نقد كتاب صفة الجنة في سورة الرحمن
مؤلفة الكتاب عائشة عامر شوكت وهو يدور حول ما ورد من كلام عن الجنة في سورة الرحمن وقد اعتبرته عائشة في المقدمة أسلوب للترغيب وفى مقابله ذكر النار وهو أسلوب الترهيب فقالت:
"أما بعد
فيعد القران الكريم المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي وله أساليبه المتنوعة في التربية والتعليم؛ كالتربية بالقصص القرآني وضرب الأمثال والموعظة الحسنة وكذلك أسلوب الترغيب والترهيب وهذه الأساليب نستعملها في تربية أولادنا فعندما يذكر القرآن الكريم هذا الأسلوب فإنما يذكر لسبب مهم وهو أن يربي الأجيال على طاعته واجتناب نواهيه وأن سبب ذكر أهوال يوم القيامة في البداية وبعدها ذكر الجنة هو أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يميز الفارق الهائل بين منازل المجرمين ومراتب المتقين فعندما يذكر القرآن أهوال يوم القيامة فهذا الأسلوب ترهيب للعباد حتى يبتعدوا عن المعاصي والذنوب وعن كل ما يبعدهم عن الله سبحانه وتعالى لكن بعدها بشر المتقين والذين أطاعوه في كل آية من آيات التحذير بأن هناك جنة تنتظرهم ووصفها لهم وصفا رائعا ليرغب العباد أن من أطاعه بأداء الفرائض واجتناب المحرمات فإنه سيفوز بهذه الجنة التي وصفها وصفا يعجز العقل عن تخيله ولهذا فإنها جديرة بأن يعمل لها العاملون ويتنافس عليها المتنافسون طوال فترة حياته فإن الأصل لدخول الجنة هو الخوف من الله تعالى"
وقد استهلت الكلام بتعريف الجنة لغويا واصطلاحيا فقالت :
"المبحث الأول وصف الجنة في القرآن الكريم
المطلب الأول تعريف الجنة لغة واصطلاحا
لغة الجنة والجنة بالضم ما استترت به من سلاح والجنة السترة والجمع الجنن يقال استجن بجنة؛ أي استتر بسترة والجنة البستان ومنه الجنات والعرب تسمي النخيل جنة ومنه قوله تعالى {من الجنة والناس أجمعين}
قال زهير
كأن عيني في غربي مقتلة = من النواضح تسقي جنة سحقا
والجنة (الحديقة ذات الشجر والنخل وجمعها جنان وفيها تخصيص ويقال للنخل وغيرها وقال أبو علي في التذكرة لا تكون الجنة في كلام العرب إلا وفيها نخل وعنب فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجنة) "
والخطأ في الكلام أن الجنة في قوله "من الجنة والناس أجمعين" تعنى النخيل مع أنها تعنى الجن وهو النوع الذى أبوه الجنة فالوسوسة وهى قول الزخرف تكون في الجنة والإنس كما قال تعالى:
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"
ثم عرفتها اصطلاحا فقالت:
"الجنة اصطلاحا (هي دار الكرامة التي أعد الله لأوليائه يوم القيامة فيها نهر يطرد وغرفة خالية وشجرة مثمرة وزوجة حسناء بل وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)وقيل (الجنة هي دار الثواب لمن أطاع الله وموضعها عند سدرة المنتهى) "
والتعاريف كثيرة مضمونها مكان إقامة المسلمين في الآخرة وتحدثت عن خلق الجنة فقالت:
"المطلب الثاني خلق الجنة
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية
(إن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان فإن الله تعالى خلق الجنة قبل الخلق وخلق لهما أهلا فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه وكل يعمل لما قد فرغ له وصائر إلى ما خلق له)
(والدليل على أنهما مخلوقتان بعد إخبار النبي (ص) أنه رأى الجنة ليلة الإسراء وأخبر (ص) أنه رأى سدرة المنتهى في السماء السادسة وقال تعالى {عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى} فصح أن جنة المأوى هي السماء السادسة وقد أخبر الله عز وجل أنها الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة قال تعالى {فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون} "
والخطأ هنا كون الجنة في السماء السادسة وهو ما يخالف أن كلمة المنتهى تدل على أنها أخر سماء وهى السماء السابعة ثم قالت:
"ومن أوضح الأدلة وأصرحها على خلق الجنة قصة آدم (ص)
قال تعالى {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}
وقال تعالى {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}
وقوله تعالى عن الجنة {أعدت للمتقين}
وكذلك في قوله تعالى {أعدت للذين آمنوا بالله ورسله}
وفي هذه الآيات دلالات واضحة على أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الجنة وأنها موجودة وأنه أعدها للذين يتقونه ويخشونه
(وعن عائشة أم المؤمنين قالت توفي صبي فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال رسول الله (ص)((أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا)) "
والحديث لا يصح فالناس لا يتحولون لعصافير في الجنة لقوله تعالى:
" كما بدأكم تعودون"
فالإنسان صغير أو كبير يعود كما كان ثم تحدثت عن أنهار الجنة فقالت:
"المطلب الثالث أنهار الجنة:
تعد أنهار الجنة جزءا لا يتجزأ منها وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بأوصاف رائعة وجميلة ترغب الناس في التقرب إلى الله ودخول الجنة للتمتع بأنهارها وهنالك أنواع من الأنهار التي ذكرها القرآن الكريم وكذلك ذكرت في أحاديث في السنة النبوية
ففي القرآن قال تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى}
وقبل البدء في أوصاف وأنواع الأنهار الجنة فقد عبر ابن القيم عنها بعبارت ذات معان جميلة فقال
أنهارها في غير أخدود جرت = سبحان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاؤوا مفجـ = ـجرة وما للنهر من نقصان
عسل مصفى ثم ماء ثم خمـ = ـر ثم أنهار من الألبان
والله ما تلك المواد كهذه = لكن هما في اللفظ مجتمعان
هذا وبينهما يسير تشابه = وهو اشتراك قام بالأذهان
فهنا قد وصف الأنهار - كما قال مسروق- أنها تجري في غير أخدود"
وكلام ابن القيم باطل فكل أنهار الجنة كأنهار الأرض تجرى تحت الأرض كما قال تعالى :
" تجرى من تحتها الأنهار" فالتحتية تعنى أن أرض الجنة أعلى من أنهارها وهو ما يعنى كونها أخدود فلو كانت كما يقول لقال تعالى من فوقها
وتحدثت عن أنواع ألأنهار وهى العيون الأربعة فقالت :
"تدل الآية الكريمة وكما في القصيدة النونية أن هناك أربعة أنهار (نهر الماء - نهر اللبن - نهر الخمر - نهر العسل)
وقد ذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة في الآية الكريمة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا
فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه
وآفة اللبن الذي يتغير طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصا
وآفة الخمر كراهة مذاقها وتذهب العقل
وآفة العسل عدم تصفيته
لقد تكرر في القرآن الكريم في عدة مواضع ذكر أنهار الجنة لكن في كل موضع تدل على معنى
الموضع الأول {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} ففي هذا الموضع دلالة على أن وجود الأنهار حقيقة
الموضع الثاني {وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} وهذا الموضع دلالة على أنها أنهار جارية لا واقفة
الموضع الثالث {ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار} وفي هذا الموضع دلالة على أنها تجري تحت غرفهم وقصورهم
• والآن أذكر أنهار الجنة
الأول (نهر الكوثر)
يقول سبحانه وتعالى {إنا أعطيناك الكوثر}
عن ابن عباس أنه قال في الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه؛ قال أبو بشير قلت لسعيد بن جبير فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه "
الخطأ أن الكوثر نهر والرواية التى تقول ذلك لم يقلها النبى(ص) أولا لأن أعطيناك فعل ماض فدل على أن العطاء دنيوى بينما الأخروى لا يستعمل فيه الفعل الماضى وثانيا لأن الكوثر تعنى الخير الكثير وهو الحكمة أى الوحى كما قال تعالى:
"ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا"
وقالت:
"الثاني نهر بارق
عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص)((الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا))
وأنهار الجنة ليس بينها وبين أنهار الدنيا تشابه إلا في الاسم فقط وجريان الأنهار من تحت غرف الجنة والقصور مما يزيدها جمالا وبهجة وهي حاصلة ومتحققة لعباد الله المؤمنين؛ لأن الله وعد المتقين بهذا النعيم "
وهذا الكلام باطل لم يقله النبى(ص) أولا لأن الشهدا لكل منهم جنتان وكذلك كل مسلم لقوله تعالى :
" ولمن خاف مقام ربه جنتان" فميف يكونون جميعا على نهر وليس في جنة كل منهما وحسب سورة الرحمن فكل جنة فيها عين لقوله:
"فيهما عينان تجريان"
ومن ثم فهناك نهران لمن في الجنتان العاليتين وأما الأقل منهما ففيهما نهران من نوعين أخرين كما قال :
"ومن دونهما جنتان"
ثم قالت:
"الثالث (نهر البيذخ أو البيدح)
جاءت امرأة فقالت يا رسول الله رأيت كأني دخلت الجنة فسمعت بها وجبة ارتجت لها الجنة فنظرت فإذا قد جيء بفلان بن فلان وفلان بن فلان حتى عدت اثني عشر رجلا وقد بعث رسول الله (ص) سرية قبل ذلك قالت فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم قالت فقيل اذهبوا بهم إلى نهر البيذخ - أو قال إلى نهر البيدح - قال فغمسوا فيه فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر قالت ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها وأتي بصحفة - أو كلمة نحوها - فيها بسر فأكلوا منها فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا"
وهذه الرواية مناقضة لرواية بارق فهؤلاء شهداء والشهداء على بارق فكيف كان الشهداء12 على البيذخ ثم قالت:
"الرابع (النهران الظاهران والنهران الباطنان)
