلة ولفظت أنفاسها على الفور، لم يكن أمام جاكوب ما يمكن فعله غير احتضان المسكينة توفيليا و محاولة تهدئتها حتى بزوغ الفجر.
و مع ساعات الفجر الأولى أنطلق جاكوب رغم أصابته و قطع مسافة ميل مشياً على الأقدام واستعان بأحد الجيران لإيصاله إلى المدينة على عربة تقودها الخيول، و هناك أبلغ جاكوب الشرطة بما حصل تلك الليلة، و تم أرسال عدد من رجال الشرطة مع أحد المحققين إلى القرية. فرح الناس كثيراً بمقتل سوزان و لم يتعاون أي منهم مع الشرطة مما وضع المحقق في موقف محرج فلم تتوفر لديه سوى النزر اليسير من المعلومات، و كل ما لديه من معلومات أن الجريمة حصلت الساعة 8 المساء، ليلة السبت هذا بالإضافة إلى نتائج التشريح التي أوضحت أن الطلقة قد اخترقت الجانب الأيمن من صدر سوزان مروراً بالرئة والقلب ثم استقرت بالمعدة، و بعد 3 أيام تقدم صبي إلى المحقق واخبره عن رؤيته لسيارة متوقفة مساء ذلك اليوم بنفس الطريق المؤدي إلى منزل سوزان، و من خلال مواصفات السيارة استطاعت الشرطة تحديد هوية مالك السيارة بسهولة لكون السيارات نادرة الوجود بتلك القرية النائية، أنه ألبرت شينسكي ذلك الشاب ذو 23 عاماً، في البداية لم يصدق أحد أنه من الممكن أن يقوم ذلك الشاب الهادئ المحبوب بين الناس وابن أسرة شينسكي ذات المكانة العالية بالمجتمع، لم تصدق حبيبته الجميلة سلينا بيرنستيل ما قيل عن صديقها فقد وعدها أنه سوف يتقدم لخطبتها في القريب العاجل، واثناء التحقيق معه حول مقتل السيدة سوزان، اعترف ألبرت أنه هو من قام بقتلها بواسطة بندقية أستعارها من صديقه و وضع فيها طلقات سحرية لقتل تلك العجوز الشريرة، و عندما سأله المحقق عن الأسباب التي دفعته لقتلها، قال ألبيرت: أنها أمرأه شريرة و كان لا بد من قتلها حتى تزول لعنتها عني، و هنا بدأ ألبيرت يخبر المحقق قصته الغريبة: عندما كنت بعمر 17 عام عملت كفلاح في أحد مزارع القرية، لقد كنت فتى نشيطاً واعمل بجد، و كان صاحب المزرعة يثني على عملي الجاد و يمتدحني، كان العمل أكثر من رائع و لم ينغصه إلا تلك الجارة السيئة التي كانت بينها و بين صاحب المزرعة مشاكل حول حدود المزرعة فقد كانت تدعي أننا قد تجاوزنا حدود مزرعتها، و في يوم من الأيام و بينما كنت أقوم ببعض الأعمال في أطراف المزرعة رأيت تلك السيدة تختبئ خلف أحدى الاشجار و تنظر إلي بنظرات غريبة، كانت نظرات يملؤها الحقد والشر، أقسم لك أيها المحقق أنني شعرت بدبابيس تخترق جسدي، و شعرت بأيدي خفية تخنقني، و تصبب العرق البارد من جسدي، و منذ ذلك اليوم وانا أشعر بالكسل والإرهاق الشديد و لم أعد أنام بسبب الكوابيس التي تلاحقني، عندما أنام فأني أرى قط أسود يحدق بي بعينيه الخضراوين و يتضاعف حجمه حتى يغطي كامل الغرفة و يقوم بخنقي، لقد تركت العمل بتلك المزرعة و حاولت أن أعمل بمنطقة أخرى كسائق أنقل عمال المنجم بسيارتي، لكني توقفت عن العمل لضعف جسدي و صرت طريح الفراش، أخبرت عائلتي بما يحصل لي فسخروا مني، حاولت العلاج عند الأطباء والمشعوذين و لكن دون جدوى، ذهبت إلى سوزان و رجوتها أن تزيل تلك اللعنة عني و لكنها رفضت طلبي، لم يكن أمامي من خيار أخر سوى قتلها، أخذت البندقية و حشوتها بتلك الطلقات السحرية ثم تسللت إلى مزرعتها ليلاً واطلقت عليها النار، و في تلك اللحظة شعرت أنني تحررت من لعنتها إلى الأبد و زالت عني تلك القيود التي كبلت جسدي لسنين عديدة، أنا سعيد الأن و لا أخشى الإعدام بالكرسي الكهربائي.
