قراءة فى كتاب أحكام اللقيط في الفقه الإسلامي
المؤلف هو وليد خالد الربيع والبحث يدور حول أحكام اللقيط وفى مقدمته قال :
"فهذا بحث موجز في أحكام اللقيط في الفقه الإسلامي ..وذلك أن عناية الشرع المطهر بالضعفاء في المجتمع الإسلامي ـ على وجه العموم ـ واللقطاء والأيتام ـ على وجه الخصوص ـ عناية كبيرة ، وهي بذلك تمثل مظهرا من مظاهر رحمة الإسلام العامة الشاملة .."
وقد استهل البحث بتعريف اللقيط لغويا ثم اصطلاحيا فقال :
المبحث الأول
تعريف اللقيط لغة
اللقيط في اللغة : فعيل بمعنى مفعول أي ملقوط كقتيل وجريح وطريح ، مشتق من اللقط وهو أخذ شيء من الأرض ...فاللقيط في اللغة : هو الطفل ـ ذكرا كان أم أنثى ـ الذي لا يعرف أبواه ويوجد ملقى في الطريق ونحوه .
تعريف اللقيط اصطلاحا
عرف الفقهاء اللقيط بتعريفات متعددة تلتقي في بعض الأمور وتختلف في البعض الآخر ، فمن ذلك :
أولا : تعريف الحنفية :
جاء في تبيين الحقائق :" اسم لمولود حي طرحه أهله خوفا من العيلة أو التهمة "
ثانيا : تعريف المالكية :
عرفه ابن عرفة بقوله :" صغير آدمي لم يعلم أبواه ولا رقه "
ثالثا : تعريف الشافعية :
جاء في مغني المحتاج :" صغير منبوذ في شارع أو مسجد أو نحو ذلك لا كافل له معلوم ولو مميزا لحاجته إلى التعهد
رابعا: تعريف الحنابلة :
قال ابن قدامة : " هو الطفل المنبوذ " ، وقال غيره :" طفل لا يعرف نسبه ولا رقه نبذ أو ضل "
وقد ناقش تلك التعريفات فقال :
"ومما يلاحظ على ما تقدم من تعريفات ما يلي :
1-اتفقت على أن اللقيط طفل صغير دون التمييز ، فيخرج بذلك البالغ العاقل لعدم حاجته إلى الرعاية والكفالة .
2-كما اتفقت على أن اللقيط لا يعرف أهله ولا نسبه ، فيخرج بذلك من عرف أهله ، وكذلك من عرفت أمه بأن يكون ولد زنا مثلا فلا يعد لقيطا .
3-اتفقت التعريفات على أن اللقيط محتاج إلى الإلتقاط والأخذ لحاجته إلى الرعاية والقيام بما يحتاج إليه من نفقة وحضانة ونحو ذلك .
4-فرق بعض التعريفات بين اللقيط والمنبوذ باعتبار أن المنبوذ يطلق على ولد الزنا خاصة كما سئل الإمام مالك عمن قال لرجل : يا منبوذ ، فقال : لا يعلم منبوذ إلا ولد الزنا .
وبناء على هذا فاللقيط أعم من المنبوذ مطلقا لأنه يشمل ولد الزنا ومن ضاع من أهله، والمنبوذ أخص مطلقا من اللقيط .
وذهب البعض الآخر إلى اعتبارهما بمعنى واحد... وذهب البعض إلى أن الطفل يعد منبوذا ما دام مطروحا ولا يسمى لقيطا إلا بعد أخذه، وقيل : المنبوذ ما وجد بفور ولادته واللقيط بخلافه .
5- مما يؤخذ على تعريف الحنفية أنه قصر معنى اللقيط على الطفل الذي طرحه أهله خوفا من الفقر أو فضيحة الزنا ، مع أنه يمكن أن يطلق لفظ اللقيط على الطفل الضائع الذي فقده أهله ولا يعرف أبواه .
وعلى هذا فيمكن تعريف اللقيط بأنه " طفل مجهول الهوية نبذه أهله أو ضاع منهم "، لأنه يشمل المعاني السابقة ويسلم من الاعتراضات الواردة على غيره ."
ومما سبق نجد الربيع عرف اللقيط بكونه منبوذ أو ضائع وهو تعريف أفضل ويبقى ناقصا شىء وهو أن يموت أهله فى كارثة كالموج العاتى أو الريح العاصف أو غرق مركب أو غيرهما ويتبقى هو
وفى المبحث الثانى تحدث عن تقسيم الفقهاء اللقطاء إلى نوعين فقال :
"المبحث الثاني حكم الإلتقاط
فرق الفقهاء بين حالتين من أحوال اللقيط :
الحالة الأولى خشية على اللقيط الهلاك :
إذا خشي على الطفل من الهلاك بأن كان في بحر يخاف عليه من الغرق أو كان في مفازة منقطعة أو أرض ذات سباع ، فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن التقاطه وأخذه فرض عين إن لم يكن هناك أحد غيره ، لأن ذلك مندرج تحت قاعدة حفظ النفوس المجمع عليها في سائر الملل ، فأخذه فيه إحياء نفس من الهلاك فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر ، وقد قال - عز وجل " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا "
الحالة الثانية : إذا لم يخش عليه الهلاك :
اختلف الفقهاء في وجوب أخذ اللقيط إذا لم يخش عليه الهلاك في موضعه الذي هو فيه على مذهبين :
المذهب الأول : التقاط اللقيط مندوب .
المذهب الثاني : التقاط اللقيط فرض كفاية ."
وقطعا الالتقاط واجب حفاظا على النفس البشرية التى حرم الله قتلها ومن ضمن قتلها ترك اللقيط يموت جوعا أو عطشا أو غير ذلك كما قال تعالى:
"ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق"
ومن ترك لقيطا يموت عمدا فهو قاتل عمدا ويستحق العقاب إن قام عليه شهود وإن كانوا فى تلك الحالة شركاء فى الجريمة لأنهم كانوا متواجدين معه ولم يلتقطوه ومن ثم فمن الصعب إثبات تلك الجريمة
وتحدث الربيع عن الإشهاد على اللقط فقال :
"المطلب الثاني الإشهاد على الإلتقاط
اختلف الفقهاء في حكم الإشهاد على الإلتقاط على مذهبين :
المذهب الأول : وجوب الإشهاد على الإلتقاط ...وذلك خشية أن تطول المدة فيدعي الملتقط أن اللقيط عبده ، وهو ما عبروا عنه بقولهم :" خوف الاسترقاق " .
المذهب الثاني : يستحب الإشهاد على الإلتقاط ولا يجب ونوقش هذا الاستدلال بأن القياس مع الفارق لأن الغرض من اللقطة حفظ المال ، والإشهاد في التصرف المالي مستحب ، وأما في اللقيط فالغرض حفظ حريته ونسبه فوجب الإشهاد كما في النكاح كما أن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف في اللقيط
وبهذا يظهر رجحان المذهب الأول لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ، وينبغي كذلك أن يشهد على ما مع اللقيط من مال تبعا له ولئلا يتملكه أو يدعيه مع مرور المدة ."