قال رسول الله (ص)((رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فأما الظاهران فالنيل والفرات وأما الباطنان فنهران في
الجنة فأتيت بثلاثة أقداح قدح فيه لبن وقدح فيه عسل وقدح فيه خمر فأخذت الذي فيه اللبن فشربت فقيل لي أصبت الفطرة أنت وأمتك)) "
الحديث باطل لمخالفته كتاب الله لأن الكون كله يهدم في القيامة فكيف يكون ما في الدنيا في الآخرة وقد هدم أى تبدل ما في الدنيا كما قال تعالى :
" يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات"
وحتى لو افترضنا أن الكلام في الدنيا فهذا الكلام مناقض لما ذكرته في أول الكتاب من كون الجنة حاليا في السماء السادسة فكيف يكون النهران في السماء والنيل والفرات حاليا في الأرض؟
وتحدث عن درجات الجنة فقالت:
"المطلب الرابع درجات الجنة:
يعمل الإنسان في الحياة الدنيا من أجل الحصول على منافع قليلة تساعده على الاستمرار في الحياة ومهما كان الإنسان غنيا نتيجة هذه المنافع فإنها مقارنة بما يحصل عليه المؤمنون في الجنة ودرجاتها لا تعد شيئا؛ لأن الإنسان في الجنة يحصل على الدرجات العالية من خلال العبادات والطاعات وهذه الدرجات حسب العمل الصالح وتعتمد على قوة العمل الصالح {ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون}
تدل هذه الآية الكريمة على أن لكل عامل في طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها ويثيبه بها إن خيرا فخير وإن شرا فشر؛ لأن الإنسان يحصل على الدرجات العالية من خلال العبادات والطاعات فكلما كثرت طاعاته زادت درجاته في الجنان
قال تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما} فهذه الآية تشير إلى أن أصحاب الضرر من المؤمنين يساوون بالمجاهدين؛ لأن العذر أقعدهم عن القتال كما تشير الآية إلى أن المجاهدين في سبيل الله لهم درجات في غرف الجنان العالية ولهم مغفرة من الذنوب وحلول الرحمة والرضوان عليهم تكريما لهم
وقد ذكر ابن القيم في هذه قصيدته الرائعة درجات الجنة فقال
درجاتها مائة وما بين اثنتيـ = ـن فذاك في التحقيق للحسبان
مثل الذي بين السماء وبين هـ = ذي الأرض قول الصادق البرهان
لكن عاليها هو الفردوس مسـ = ـقوف بعرش الخالق الرحمن
وسط الجنان وعلوها فلذاك كا = نت قبة من أحسن البنيان
منه تفجر سائر الأنهار فالـ = ـمنبوع منه نازل بجنان
قال تعالى {ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى}
ومن الذين وضحوا هذه المسألة ابن تيمية فقد قال
"والجنة درجات متفاضلة تفاضلا عظيما وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم
فبين الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجاتها أكبر من درجات الدنيا وقد بين تفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده المؤمنين {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} وعن أبي هريرة عن رسول الله (ص) قال ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فهو أوسط الجنة وهو أعلى الجنة وفوقه العرش ومنه تفجر أنهار الجنة))
والمراد بالمائة هنا الكثرة بالدرجات المرقاة والمراد بالدرجات المراتب العالية؛ أي إن لهم درجات بحسب أعمالهم من الطاعات
ويتضح لنا من خلال ما سبق أن الجنة درجات؛ وذلك لأن عباد الله غير متساوين في الأعمال فهناك من يؤدي الفرائض فقط وهو من أهل الجنة وهذا يعتبر أقل درجة في دخول الجنة وهناك من يريد الزيادة في الجنة فيطبق السنن كقيام الليل وهنا تكثر درجاته في الجنة؛ لأن ذلك حسب عمله
عن النبي (ص) قال ((يقال - يعني لصاحب القرآن - اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها)) ؛ إذا الزيادة تتوقف على فعل العبد للطاعة
وفي آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية إشارة إلى أن الجنة درجات وهناك أفضل أنواع الجنات
قال رسول الله (ص)((يا عثمان بن مظعون من صلى صلاة الفجر في جماعة ثم جلس يذكر حتى تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعون درجة كل درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة ومن صلى صلاة الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر خمسون سنة))
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص) قال إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم)) قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال ((والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين))
وقد ذهب ابن حجر إلى القول في معنى (يتراءون) أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتى إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم وقوله ((الدري)) وهو النجم الشديد الإضاءة
• أما أفضل تلك الدرجات فهي الفردوس الأعلى وهناك صفات أو شروط تمكن ساكنها من إرثها بعد رحمة الله تعالى كما في الآية الكريمة {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} في هذه الآية الكريمة بينت أن سبب إرث أهل الجنة الفردوس الأعلى هو تقواهم لربهم وما قدموا من الأعمال الصالحة في دنياهم
ومن هنا تبين لنا في هذا المطلب أن أعلى درجات الجنة الفردوس الأعلى فإذا سأل العبد ربه فليسأله الفردوس الأعلى؛ لأنه أسمى وأرقى درجة في الجنة ويحتاج العبد الجهد الكثير ليصل إلى هذه المرتبة أو الدرجات العلا ومما ينبغي أن يعلم أن العمل لا يكفي مستقلا في دخول الجنة بل لا بد من رحمة الله تعالى"
وما ذكرته عائشة وابن القيم باطل فالروايات متناقضة في عدد الدرجات فهناك حديث عن أن قارىء القرآن له بكل آية يرتلها درجة وهذا معناه أن هناك أكثر من ستة آلاف درجة حسب عدد آيات القرآن الحالية قال: لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه"
وقد ذكرت حديثين مناقضين حديث المائة وحديث السبعين والكل مناقض لكتاب الله فالجنة درجتين واحدة للمجاهدين وهم المقربون وواحدة للقاعدين وهم أهل السمين كما قال تعالى:
" فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ولذا قال تعالى في سورة الرحمن أن هناك جنتين أقل من الجنتين الأوليين فقال :
"ومن دونهما جنتان"
ثم تحدثت عن صفات أهل الجنة فقالت:
المطلب الخامس أهل الجنة
لقد وصف القرآن الكريم أصحاب الجنة بصفات؛ منها
أولا المتقون وهم الذين يراقبون الله سبحانه وتعالى ويقوون أنفسهم من عذابه
قال تعالى {إن المتقين في جنات وعيون}
وقال تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}
كما أن التقوى هي تجنب القبيح خوفا من الله تعالى وأصلها الوقاية وعي كذلك التحرز بطاعة الله عن عقوبته وهي صيانة النفس عما تستحق به العقوبة
ثانيا الصادقون
قال تعالى {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم}
قال الرازي "اعلم أنه تعالى لما أخبر أن صدق الصادقين في الدنيا ينفعهم في القيامة شرح كيفية ذلك النفع وهو الثواب وحقيقة الثواب أنها منفعة خالصة
دائمة مقرونة بالتعظيم وقوله تعالى {خالدين فيها أبدا} إشارة إلى دوام ذلك النعيم
ثالثا الطائعون - الذين يعملون الصالحات
قال تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار}
إن الذي يحصل عليه أصحاب الجنة قد يشبه ما كان في الدنيا من حيث الاسم فقط أما من حيث اللون والشكل والطعم فهو يختلف تماما
قال تعالى {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} ؛ أي من يطع الله والرسول يدخله جنات النعيم
رابعا التائبون
وقد وعد الله سبحانه وتعالى التائبين بالجنة وهذا من الكرم الإلهي فهي لمن أراد العودة إلى الله سبحانه وتعالى والعبد التائب يغفر الله ذنبه كرما من الباري قال تعالى {إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة} أي من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته ويجعله من ورثة جنة النعيم؛ لأن التوبة تجب ما قبلها
خامسا الأبرار
قال تعالى {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} والأبرار هم أعلى درجة وأقرب في طاعاتهم إلى من الطائعين والتائبين
سادسا المقربون
قال تعالى {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم}
• ومن الصفات أيضا ما جاء في قوله تعالى {الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}
وقال تعالى {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}
وهذا في القرآن كثير مقداره على ثلاث قواعد إيمان وتقوى وعمل خالص لله على موافقة السنة فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون من عداهم من سائر الخلق عليها دارت بشارات القرآن والسنة
• وهي تجتمع في أصلين
إخلاص في طاعة الله وإحسان إلى خلقه وضدها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون وترجع إلى خصلة واحدة وهي موافقة الرب تبارك وتعالى في محابه ولا طريق إلى ذلك إلا بتحقيق القدوة ظاهرا وباطنا برسول الله (ص)
أما الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل فهي بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق
• وكذلك في سورة المؤمنون أيضا هناك صفات الذين تكون لهم الجنة وخاصة الفردوس الأعلى
- الذين هم في صلاتهم خاشعون
- الذين هم عن اللغو معرضون
- الذين هم للزكاة فاعلون
- الذين لفروجهم حافظون
- الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون
- الذين هم على صلاتهم يحافظون
• وفي هذا العرض الموجز تعرفنا على أهل الجنة وصفاتهم والذين خصهم القرآن الكريم بالذكر عسى الله أن يجعلنا وإياكم ممن تنطبق عليهم هذه الصفات"
وكل هذه الصفات موجودة في كل مسلم وكلها يفسر بعضها بعضه فالتقوى هى طاعة الله هى التصديق بكلام الله والعمل به .....
