قراءة فى كتاب العذر بالجهل
المؤلف عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عبدالله بن سلطان بن خميس أبا بطين العائذي وهو عبارة عن سؤال أجاب عنه أبو بطين وهو : "سئل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين عن قول شيخ الإسلام تقي الدين في رده على ابن البكري ، فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم ،وإن كان ذلك المخالف يكفرهم ، لأن الكفر حكم شرعي ، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله ، كم كذب عليك ، وزنى بأهلك ، ليس لك أن تكذب عليه ، وتزني بأهله ، لأن الزنى والكذب ، حرام لحق الله تعالى ، وكذلك التكفير حق لله ، فلا نكفر إلا من كفره الله ورسوله . وأيضا : فإن تكفير الشخص المعين ، وجواز قتله ، موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية ، التي يكفر من خالفها ، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر – إلى أن قال – ولهذا كنت أقول للجهمية ، من الحلولية والنفاة ، الذين ينفون أن يكون الله فوق العرش : أنا لو وافقتكم كنت كافرا، لأني أعلم أن قولكم كفر ، وأنتم عندي لا تكفرون ، لأنكم جهال … الخ ، ما معنى قيام الحجة ؟" وإجابة أبو بطين تمثلت فى التالى : "فأجاب : الحمد لله رب العالمين ، تضمن كلام الشيخ مسألتين ، إحداهما : عدم تكفيرنا لمن كفرنا ، وظاهر كلامه : أنه سواء كان متأولا أم لا ، وقد صرح طائفة من العلماء : أنه إذا قال ذلك متأولا ، لا يكفر ، ونقل ابن حجر الهيتمي عن طائفة من الشافعية ، أنهم صرحوا بكفره إذا لم يتأول ، فنقل عن المتولي أنه قال : إذا قال المسلم يا كافر ، بلا تأويل كفر ، قال : وتبعه على ذلك جماعة . واحتجوا بقوله : (( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما )) والذي رماه به مسلم ، فيكون هو كافرا ، قالوا لأنه سمى الإسلام كفرا ، وتعقب بعضهم هذا التعليل ، وهو قولهم :إنه سمى الإسلام كفرا ، فقال : هذا المعنى لا يفهم من لفظه ، ولا هو مراده ، إنما مراده ومعنى لفظه : إنك لست على دين الإسلام ، الذي هو حق ، وإنما أنت كافر ، دينك غير الإسلام ، وأنا على دين الإسلام ، وهذا مراده بلا شك . لأنه إنما وصف بالكفر الشخص ، لا دين الإسلام ، فنفى عنه كونه على دين الإسلام ، فلا يكفر بهذا القول ، وإنما يعزر بهذا السب الفاحش ، بما يليق به ، ويلزم على ما قالوه أن من قال لعابد يا فاسق كفر ، لأنه سمى العبادة فسقا ، ولا أحسب أحدا يقوله ، وإنما يريد إنك تفسق ، وتفعل مع عبادتك ما هو فسق ، لا أن عبادتك فسق " والكلام هنا صحيح عدا تعزيز الساب فالساب بقول يا كافر إما أن يثبت كفر صاحبه بشهود على أن قال قولا يخالف كتاب الله أو عمل عملا مخالفا كتاب الله ولم يتب منه وإما أن يعاقب بعقوبة شهادة الزور لأنه قال كذبا لم يثبته كما قال تعالى : "والذين لا يشهدون الزور " وعقوبة شهادة الزور هى الجلد ثمانين كما فى الشهادة بزنى المرأة كما قال تعالى : "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون" وتحدث عن تكفير الناس بالمعاصى فقال : "وظاهر كلام النووي ، في شرح مسلم يوافق ذلك ، فإنه لما ذكر الحديث ، قال : وهذا مما عده العلماء من المشكلات، فإن مذهب أهل الحق : أن المسلم لا يكفر بالمعاصي ، كالقتل والزنا ، وكذا قوله لأخيه : يا كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام . ثم حكى في تأويل الحديث وجوها ، أحدها : أنه محمول على المستحل ، ومعنى (( باء بها )) أي بكلمة الكفر ، فباء وحار ورجع بمعنى . الثاني : رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره ، الثالث : أنه محمول على الخوارج ، المكفرين للمؤمنين ، وهذا نقله القاضي عياض عن مالك ، وهو ضعيف ، لأن المذهب الصحيح المختار ، الذي قاله الأكثرون ، والمحققون : إن الخوارج لا يكفرون ، كسائر أهل البدع . الرابع : معناه : أنه يؤول إلى الكفر ، فإن المعاصي كما قالوا : بريد الكفر ، ويخاف على المكثر منها ، أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر ، ويؤيده رواية أبي عوانة ، في مستخرجه على مسلم (( فإن كان كما قال ، وإلا فقد باء بالكفر )) . الخامس : فقد رجع بكفره ، وليس الراجع حقيقة الكفر، بل التكفير ، كونه جعل أخاه المؤمن كافرا ، فكأنه كفر بنفسه ، إما لأنه كفر من هو مثله ، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر ، يعتقد بطلان الإسلام انتهى . وقال ابن دقيق العيد ، في قوله : (( ومن دعا رجلا بالكفر ، وليس كذلك ، إلا حار عليه )) أي : رجع عليه ، وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدا من المسلمين ، وليس هو كذلك ، وهي ورطة عظيمة ، وقع فيها خلق من العلماء ، اختلفوا في العقائد ، وحكموا بكفر بعضهم بعضا . ثم نقل عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني ، أنه قال : لا أكفر إلا من كفرني ، قال : وربما خفي هذا القول على بعض الناس ، وحمله على غير محمله الصحيح ، والذي ينبغي أن يحمل عليه ، أنه لمح هذا الحديث الذي يقتضي : أن من دعا رجلا بالكفر وليس كذلك ، رجع عليه الكفر ، وكذلك قوله : (( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )) . وكان هذا المتكلم ، أي : أبو إسحاق ، يقول : الحديث دل على أنه يحصل الكفر لأحد الشخصين ، إما المكفر أو المكفر ، فإذا كفرني بعض الناس ، فالكفر واقع بأحدنا ، وأنا قاطع أني لست بكافر ، فالكفر راجع إليه . انتهى . فظاهر كلام أبي إسحاق : أنه لا فرق بين المتأول وغيره ، والله أعلم ، وما نقله القاضي عن مالك ، من حمله الحديث على الخوارج ، موافق لإحدى الروايتين عن أحمد ، في تكفير الخوارج ، اختارها طائفة من الأصحاب وغيرهم ، لأنهم كفروا كثيرا