والإشهاد على اللقط واجب على المسلم ويجب أن يكون هناك توثيق قضائى خوفا من أمور عدة ذكروا منها العبودية ولم يذكروا وراثة اللقيط لمن لقطه وأمال إن كانوا فى منطقة نائية لا يصل إليها أحد إلا نادرا فمتى وصل أحد أشهده اللاقط
وتحدث الربيع عن شروط الملتقط فقال :
"المطلب الثالث شروط الملتقط
لضمان سلامة اللقيط وعدم ضياع حقوقه المادية والمعنوية كالدين والنسب والحرية وما معه من أموال ونحو ذلك فقد ذكر الفقهاء للملتقط شروطا عديدة احتياطا لمصلحة اللقيط ودفعا للضرر عنها ، فمن هذه الشروط :
الشرط الأول : الإسلام :
فرق الفقهاء بين حالتين :
الحالة الأولى : إذا حكم بكفر اللقيط فلغير المسلم التقاطه ويقر بيده لأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض
الحالة الثانية : إذا لم يحكم بكفر اللقيط أو حكم بإسلامه ـ كما سيأتي ـ فهنا اختلف الفقهاء في حكم التقاط غير المسلم على مذهبين :
المذهب الأول : لا يشترط إسلام الملتقط .
المذهب الثاني : يشترط أن يكون الملتقط مسلما .
وهو مذهب الجمهور ...وهو الأظهر لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ، وذلك لأن الأصل في كل مولود أن يولد على الفطرة ، والقول بجواز أن يلتقط غير المسلم اللقيط فيه تمكين له من تغيير فطرة اللقيط وصرفه عن الإسلام ، وهذا أمر ظاهر ويغلب على الظن وقوعه ، فينبغي منع ذلك بنزع اللقيط من يد غير المسلم وعدم تمكينه من الولاية على اللقيط "
فى دولة المسلمين يلتقط المسلم أو غيره ولكن يجب توثيق الأمر فى القضاء وقبل أن يكفله اللاقط أو غيره ينبغى أولا البحث عن أهله بكل السبل الممكنة ولا تعطى كفالته قضائيا لمن التقطه إلا بعد انتهاء البحث وإن كان اللاقط يكون كفيلا له دون أمر قضائى حتى انتهاء البحث لو أراد وأما إذا لم يرد فتعطى كفالته إن كان رضيعا لأسرة بها رضيه حتى يكون أخ أو أخت له من الرضاعة وأما إن كان كبيرا أو كبيرة السن عن الرضاعة فيعطى الولد لرجل أرمل ليس لديه عيال وأما إن كانت بنتا فتعطى لامرأة أرملة ليس لديها عيال فإن لم يوجد أعطى الولد لمن لديه أولاد بنين فقط وإن لم يوجد أعطيت البنت لمن لديها بنات فقط فإن لم يوجد أعطى لمن لديهم أولاد مختلطين رجل أو امرأة ثم قال :
"الشرط الثاني : أن يكون بالغا عاقلا :
ذهب عامة الفقهاء إلى أنه يشترط أن يكون الملتقط مكلفا أي عاقلا بالغا
الشرط الثالث : العدالة :
ولا خلاف في أنه يستحب أن يكون الملتقط عدلا
واختلف الفقهاء في التقاط الفاسق :
المذهب الأول : يصح التقاط الفاسق .
المذهب الثاني : لا يصح التقاط الفاسق .
وهو الأظهر لأن أخذ اللقيط يلزم منه القيام على تربيته وتنشئته التنشئة الإسلامية المحافظة ، فإذا كان الفاسق مخلا بذلك في نفسه فيبعد أن ينشئ اللقيط على ذلك ، كما أنه لا يؤمن أن يدعي استرقاقه أن يأخذ ما معه من مال ونحوه ، ولهذا لا يقر في يده بل ينزع منه .
فإن كان الملتقط مستور الحال ممن لم يظهر منه فسق ولا إخلال بالعدالة ، أقر اللقيط في يده لأن حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفي أكثر الأحكام ، ولأن الأصل في المسلم العدالة كما قال عمر :" المسلمون عدول بعضهم على بعض ""
ولا وجود للفاسق فى الإسلام بالمعنى المراد فى الفقرة وهم يقصدون به كثير ارتكاب المعاصى المشهور بها فهو كافر مرتد ولا وجود له فى دول المسلمين لأنه إما هارب منها أو يقاتل حتى يتوب أو يقتل إن أصر على ذنوبه ثم قال :
"الشرط الرابع : الحرية :
ذهب عامة الفقهاء إلى أنه يشترط أن يكون الملتقط حرا ، لأنه أقدر على القيام بمصالح اللقيط وتربيته ، واختلفوا في التقاط العبد :
...اختلف الفقهاء في التقاط العبد على مذهبين :
المذهب الأول : يصح التقاط العبد المذهب الثاني : يصح التقاط العبد إن أذن له سيده .
وهو مذهب الجمهور ..وهو المذهب الأظهر ، فإن التقطه بغير إذن سيده لم يقر في يده ونزع منه ، وإن أذن له أقر في يده لأنه استعان به في ذلك فصار كما لو التقطه السيد ودفعه إلى العبد ليقوم بشؤونه ."
التقاط العبد صحيح لأنه إذا لم يلتقط ومات الطفل فقد ارتكب جريمة القتل عمدا ولكن كفالة العبد لا تكون إلا بإذن سيده لأنه هو من ينفق ثم قال :
"الشرط الخامس : الرشد :
ولا خلاف في صحة التقاط المكلف الرشيد واختلفوا في التقاط المحجور عليه للسفه على مذهبين :
المذهب الأول : يصح التقاط المحجور عليه للسفه .
المذهب الثاني : لا يصح التقاط المحجور عليه للسفه ...لأن السفيه المحجور عليه لا ولاية له على نفسه ، فأولى أن لا يكون وليا على غيره
والأظهر أنه يصح التقاط السفيه المحجور عليه ويقر اللقيط في يده لأنه في نفسه أهل للأمانة والتربية ، والحجر إنما يكون في منعه من التصرف في ماله دون سائر التصرفات "
والالتقاط يصح من أى أحد حتى ولو كان طفلا كبيرا لكونه انقاذ حياة إنسان ولكن المشكلة هى فى كفالة اللقيط فالكفالة تتطلب إنفاقا ماليا يعجز عنه البعض ثم قال :
"الشرط السادس : الغنى :
اختلفوا في التقاط الفقير على مذهبين :
المذهب الأول : لا يصح التقاط الفقير ولا يقر في يده .
المذهب الثاني : يصح التقاط الفقير ويقر اللقيط في يده .
ولا يشترط الذكورة في الملتقط عند عامة الفقهاء فالرجل والمرأة في ذلك سواء، فيصح التقاط المرأة ويقر اللقيط في يدها ، قيد المالكية ذلك بأن تكون المرأة حرة خالية من الأزواج أو كانت ذات زوج فيشترط إذن الزوج في ذلك ."
وكما سبق القول يجوز التقاط الكل دون فرق بين غنى أو فقير والكفالة واحدة للكل ما دام بيت المال ينفق على الطفل فى دولة المسلمين وأما فى المجتمعات الحالية التى لا تحكم بشرع الله فيفضل أن تكون الكفالة لمن معه مال حرصا على عدم تعب اللقيط ثم تحدث عن كثرة الملتقطين فقال:
"المطلب الرابع تزاحم الملتقطين
إذا ازدحم اثنان على لقيط ، فإن لذلك أحوالا وصورا :
الحالة الأولى : إذا ازدحما فيه قبل الأخذ وطلب كل واحد منهما أخذه وحضانته :
جعله الحاكم في يد من رآه منهما أو من غيرهما ، إذ لاحق لهما قبل الأخذ .
الحالة الثانية : إذا ازدحما فيه بعد الأخذ ، فإن لذلك صورا :
الصورة الأولى : إن لم يكن واحد منهما أهلا للالتقاط بأن كانا جميعا ممن لا يقر اللقيط في يده ، نزع اللقيط منهما وسلم لغيرهما .