وتحدثت عن سبب نزول سورة الرحمن فقالت:
"المبحث الثاني سورة الرحمن الإطار العام
المطلب الأول سبب نزول سورة الرحمن
إن لكل سورة سبب نزول خاص بها وسوف نفصل الآن سبب نزول سورة الرحمن
فقيل إن سبب نزول هذه السورة هو قول المشركين المحكي عنهم {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا} فتكون تسميتها باعتبار إضافة سورة إلى الرحمن على معنى إثبات وصف الرحمن فرد الله على المشركين بأن الرحمن هو الذي علم النبي (ص) القرآن وهي من أول السور نزولا
وقيل إن هذه السورة نزلت بسبب قول المشركين في النبي (ص){إنما يعلمه بشر} أي يعلمه القرآن وكان الاهتمام بذكر الذي يعلم النبي (ص) القرآن أقوى من الاهتمام بالتعليم
وورد أيضا أن أبا بكر الصديق ذكر ذات يوم القيامة والموازين والجنة والنار فقال وددت أني كنت خضراء من هذه الخضر تأتي على بهيمة تأكلني وأني لم أخلق فنزل قوله تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان} "
ولا يوجد سبب للنزول معين ولكن الحديث الٌرب للصحة هو السؤال وما الرحمن ؟ فكانت بداية السورة إجابة عليه
وتحدثت عن فضل السورة فقالت:
"المطلب الثاني فضل ومميزات سورة الرحمن
نتحدث أولا عن فضل سورة الرحمن وهو قليل الذكر في فضائلها وفيها الكثير من الأحاديث الضعيفة وقد ذكرت في السنة النبوية فضائل بعض السور ومن هذه الفضائل فضل سورة الرحمن التي سميت بعروس القرآن
فعن جابر قال خرج رسول الله (ص) على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال ((لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على {فبأي آلاء ربكما تكذبان} قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد)) "
الحديث باطل فالرسول لم يقرأ على الجن شىء وإنما كان يقرأ القرآن فصرف الله إليه بعض الجن فسمعوا القرآن منه ولم يعلم بذلك إلا بعد أن أخبره الله بعد انصرافهم فقال :
"قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا"
وتحدثت عن مميزات السورة فقالت:
"والآن نذكر مميزات هذه السورة العظيمة فلها مميزات كثيرة ولا شك أن لكل شيء مميزات حباه الله بها دون غيره وهذا الكلام ينطبق على الإسلام فالإسلام فيه من المميزات والخصائص ما تجعله لا يتشابه مع الأديان الأخرى وكذلك فإن رسولنا الأعظم محمدا (ص) قد خصه الله بخصائص جعلته يتميز عن غيره من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لذلك فإن نقول إن الله قد خص كتابه الكريم بخصائص جعلته يختلف عن غيره من الكتب السماوية؛ ومنها الحفظ والإعجاز والتحدي والشمولية وإن أهم خصيصة فيه وأبرز ميزة أنه كلام الله سبحانه ولا شك أن لكل سورة من سوره أشياء وصفات تختص بها عن غيرها من السور وهذا ما سنحاول أن نبينه في هذا المطلب
فقد ورد عن علي أن رسول الله (ص) قال ((لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن)) وهذا لا يعدو أن يكون ثناء على هذه السورة وليس هو في التسمية في شيء ولذلك يقال لها عروس القرآن وأنها مجمع النعم والجمال والبهجة في نوعها والكمال "
والحديث كما قالت الباحثة ضعيف وهو ما يعنى أن الرسول لم يقله وهو ما يعرضنا للسخرية عندما يقول البعض إذا كانت هى العروس فأين العروسة أو العريس
ثم تحدثت عن المميزات فقالت:
ومن مميزات سورة الرحمن
• بديع أسلوبها وافتتاحها الباهر باسمه الرحمن وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله لم يتقدمه غيره
• وكذلك منه التعداد في مقام الامتنان والتعظيم قوله {فبأي آلاء ربكما تكذبان}؛ إذ تكررت هذه الآية في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة وذلك أسلوب عربي جليل
• وكذلك من مميزاتها تعداد آلاء الله الباهرة ونعمه الكثيرة الظاهرة على العباد التي لا يحصيها عد في مقدمتها نعمة (تعليم القرآن) بوصفه المنة الكبرى على الإنسان
• تناولت السورة في البداية نعم الله الكثيرة وبعدها دلائل القدرة الباهرة في تسيير الأفلاك وتسخير السفن الكبيرة وبعدها الاستعراض السريع لصفحة الكون المنظور
• استخدام أسلوب الترغيب والترهيب؛ لأن الله سبحانه ذكر أهوال يوم القيامة وتحدث سبحانه عن حال الأشقياء المجرمين وما يلاقونه من فزع وبعدها يذكر مشهد النعيم للمتقين في شيء من الإسهاب والتفصيل؛ إذ يكونون في الجنان مع الحور العين
• تعد سورة الرحمن ذات نسق خاص وملحوظ؛ فهي إعلان عام في ساحة الوجود الكبير وإعلام آلاء الله الباهرة الظاهرة في جميل صنعه وإبداع خلقه وفي فيض نعمائه وفي تدبيره للوجود وما فيه وتوجه الخلائق كلها إلى وجهه الكريم وهي إشهاد عام للوجود كله على الثقلين (الإنس والجن) المخاطبين بالسورة على السواء في ساحة الوجود على مشهد من كل موجود مع تحديهما إن كانا يملكان التكذيب بآلاء الله تحديا يتكرر عقب بيان كل نعمة من نعمه التي يعددها ويفصلها ويجعل الكون كله معرضا لها وساحة الآخرة كذلك ورنة الإعلان تتجلى في بناء السورة كله وفي إيقاع فواصلها تتجلى في إطلاق الصوت إلى أعلى وامتداد التصويت إلى بعيد كما تتجلى في المطلع الموقظ الذي يستثير الترقب والانتظار لما يأتي بعد المطلع من أخبار
• أكثر ميزة في هذه السورة أنها جميلة بتناسق الكلمات؛ ومما يجلي وضوح جمال هذه السورة ما روي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي (ص)"اتل علي مما أنزل عليك فقرأ عليه سورة {الرحمن} فقال أعدها فأعادها ثلاثا فقال والله إن له لطلاوة وإن عليه لحلاوة وأسفله لمغدق وأعلاه مثمر وما يقول هذا بشر وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله" ففي هذه الرواية أسلم قيس بسبب جمال هذه السورة وطلاوتها وصياغة كلماتها "
الحديث في المشهور ليس في قيس وإنما في الوليد بن المغيرة وهو لم يسلم ثم قالت:
" وفي هذه السورة ذكرت نعم الله التي لا تعد ولا تحصى منها الكبرى المستقرة ومنها الصغرى المتجددة بتجدد الحياة الإنسانية فعلى كل إنسان شكر هذه النعم اعترافا بها وإجلالا لها ووفاء لحق المنعم "
وفى نهاية البحث تحدثت عن صفة الجنة في السورة فقالت:
المبحث الثالث صفة الجنة في سورة الرحمن
المطلب الأول تفسير آيات وصف الجنة في سورة الرحمن
في هذا المبحث وصف الجنة في سورة الرحمن وصفا تفصيليا طبقا للآيات الكريمة التي ذكرت في القرآن الكريم
قال تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان}
• قال مجاهد هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله عندها فيدعها فله أجران
وذكر عن الفراء أنه قال جنتان أراد به جنة واحدة وإنما ذكر {جنتان} للقوافي والقوافي تحتمل الزيادة والنقصان ما لا يحتمل الكلام
وقيل إنه الوقوف بين يديه في ساحة فصل القضاء يوم القيامة فأطاعه بأداء الفرائض واجتناب المحرمات
• وجنتان أي بستانان"
وحكاية القوافى خبلا من ضمن الخبل فالقرآن ليس شعرا حتى يقال أنه له قوافى فلو كان هذه صحيح لانتهت آيات كل سورة بحرف واحد ولكن نلاحظ تعدد الحروف في معظم السور
ثم قالت:
• {فبأي آلاء ربكما تكذبان} أبإثابة أحدكم الذي إذا هم بالمعصية ذكر قيامه بين يدي ربه فتركها فأثابه الله بجنتين؟
• وهذه الآية تدل على أمرين
الأمر الأول لما ذكر أحوال النار ذكر ما أعد للأبرار والمعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية وقيل خاف قيام ربه؛ أي إشرافه واطلاعه عليه
الأمر الثاني هذه الآية دليل على أن من قال لزوجه إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق لا يحنث إن كان هم بالمعصية وتركها خوفا من الله وحياء منه
وذكر المقام اسم مكان ومقامه تعالى موقفه الذي يقف فيه العباد والحساب كما قال {يوم يقوم الناس لرب العالمين} فالإضافة للاختصاص الملكي؛ إذ لا ملك يومئذ إلا لله تعالى
وقيل إن الجنتين نوعان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما أو لكل واحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعصية أو جنة يثاب بها وأخرى يتفاضل عليه أو روحانية وجسمانية
• وقيل إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعله رؤساء الدنيا حيث يكون له قصر ولأزواجه قصر
• قال القرطبي إنما كانتا اثنتين ليضاعف له السرور بالتنقل من جهة إلى جهة