من الصحابة ، واستحلوا دماءهم وأموالهم ، متقربين بذلك إلى الله ، فلم يعذروهم بالتأويل الباطل ، لكن أكثر الفقهاء على عدم كفرهم ، لتأويلهم ، وقالوا : من استحل قتل المعصومين ، وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل كفر ، وإن كان استحلالهم ذلك بتأويل كالخوارج لم يكفر ، والله أعلم ." وكل هذا الكلام للبعد عن التكفير بالمعصية هو إخلال بالدين تماما فالكفر هو معصية الله دون توبة سواء كانت هذه المعصية واحدة أو عصيان كل الدين ومن ثم ساوى الله بين الكفر ببعض والكفر بالكل كما قال تعالى : "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون" فهنا سبب الكفر هو عصيان القوم فى أمر هو المظاهرة على قتل الاخوان وأسرهم وقد عرف الله أول معصية له بالكفر فإبليس كان معترفا بوجود الله لقوله " فبعزتك" وطلبه البقاء حتى القيامة " فانظرنى إلى يوم يبعثون"ومع هذا سماه الله من الكافرين لأنه رفض أمر الله أى عصاه بالسجود وفى هذا قال تعالى : "إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين" ومن ثم فالكفر هو عصيان الله فى حكم أو فى أكثر أو فى كل الأحكام ومن ضمنها ما يسمى العقائد ويستمر كفر العاصى حتى يتوب ثم تحدث عن تكفير الشخص المعين وجواز قتله ، موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية فقال "المسألة الثانية : أن تكفير الشخص المعين وجواز قتله ، موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية ، التي يكفر من خالفها … إلى آخره ، يشمل كلامه من لم تبلغه الدعوة ، وقد صرح بذلك في موضع آخر ، ونقل ابن عقيل عن الأصحاب: أنه لا يعاقب ، وقال : إن الله عفا عن الذي كان يعامل ويتجاوز ، لأنه لم تبلغه الدعوة ، وعمل بخصلة من الخير . واستدل لذلك بما في صحيح مسلم مرفوعا (( والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي أو نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار )) قال في شرح مسلم : وخص اليهودي والنصراني ، لأن لهم كتابا ، قال ، وفي مفهومه : أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور ، قال : وهذا جار على ما تقرر في الأصول ، لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح . انتهى . وقال القاضي : أبو يعلى ، في قوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } في هذا دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلا ، وإنما تجب بالشرع ، وهو بعثة الرسل ، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك ، لم يقطع عليه بالنار وفيمن لم تبلغه الدعوة قول آخر : أنه يعاقب ، اختاره ابن حامد ، واحتج بقوله { أيحسب الإنسان أن يترك سدى} والله أعلم ، فمن بلغته رسالة محمد ، وبلغه القرآن ، فقد قامت عليه الحجة ، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل . وقد أخبر الله سبحانه : بجهل كثير من الكفار ، مع تصريحه بكفرهم ، ووصف النصارى بالجهل ، مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم ، ونقطع : أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون ، فنعتقد كفرهم ، وكفر من شك في كفرهم . وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر ، والشك هو التردد بين شيئين ، كالذي لا يجزم بصدق الرسول (ص) ولا كذبه ، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه ، ونحو ذلك ، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوبها ، أو لا يعتقد تحريم الزنا ولا عدم تحريمه ، وهذا كفر بإجماع العلماء ، ولا عذر لمن كان حاله هكذا ، بكونه لم يفهم حجج الله وبيناته ، لأنه لا عذر له بعد بلوغها ، وإن لم يفهمها . وقد أخبر الله تعالى عن الكفار : أنهم لم يفهموا ، فقال : { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا }وقال : { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون } فبين الله سبحانه : أنهم لم يفقهوا ، فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا، بل صرح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفار ، كما في قوله تعالى : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } قال الشيخ : أبو محمد ، موفق الدين بن قدامة لما انجر كلامه في مسألة : هل كل مجتهد ، مصيب أم لا ؟ ورجح انه ليس كل مجتهد مصيبا ، بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين ، قال : وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام، إذا نظر فعجز عن إدراك الحق ، فهو معذور غير آثم – إلى أن قال – أما ما ذهب إليه الجاحظ ، فباطل يقينا ، وكفر بالله تعالى ، ورد عليه وعلى رسوله . فإنا نعلم قطعا : أن النبي(ص) أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه ، وذمهم على إصرارهم ، وقاتل جميعهم ، وقتل البالغ منهم ، ونعلم : أن المعاند العارف مما يقل ، وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ، ولم يعرفوا معجزة الرسول(ص)وصدقه . والآيات الدالة في القرآن على هذا كثيرة ، كقوله تعالى : { ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار } ، { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين } { وإن هم إلا يظنون}{ ويحسبون أنهم على شيء } { ويحسبون أنهم مهتدون } { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } وفي الجملة : ذم المكذبين لرسول الله مما لا ينحصر في الكتاب والسنة . انتهى . فبين رحمه الله : أنا لو لم نكفر إلا المعاند العارف ، لزمنا الحكم بإسلام أكثر اليهود والنصارى ، وهذا من أظهر الباطل ، فقول الشيخ تقي الدين: إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة ، يدل من كلامه على أن هذين الأمرين ، وهما : التكفير ، والقتل ، ليسا موقوفين على فهمك الحجة مطلقا ، بل على بلوغها ، ففهمها شيء ، وبلوغها شيء آخر" والكلام السابق لا يفرق فيه المتكلمون بين فريقين : الأول من على دين أخر وهذا كافر ولكنه لا يعاقب طالما لم تبلغه الدعوة أى كتاب الله كما قال تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" فإن كان قد فكر فى دين الله أى تفكير فهو مسلم بالنية لأنه بحث وفكر كما فعل إبراهيم(ص) الثانى من يقول أنه مسلم وهذا يكفر بمعصيته لحكم من دين الله فإن تاب فقد عاد إلى إسلامه وإن أصر فلم يتب كفر وهذا يكون بحكم قضائى بمعنى أنه يرتكب جريمة أى ذنب وتثبت عليه ويعاقب فيطلب منه القاضى أن يتوب فيرفض التوبة ولذا نجد خلف كل عقاب لجريمة عدا القتل تأتى التوبة بعد العقوبة كما فى عقوبة السرقة : "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم" وكما فى عقوبة زنى الرجال ببعضهم كما قال تعالى : "واللذان يأتيانها منكم فأذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما" واكمل ابو بطين نقوله وكلامه فقال : "فلو كان هذا الحكم موقوفا على فهم الحجة ، لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة ، وهذا بين البطلان ، بل آخر كلامه ، يدل على أنه يعتبر فهم الحجة ، في الأمور التي تخفى على كثير من الناس ، وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة ، كالجهل ببعض الصفات . وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد ،والإيمان بالرسالة ، فقد صرح في مواضع كثيرة بكفر أصحابها ، وقتلهم بعد الاستتابة ، ولم يعذرهم بالجهل ، مع أنا نتحقق : أن سبب وقوعهم في تلك الأمور ، إنما هو الجهل بحقيقتها ، فلو علموا أنها كفر ، تخرج من الإسلام لم يفعلوها . وهذا في كلام الشيخ كثير ، كقوله في بعض كتبه : فكل من غلا في نبي ، أو رجل صالح ، وجعل فيه نوعا من الإلهية ، مثل أن يدعوه من دون الله ، نحو أن يقول : يا فلان أغثني ، أو اغفر لي ، أو ارحمني ، أو انصرني ، أو اجبرني ، أو توكلت عليك ، أو أنا في حسبك ، أو أنت حسبي ، ونحو هذه الأقوال ، التي هي من خصائص الربوبية ، التي لا تصلح إلا لله ، فكل هذا شرك وضلال ، يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا قتل . وقال أيضا : فمن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم ، كفر إجماعا ، وقال : من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله ، فهو مرتد ، وإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك ، فإن أصر صار مرتدا . وقال : من سب الصحابة أو أحدا منهم ، أو اقترن بسبه دعوى أن عليا إله ، أو نبي ، أو أن جبرائيل غلط ، فلا شك في كفر هذا ، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره . وقال أيضا : من زعم أن الصحابة ارتدوا ، بعد رسول الله ’ إلا نفرا قليلا ، لا يبلغون بضعة عشر ، أو أنهم فسقوا، فلا ريب في كفر قائل ذلك ، بل من شك في كفره ، فهو كافر ، انتهى فانظر كيف كفر الشاك ، والشاك جاهل ، فلم ير الجهل عذرا في مثل هذه الأمور . وقال في أثناء كلام له ، قال ولهذا قالوا : من عصى مستكبرا كإبليس ، كفر بالاتفاق ، ومن عصى مشتهيا لم يكفر عند أهل السنة ، ومن فعل المحارم مستحلا فهو كافر بالاتفاق . وقد قال : والاستحلال : اعتقاد أنها حلال ، وذلك يكون تارة باعتقاد أن الله لم يحرمها ، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية أو الرسالة ، ويكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة ، وتارة يعلم : أن الله حرمها ، ثم يمتنع من التزام هذا التحريم ويعاند ، فهذا أشد كفرا ممن قبله ، انتهى . وكلامه رحمه الله في مثل هذا كثير ، فلم يخص التكفير بالمعاند ، مع القطع بأن أكثر هؤلاء جهال ، لم يعلموا أن ما قالوه أو فعلوه كفر ، فلم يعذروا بالجهل في مثل هذه الأشياء، لأن منها ما هو مناقض للتوحيد ، الذي هو أعظم الواجبات، ومنها ما هو متضمن معارضة الرسالة ، ورد نصوص الكتاب والسنة الظاهرة ، المجمع عليها بين علماء المسلمين . وقد نص السلف والأئمة : على تكفير أناس بأقوال صدرت منهم ، مع العلم أنهم غير معاندين ، ولهذا قال الفقهاء: من جحد وجوب عبادة من العبادات الخمس ، أو جحد حل الخبز ونحوه ، أو جحد تحريم الخمر ونحوه ، أو شك في ذلك ومثله لا يجهله ، كفر ، وإن كان مثله يجهله عرف ذلك ، فإن أصر بعد التعريف ، كفر ، وقتل ، ولم يخصوا الحكم بالمعاند ، وذكروا في باب حكم المرتد أشياء كثيرة ، أقوالا وأفعالا ، يكون صاحبها بها مرتدا، ولم يقيدوا الحكم بالمعاند . وقال الشيخ أيضا : لما استحل طائفة من الصحابة الخمر ، كقدامة وأصحابه ، وظنوا أنها تباح لمن آمن بالله وعمل صالحا ، على ما فهموه من آية المائدة ، اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما ، على أنهم يستتابون ، فإن أصروا على الاستحلال كفروا ، وإن أقروا به جلدوا ، فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة ، حتى يبين لهم الحق ، فإن أصروا كفروا . وقال أيضا : ونحن نعلم بالضرورة ، أن رسول الله لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدا من الأموات ، لا من الأنبياء ولا غيرهم ، لا بلفظ الاستغاثة ، ولا بلفظ الاستعانة ، ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لهم السجود لميت ، ولا إلى ميت ونحو ذلك ، بل نعلم : أنه نهى عن ذلك كله ، وأنه من الشرك الذي حرمه الله ورسوله ، لكن لغلبة الجهل ،وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين ، لم يمكن تكفيرهم بذلك ، حتى يبين لهم ما جاء به الرسول. انتهى.