الصورة الثانية : إن كان أحدهما ممن يقر اللقيط في يده والآخر ليس كذلك ، كأن يتنازع المسلم والكافر واللقيط ممن حكم بإسلامه ، والعدل والفاسق ، والحر والعبد، يقدم من يقر اللقيط في يده وتكون مشاركة الآخر كالعدم ، لأنه لو التقطه وحده لم يقر في يده ، فإذا شاركه من هو أهل للالتقاط كان أولى به .
الصورة الثالثة : إذا كان كل واحد منهما ممن تقر يده على اللقيط فينظر
1-إن سبق أحدهما إلى أخذه ووضع يده عليه فهو أحق به ، لقوله (ص):" من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " .
2-وإن تساويا في الأخذ واختص أحدهما بصفة تقدمه على الآخر ، فينظر في الأحظ للقيط ، فإن كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا فيقدم الغني ، وإن كان أحدهما عدلا والآخر مستور الحال يقدم العدل ، والحر أولى من العبد ولو التقطه بإذن سيده .
3-وإن تساويا من جميع الوجوه بأن يكونا مسلمين عدلين حرين مقيمين موسرين ، فهما سواء فيه فإن رضي أحدهما بإسقاط حقه جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به ، وإن تشاحا أقرع بينهما :
1-لقوله - عز وجل - : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ".
2-ولأنه لا يمكن أن يكون عندهما في حالة واحدة . "
كون الملتقطين كثرة لا يعطيهم الحق فى كفالة اللقيط فالقاضى هو من ينظر فى المسألة إذا تقدم أكثر من شخص للكفالة حسب قواعد:
يفضل العقماء والعقيمات أولا
يفضل الأرامل رجالا ونساء الذين لديهم أطفال من نوع اللقيط فقط
عند كون اللقيط رضيع يفضل من لديها أو لديه طفل يرضع
وأما الشرط المالى ففى دولة المسلمين الدولة تتكفل بهم ماليا وأما فى مجتمعاتنا الحالية وما يشابهها فالأمر مختلف حيث القوانين الوضعية هى من تنظم ذلك إلا أن يتم الأمر سرا بعيدا عن الشرطة والقضاء فالناس إن كانوا مسلمين يطبقون قوانين الشرع
وفى المبحث التالى تحدث عن ديانة اللقيط فقال :
"المبحث الثالث دين اللقيط
الدين من أهم المصالح التي جاءت الشريعة الإسلامية بتقريرها وحفظها والدفاع عنها، وذلك لأن عبادة الله - عز وجل - هي الغاية التي لأجلها خلق الخلق كما قال تعالى : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
المطلب الأول
دين اللقيط قبل التمييز
إذا وجد اللقيط في بلاد المسلمين ميتا ، فقد قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد ، أن غسله ودفنه في مقابر المسلمين يجب أما إذا وجد اللقيط حيا فلذلك أحوال :
الحالة الأولى : إذا وجد اللقيط في بلاد المسلمين وكان الواجد مسلما ، حكم بإسلام اللقيط باتفاق المسلمين وإن كان فيها أهل ذمة تغليبا للإسلام ولظاهر الدار ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه .
الحالة الثانية : إذا وجد اللقيط في بيعة أو كنيسة أو في قرية من قرى أهل الذمة وكان الواجد ذميا ، فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يعتبر اللقيط ذميا .
المذهب الثاني : يعتبر اللقيط مسلما .
الحالة الثالثة : إذا وجد الذمي لقيطا في مساجد المسلمين أو في قراهم وأمصارهم ، فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يعتبر ذميا كدين واجده .
المذهب الثاني : يعتبر مسلما .
الحالة الرابعة : إذا وجد مسلم لقيطا في بيعة أو كنيسة أو قرية من قرى أهل الذمة ، فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يعتبر اللقيط ذميا تبعا للمكان .
المذهب الثاني : يعتبر اللقيط مسلما .
والأظهر في كل المسائل المتقدمة اعتبار اللقيط مسلما وذلك لما تدل عليه الأدلة التالية:
1-قوله تعالى : " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها [والفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها هي الإسلام .
2- ما رواه أبو هريرة أن رسول الله (ص)قال :" ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ "ثم يقول أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله
3-ما جاء عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله (ص)قال :" ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا : كل مال نحلته عبدي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم "
المطلب الثاني
دين اللقيط بعد التمييز
يتناول هذا المطلب حكم اللقيط إذا بلغ سنا يصح فيها إسلامه بأن كان مميزا ، فتكلم بالإسلام أو بالكفر.
قال ابن قدامة : إذا بلغ اللقيط حدا يصح فيه إسلامه وردته فوصف الإسلام فهو مسلم سواء كان ممن حكمنا بإسلامه أو كفره .
وأما إذا نطق بالكفر فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة هل يؤاخذ بذلك أم لا يؤاخذ ؟ على مذهبين :
المذهب الأول : إذا كان ممن حكم بإسلامه فهو مرتد لا يقر على كفره ...وذلك لعموم قوله (ص):" من بدل دينه فاقتلوه " .
المذهب الثاني : يقر على كفره ونوقش هذا : بأن دليل الإسلام وجد خاليا عن المعارض وثبت حكمه واستقر قلم يجز إزالة حكمه بقوله كما لو كان ابن مسلم ، وقوله لا دلالة فيه أصلا لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه ولا ما كان دينه ، وإنما يقول هذا من تلقاء نفسه والذي يظهر رجحانه هو المذهب الأول"
وكل ما سبق قوله خطأ فاللقيط هو طفل ليس له دين سواء بلغ أم لم يبلغ وهو فى الإسلام سفيه ومن ثم يخير عند بلوغ الرشد بين الأديان المختلفة إلا أن يكون موشوما بوشوم دين معين كما يسمون الطفل بصليب ففى تلك الحالة إن وجد كفار معاهدين فى البلد يعطى لأحدهم وإن لم يوجد أزيل الوشم طبيا وأعطى لأحد المسلمين ابقاء على حياته ولكن يتم توثيق الأمر قضائيا حيث يصور الطفل وبه الوشك ويوضع فى ملف قضائى لربما فى يوم من الأيام يظهر أهله
وتحدث عن حرية اللقيط فقال :
المبحث الرابع حرية اللقيط
قال ابن قدامة : " اللقيط حر في قول عامة أهل العلم إلا النخعي "
واللقيط حر فى كل الأحوال وتحدث عن النفقة على اللقيط فقال :
"المبحث الخامس الإنفاق على اللقيط
الأصل أن تكون نفقة كل شخص في ماله ، وعلى هذا فإذا وجد مع اللقيط مال كدراهم أو دنانير أو عروض كثياب ملفوفة عليه أو مفروشة تحته أو دابة مشدود عليها أو خيمة موضوع فيها ونحو ذلك مما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعته فيحكم أنه تحت يده وملكا له .
فإن لم يكن له مال خاص ، كانت نفقته في مال عام وهي الأموال الموقوفة على اللقطاء أو الموصى لهم بها ، وهذا ما عليه عامة الفقهاء فإن لم يعرف له مال خاص ولم يوجد مال عام ينفق منه على اللقيط ، فهنا اختلف الفقهاء فيمن يلزم بالإنفاق على اللقيط على مذهبين :
المذهب الأول : تكون نفقته في بيت مال المسلمين .
المذهب الثاني : يقترض الإمام من بيت المال أو بعض الناس .