إذا فإن هذه الجنة للسابقين المقربين وهم يكونون في مرتبة عالية ونفهم من هذه الآية أن آخر العذاب جهنم وأول مراتب الثواب الجنة ثم بعدها مراتب وزيادات ثانية
• ويتضح مما سبق أن الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يكرم من يخاف مقامه من خلال تنفيذ الأوامر أو ترك ما نهى الله عنه فإنه يجازيه بجنتين وهذا ما ورد في قول الله عز وجل {ولمن خاف مقام ربه جنتان}"
والكلام السابق خطأ فالجنتين ألوليين كما سبق القول هما نصيب المجاهد والجنتين الأقل هم نصيب القاعد عن الجهاد كما هو مذكور في قوله تعالى :
فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قالت:
" وفي وصف آخر في سورة الرحمن يقول سبحانه وتعالى {ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان} أي ذواتا أغصان وأغصان جمع غصن وخص الأفنان؛ لأنها هي التي تورق وتثمر فمنها تمتد الظلال ومنها تجتنى الثمار أو أفنان جمع فن؛ أي له فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين
وقيل إنها ذات ألوان متعددة وفنون من الملاذ وقيل إن كل غصن فيها يحتوي على فن من فنون الفاكهة
وتوصف بأنها أغصان نضرة حسنة تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة
• قال عطاء الخراساني وجماعة إن الأفنان أغصان الشجر يمس بعضها بعضا
وقيل فنون من الملاذ كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة وأن {ذواتا أفنان} واسعة الفناء
وقال قتادة {ذواتا أفنان}؛ يعني بسعتها وفضلها ومزيتها على ما سواها
وصف للجنتين بأنهما جمع فنن لون أفنان وأنها أنواع من الأشجار والثمار أو أغصان لينة وهو ما دق ولان من الغصن
• وهنا يصف الله سبحانه وتعالى الأغصان والأشجار والثمار وطبيعتها في هذه الآية الكريمة ليعلم الناس أن الجنة وأشجارها وأغصانها وثمارها مختلفة عن الأشجار والأغصان والثمار الموجودة في الحياة الدنيا وأيضا في الجنة هناك اختلاف في الأنواع والأشجار والثمار فيما بين بعضها البعض
• وعندما يصف الله سبحانه وتعالى الجنة من خلال العيون الجارية نرى أن سبحانه وتعالى يقول {فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان} أي إن في الجنتين عينين تجريان بالماء العذب الزلال الصافي خلال تلك القصور والأشجار
عندما يذكر {فبأي آلاء ربكما تكذبان} فتكرر هذا اللفظ بتكرار النعيم وذلك للتقرير أو التوبيخ والحث على الشكر بالعبادة والتوحيد فيها
• كما أن في جنة المقربين عينين تجريان أما في جنة أصحاب اليمين فتكون العين غير جارية فمن المعلوم أن الماء الجاري هو الذي يسقي الأشجار وأن الجري يكون أقوى من النضح وأنه أفضل من الذي لا يجري
• قال الحسن البصري إن هاتين العينين إحداهما يقال لها تسنيم والأخرى السلسبيل
• قال عطية إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين
• وأما العينان اللتان تجريان فإن حصباهما الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وترابها الكافور وحصاتها المسك الأذفر وحافتاهما الزعفران
• وهاتان العينان فياضتان فوارتان بالماء العذب فهناك جنتان تجريان بالأنهر وجنتان فوارتان
• هذا ما وصف الله به الجنتين اللتين ذكرتا لكنه فصل بين الأغصان والعيون والفواكه بذكر العينين الجاريتين على عادة المتنعمين فيذكر الله تعالى ما يتم به النزهة وهو خضرة الأشجار وجريان الأنهار فسبحان من يأتي بالآيات بأحسن المعاني في أبين المباني"
والعينان في ألأوليين والعينان في الأخرين هما الأنهار الأربعة واسم تسنيم يطلق على نهر العسل وهو للمقربين وهم المجاهدين وأما السلسبيل فيطلق على نهر الماء وهو للقاعدين
ثم تحدثت على فاكهة الجنة فقالت:
"• ثم ينتقل قال سبحانه وتعالى في وصف الجنة في سورة الرحمن بعد ذلك {فيهما من كل فاكهة زوجان فبأي آلاء ربكما تكذبان}
ذكر الله سبحانه في سورة الرحمن سرد أوصاف النعيم المادية للمتقين الخائفين من الله ومن ترك المعاصي خوفا منه ففي الآيات التي ذكرت - والتي سوف نذكرها - يبين ثواب الخائفين (جنتان) وأنهما تختلفان في المرتبة والفضيلة لكنهما وصفتا بأنهما خضراوان في الآية السابقة وأنهما فوارتان بالماء وأما في هذه الآية فقد بين الله سبحانه اشتمالها على أنواع الفواكه اللذيذة والخيرات الحسان وهذا يدل على أنه يكون في كل فاكهة في هذه الجنة زوجان أو صنفان حلو وحامض رطب ويابس أحمر وأصفر
• وهذان الصنفان صنف معروف مألوف وآخر غير معروف لكنه في منتهى اللذة والحلاوة ؛ إكراما وجزاء وإحسانا من الله سبحانه وتعالى لعباده الذين زهدوا في الحياة الدنيا وتركوا ملذاتها المحرمة ابتغاء مرضات الله سبحانه فجازاهم بهذه الجنة وهذا النعيم
• ومن هذا النعيم الذي أنعم الله سبحانه على عباده أن جعل أنواع الفاكهة صنفين ليتفكه المتقون ويتلذذوا بتلك الفواكه الكثيرة والتي وصفها سبحانه بأنها غير مقطوعة ولا ممنوعة وهي تختلف عن ثمار الدنيا فإن الطازج فيها ألذ طعاما وأشهى مأكلا
وقيل أنواع الثمار مما يعملون وخير مما يعملون ومما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
قال ابن عباس ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء؛ يعني أن يبين ذلك بيانا عظيما وفرقا بينا في التفاضل "
والملاحظ أن الباحثة لم تتحدث عن قاصرات الطرف ولا عن الرفرف الخضر والعبقرى الحسان والاستبرق وغيره مما ورد في السورة
مؤلفة الكتاب عائشة عامر شوكت وهو يدور حول ما ورد من كلام عن الجنة في سورة الرحمن وقد اعتبرته عائشة في المقدمة أسلوب للترغيب وفى مقابله ذكر النار وهو أسلوب الترهيب فقالت:
"أما بعد
فيعد القران الكريم المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي وله أساليبه المتنوعة في التربية والتعليم؛ كالتربية بالقصص القرآني وضرب الأمثال والموعظة الحسنة وكذلك أسلوب الترغيب والترهيب وهذه الأساليب نستعملها في تربية أولادنا فعندما يذكر القرآن الكريم هذا الأسلوب فإنما يذكر لسبب مهم وهو أن يربي الأجيال على طاعته واجتناب نواهيه وأن سبب ذكر أهوال يوم القيامة في البداية وبعدها ذكر الجنة هو أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يميز الفارق الهائل بين منازل المجرمين ومراتب المتقين فعندما يذكر القرآن أهوال يوم القيامة فهذا الأسلوب ترهيب للعباد حتى يبتعدوا عن المعاصي والذنوب وعن كل ما يبعدهم عن الله سبحانه وتعالى لكن بعدها بشر المتقين والذين أطاعوه في كل آية من آيات التحذير بأن هناك جنة تنتظرهم ووصفها لهم وصفا رائعا ليرغب العباد أن من أطاعه بأداء الفرائض واجتناب المحرمات فإنه سيفوز بهذه الجنة التي وصفها وصفا يعجز العقل عن تخيله ولهذا فإنها جديرة بأن يعمل لها العاملون ويتنافس عليها المتنافسون طوال فترة حياته فإن الأصل لدخول الجنة هو الخوف من الله تعالى"
وقد استهلت الكلام بتعريف الجنة لغويا واصطلاحيا فقالت :
"المبحث الأول وصف الجنة في القرآن الكريم
المطلب الأول تعريف الجنة لغة واصطلاحا
لغة الجنة والجنة بالضم ما استترت به من سلاح والجنة السترة والجمع الجنن يقال استجن بجنة؛ أي استتر بسترة والجنة البستان ومنه الجنات والعرب تسمي النخيل جنة ومنه قوله تعالى {من الجنة والناس أجمعين}
قال زهير
كأن عيني في غربي مقتلة = من النواضح تسقي جنة سحقا
والجنة (الحديقة ذات الشجر والنخل وجمعها جنان وفيها تخصيص ويقال للنخل وغيرها وقال أبو علي في التذكرة لا تكون الجنة في كلام العرب إلا وفيها نخل وعنب فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجنة) "
والخطأ في الكلام أن الجنة في قوله "من الجنة والناس أجمعين" تعنى النخيل مع أنها تعنى الجن وهو النوع الذى أبوه الجنة فالوسوسة وهى قول الزخرف تكون في الجنة والإنس كما قال تعالى:
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"
ثم عرفتها اصطلاحا فقالت:
"الجنة اصطلاحا (هي دار الكرامة التي أعد الله لأوليائه يوم القيامة فيها نهر يطرد وغرفة خالية وشجرة مثمرة وزوجة حسناء بل وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)وقيل (الجنة هي دار الثواب لمن أطاع الله وموضعها عند سدرة المنتهى) "