القاتل البرت شينسكي اضطرت الشرطة لنقل المتهم إلى سجن المدينة بسرعة بسبب احتشاد العشرات من سكان القرية المتعاطفين مع ألبرت حول السجن، بعدها نقل ألبرت إلى المحكمة و هناك عُرضت ملفاته الطبية التي تثبت خلوه من الأمراض النفسية و رغم ذلك برر الأطباء ما حصل أنه من الممكن أن يكون ألبرت مصاب جنون الارتياب، و بعد أستماع القاضي لجميع الأطراف، حكمت المحكمة بحجز ألبرت في مصح فايرفيوالسيء السمعة حتى يتم علاجه، حاولت سيلينا بيرنستيل التواصل مع حبيبها البرت و عرضت عليه الزواج و هو بهذه الحالة و لكنه رفض ذلك و تزوجت برجل أخر بعد عدة سنين، أما ألبرت فقد قضى 41 عام في ذلك المصح الذي كان أقل ما يُقال عنه أنه الجحيم بعينه، فالأطباء والممرضون بذلك المستشفى كانوا قساة و مات العديد من المرضى بسبب معاملتهم السيئة، و بعد تلك السنين القاسية قام المحامي ويليام كرينسويتز بمسح الغبار عن قضية ألبيرت واعاد فتحها من جديد، واقنع البرت بالاعتذار و طلب الصفح، و بالمحكمة وقف ذلك العجوز الذي أفنى شبابه بذلك المصح و قدم اعتذاره و ندمه على ما حصل و تم الأفراج عنه عام 1975م ليموت بعد ذلك ب 8 سنوات."
وبعد هذه الحكاية التى تدل على إيمان الناس بالخرافة تحدث الباحث عن كون العين الشريرة موجودة فقال تحت عنوان ملاحظات :
"ملاحظات :
ربما يقول البعض أن تلك العين الشريرة مجرد نظرات أو كلمات سيئة تصيب الشخص بالوهم و تأثر في معنوياته فيمرض أو يصيبه الفشل، و لكن الحيوانات والجماد لا تفهم و لا تملك مشاعر فكيف يصيبها الضرر؟ أن أنتشار الاعتقاد بوجود عين الشر والحسد بين الحضارات والشعوب دليل على حضورها القوي الذي لا يمكن تجاهله"
وناقض نفس فى أخر جملة بالقول أن تلك العادات غير صحيحة فقال :
"أما بخصوص قضية مقتل سوزان مومي واعتقاد البرت شينسكي أنها قد أصابته باللعنة بنظراتها الشريرة، فربما كانت بسبب الشائعات التي نُسجت حول تلك السيدة، هذه القضية تجعلني أطرح سؤال هل ينتهي مفعول العين الحاسدة بموت الحاسد؟ حاولت البحث عن حالات شُفيت من العين بعد موت صاحب العين الحاسدة و لكني لم أجد أي معلومات مؤكدة، بالأخيرة هذه مقالة تتحدث عن عادات الشعوب و لا تعني أن تلك العادات صحيحة. "