والأول أظهر لأن احتمال ظهور مال للقيط أو عائل ينفق عليه احتمال ضعيف لا يترك لأجله الواجب المتعين على جماعة المسلمين من خلال بيت المال .
وما ينفق على اللقيط من بيت المال لا رجوع فيه على اللقيط ، لأن عمر - رضي الله عنه - استشار الصحابة في ذلك فأجمعوا على أن نفقته في بيت المال
فإن لم يكن في بيت المال شيء أو كان فيه ولكن هناك ما هو أهم من الإنفاق على اللقيط ، فهنا اختلف فيمن ينفق على اللقيط على مذهبين :
المذهب الأول : يجب على الملتقط الإنفاق على اللقيط .
المذهب الثاني : لا يجب على الملتقط الإنفاق على اللقيط وإنما يلزم الإمام من بحضرته من المسلمين .وهو مذهب الجمهور ، ودليلهم :
1-قوله - عز وجل - : " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [ولا شك أن الإنفاق على اللقيط من أعظم البر ، وتركه بلا نفقة من الإثم المنهي عنه .
2-أن في ترك الإنفاق على اللقيط هلاكه ، وحفظه من ذلك واجب كإنقاذه من الغرق
3-وأما عدم تعين ذلك على الملتقط فلما قاله ابن المنذر :" أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط كوجوب نفقة الولد".
والذي يظهر هو رجحان مذهب الجمهور "
فى دولة المسلمين النفقة على المجتمع وهو ما نسميه الدولة وأما فى مجتمعاتنا الحالية حيث لا سلطة للمسلمين على شىء فالقانون الوضعى هو من يحكم إلا أن يتم الأمر سرا وللأسف فإنه يتم فى الغالب خارج الشرع حيث يقوم اللاقط بكتابة اللقيط باسمه على أن زوجته ولدته ويربيه
وتحدث عن الولاية على اللقيط فقال :
"المبحث السادس الولاية على اللقيط
الولاية سلطة شرعية تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها بحيث تترتب آثارها الشرعية عليها بمجرد صدورها ...ومن حيث الولاية على اللقيط ، فيفرق الفقهاء بين نوعي الولاية :
فالولاية على نفس اللقيط للسلطان لقوله (ص): " السلطان ولي من لا ولي له " ...وللملتقط أن يقبض الهبة عن اللقيط لأن ذلك نفع محض وليس فيها احتمال خلافه ، كما له أن يؤاجره وان يسلمه في صنعة لأن ذلك ليس من باب الولاية عليه بل من باب إصلاح حاله وإيصال المنفعة المحضة إليه من غير ضرر فأشبه إطعامه
وأما الولاية على مال اللقيط ، فقد اختلف الفقهاء في ثبوتها للملتقط على مذهبين :
المذهب الأول : لا ولاية للملتقط على مال اللقيط ، فلا ينفق إلا بإذن القاضي .
المذهب الثاني : للملتقط ولاية على مال اللقيط فلا يتوقف على إذن القاضي .
والذي يظهر هو رجحان مذهب الجمهور لقوة أدلتهم ، وما استدل به المذهب الثاني اجتهاد في مورد نص ، ولا شك أن المعول عليه هو النص الشرعي ، والأخذ بهذا القول أحفظ لمال اللقيط وأحوط لدين الملتقط من أن يخوض في مال اللقيط بغير حق"
الولاية على اللقيط تكون فى دولة المسلمين للقضاء حيث يقوم قاضى البلدة بتنظيم الأمر حيث يعطى لمسلم اللقيط كلا يربيه حسب قواعد محددة سبق أن تحدثنا عنها
وفى المبحث التالى تحدث عن جرائم اللقيط والجرائم المرتكبة فى حقه فقال :
"المبحث السابع جناية اللقيط والجناية عليه
المطلب الأول جناية اللقيط
أولا : جناية العمد :
ذهب عامة الفقهاء إلى أن اللقيط إذا جنى جناية لا تحملها العاقلة ـ وهي العمد ـ فحكمه فيها حكم غيره من المكلفين ، وذلك بأن يقتص منه إن استوفى شروط استحقاق القصاص ، بأن كان عاقلا بالغا متعمدا ونحو ذلك من الشروط وإن كانت الجناية موجبة للمال ـ بأن سقط القصاص مثلا ـ ، فإن كان للقيط مال استوفي منه ، وإن لم يكن له مال بقيت ذمته مشغولة بهذا الحق حتى يوسر كسائر الديون وكضمان المتلفات لا تسقط بالإعسار .
ثانيا : جناية الخطأ وشبه العمد :
إذا جنى اللقيط جناية موجبة للمال مما تحمله العاقلة ، فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن بيت مال المسلمين يتحمل دية هذه الجناية ، لأن هذا النوع من الجنايات تتحملها العاقلة ولا عاقلة للقيط فيتحملها بيت المال عنه لأن ميراثه له فتكون نفقته ودياته عليه لأن الغنم بالغرم كالعصبة فيما تتحمله عن الجاني وفيما ترثه عنه ."
أفعال اللقيط لكونه طفل لا يحاسب عليها فالحساب يبدأ عند العقل وهى لا تسمى جنايات ولا جرائم وتتحملها الدولة وأما ما يرتكب فى حق اللقيط فيحاسب المجرم إن كان عاقلا عليها وفيها قال :
"المطلب الثاني الجناية على اللقيط
أولا : جناية العمد :
المذهب الأول : الإمام مخير بين استيفاء القصاص وأخذ الدية أو الصلح على مال وليس له العفو مجانا .
المذهب الثاني : ليس للإمام استيفاء القصاص وإنما له أخذ الدية في مال القاتل عمدا
...وبهذا يظهر رجحان مذهب الجمهور لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ، ولأن القصاص شرع لحفظ الأنفس ، واللقيط من جملة الأنفس المحترمة التي راعها الشارع، والقول بأن قاتل اللقيط لا قصاص عليه مما يخالف هذا المقصد الأسمى من تشريع القصاص كما قال - عز وجل - : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب [.
ثانيا : جناية الخطأ وشبه العمد :
ذهب عامة الفقهاء إلى أن اللقيط إذا جني عليه في النفس جناية توجب المال فأرشه لورثته إن كان له ورثة ، فإن لم يكن له ورثة فأرشه لبيت المال لأنه وارثه وعليه نفقته فيكون عقله له لقوله (ص):" الخراج بالضمان " .
وإن جني عليه فيما دون النفس جناية توجب الأرش قبل بلوغه فلوليه أخذ الأرش وإن كانت عمدا موجبة للقصاص وللقيط مال يكفيه وقف الأمر على بلوغه ليقتص أو يعفو، سواء كان عاقلا أو معتوها ، وإن لم يكن له مال وكان عاقلا انتظر بلوغه أيضا ، وإن كان معتوها فللولي العفو على مال يأخذه له لأن المعتوه ليست له حال معلومة منتظرة ، فإن ذلك قد يدوم والعاقل له حال منتظرة فافترقا وفي الحال التي ينتظر بلوغه فإن الجاني يحبس حتى يبلغ اللقيط فيستوفي بنفسه ، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة ، لأنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على قوله كما لو كان بالغا غائبا ."