والتعاريف كثيرة مضمونها مكان إقامة المسلمين في الآخرة وتحدثت عن خلق الجنة فقالت:
"المطلب الثاني خلق الجنة
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية
(إن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان فإن الله تعالى خلق الجنة قبل الخلق وخلق لهما أهلا فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه وكل يعمل لما قد فرغ له وصائر إلى ما خلق له)
(والدليل على أنهما مخلوقتان بعد إخبار النبي (ص) أنه رأى الجنة ليلة الإسراء وأخبر (ص) أنه رأى سدرة المنتهى في السماء السادسة وقال تعالى {عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى} فصح أن جنة المأوى هي السماء السادسة وقد أخبر الله عز وجل أنها الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة قال تعالى {فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون} "
والخطأ هنا كون الجنة في السماء السادسة وهو ما يخالف أن كلمة المنتهى تدل على أنها أخر سماء وهى السماء السابعة ثم قالت:
"ومن أوضح الأدلة وأصرحها على خلق الجنة قصة آدم (ص)
قال تعالى {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}
وقال تعالى {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}
وقوله تعالى عن الجنة {أعدت للمتقين}
وكذلك في قوله تعالى {أعدت للذين آمنوا بالله ورسله}
وفي هذه الآيات دلالات واضحة على أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الجنة وأنها موجودة وأنه أعدها للذين يتقونه ويخشونه
(وعن عائشة أم المؤمنين قالت توفي صبي فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال رسول الله (ص)((أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا)) "
والحديث لا يصح فالناس لا يتحولون لعصافير في الجنة لقوله تعالى:
" كما بدأكم تعودون"
فالإنسان صغير أو كبير يعود كما كان ثم تحدثت عن أنهار الجنة فقالت:
"المطلب الثالث أنهار الجنة:
تعد أنهار الجنة جزءا لا يتجزأ منها وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بأوصاف رائعة وجميلة ترغب الناس في التقرب إلى الله ودخول الجنة للتمتع بأنهارها وهنالك أنواع من الأنهار التي ذكرها القرآن الكريم وكذلك ذكرت في أحاديث في السنة النبوية
ففي القرآن قال تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى}
وقبل البدء في أوصاف وأنواع الأنهار الجنة فقد عبر ابن القيم عنها بعبارت ذات معان جميلة فقال
أنهارها في غير أخدود جرت = سبحان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاؤوا مفجـ = ـجرة وما للنهر من نقصان
عسل مصفى ثم ماء ثم خمـ = ـر ثم أنهار من الألبان
والله ما تلك المواد كهذه = لكن هما في اللفظ مجتمعان
هذا وبينهما يسير تشابه = وهو اشتراك قام بالأذهان
فهنا قد وصف الأنهار - كما قال مسروق- أنها تجري في غير أخدود"
وكلام ابن القيم باطل فكل أنهار الجنة كأنهار الأرض تجرى تحت الأرض كما قال تعالى :
" تجرى من تحتها الأنهار" فالتحتية تعنى أن أرض الجنة أعلى من أنهارها وهو ما يعنى كونها أخدود فلو كانت كما يقول لقال تعالى من فوقها
وتحدثت عن أنواع ألأنهار وهى العيون الأربعة فقالت :
"تدل الآية الكريمة وكما في القصيدة النونية أن هناك أربعة أنهار (نهر الماء - نهر اللبن - نهر الخمر - نهر العسل)
وقد ذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة في الآية الكريمة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا
فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه
وآفة اللبن الذي يتغير طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصا
وآفة الخمر كراهة مذاقها وتذهب العقل
وآفة العسل عدم تصفيته
لقد تكرر في القرآن الكريم في عدة مواضع ذكر أنهار الجنة لكن في كل موضع تدل على معنى
الموضع الأول {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} ففي هذا الموضع دلالة على أن وجود الأنهار حقيقة
الموضع الثاني {وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} وهذا الموضع دلالة على أنها أنهار جارية لا واقفة
الموضع الثالث {ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار} وفي هذا الموضع دلالة على أنها تجري تحت غرفهم وقصورهم
• والآن أذكر أنهار الجنة
الأول (نهر الكوثر)
يقول سبحانه وتعالى {إنا أعطيناك الكوثر}
عن ابن عباس أنه قال في الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه؛ قال أبو بشير قلت لسعيد بن جبير فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه "
الخطأ أن الكوثر نهر والرواية التى تقول ذلك لم يقلها النبى(ص) أولا لأن أعطيناك فعل ماض فدل على أن العطاء دنيوى بينما الأخروى لا يستعمل فيه الفعل الماضى وثانيا لأن الكوثر تعنى الخير الكثير وهو الحكمة أى الوحى كما قال تعالى:
"ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا"
وقالت:
"الثاني نهر بارق
عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص)((الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا))
وأنهار الجنة ليس بينها وبين أنهار الدنيا تشابه إلا في الاسم فقط وجريان الأنهار من تحت غرف الجنة والقصور مما يزيدها جمالا وبهجة وهي حاصلة ومتحققة لعباد الله المؤمنين؛ لأن الله وعد المتقين بهذا النعيم "
وهذا الكلام باطل لم يقله النبى(ص) أولا لأن الشهدا لكل منهم جنتان وكذلك كل مسلم لقوله تعالى :
" ولمن خاف مقام ربه جنتان" فميف يكونون جميعا على نهر وليس في جنة كل منهما وحسب سورة الرحمن فكل جنة فيها عين لقوله:
"فيهما عينان تجريان"
ومن ثم فهناك نهران لمن في الجنتان العاليتين وأما الأقل منهما ففيهما نهران من نوعين أخرين كما قال :
"ومن دونهما جنتان"
ثم قالت:
"الثالث (نهر البيذخ أو البيدح)
جاءت امرأة فقالت يا رسول الله رأيت كأني دخلت الجنة فسمعت بها وجبة ارتجت لها الجنة فنظرت فإذا قد جيء بفلان بن فلان وفلان بن فلان حتى عدت اثني عشر رجلا وقد بعث رسول الله (ص) سرية قبل ذلك قالت فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم قالت فقيل اذهبوا بهم إلى نهر البيذخ - أو قال إلى نهر البيدح - قال فغمسوا فيه فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر قالت ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها وأتي بصحفة - أو كلمة نحوها - فيها بسر فأكلوا منها فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا"
وهذه الرواية مناقضة لرواية بارق فهؤلاء شهداء والشهداء على بارق فكيف كان الشهداء12 على البيذخ ثم قالت:
"الرابع (النهران الظاهران والنهران الباطنان)
قال رسول الله (ص)((رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فأما الظاهران فالنيل والفرات وأما الباطنان فنهران في
الجنة فأتيت بثلاثة أقداح قدح فيه لبن وقدح فيه عسل وقدح فيه خمر فأخذت الذي فيه اللبن فشربت فقيل لي أصبت الفطرة أنت وأمتك)) "
الحديث باطل لمخالفته كتاب الله لأن الكون كله يهدم في القيامة فكيف يكون ما في الدنيا في الآخرة وقد هدم أى تبدل ما في الدنيا كما قال تعالى :
" يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات"
وحتى لو افترضنا أن الكلام في الدنيا فهذا الكلام مناقض لما ذكرته في أول الكتاب من كون الجنة حاليا في السماء السادسة فكيف يكون النهران في السماء والنيل والفرات حاليا في الأرض؟
وتحدث عن درجات الجنة فقالت:
"المطلب الرابع درجات الجنة:
يعمل الإنسان في الحياة الدنيا من أجل الحصول على منافع قليلة تساعده على الاستمرار في الحياة ومهما كان الإنسان غنيا نتيجة هذه المنافع فإنها مقارنة بما يحصل عليه المؤمنون في الجنة ودرجاتها لا تعد شيئا؛ لأن الإنسان في الجنة يحصل على الدرجات العالية من خلال العبادات والطاعات وهذه الدرجات حسب العمل الصالح وتعتمد على قوة العمل الصالح {ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون}
تدل هذه الآية الكريمة على أن لكل عامل في طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها ويثيبه بها إن خيرا فخير وإن شرا فشر؛ لأن الإنسان يحصل على الدرجات العالية من خلال العبادات والطاعات فكلما كثرت طاعاته زادت درجاته في الجنان