فانظر إلى قوله : لم يمكن تكفيرهم بذلك ,حت يبين لهم ما جاء به الرسول ,ولم يقل حتى يتبين لهم ، ونتحقق منهم المعاندة بعد المعرفة . وقال أيضا : لما انجر كلامه في ذكر ما عليه كثير من الناس ، من الكفر ، والخروج عن الإسلام ، قال : وهذا غالب في الأعصار والأمصار ، التي تغلب فيها الجاهلية والكفر والنفاق ، فلهؤلاء من عجائب الجهل ، والظلم والكذب ، والنفاق والكفر والضلال ، ما لا يتسع لذكره المقال . وإذا كان في المقالات الخفية ، فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال ، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ، لكن ذلك يقع في طوائف منهم ، في الأمور الظاهرة ، التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين ، أنها من دين الإسلام ، بل اليهود والنصارى والمشركون ، يعلمون أن محمدا بعث بها ، وكفر من خالفها ، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له . ونهيه عن عبادة أحد سواه ، من الملائكة والنبيين او غيرهم ، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام . ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين ، ومثل تحريم الفواحش ، والربا والخمر والميسر ، ونحو ذلك ، ثم تجد كثيرا من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع ، فكانوا مرتدين ، وإن كانوا قد يتوبون من ذلك ، أو يعودون – إلى أن قال – وأبلغ من ذلك : أن منهم من يصنف في دين المشركين ، والردة عن الإسلام ، كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب ، وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته ، ورغب فيه ، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين ، وإن كان قد يكون عاد إلى الإسلام . انتهى . فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية ، والأمور الظاهرة ، فقال في المقالات الخفية ، التي هي كفر ، قد يقال إنه فيها مخطئ ضال ، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ، ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة ، فكلامه ظاهر في الفرق بين الأمور الظاهرة والخفية ، فيكفر بالأمور الظاهر حكمها مطلقا ، وبما يصدر منها من مسلم جهلا ، كاستحلال محرم أو فعل أو قول شركي بعد التعريف . ولا يكفر بالأمور الخفية جهلا ، كالجهل ببعض الصفات، فلا يكفر الجاهل بها مطلقا ، وإن كان داعية ، كقوله للجهمية : أنتم عندي لا تكفرون ، لأنكم جهال ، وقوله عندي يبين أن عدم تكفيرهم ، ليس أمرا مجمعا عليه ، لكنه اختياره ،وقوله في هذه المسألة خلاف المشهور في المذهب ، فإن الصحيح من المذهب تكفير المجتهد الداعي إلى القول بخلق القرآن ، أو نفي الرؤية ، أو الرفض ونحو ذلك ، وتفسيق المقلد . قال المجد ، الصحيح : أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية ، فإنا نفسق المقلد فيها ، كمن يقول بخلق القرآن ، أو أن علم الله مخلوق ، أو أن أسمائه مخلوقة ، أو أنه لا يرى في الآخرة ، أو يسب الصحابة تدينا ، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد ، وما أشبه ذلك ، فمن كان عالما في شيء من البدع، يدعوا إليه ويناظر عليه ، فهو محكوم بكفره ، نص أحمد على ذلك في مواضع ، انتهى . فانظر كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم ، والشيخ يختار عدم كفرهم ، ويفسقون عنده ؛ ونحوه قول ابن القيم ، فإنه قال : وفسق الاعتقاد ، كفسق أهل البدع ، الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ، ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله ، ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله ، جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ ، ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك ، وهؤلاء كالخوارج المارقة ، وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة ، وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم . وأما غلاة الجهمية ، فكغلاة الرافضة ، ليس للطائفتين في الإسلام نصيب ، ولذلك أخرجهم جماعة من السلف ، من الإثنتين والسبعين فرقة ، فقالوا هم مباينون للملة . انتهى . وبالجملة : فيجب على من نصح نفسه ، ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله ، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقلة ، فإن إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله فيه ، أعظم أمور الدين ؛ وقد كفينا بيان هذه المسألة كغيرها ، بل حكمها في الجملة أظهر أحكام الدين فالواجب علينا : الاتباع وترك الابتداع ، كما قال ابن مسعود _ ، اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم . وأيضا : فما تنازع العلماء في كونه كفرا ، فالاحتياط للدين التوقف وعدم الإقدام ، ما لم يكن في المسألة نص صريح عن المعصوم ؛ وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة ، فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره ، وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم . ومن العجب : أن أحد هؤلاء لو سئل عن مسألة في الطهارة ، أو البيع ونحوهما ، لم يفت بمجرد فهمه واستحسان عقله ، بل يبحث عن كلام العلماء ، ويفت بما قالوه ، فكيف يعتمد في هذا الأمر العظيم ، الذي هو أعظم أمور الدين وأشد خطرا ، على مجرد فهمه واستحسانه ؟ فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين ! ومحنته من تينك البليتين !! ." وما سبق هو كلام فى تكفير الجاهل وعدمه ومن جهل حكما لم يكفر حتى يعلم به وتقال له الحجة فالكافر هو من عصى متعمدا والتعمد لا يكون تعمدا إلا عن علم بالحرمة ولذا لا يعاقب الله على ارتكاب المخطىء وهو الجاهل دون علم وفى هذا قال : "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم" ولذا عقوبة القتل الخطأ لا تكون قتلا كما فى القتل المتعمد