وقانون الجزاء أو ما يسمونه الحدود هو ما يطبق فى المجتمع المسلم دون نظر لأى شىء فى المجرم كدينه أو كونه ذكر أو أنثى أو تفرقة لأن القانون فيه أحكام كل الأحوال
وتحدث عن ميراث اللقيط فقال :
"المبحث الثامن إرث اللقيط
إذا مات اللقيط وكان له وارث معروف كزوجة وأبناء ونحو ذلك فميراثه لورثته كسائر المسلمين ، وأما إذا مات ولم يترك وارثا فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن ميراثه يكون لبيت مال المسلمين "
الميراث هو للورثة واللقيط عند كبره لا يسمى لقيطا بل يكون شخصا عاديا وتنتفى عنه صفة اللقط بمجرد كفالة أحد من المسلمين له وتحدث عن السفر باللقيط فقال :
"المبحث التاسع السفر باللقيط
سفر الأمين العدل باللقيط
ذكر الفقهاء أربعة صور لسفر الملتقط ظاهر الأمانة والعدالة باللقيط يختلف الحكم فيها تبعا لاختلاف المكان المقصود ، وذلك على النحو التالي :
الصورة الأولى : السفر باللقيط من البادية إلى الحضر :
لو التقط الأمين العدل اللقيط في البادية فأراد السفر به إلى الحضر فله ذلك ، لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدعة والدين ، حيث يتيسر للقيط تعلم العلوم والصنائع .
الصورة الثانية : السفر باللقيط من الحضر إلى البادية :
لو أراد الملتقط الانتقال باللقيط من المدينة إلى البادية لم يقر بيده وينزع منه لأمرين :
الأول : أن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له ، وعيش البادية خشن ويفوت على اللقيط العلم بالدين والصنائع .
الثاني : أن وجود اللقيط في الحضر يدل على أن الظاهر أنه ولد في المدينة فبقاؤه فيها أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به .
الصورة الثالثة : السفر باللقيط من المدينة إلى مدينة أخرى :
اختلف الفقهاء في حكم السفر باللقيط في هذه الصورة على مذهبين :
المذهب الأول : لا يقر اللقيط في يد الملتقط وينزع منه .
المذهب الثاني : يقر اللقيط في يد الملتقط وله أن يسافر به .
والأظهر أنه لا يجوز السفر باللقيط من المدينة التي وجد فيها لأن بقاؤه فيها أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به ، إلا إذا كان في السفر به مصلحة له كأن يكون البلد الذي فيه هو فيه وبيئا أي وخيما فلا مانع من سفره مع الملتقط إلى بلد آخر مناسب له ، أو لا يوجد من يمكن دفع اللقيط إليه ـ عند نزعه من الملتقط ـ ممن تقوم به الكفاية ، فحينئذ يكون إقراره بيد الملتقط أولى من نزعه منه مراعاة لمصلحة اللقيط .
الصورة الرابعة : السفر باللقيط من بادية إلى بادية أخرى :
اختلف الفقهاء في حكم السفر باللقيط في هذه الصورة على مذهبين :
المذهب الأول : لا يقر اللقيط في يد الملتقط وينزع منه ويدفع إلى صاحب قرية أو مدينة .
المذهب الثاني : يقر اللقيط في يد الملتقط وله أن يسافر به ..
والأظهر رجحان المذهب الأول ، لأن إبقاء اللقيط في المكان الذي وجد فيه أرجى لانكشاف حاله ونسبه ، وانتقاله مع الملتقط من بادية إلى أخرى فيه تضييع لنسبه .
المطلب الثاني
سفر مستور الحال باللقيط
اختلف الفقهاء في حكم سفر مستور الحال ـ وهو من لم تعرف منه حقيقة العدالة ولا الخيانة ـ باللقيط على مذهبين :
المذهب الأول : لا يقر اللقيط في يد مستور الحال بل ينزع منه .
المذهب الثاني : يقر اللقيط في يده ويجوز له السفر به والأظهر هو رجحان المذهب الأول لأن في ذلك أخذا بالأحوط ورعاية لمصلحة اللقيط من حيث الاحتياط لنسبه وماله ."
السفر باللقيط مسموح به فى دولة المسلمين إذا كان الكفيل ينتقل لعمل ويتم تسجيل مكان وجوده الجديد فى القضاء وذلك للذهاب إليه فى حال ظهور أهل اللقيط
وتحدق عن نسب اللقيط فقال :
المبحث العاشر ادعاء نسب اللقيط:
المطلب الأول
إذا ادعى نسب اللقيط شخص واحد
أولا : إذا ادعى نسب اللقيط شخص واحد ينفرد بدعواه ، فإن كان المدعي رجلا مسلما حرا لحق به نسبه عند عامة الفقهاء ، قال ابن قدامة :" بغير خلاف بين أهل العلم إذا أمكن أن يكون منه " واختلف الفقهاء في اشتراط البينة لقبول هذا الادعاء على مذهبين :
المذهب الأول : لا يشترط البينة .
المذهب الثاني : يشترط قيام البينة لقبول ادعاء نسب اللقيط .
والمذهب الأول أرجح لأن في ذلك تحقيق مصلحة ظاهرة للقيط وهو أولى من مراعاة حق الملتقط وحق العامة ، لأن النسب من المصالح الملحة للفرد وهو من الضرورات التي راعتها الشريعة المطهرة وإلحاق اللقيط بمن يدعي أنه أبوه يحقق هذا المعنى وتلك المصلحة .
ثانيا : إن ادعته امرأة :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة :
المذهب الأول : يقبل قولها بغير بينة .
المذهب الثاني : لا يقبل قولها إلا ببينة .
المذهب الثالث : إن كان لها زوج لم يثبت النسب بدعواها لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره ولا رضاه وفي ذلك ضرر عليه فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به ، وإن لم يكن لها زوج قبلت دعواها لعدم هذا الضرر ، وهو وجه للشافعية ورواية للحنابلة وهو الأظهر لأنه القول الذي تجتمع به الأدلة والمذاهب .
ثالثا : إن ادعاه ذمي :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يلحق اللقيط به في النسب لا في الدين .
المذهب الثاني : لا يلحق به .
والراجح هو المذهب الأول لأن ثبوت مجرد النسب دون التبعية في الدين مصلحة ليس فيها مضرة فيقبل ادعاء الذمي فيها لأن في ذلك تخليصا للقيط من مفسدة تعيير الناس له وما يثبت له من مصالح أخرى ، ولا يقبل دعوى أنه على دين الذمي لأن في ذلك مفسدة تلحقه في الدنيا والآخرة .
رابعا : إن ادعاه عبد :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يلحق اللقيط بالعبد إن ادعاه .
المذهب الثاني : لا يلحقه إلا ببينة .
والأول أظهر لقوة أدلتهم ولما فيه من تحقيق مصلحة راجحة للقيط ، وبناء على هذا فلا تثبت للعبد حضانة اللقيط لأنه مشغول بخدمة سيده ، ولا تجب عليه نفقته لأنه لا مال له ولا على سيده لأن الطفل محكوم بحريته فتكون نفقته في بيت المال .
المطلب الثاني
إذا ادعى نسب اللقيط أكثر من شخص
أولا : إذا كان لواحد منهما بينة :
إذا ادعى نسب اللقيط شخصان وكان لأحدهما بينة فهو ابنه ، لأن البينة حجة في كل خصومة فهي تظهر الحق وتبينه ، وهذا ما عليه عامة الفقهاء .
ثانيا : إذا أقام كل واحد منهما بينة :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يعتبر اللقيط ابنا لهما ، بمعنى أنه يلزمهما ما يلزم الآباء من النفقة وأجرة الحضانة والرضاعة ويرث كلا منهما إرث ابن كامل إذا ماتا قبله وكان أهلا للميراث ، ويرثانه إذا مات قبلهما ويكون الإرث بينهما مناصفة .