قال تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما} فهذه الآية تشير إلى أن أصحاب الضرر من المؤمنين يساوون بالمجاهدين؛ لأن العذر أقعدهم عن القتال كما تشير الآية إلى أن المجاهدين في سبيل الله لهم درجات في غرف الجنان العالية ولهم مغفرة من الذنوب وحلول الرحمة والرضوان عليهم تكريما لهم
وقد ذكر ابن القيم في هذه قصيدته الرائعة درجات الجنة فقال
درجاتها مائة وما بين اثنتيـ = ـن فذاك في التحقيق للحسبان
مثل الذي بين السماء وبين هـ = ذي الأرض قول الصادق البرهان
لكن عاليها هو الفردوس مسـ = ـقوف بعرش الخالق الرحمن
وسط الجنان وعلوها فلذاك كا = نت قبة من أحسن البنيان
منه تفجر سائر الأنهار فالـ = ـمنبوع منه نازل بجنان
قال تعالى {ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى}
ومن الذين وضحوا هذه المسألة ابن تيمية فقد قال
"والجنة درجات متفاضلة تفاضلا عظيما وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم
فبين الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجاتها أكبر من درجات الدنيا وقد بين تفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده المؤمنين {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} وعن أبي هريرة عن رسول الله (ص) قال ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فهو أوسط الجنة وهو أعلى الجنة وفوقه العرش ومنه تفجر أنهار الجنة))
والمراد بالمائة هنا الكثرة بالدرجات المرقاة والمراد بالدرجات المراتب العالية؛ أي إن لهم درجات بحسب أعمالهم من الطاعات
ويتضح لنا من خلال ما سبق أن الجنة درجات؛ وذلك لأن عباد الله غير متساوين في الأعمال فهناك من يؤدي الفرائض فقط وهو من أهل الجنة وهذا يعتبر أقل درجة في دخول الجنة وهناك من يريد الزيادة في الجنة فيطبق السنن كقيام الليل وهنا تكثر درجاته في الجنة؛ لأن ذلك حسب عمله
عن النبي (ص) قال ((يقال - يعني لصاحب القرآن - اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها)) ؛ إذا الزيادة تتوقف على فعل العبد للطاعة
وفي آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية إشارة إلى أن الجنة درجات وهناك أفضل أنواع الجنات
قال رسول الله (ص)((يا عثمان بن مظعون من صلى صلاة الفجر في جماعة ثم جلس يذكر حتى تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعون درجة كل درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة ومن صلى صلاة الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر خمسون سنة))
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص) قال إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم)) قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال ((والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين))
وقد ذهب ابن حجر إلى القول في معنى (يتراءون) أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتى إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم وقوله ((الدري)) وهو النجم الشديد الإضاءة
• أما أفضل تلك الدرجات فهي الفردوس الأعلى وهناك صفات أو شروط تمكن ساكنها من إرثها بعد رحمة الله تعالى كما في الآية الكريمة {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} في هذه الآية الكريمة بينت أن سبب إرث أهل الجنة الفردوس الأعلى هو تقواهم لربهم وما قدموا من الأعمال الصالحة في دنياهم
ومن هنا تبين لنا في هذا المطلب أن أعلى درجات الجنة الفردوس الأعلى فإذا سأل العبد ربه فليسأله الفردوس الأعلى؛ لأنه أسمى وأرقى درجة في الجنة ويحتاج العبد الجهد الكثير ليصل إلى هذه المرتبة أو الدرجات العلا ومما ينبغي أن يعلم أن العمل لا يكفي مستقلا في دخول الجنة بل لا بد من رحمة الله تعالى"
وما ذكرته عائشة وابن القيم باطل فالروايات متناقضة في عدد الدرجات فهناك حديث عن أن قارىء القرآن له بكل آية يرتلها درجة وهذا معناه أن هناك أكثر من ستة آلاف درجة حسب عدد آيات القرآن الحالية قال: لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه"
وقد ذكرت حديثين مناقضين حديث المائة وحديث السبعين والكل مناقض لكتاب الله فالجنة درجتين واحدة للمجاهدين وهم المقربون وواحدة للقاعدين وهم أهل السمين كما قال تعالى:
" فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ولذا قال تعالى في سورة الرحمن أن هناك جنتين أقل من الجنتين الأوليين فقال :
"ومن دونهما جنتان"
ثم تحدثت عن صفات أهل الجنة فقالت:
المطلب الخامس أهل الجنة
لقد وصف القرآن الكريم أصحاب الجنة بصفات؛ منها
أولا المتقون وهم الذين يراقبون الله سبحانه وتعالى ويقوون أنفسهم من عذابه
قال تعالى {إن المتقين في جنات وعيون}
وقال تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}
كما أن التقوى هي تجنب القبيح خوفا من الله تعالى وأصلها الوقاية وعي كذلك التحرز بطاعة الله عن عقوبته وهي صيانة النفس عما تستحق به العقوبة
ثانيا الصادقون
قال تعالى {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم}
قال الرازي "اعلم أنه تعالى لما أخبر أن صدق الصادقين في الدنيا ينفعهم في القيامة شرح كيفية ذلك النفع وهو الثواب وحقيقة الثواب أنها منفعة خالصة
دائمة مقرونة بالتعظيم وقوله تعالى {خالدين فيها أبدا} إشارة إلى دوام ذلك النعيم
ثالثا الطائعون - الذين يعملون الصالحات
قال تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار}
إن الذي يحصل عليه أصحاب الجنة قد يشبه ما كان في الدنيا من حيث الاسم فقط أما من حيث اللون والشكل والطعم فهو يختلف تماما
قال تعالى {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} ؛ أي من يطع الله والرسول يدخله جنات النعيم
رابعا التائبون
وقد وعد الله سبحانه وتعالى التائبين بالجنة وهذا من الكرم الإلهي فهي لمن أراد العودة إلى الله سبحانه وتعالى والعبد التائب يغفر الله ذنبه كرما من الباري قال تعالى {إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة} أي من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته ويجعله من ورثة جنة النعيم؛ لأن التوبة تجب ما قبلها
خامسا الأبرار
قال تعالى {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} والأبرار هم أعلى درجة وأقرب في طاعاتهم إلى من الطائعين والتائبين
سادسا المقربون
قال تعالى {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم}
• ومن الصفات أيضا ما جاء في قوله تعالى {الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}
وقال تعالى {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}
وهذا في القرآن كثير مقداره على ثلاث قواعد إيمان وتقوى وعمل خالص لله على موافقة السنة فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون من عداهم من سائر الخلق عليها دارت بشارات القرآن والسنة
• وهي تجتمع في أصلين
إخلاص في طاعة الله وإحسان إلى خلقه وضدها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون وترجع إلى خصلة واحدة وهي موافقة الرب تبارك وتعالى في محابه ولا طريق إلى ذلك إلا بتحقيق القدوة ظاهرا وباطنا برسول الله (ص)
أما الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل فهي بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق
• وكذلك في سورة المؤمنون أيضا هناك صفات الذين تكون لهم الجنة وخاصة الفردوس الأعلى
- الذين هم في صلاتهم خاشعون
- الذين هم عن اللغو معرضون
- الذين هم للزكاة فاعلون
- الذين لفروجهم حافظون
- الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون
- الذين هم على صلاتهم يحافظون
• وفي هذا العرض الموجز تعرفنا على أهل الجنة وصفاتهم والذين خصهم القرآن الكريم بالذكر عسى الله أن يجعلنا وإياكم ممن تنطبق عليهم هذه الصفات"
وكل هذه الصفات موجودة في كل مسلم وكلها يفسر بعضها بعضه فالتقوى هى طاعة الله هى التصديق بكلام الله والعمل به .....