المؤلف عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عبدالله بن سلطان بن خميس أبا بطين العائذي وهو عبارة عن سؤال أجاب عنه أبو بطين وهو : "سئل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين عن قول شيخ الإسلام تقي الدين في رده على ابن البكري ، فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم ،وإن كان ذلك المخالف يكفرهم ، لأن الكفر حكم شرعي ، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله ، كم كذب عليك ، وزنى بأهلك ، ليس لك أن تكذب عليه ، وتزني بأهله ، لأن الزنى والكذب ، حرام لحق الله تعالى ، وكذلك التكفير حق لله ، فلا نكفر إلا من كفره الله ورسوله . وأيضا : فإن تكفير الشخص المعين ، وجواز قتله ، موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية ، التي يكفر من خالفها ، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر – إلى أن قال – ولهذا كنت أقول للجهمية ، من الحلولية والنفاة ، الذين ينفون أن يكون الله فوق العرش : أنا لو وافقتكم كنت كافرا، لأني أعلم أن قولكم كفر ، وأنتم عندي لا تكفرون ، لأنكم جهال … الخ ، ما معنى قيام الحجة ؟" وإجابة أبو بطين تمثلت فى التالى : "فأجاب : الحمد لله رب العالمين ، تضمن كلام الشيخ مسألتين ، إحداهما : عدم تكفيرنا لمن كفرنا ، وظاهر كلامه : أنه سواء كان متأولا أم لا ، وقد صرح طائفة من العلماء : أنه إذا قال ذلك متأولا ، لا يكفر ، ونقل ابن حجر الهيتمي عن طائفة من الشافعية ، أنهم صرحوا بكفره إذا لم يتأول ، فنقل عن المتولي أنه قال : إذا قال المسلم يا كافر ، بلا تأويل كفر ، قال : وتبعه على ذلك جماعة . واحتجوا بقوله : (( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما )) والذي رماه به مسلم ، فيكون هو كافرا ، قالوا لأنه سمى الإسلام كفرا ، وتعقب بعضهم هذا التعليل ، وهو قولهم :إنه سمى الإسلام كفرا ، فقال : هذا المعنى لا يفهم من لفظه ، ولا هو مراده ، إنما مراده ومعنى لفظه : إنك لست على دين الإسلام ، الذي هو حق ، وإنما أنت كافر ، دينك غير الإسلام ، وأنا على دين الإسلام ، وهذا مراده بلا شك . لأنه إنما وصف بالكفر الشخص ، لا دين الإسلام ، فنفى عنه كونه على دين الإسلام ، فلا يكفر بهذا القول ، وإنما يعزر بهذا السب الفاحش ، بما يليق به ، ويلزم على ما قالوه أن من قال لعابد يا فاسق كفر ، لأنه سمى العبادة فسقا ، ولا أحسب أحدا يقوله ، وإنما يريد إنك تفسق ، وتفعل مع عبادتك ما هو فسق ، لا أن عبادتك فسق " والكلام هنا صحيح عدا تعزيز الساب فالساب بقول يا كافر إما أن يثبت كفر صاحبه بشهود على أن قال قولا يخالف كتاب الله أو عمل عملا مخالفا كتاب الله ولم يتب منه وإما أن يعاقب بعقوبة شهادة الزور لأنه قال كذبا لم يثبته كما قال تعالى : "والذين لا يشهدون الزور " وعقوبة شهادة الزور هى الجلد ثمانين كما فى الشهادة بزنى المرأة كما قال تعالى : "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون" وتحدث عن تكفير الناس بالمعاصى فقال : "وظاهر كلام النووي ، في شرح مسلم يوافق ذلك ، فإنه لما ذكر الحديث ، قال : وهذا مما عده العلماء من المشكلات، فإن مذهب أهل الحق : أن المسلم لا يكفر بالمعاصي ، كالقتل والزنا ، وكذا قوله لأخيه : يا كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام . ثم حكى في تأويل الحديث وجوها ، أحدها : أنه محمول على المستحل ، ومعنى (( باء بها )) أي بكلمة الكفر ، فباء وحار ورجع بمعنى . الثاني : رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره ، الثالث : أنه محمول على الخوارج ، المكفرين للمؤمنين ، وهذا نقله القاضي عياض عن مالك ، وهو ضعيف ، لأن المذهب الصحيح المختار ، الذي قاله الأكثرون ، والمحققون : إن الخوارج لا يكفرون ، كسائر أهل البدع . الرابع : معناه : أنه يؤول إلى الكفر ، فإن المعاصي كما قالوا : بريد الكفر ، ويخاف على المكثر منها ، أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر ، ويؤيده رواية أبي عوانة ، في مستخرجه على مسلم (( فإن كان كما قال ، وإلا فقد باء بالكفر )) . الخامس : فقد رجع بكفره ، وليس الراجع حقيقة الكفر، بل التكفير ، كونه جعل أخاه المؤمن كافرا ، فكأنه كفر بنفسه ، إما لأنه كفر من هو مثله ، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر ، يعتقد بطلان الإسلام انتهى . وقال ابن دقيق العيد ، في قوله : (( ومن دعا رجلا بالكفر ، وليس كذلك ، إلا حار عليه )) أي : رجع عليه ، وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدا من المسلمين ، وليس هو كذلك ، وهي ورطة عظيمة ، وقع فيها خلق من العلماء ، اختلفوا في العقائد ، وحكموا بكفر بعضهم بعضا . ثم نقل عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني ، أنه قال : لا أكفر إلا من كفرني ، قال : وربما خفي هذا القول على بعض الناس ، وحمله على غير محمله الصحيح ، والذي ينبغي أن يحمل عليه ، أنه لمح هذا الحديث الذي يقتضي : أن من دعا رجلا بالكفر وليس كذلك ، رجع عليه الكفر ، وكذلك قوله : (( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )) . وكان هذا المتكلم ، أي : أبو إسحاق ، يقول : الحديث دل على أنه يحصل الكفر لأحد الشخصين ، إما المكفر أو المكفر ، فإذا كفرني بعض الناس ، فالكفر واقع بأحدنا ، وأنا قاطع أني لست بكافر ، فالكفر راجع إليه . انتهى . فظاهر كلام أبي إسحاق : أنه لا فرق بين المتأول وغيره ، والله أعلم ، وما نقله القاضي عن مالك ، من حمله الحديث على الخوارج ، موافق لإحدى الروايتين عن أحمد ، في تكفير الخوارج ، اختارها طائفة من الأصحاب وغيرهم ، لأنهم كفروا كثيرا من الصحابة ، واستحلوا دماءهم وأموالهم ، متقربين بذلك إلى الله ، فلم يعذروهم بالتأويل الباطل ، لكن أكثر الفقهاء على عدم كفرهم ، لتأويلهم ، وقالوا : من استحل قتل المعصومين ، وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل كفر ، وإن كان استحلالهم ذلك بتأويل كالخوارج لم يكفر ، والله أعلم ." وكل هذا الكلام للبعد عن التكفير بالمعصية هو إخلال بالدين تماما فالكفر هو معصية الله دون توبة سواء كانت هذه المعصية واحدة أو عصيان كل الدين ومن ثم ساوى الله بين الكفر ببعض والكفر بالكل كما قال تعالى : "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون" فهنا سبب الكفر هو عصيان القوم فى أمر هو المظاهرة على قتل الاخوان وأسرهم وقد عرف الله أول معصية له بالكفر فإبليس كان معترفا بوجود الله لقوله " فبعزتك" وطلبه البقاء حتى القيامة " فانظرنى إلى يوم يبعثون"ومع هذا سماه الله من الكافرين لأنه رفض أمر الله أى عصاه بالسجود وفى هذا قال تعالى : "إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين" ومن ثم فالكفر هو عصيان الله فى حكم أو فى أكثر أو فى كل الأحكام ومن ضمنها ما يسمى العقائد ويستمر كفر العاصى حتى يتوب ثم تحدث عن تكفير الشخص المعين وجواز قتله ، موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية فقال "المسألة الثانية : أن تكفير الشخص المعين وجواز قتله ، موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية ، التي يكفر من خالفها … إلى آخره ، يشمل كلامه من لم تبلغه الدعوة ، وقد صرح بذلك في موضع آخر ، ونقل ابن عقيل عن الأصحاب: أنه لا يعاقب ، وقال : إن الله عفا عن الذي كان يعامل ويتجاوز ، لأنه لم تبلغه الدعوة ، وعمل بخصلة من الخير . واستدل لذلك بما في صحيح مسلم مرفوعا (( والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي أو نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار )) قال في شرح مسلم : وخص اليهودي والنصراني ، لأن لهم كتابا ، قال ، وفي مفهومه : أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور ، قال : وهذا جار على ما تقرر في الأصول ، لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح . انتهى . وقال القاضي : أبو يعلى ، في قوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } في هذا دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلا ، وإنما تجب بالشرع ، وهو بعثة الرسل ، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك ، لم يقطع عليه بالنار وفيمن لم تبلغه الدعوة قول آخر : أنه يعاقب ، اختاره ابن حامد ، واحتج بقوله { أيحسب الإنسان أن يترك سدى} والله أعلم ، فمن بلغته رسالة محمد ، وبلغه القرآن ، فقد قامت عليه الحجة ، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل . وقد أخبر الله سبحانه : بجهل كثير من الكفار ، مع تصريحه بكفرهم ، ووصف النصارى بالجهل ، مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم ، ونقطع : أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون ، فنعتقد كفرهم ، وكفر من شك في كفرهم . وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر ، والشك هو التردد بين شيئين ، كالذي لا يجزم بصدق الرسول (ص) ولا كذبه ، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه ، ونحو ذلك ، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوبها ، أو لا يعتقد تحريم الزنا ولا عدم تحريمه ، وهذا كفر بإجماع العلماء ، ولا عذر لمن كان حاله هكذا ، بكونه لم يفهم حجج الله وبيناته ، لأنه لا عذر له بعد بلوغها ، وإن لم يفهمها . وقد أخبر الله تعالى عن الكفار : أنهم لم يفهموا ، فقال : { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا }وقال : { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون } فبين الله سبحانه : أنهم لم يفقهوا ، فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا، بل صرح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفار ، كما في قوله تعالى : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } قال الشيخ : أبو محمد ، موفق الدين بن قدامة لما انجر كلامه في مسألة : هل كل مجتهد ، مصيب أم لا ؟ ورجح انه ليس كل مجتهد مصيبا ، بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين ، قال : وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام، إذا نظر فعجز عن إدراك الحق ، فهو معذور غير آثم – إلى أن قال – أما ما ذهب إليه الجاحظ ، فباطل يقينا ، وكفر بالله تعالى ، ورد عليه وعلى رسوله . فإنا نعلم قطعا : أن النبي(ص) أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه ، وذمهم على إصرارهم ، وقاتل جميعهم ، وقتل البالغ منهم ، ونعلم : أن المعاند العارف مما يقل ، وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ، ولم يعرفوا معجزة الرسول(ص)وصدقه . والآيات الدالة في القرآن على هذا كثيرة ، كقوله تعالى : { ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار } ، { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين } { وإن هم إلا يظنون}{ ويحسبون أنهم على شيء } { ويحسبون أنهم مهتدون } { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } وفي الجملة : ذم المكذبين لرسول الله مما لا ينحصر في الكتاب والسنة . انتهى . فبين رحمه الله : أنا لو لم نكفر إلا المعاند العارف ، لزمنا الحكم بإسلام أكثر اليهود والنصارى ، وهذا من أظهر الباطل ، فقول الشيخ تقي الدين: إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة ، يدل من كلامه على أن هذين الأمرين ، وهما : التكفير ، والقتل ، ليسا موقوفين على فهمك الحجة مطلقا ، بل على بلوغها ، ففهمها شيء ، وبلوغها شيء آخر" والكلام السابق لا يفرق فيه المتكلمون بين فريقين : الأول من على دين أخر وهذا كافر ولكنه لا يعاقب طالما لم تبلغه الدعوة أى كتاب الله كما قال تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" فإن كان قد فكر فى دين الله أى تفكير فهو مسلم بالنية لأنه بحث وفكر كما فعل إبراهيم(ص) الثانى من يقول أنه مسلم وهذا يكفر بمعصيته لحكم من دين الله فإن تاب فقد عاد إلى إسلامه وإن أصر فلم يتب كفر وهذا يكون بحكم قضائى بمعنى أنه يرتكب جريمة أى ذنب وتثبت عليه ويعاقب فيطلب منه القاضى أن يتوب فيرفض التوبة ولذا نجد خلف كل عقاب لجريمة عدا القتل تأتى التوبة بعد العقوبة كما فى عقوبة السرقة : "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم" وكما فى عقوبة زنى الرجال ببعضهم كما قال تعالى : "واللذان يأتيانها منكم فأذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما" واكمل ابو بطين نقوله وكلامه فقال : "فلو كان هذا الحكم موقوفا على فهم الحجة ، لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة ، وهذا بين البطلان ، بل آخر كلامه ، يدل على أنه يعتبر فهم الحجة ، في الأمور التي تخفى على كثير من الناس ، وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة ، كالجهل ببعض الصفات . وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد ،والإيمان بالرسالة ، فقد صرح في مواضع كثيرة بكفر أصحابها ، وقتلهم بعد الاستتابة ، ولم يعذرهم بالجهل ، مع أنا نتحقق : أن سبب وقوعهم في تلك الأمور ، إنما هو الجهل بحقيقتها ، فلو علموا أنها كفر ، تخرج من الإسلام لم يفعلوها . وهذا في كلام الشيخ كثير ، كقوله في بعض كتبه : فكل من غلا في نبي ، أو رجل صالح ، وجعل فيه نوعا من الإلهية ، مثل أن يدعوه من دون الله ، نحو أن يقول : يا فلان أغثني ، أو اغفر لي ، أو ارحمني ، أو انصرني ، أو اجبرني ، أو توكلت عليك ، أو أنا في حسبك ، أو أنت حسبي ، ونحو هذه الأقوال ، التي هي من خصائص الربوبية ، التي لا تصلح إلا لله ، فكل هذا شرك وضلال ، يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا قتل . وقال أيضا : فمن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم ، كفر إجماعا ، وقال : من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله ، فهو مرتد ، وإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك ، فإن أصر صار مرتدا . وقال : من سب الصحابة أو أحدا منهم ، أو اقترن بسبه دعوى أن عليا إله ، أو نبي ، أو أن جبرائيل غلط ، فلا شك في كفر هذا ، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره . وقال أيضا : من زعم أن الصحابة ارتدوا ، بعد رسول الله ’ إلا نفرا قليلا ، لا يبلغون بضعة عشر ، أو أنهم فسقوا، فلا ريب في كفر قائل ذلك ، بل من شك في كفره ، فهو كافر ، انتهى فانظر كيف كفر الشاك ، والشاك جاهل ، فلم ير الجهل عذرا في مثل هذه الأمور . وقال في أثناء كلام له ، قال ولهذا قالوا : من عصى مستكبرا كإبليس ، كفر بالاتفاق ، ومن عصى مشتهيا لم يكفر عند أهل السنة ، ومن فعل المحارم مستحلا فهو كافر بالاتفاق . وقد قال : والاستحلال : اعتقاد أنها حلال ، وذلك يكون تارة باعتقاد أن الله لم يحرمها ، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية أو الرسالة ، ويكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة ، وتارة يعلم : أن الله حرمها ، ثم يمتنع من التزام هذا التحريم ويعاند ، فهذا أشد كفرا ممن قبله ، انتهى . وكلامه رحمه الله في مثل هذا كثير ، فلم يخص التكفير بالمعاند ، مع القطع بأن أكثر هؤلاء جهال ، لم يعلموا أن ما قالوه أو فعلوه كفر ، فلم يعذروا بالجهل في مثل هذه الأشياء، لأن منها ما هو مناقض للتوحيد ، الذي هو أعظم الواجبات، ومنها ما هو متضمن معارضة الرسالة ، ورد نصوص الكتاب والسنة الظاهرة ، المجمع عليها بين علماء المسلمين . وقد نص السلف والأئمة : على تكفير أناس بأقوال صدرت منهم ، مع العلم أنهم غير معاندين ، ولهذا قال الفقهاء: من جحد وجوب عبادة من العبادات الخمس ، أو جحد حل الخبز ونحوه ، أو جحد تحريم الخمر ونحوه ، أو شك في ذلك ومثله لا يجهله ، كفر ، وإن كان مثله يجهله عرف ذلك ، فإن أصر بعد التعريف ، كفر ، وقتل ، ولم يخصوا الحكم بالمعاند ، وذكروا في باب حكم المرتد أشياء كثيرة ، أقوالا وأفعالا ، يكون صاحبها بها مرتدا، ولم يقيدوا الحكم بالمعاند . وقال الشيخ أيضا : لما استحل طائفة من الصحابة الخمر ، كقدامة وأصحابه ، وظنوا أنها تباح لمن آمن بالله وعمل صالحا ، على ما فهموه من آية المائدة ، اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما ، على أنهم يستتابون ، فإن أصروا على الاستحلال كفروا ، وإن أقروا به جلدوا ، فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة ، حتى يبين لهم الحق ، فإن أصروا كفروا . وقال أيضا : ونحن نعلم بالضرورة ، أن رسول الله لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدا من الأموات ، لا من الأنبياء ولا غيرهم ، لا بلفظ الاستغاثة ، ولا بلفظ الاستعانة ، ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لهم السجود لميت ، ولا إلى ميت ونحو ذلك ، بل نعلم : أنه نهى عن ذلك كله ، وأنه من الشرك الذي حرمه الله ورسوله ، لكن لغلبة الجهل ،وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين ، لم يمكن تكفيرهم بذلك ، حتى يبين لهم ما جاء به الرسول. انتهى.