المذهب الثاني : تسقط البينتان المتعارضتان ، ويعرض اللقيط مع المدعيين على القافة" ويلحق بمن ألحقته به منهما ...وهو المذهب الأظهر ، لقوة أدلتهم ولأن ذلك أقرب إلى أصول الشرع المطهر من حيث ثبوت النسب لأب واحد ، ولم يعهد انتساب طفل لأكثر من أب لأن الولد لا ينعقد من رجلين لقوله تعالى : " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى [ولأنه لو جاز أن يلحق بهما لجاز أن يلحق بهما باتفاقهما وتراضيهما وهذا لا يصح .
فإن ألحقته القافة بكافر أو رقيق لم يحكم بكفره ولا رقه ، لأن الحرية والإسم ثبتا له بظاهر الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبه والظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد
ثانيا : إذا لم يكن لهما بينة ، وكان أحدهما مسلما والآخر ذميا ، أو كان أحدهما حرا والآخر عبدا :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يقدم المسلم على الذمي والحر على العبد .
المذهب الثاني : المسلم والذمي و الحر والعبد سواء في ادعاء نسب اللقيط .
وهو الأظهر لقوة دليلهم وسلامته من المناقشة ، ولأن البحث إنما هو في سماع دعوى النسب أو رفضها ، دون النظر في تبعية اللقيط لمدعي نسبه من كفر أو رق ، وعلى هذا إذا ادعى نسب اللقيط مسلم وذمي أو حر وعبد تسمع الدعوى ثم ينظر في المرجحات التي تغلب جانب أحدهما على الآخر .
ثالثا : لو ذكر أحدهما علامة في جسد اللقيط :
لو ادعاه شخصان وليس لأحدهما بينة أو كانت لهما بينتان تعارضتا وتساقطتا ، وذكر أحدهما علامة في جسد اللقيط ، فهنا اختلف الفقهاء في ترجيح دعواه على مذهبين :
المذهب الأول : الواصف أولى به .
المذهب الثاني : لا يقدم من وصف العلامة .
رابعا : لو ادعته امرأتان :
فإن كانتا ممن لا تقبل دعواهما لم تسمع دعوتهما ، وإن كانت إحداهما ممن تسمع دعواها دون الأخرى فهو ابن لها كالمنفردة ، وإن كانتا جميعا ممن تسمع دعواهما وأقامت إحداهما البينة فهي أولى به ، وإن أقامتا بينتين فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يكون اللقيط ابنا لهما ..
المذهب الثاني : لا يلحق بهما وإنما يعرض على القافة فمن ألحقته بها لحقها .
وهو الأظهر لأن كون اللقيط منهما محال يقينا فلم يجز الحكم به كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما ، وإن ألحقته القافة بأمين لم يلحق بهما وبطل قول القافة لأننا نعلم خطأه يقينا "
وادعاء نسب اللقيط على نوعين :
الأول الرضع ومن قاربهم فهؤلاء لا يعرف نسبهم والنسب فى تلك الحال لا يكون حسب ما ذكروه فى الفقرات السابقة ومن ثم قلت بوجوب تصوير اللقيط وملابسه وكل ما وجد معه عند لقطته كما يتم تسجيل الأسماء التى يحفظها إن كان ينطق وتسجيل ذلك قضائيا ومن ثم يقوم القاضى ببحث المسألة عن طريق سؤال من يدعون كون اللقيط ابنهم أو ابنتهم عن ملابسه وعن علاماته الجسدية كما يطابق صور الطفل معهم بالصور التى التقطت له عند توثيق لقطته كما يحق لهم الاستشهاد بشهود وسماع القاضى للكل ومن ثم هو من يقرر وحده كون الولد أو البنت هو ابن فلان أو علان إن وجد أدلة وإن لم يجد أعطى لأحدهم كفالته ولم ينسب له ويسمى فلان مولى فلان كما قال تعالى :
"فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم"
الثانى الأطفال الكبار الذين يعرفون أسماءهم واسم الأب والأم والأعمام والعمات والأخوال والخالات والجداد والجدات يتم تسجيل تلك الأسماء قضائيا ويتم كتابة نسبهم كما قالوا كما يتم تصويرهم وملابسهم وما وجد معهم وهؤلاء ينسبون لمن قالوا أنهم أباءهم وتستخرج بطاقات لهم بذلك كما قال تعالى :
" ادعوهم لآباءهم"
ولا يثبت النسب بأى وسيلة كالقافة والتشابه فى الصور ولا بما يسمى المورثات فكل هذا أمور وهمية لا تثبت أى شىء فى الشرع
المؤلف هو وليد خالد الربيع والبحث يدور حول أحكام اللقيط وفى مقدمته قال :
"فهذا بحث موجز في أحكام اللقيط في الفقه الإسلامي ..وذلك أن عناية الشرع المطهر بالضعفاء في المجتمع الإسلامي ـ على وجه العموم ـ واللقطاء والأيتام ـ على وجه الخصوص ـ عناية كبيرة ، وهي بذلك تمثل مظهرا من مظاهر رحمة الإسلام العامة الشاملة .."
وقد استهل البحث بتعريف اللقيط لغويا ثم اصطلاحيا فقال :
المبحث الأول
تعريف اللقيط لغة
اللقيط في اللغة : فعيل بمعنى مفعول أي ملقوط كقتيل وجريح وطريح ، مشتق من اللقط وهو أخذ شيء من الأرض ...فاللقيط في اللغة : هو الطفل ـ ذكرا كان أم أنثى ـ الذي لا يعرف أبواه ويوجد ملقى في الطريق ونحوه .
تعريف اللقيط اصطلاحا
عرف الفقهاء اللقيط بتعريفات متعددة تلتقي في بعض الأمور وتختلف في البعض الآخر ، فمن ذلك :
أولا : تعريف الحنفية :
جاء في تبيين الحقائق :" اسم لمولود حي طرحه أهله خوفا من العيلة أو التهمة "
ثانيا : تعريف المالكية :
عرفه ابن عرفة بقوله :" صغير آدمي لم يعلم أبواه ولا رقه "
ثالثا : تعريف الشافعية :
جاء في مغني المحتاج :" صغير منبوذ في شارع أو مسجد أو نحو ذلك لا كافل له معلوم ولو مميزا لحاجته إلى التعهد
رابعا: تعريف الحنابلة :
قال ابن قدامة : " هو الطفل المنبوذ " ، وقال غيره :" طفل لا يعرف نسبه ولا رقه نبذ أو ضل "
وقد ناقش تلك التعريفات فقال :
"ومما يلاحظ على ما تقدم من تعريفات ما يلي :
1-اتفقت على أن اللقيط طفل صغير دون التمييز ، فيخرج بذلك البالغ العاقل لعدم حاجته إلى الرعاية والكفالة .
2-كما اتفقت على أن اللقيط لا يعرف أهله ولا نسبه ، فيخرج بذلك من عرف أهله ، وكذلك من عرفت أمه بأن يكون ولد زنا مثلا فلا يعد لقيطا .
3-اتفقت التعريفات على أن اللقيط محتاج إلى الإلتقاط والأخذ لحاجته إلى الرعاية والقيام بما يحتاج إليه من نفقة وحضانة ونحو ذلك .
4-فرق بعض التعريفات بين اللقيط والمنبوذ باعتبار أن المنبوذ يطلق على ولد الزنا خاصة كما سئل الإمام مالك عمن قال لرجل : يا منبوذ ، فقال : لا يعلم منبوذ إلا ولد الزنا .