وتحدثت عن سبب نزول سورة الرحمن فقالت:
"المبحث الثاني سورة الرحمن الإطار العام
المطلب الأول سبب نزول سورة الرحمن
إن لكل سورة سبب نزول خاص بها وسوف نفصل الآن سبب نزول سورة الرحمن
فقيل إن سبب نزول هذه السورة هو قول المشركين المحكي عنهم {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا} فتكون تسميتها باعتبار إضافة سورة إلى الرحمن على معنى إثبات وصف الرحمن فرد الله على المشركين بأن الرحمن هو الذي علم النبي (ص) القرآن وهي من أول السور نزولا
وقيل إن هذه السورة نزلت بسبب قول المشركين في النبي (ص){إنما يعلمه بشر} أي يعلمه القرآن وكان الاهتمام بذكر الذي يعلم النبي (ص) القرآن أقوى من الاهتمام بالتعليم
وورد أيضا أن أبا بكر الصديق ذكر ذات يوم القيامة والموازين والجنة والنار فقال وددت أني كنت خضراء من هذه الخضر تأتي على بهيمة تأكلني وأني لم أخلق فنزل قوله تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان} "
ولا يوجد سبب للنزول معين ولكن الحديث الٌرب للصحة هو السؤال وما الرحمن ؟ فكانت بداية السورة إجابة عليه
وتحدثت عن فضل السورة فقالت:
"المطلب الثاني فضل ومميزات سورة الرحمن
نتحدث أولا عن فضل سورة الرحمن وهو قليل الذكر في فضائلها وفيها الكثير من الأحاديث الضعيفة وقد ذكرت في السنة النبوية فضائل بعض السور ومن هذه الفضائل فضل سورة الرحمن التي سميت بعروس القرآن
فعن جابر قال خرج رسول الله (ص) على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال ((لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على {فبأي آلاء ربكما تكذبان} قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد)) "
الحديث باطل فالرسول لم يقرأ على الجن شىء وإنما كان يقرأ القرآن فصرف الله إليه بعض الجن فسمعوا القرآن منه ولم يعلم بذلك إلا بعد أن أخبره الله بعد انصرافهم فقال :
"قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا"
وتحدثت عن مميزات السورة فقالت:
"والآن نذكر مميزات هذه السورة العظيمة فلها مميزات كثيرة ولا شك أن لكل شيء مميزات حباه الله بها دون غيره وهذا الكلام ينطبق على الإسلام فالإسلام فيه من المميزات والخصائص ما تجعله لا يتشابه مع الأديان الأخرى وكذلك فإن رسولنا الأعظم محمدا (ص) قد خصه الله بخصائص جعلته يتميز عن غيره من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لذلك فإن نقول إن الله قد خص كتابه الكريم بخصائص جعلته يختلف عن غيره من الكتب السماوية؛ ومنها الحفظ والإعجاز والتحدي والشمولية وإن أهم خصيصة فيه وأبرز ميزة أنه كلام الله سبحانه ولا شك أن لكل سورة من سوره أشياء وصفات تختص بها عن غيرها من السور وهذا ما سنحاول أن نبينه في هذا المطلب
فقد ورد عن علي أن رسول الله (ص) قال ((لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن)) وهذا لا يعدو أن يكون ثناء على هذه السورة وليس هو في التسمية في شيء ولذلك يقال لها عروس القرآن وأنها مجمع النعم والجمال والبهجة في نوعها والكمال "
والحديث كما قالت الباحثة ضعيف وهو ما يعنى أن الرسول لم يقله وهو ما يعرضنا للسخرية عندما يقول البعض إذا كانت هى العروس فأين العروسة أو العريس
ثم تحدثت عن المميزات فقالت:
ومن مميزات سورة الرحمن
• بديع أسلوبها وافتتاحها الباهر باسمه الرحمن وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله لم يتقدمه غيره
• وكذلك منه التعداد في مقام الامتنان والتعظيم قوله {فبأي آلاء ربكما تكذبان}؛ إذ تكررت هذه الآية في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة وذلك أسلوب عربي جليل
• وكذلك من مميزاتها تعداد آلاء الله الباهرة ونعمه الكثيرة الظاهرة على العباد التي لا يحصيها عد في مقدمتها نعمة (تعليم القرآن) بوصفه المنة الكبرى على الإنسان
• تناولت السورة في البداية نعم الله الكثيرة وبعدها دلائل القدرة الباهرة في تسيير الأفلاك وتسخير السفن الكبيرة وبعدها الاستعراض السريع لصفحة الكون المنظور
• استخدام أسلوب الترغيب والترهيب؛ لأن الله سبحانه ذكر أهوال يوم القيامة وتحدث سبحانه عن حال الأشقياء المجرمين وما يلاقونه من فزع وبعدها يذكر مشهد النعيم للمتقين في شيء من الإسهاب والتفصيل؛ إذ يكونون في الجنان مع الحور العين
• تعد سورة الرحمن ذات نسق خاص وملحوظ؛ فهي إعلان عام في ساحة الوجود الكبير وإعلام آلاء الله الباهرة الظاهرة في جميل صنعه وإبداع خلقه وفي فيض نعمائه وفي تدبيره للوجود وما فيه وتوجه الخلائق كلها إلى وجهه الكريم وهي إشهاد عام للوجود كله على الثقلين (الإنس والجن) المخاطبين بالسورة على السواء في ساحة الوجود على مشهد من كل موجود مع تحديهما إن كانا يملكان التكذيب بآلاء الله تحديا يتكرر عقب بيان كل نعمة من نعمه التي يعددها ويفصلها ويجعل الكون كله معرضا لها وساحة الآخرة كذلك ورنة الإعلان تتجلى في بناء السورة كله وفي إيقاع فواصلها تتجلى في إطلاق الصوت إلى أعلى وامتداد التصويت إلى بعيد كما تتجلى في المطلع الموقظ الذي يستثير الترقب والانتظار لما يأتي بعد المطلع من أخبار
• أكثر ميزة في هذه السورة أنها جميلة بتناسق الكلمات؛ ومما يجلي وضوح جمال هذه السورة ما روي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي (ص)"اتل علي مما أنزل عليك فقرأ عليه سورة {الرحمن} فقال أعدها فأعادها ثلاثا فقال والله إن له لطلاوة وإن عليه لحلاوة وأسفله لمغدق وأعلاه مثمر وما يقول هذا بشر وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله" ففي هذه الرواية أسلم قيس بسبب جمال هذه السورة وطلاوتها وصياغة كلماتها "
الحديث في المشهور ليس في قيس وإنما في الوليد بن المغيرة وهو لم يسلم ثم قالت:
" وفي هذه السورة ذكرت نعم الله التي لا تعد ولا تحصى منها الكبرى المستقرة ومنها الصغرى المتجددة بتجدد الحياة الإنسانية فعلى كل إنسان شكر هذه النعم اعترافا بها وإجلالا لها ووفاء لحق المنعم "
وفى نهاية البحث تحدثت عن صفة الجنة في السورة فقالت:
المبحث الثالث صفة الجنة في سورة الرحمن
المطلب الأول تفسير آيات وصف الجنة في سورة الرحمن
في هذا المبحث وصف الجنة في سورة الرحمن وصفا تفصيليا طبقا للآيات الكريمة التي ذكرت في القرآن الكريم
قال تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان}
• قال مجاهد هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله عندها فيدعها فله أجران
وذكر عن الفراء أنه قال جنتان أراد به جنة واحدة وإنما ذكر {جنتان} للقوافي والقوافي تحتمل الزيادة والنقصان ما لا يحتمل الكلام
وقيل إنه الوقوف بين يديه في ساحة فصل القضاء يوم القيامة فأطاعه بأداء الفرائض واجتناب المحرمات
• وجنتان أي بستانان"