فانظر إلى قوله : لم يمكن تكفيرهم بذلك ,حت يبين لهم ما جاء به الرسول ,ولم يقل حتى يتبين لهم ، ونتحقق منهم المعاندة بعد المعرفة . وقال أيضا : لما انجر كلامه في ذكر ما عليه كثير من الناس ، من الكفر ، والخروج عن الإسلام ، قال : وهذا غالب في الأعصار والأمصار ، التي تغلب فيها الجاهلية والكفر والنفاق ، فلهؤلاء من عجائب الجهل ، والظلم والكذب ، والنفاق والكفر والضلال ، ما لا يتسع لذكره المقال . وإذا كان في المقالات الخفية ، فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال ، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ، لكن ذلك يقع في طوائف منهم ، في الأمور الظاهرة ، التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين ، أنها من دين الإسلام ، بل اليهود والنصارى والمشركون ، يعلمون أن محمدا بعث بها ، وكفر من خالفها ، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له . ونهيه عن عبادة أحد سواه ، من الملائكة والنبيين او غيرهم ، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام . ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين ، ومثل تحريم الفواحش ، والربا والخمر والميسر ، ونحو ذلك ، ثم تجد كثيرا من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع ، فكانوا مرتدين ، وإن كانوا قد يتوبون من ذلك ، أو يعودون – إلى أن قال – وأبلغ من ذلك : أن منهم من يصنف في دين المشركين ، والردة عن الإسلام ، كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب ، وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته ، ورغب فيه ، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين ، وإن كان قد يكون عاد إلى الإسلام . انتهى . فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية ، والأمور الظاهرة ، فقال في المقالات الخفية ، التي هي كفر ، قد يقال إنه فيها مخطئ ضال ، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ، ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة ، فكلامه ظاهر في الفرق بين الأمور الظاهرة والخفية ، فيكفر بالأمور الظاهر حكمها مطلقا ، وبما يصدر منها من مسلم جهلا ، كاستحلال محرم أو فعل أو قول شركي بعد التعريف . ولا يكفر بالأمور الخفية جهلا ، كالجهل ببعض الصفات، فلا يكفر الجاهل بها مطلقا ، وإن كان داعية ، كقوله للجهمية : أنتم عندي لا تكفرون ، لأنكم جهال ، وقوله عندي يبين أن عدم تكفيرهم ، ليس أمرا مجمعا عليه ، لكنه اختياره ،وقوله في هذه المسألة خلاف المشهور في المذهب ، فإن الصحيح من المذهب تكفير المجتهد الداعي إلى القول بخلق القرآن ، أو نفي الرؤية ، أو الرفض ونحو ذلك ، وتفسيق المقلد . قال المجد ، الصحيح : أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية ، فإنا نفسق المقلد فيها ، كمن يقول بخلق القرآن ، أو أن علم الله مخلوق ، أو أن أسمائه مخلوقة ، أو أنه لا يرى في الآخرة ، أو يسب الصحابة تدينا ، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد ، وما أشبه ذلك ، فمن كان عالما في شيء من البدع، يدعوا إليه ويناظر عليه ، فهو محكوم بكفره ، نص أحمد على ذلك في مواضع ، انتهى . فانظر كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم ، والشيخ يختار عدم كفرهم ، ويفسقون عنده ؛ ونحوه قول ابن القيم ، فإنه قال : وفسق الاعتقاد ، كفسق أهل البدع ، الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ، ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله ، ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله ، جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ ، ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك ، وهؤلاء كالخوارج المارقة ، وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة ، وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم . وأما غلاة الجهمية ، فكغلاة الرافضة ، ليس للطائفتين في الإسلام نصيب ، ولذلك أخرجهم جماعة من السلف ، من الإثنتين والسبعين فرقة ، فقالوا هم مباينون للملة . انتهى . وبالجملة : فيجب على من نصح نفسه ، ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله ، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقلة ، فإن إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله فيه ، أعظم أمور الدين ؛ وقد كفينا بيان هذه المسألة كغيرها ، بل حكمها في الجملة أظهر أحكام الدين فالواجب علينا : الاتباع وترك الابتداع ، كما قال ابن مسعود _ ، اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم . وأيضا : فما تنازع العلماء في كونه كفرا ، فالاحتياط للدين التوقف وعدم الإقدام ، ما لم يكن في المسألة نص صريح عن المعصوم ؛ وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة ، فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره ، وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم . ومن العجب : أن أحد هؤلاء لو سئل عن مسألة في الطهارة ، أو البيع ونحوهما ، لم يفت بمجرد فهمه واستحسان عقله ، بل يبحث عن كلام العلماء ، ويفت بما قالوه ، فكيف يعتمد في هذا الأمر العظيم ، الذي هو أعظم أمور الدين وأشد خطرا ، على مجرد فهمه واستحسانه ؟ فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين ! ومحنته من تينك البليتين !! ." وما سبق هو كلام فى تكفير الجاهل وعدمه ومن جهل حكما لم يكفر حتى يعلم به وتقال له الحجة فالكافر هو من عصى متعمدا والتعمد لا يكون تعمدا إلا عن علم بالحرمة ولذا لا يعاقب الله على ارتكاب المخطىء وهو الجاهل دون علم وفى هذا قال : "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم" ولذا عقوبة القتل الخطأ لا تكون قتلا كما فى القتل المتعمد