وبناء على هذا فاللقيط أعم من المنبوذ مطلقا لأنه يشمل ولد الزنا ومن ضاع من أهله، والمنبوذ أخص مطلقا من اللقيط .
وذهب البعض الآخر إلى اعتبارهما بمعنى واحد... وذهب البعض إلى أن الطفل يعد منبوذا ما دام مطروحا ولا يسمى لقيطا إلا بعد أخذه، وقيل : المنبوذ ما وجد بفور ولادته واللقيط بخلافه .
5- مما يؤخذ على تعريف الحنفية أنه قصر معنى اللقيط على الطفل الذي طرحه أهله خوفا من الفقر أو فضيحة الزنا ، مع أنه يمكن أن يطلق لفظ اللقيط على الطفل الضائع الذي فقده أهله ولا يعرف أبواه .
وعلى هذا فيمكن تعريف اللقيط بأنه " طفل مجهول الهوية نبذه أهله أو ضاع منهم "، لأنه يشمل المعاني السابقة ويسلم من الاعتراضات الواردة على غيره ."
ومما سبق نجد الربيع عرف اللقيط بكونه منبوذ أو ضائع وهو تعريف أفضل ويبقى ناقصا شىء وهو أن يموت أهله فى كارثة كالموج العاتى أو الريح العاصف أو غرق مركب أو غيرهما ويتبقى هو
وفى المبحث الثانى تحدث عن تقسيم الفقهاء اللقطاء إلى نوعين فقال :
"المبحث الثاني حكم الإلتقاط
فرق الفقهاء بين حالتين من أحوال اللقيط :
الحالة الأولى خشية على اللقيط الهلاك :
إذا خشي على الطفل من الهلاك بأن كان في بحر يخاف عليه من الغرق أو كان في مفازة منقطعة أو أرض ذات سباع ، فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن التقاطه وأخذه فرض عين إن لم يكن هناك أحد غيره ، لأن ذلك مندرج تحت قاعدة حفظ النفوس المجمع عليها في سائر الملل ، فأخذه فيه إحياء نفس من الهلاك فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر ، وقد قال - عز وجل " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا "
الحالة الثانية : إذا لم يخش عليه الهلاك :
اختلف الفقهاء في وجوب أخذ اللقيط إذا لم يخش عليه الهلاك في موضعه الذي هو فيه على مذهبين :
المذهب الأول : التقاط اللقيط مندوب .
المذهب الثاني : التقاط اللقيط فرض كفاية ."
وقطعا الالتقاط واجب حفاظا على النفس البشرية التى حرم الله قتلها ومن ضمن قتلها ترك اللقيط يموت جوعا أو عطشا أو غير ذلك كما قال تعالى:
"ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق"
ومن ترك لقيطا يموت عمدا فهو قاتل عمدا ويستحق العقاب إن قام عليه شهود وإن كانوا فى تلك الحالة شركاء فى الجريمة لأنهم كانوا متواجدين معه ولم يلتقطوه ومن ثم فمن الصعب إثبات تلك الجريمة
وتحدث الربيع عن الإشهاد على اللقط فقال :
"المطلب الثاني الإشهاد على الإلتقاط
اختلف الفقهاء في حكم الإشهاد على الإلتقاط على مذهبين :
المذهب الأول : وجوب الإشهاد على الإلتقاط ...وذلك خشية أن تطول المدة فيدعي الملتقط أن اللقيط عبده ، وهو ما عبروا عنه بقولهم :" خوف الاسترقاق " .
المذهب الثاني : يستحب الإشهاد على الإلتقاط ولا يجب ونوقش هذا الاستدلال بأن القياس مع الفارق لأن الغرض من اللقطة حفظ المال ، والإشهاد في التصرف المالي مستحب ، وأما في اللقيط فالغرض حفظ حريته ونسبه فوجب الإشهاد كما في النكاح كما أن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف في اللقيط
وبهذا يظهر رجحان المذهب الأول لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ، وينبغي كذلك أن يشهد على ما مع اللقيط من مال تبعا له ولئلا يتملكه أو يدعيه مع مرور المدة ."
والإشهاد على اللقط واجب على المسلم ويجب أن يكون هناك توثيق قضائى خوفا من أمور عدة ذكروا منها العبودية ولم يذكروا وراثة اللقيط لمن لقطه وأمال إن كانوا فى منطقة نائية لا يصل إليها أحد إلا نادرا فمتى وصل أحد أشهده اللاقط
وتحدث الربيع عن شروط الملتقط فقال :
"المطلب الثالث شروط الملتقط
لضمان سلامة اللقيط وعدم ضياع حقوقه المادية والمعنوية كالدين والنسب والحرية وما معه من أموال ونحو ذلك فقد ذكر الفقهاء للملتقط شروطا عديدة احتياطا لمصلحة اللقيط ودفعا للضرر عنها ، فمن هذه الشروط :
الشرط الأول : الإسلام :
فرق الفقهاء بين حالتين :
الحالة الأولى : إذا حكم بكفر اللقيط فلغير المسلم التقاطه ويقر بيده لأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض
الحالة الثانية : إذا لم يحكم بكفر اللقيط أو حكم بإسلامه ـ كما سيأتي ـ فهنا اختلف الفقهاء في حكم التقاط غير المسلم على مذهبين :
المذهب الأول : لا يشترط إسلام الملتقط .
المذهب الثاني : يشترط أن يكون الملتقط مسلما .
وهو مذهب الجمهور ...وهو الأظهر لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ، وذلك لأن الأصل في كل مولود أن يولد على الفطرة ، والقول بجواز أن يلتقط غير المسلم اللقيط فيه تمكين له من تغيير فطرة اللقيط وصرفه عن الإسلام ، وهذا أمر ظاهر ويغلب على الظن وقوعه ، فينبغي منع ذلك بنزع اللقيط من يد غير المسلم وعدم تمكينه من الولاية على اللقيط "
فى دولة المسلمين يلتقط المسلم أو غيره ولكن يجب توثيق الأمر فى القضاء وقبل أن يكفله اللاقط أو غيره ينبغى أولا البحث عن أهله بكل السبل الممكنة ولا تعطى كفالته قضائيا لمن التقطه إلا بعد انتهاء البحث وإن كان اللاقط يكون كفيلا له دون أمر قضائى حتى انتهاء البحث لو أراد وأما إذا لم يرد فتعطى كفالته إن كان رضيعا لأسرة بها رضيه حتى يكون أخ أو أخت له من الرضاعة وأما إن كان كبيرا أو كبيرة السن عن الرضاعة فيعطى الولد لرجل أرمل ليس لديه عيال وأما إن كانت بنتا فتعطى لامرأة أرملة ليس لديها عيال فإن لم يوجد أعطى الولد لمن لديه أولاد بنين فقط وإن لم يوجد أعطيت البنت لمن لديها بنات فقط فإن لم يوجد أعطى لمن لديهم أولاد مختلطين رجل أو امرأة ثم قال :
"الشرط الثاني : أن يكون بالغا عاقلا :
ذهب عامة الفقهاء إلى أنه يشترط أن يكون الملتقط مكلفا أي عاقلا بالغا
الشرط الثالث : العدالة :
ولا خلاف في أنه يستحب أن يكون الملتقط عدلا
واختلف الفقهاء في التقاط الفاسق :
المذهب الأول : يصح التقاط الفاسق .
المذهب الثاني : لا يصح التقاط الفاسق .