وحكاية القوافى خبلا من ضمن الخبل فالقرآن ليس شعرا حتى يقال أنه له قوافى فلو كان هذه صحيح لانتهت آيات كل سورة بحرف واحد ولكن نلاحظ تعدد الحروف في معظم السور
ثم قالت:
• {فبأي آلاء ربكما تكذبان} أبإثابة أحدكم الذي إذا هم بالمعصية ذكر قيامه بين يدي ربه فتركها فأثابه الله بجنتين؟
• وهذه الآية تدل على أمرين
الأمر الأول لما ذكر أحوال النار ذكر ما أعد للأبرار والمعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية وقيل خاف قيام ربه؛ أي إشرافه واطلاعه عليه
الأمر الثاني هذه الآية دليل على أن من قال لزوجه إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق لا يحنث إن كان هم بالمعصية وتركها خوفا من الله وحياء منه
وذكر المقام اسم مكان ومقامه تعالى موقفه الذي يقف فيه العباد والحساب كما قال {يوم يقوم الناس لرب العالمين} فالإضافة للاختصاص الملكي؛ إذ لا ملك يومئذ إلا لله تعالى
وقيل إن الجنتين نوعان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما أو لكل واحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعصية أو جنة يثاب بها وأخرى يتفاضل عليه أو روحانية وجسمانية
• وقيل إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعله رؤساء الدنيا حيث يكون له قصر ولأزواجه قصر
• قال القرطبي إنما كانتا اثنتين ليضاعف له السرور بالتنقل من جهة إلى جهة
إذا فإن هذه الجنة للسابقين المقربين وهم يكونون في مرتبة عالية ونفهم من هذه الآية أن آخر العذاب جهنم وأول مراتب الثواب الجنة ثم بعدها مراتب وزيادات ثانية
• ويتضح مما سبق أن الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يكرم من يخاف مقامه من خلال تنفيذ الأوامر أو ترك ما نهى الله عنه فإنه يجازيه بجنتين وهذا ما ورد في قول الله عز وجل {ولمن خاف مقام ربه جنتان}"
والكلام السابق خطأ فالجنتين ألوليين كما سبق القول هما نصيب المجاهد والجنتين الأقل هم نصيب القاعد عن الجهاد كما هو مذكور في قوله تعالى :
فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قالت:
" وفي وصف آخر في سورة الرحمن يقول سبحانه وتعالى {ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان} أي ذواتا أغصان وأغصان جمع غصن وخص الأفنان؛ لأنها هي التي تورق وتثمر فمنها تمتد الظلال ومنها تجتنى الثمار أو أفنان جمع فن؛ أي له فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين
وقيل إنها ذات ألوان متعددة وفنون من الملاذ وقيل إن كل غصن فيها يحتوي على فن من فنون الفاكهة
وتوصف بأنها أغصان نضرة حسنة تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة
• قال عطاء الخراساني وجماعة إن الأفنان أغصان الشجر يمس بعضها بعضا
وقيل فنون من الملاذ كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة وأن {ذواتا أفنان} واسعة الفناء
وقال قتادة {ذواتا أفنان}؛ يعني بسعتها وفضلها ومزيتها على ما سواها
وصف للجنتين بأنهما جمع فنن لون أفنان وأنها أنواع من الأشجار والثمار أو أغصان لينة وهو ما دق ولان من الغصن
• وهنا يصف الله سبحانه وتعالى الأغصان والأشجار والثمار وطبيعتها في هذه الآية الكريمة ليعلم الناس أن الجنة وأشجارها وأغصانها وثمارها مختلفة عن الأشجار والأغصان والثمار الموجودة في الحياة الدنيا وأيضا في الجنة هناك اختلاف في الأنواع والأشجار والثمار فيما بين بعضها البعض
• وعندما يصف الله سبحانه وتعالى الجنة من خلال العيون الجارية نرى أن سبحانه وتعالى يقول {فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان} أي إن في الجنتين عينين تجريان بالماء العذب الزلال الصافي خلال تلك القصور والأشجار
عندما يذكر {فبأي آلاء ربكما تكذبان} فتكرر هذا اللفظ بتكرار النعيم وذلك للتقرير أو التوبيخ والحث على الشكر بالعبادة والتوحيد فيها
• كما أن في جنة المقربين عينين تجريان أما في جنة أصحاب اليمين فتكون العين غير جارية فمن المعلوم أن الماء الجاري هو الذي يسقي الأشجار وأن الجري يكون أقوى من النضح وأنه أفضل من الذي لا يجري
• قال الحسن البصري إن هاتين العينين إحداهما يقال لها تسنيم والأخرى السلسبيل
• قال عطية إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين
• وأما العينان اللتان تجريان فإن حصباهما الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وترابها الكافور وحصاتها المسك الأذفر وحافتاهما الزعفران
• وهاتان العينان فياضتان فوارتان بالماء العذب فهناك جنتان تجريان بالأنهر وجنتان فوارتان
• هذا ما وصف الله به الجنتين اللتين ذكرتا لكنه فصل بين الأغصان والعيون والفواكه بذكر العينين الجاريتين على عادة المتنعمين فيذكر الله تعالى ما يتم به النزهة وهو خضرة الأشجار وجريان الأنهار فسبحان من يأتي بالآيات بأحسن المعاني في أبين المباني"
والعينان في ألأوليين والعينان في الأخرين هما الأنهار الأربعة واسم تسنيم يطلق على نهر العسل وهو للمقربين وهم المجاهدين وأما السلسبيل فيطلق على نهر الماء وهو للقاعدين
ثم تحدثت على فاكهة الجنة فقالت:
"• ثم ينتقل قال سبحانه وتعالى في وصف الجنة في سورة الرحمن بعد ذلك {فيهما من كل فاكهة زوجان فبأي آلاء ربكما تكذبان}
ذكر الله سبحانه في سورة الرحمن سرد أوصاف النعيم المادية للمتقين الخائفين من الله ومن ترك المعاصي خوفا منه ففي الآيات التي ذكرت - والتي سوف نذكرها - يبين ثواب الخائفين (جنتان) وأنهما تختلفان في المرتبة والفضيلة لكنهما وصفتا بأنهما خضراوان في الآية السابقة وأنهما فوارتان بالماء وأما في هذه الآية فقد بين الله سبحانه اشتمالها على أنواع الفواكه اللذيذة والخيرات الحسان وهذا يدل على أنه يكون في كل فاكهة في هذه الجنة زوجان أو صنفان حلو وحامض رطب ويابس أحمر وأصفر
• وهذان الصنفان صنف معروف مألوف وآخر غير معروف لكنه في منتهى اللذة والحلاوة ؛ إكراما وجزاء وإحسانا من الله سبحانه وتعالى لعباده الذين زهدوا في الحياة الدنيا وتركوا ملذاتها المحرمة ابتغاء مرضات الله سبحانه فجازاهم بهذه الجنة وهذا النعيم
• ومن هذا النعيم الذي أنعم الله سبحانه على عباده أن جعل أنواع الفاكهة صنفين ليتفكه المتقون ويتلذذوا بتلك الفواكه الكثيرة والتي وصفها سبحانه بأنها غير مقطوعة ولا ممنوعة وهي تختلف عن ثمار الدنيا فإن الطازج فيها ألذ طعاما وأشهى مأكلا
وقيل أنواع الثمار مما يعملون وخير مما يعملون ومما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
قال ابن عباس ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء؛ يعني أن يبين ذلك بيانا عظيما وفرقا بينا في التفاضل "
والملاحظ أن الباحثة لم تتحدث عن قاصرات الطرف ولا عن الرفرف الخضر والعبقرى الحسان والاستبرق وغيره مما ورد في السورة