وهو الأظهر لأن أخذ اللقيط يلزم منه القيام على تربيته وتنشئته التنشئة الإسلامية المحافظة ، فإذا كان الفاسق مخلا بذلك في نفسه فيبعد أن ينشئ اللقيط على ذلك ، كما أنه لا يؤمن أن يدعي استرقاقه أن يأخذ ما معه من مال ونحوه ، ولهذا لا يقر في يده بل ينزع منه .
فإن كان الملتقط مستور الحال ممن لم يظهر منه فسق ولا إخلال بالعدالة ، أقر اللقيط في يده لأن حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفي أكثر الأحكام ، ولأن الأصل في المسلم العدالة كما قال عمر :" المسلمون عدول بعضهم على بعض ""
ولا وجود للفاسق فى الإسلام بالمعنى المراد فى الفقرة وهم يقصدون به كثير ارتكاب المعاصى المشهور بها فهو كافر مرتد ولا وجود له فى دول المسلمين لأنه إما هارب منها أو يقاتل حتى يتوب أو يقتل إن أصر على ذنوبه ثم قال :
"الشرط الرابع : الحرية :
ذهب عامة الفقهاء إلى أنه يشترط أن يكون الملتقط حرا ، لأنه أقدر على القيام بمصالح اللقيط وتربيته ، واختلفوا في التقاط العبد :
...اختلف الفقهاء في التقاط العبد على مذهبين :
المذهب الأول : يصح التقاط العبد المذهب الثاني : يصح التقاط العبد إن أذن له سيده .
وهو مذهب الجمهور ..وهو المذهب الأظهر ، فإن التقطه بغير إذن سيده لم يقر في يده ونزع منه ، وإن أذن له أقر في يده لأنه استعان به في ذلك فصار كما لو التقطه السيد ودفعه إلى العبد ليقوم بشؤونه ."
التقاط العبد صحيح لأنه إذا لم يلتقط ومات الطفل فقد ارتكب جريمة القتل عمدا ولكن كفالة العبد لا تكون إلا بإذن سيده لأنه هو من ينفق ثم قال :
"الشرط الخامس : الرشد :
ولا خلاف في صحة التقاط المكلف الرشيد واختلفوا في التقاط المحجور عليه للسفه على مذهبين :
المذهب الأول : يصح التقاط المحجور عليه للسفه .
المذهب الثاني : لا يصح التقاط المحجور عليه للسفه ...لأن السفيه المحجور عليه لا ولاية له على نفسه ، فأولى أن لا يكون وليا على غيره
والأظهر أنه يصح التقاط السفيه المحجور عليه ويقر اللقيط في يده لأنه في نفسه أهل للأمانة والتربية ، والحجر إنما يكون في منعه من التصرف في ماله دون سائر التصرفات "
والالتقاط يصح من أى أحد حتى ولو كان طفلا كبيرا لكونه انقاذ حياة إنسان ولكن المشكلة هى فى كفالة اللقيط فالكفالة تتطلب إنفاقا ماليا يعجز عنه البعض ثم قال :
"الشرط السادس : الغنى :
اختلفوا في التقاط الفقير على مذهبين :
المذهب الأول : لا يصح التقاط الفقير ولا يقر في يده .
المذهب الثاني : يصح التقاط الفقير ويقر اللقيط في يده .
ولا يشترط الذكورة في الملتقط عند عامة الفقهاء فالرجل والمرأة في ذلك سواء، فيصح التقاط المرأة ويقر اللقيط في يدها ، قيد المالكية ذلك بأن تكون المرأة حرة خالية من الأزواج أو كانت ذات زوج فيشترط إذن الزوج في ذلك ."
وكما سبق القول يجوز التقاط الكل دون فرق بين غنى أو فقير والكفالة واحدة للكل ما دام بيت المال ينفق على الطفل فى دولة المسلمين وأما فى المجتمعات الحالية التى لا تحكم بشرع الله فيفضل أن تكون الكفالة لمن معه مال حرصا على عدم تعب اللقيط ثم تحدث عن كثرة الملتقطين فقال:
"المطلب الرابع تزاحم الملتقطين
إذا ازدحم اثنان على لقيط ، فإن لذلك أحوالا وصورا :
الحالة الأولى : إذا ازدحما فيه قبل الأخذ وطلب كل واحد منهما أخذه وحضانته :
جعله الحاكم في يد من رآه منهما أو من غيرهما ، إذ لاحق لهما قبل الأخذ .
الحالة الثانية : إذا ازدحما فيه بعد الأخذ ، فإن لذلك صورا :
الصورة الأولى : إن لم يكن واحد منهما أهلا للالتقاط بأن كانا جميعا ممن لا يقر اللقيط في يده ، نزع اللقيط منهما وسلم لغيرهما .
الصورة الثانية : إن كان أحدهما ممن يقر اللقيط في يده والآخر ليس كذلك ، كأن يتنازع المسلم والكافر واللقيط ممن حكم بإسلامه ، والعدل والفاسق ، والحر والعبد، يقدم من يقر اللقيط في يده وتكون مشاركة الآخر كالعدم ، لأنه لو التقطه وحده لم يقر في يده ، فإذا شاركه من هو أهل للالتقاط كان أولى به .
الصورة الثالثة : إذا كان كل واحد منهما ممن تقر يده على اللقيط فينظر
1-إن سبق أحدهما إلى أخذه ووضع يده عليه فهو أحق به ، لقوله (ص):" من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " .
2-وإن تساويا في الأخذ واختص أحدهما بصفة تقدمه على الآخر ، فينظر في الأحظ للقيط ، فإن كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا فيقدم الغني ، وإن كان أحدهما عدلا والآخر مستور الحال يقدم العدل ، والحر أولى من العبد ولو التقطه بإذن سيده .
3-وإن تساويا من جميع الوجوه بأن يكونا مسلمين عدلين حرين مقيمين موسرين ، فهما سواء فيه فإن رضي أحدهما بإسقاط حقه جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به ، وإن تشاحا أقرع بينهما :
1-لقوله - عز وجل - : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ".
2-ولأنه لا يمكن أن يكون عندهما في حالة واحدة . "
كون الملتقطين كثرة لا يعطيهم الحق فى كفالة اللقيط فالقاضى هو من ينظر فى المسألة إذا تقدم أكثر من شخص للكفالة حسب قواعد:
يفضل العقماء والعقيمات أولا
يفضل الأرامل رجالا ونساء الذين لديهم أطفال من نوع اللقيط فقط
عند كون اللقيط رضيع يفضل من لديها أو لديه طفل يرضع
وأما الشرط المالى ففى دولة المسلمين الدولة تتكفل بهم ماليا وأما فى مجتمعاتنا الحالية وما يشابهها فالأمر مختلف حيث القوانين الوضعية هى من تنظم ذلك إلا أن يتم الأمر سرا بعيدا عن الشرطة والقضاء فالناس إن كانوا مسلمين يطبقون قوانين الشرع
وفى المبحث التالى تحدث عن ديانة اللقيط فقال :
"المبحث الثالث دين اللقيط
الدين من أهم المصالح التي جاءت الشريعة الإسلامية بتقريرها وحفظها والدفاع عنها، وذلك لأن عبادة الله - عز وجل - هي الغاية التي لأجلها خلق الخلق كما قال تعالى : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
المطلب الأول
دين اللقيط قبل التمييز
إذا وجد اللقيط في بلاد المسلمين ميتا ، فقد قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد ، أن غسله ودفنه في مقابر المسلمين يجب أما إذا وجد اللقيط حيا فلذلك أحوال :
الحالة الأولى : إذا وجد اللقيط في بلاد المسلمين وكان الواجد مسلما ، حكم بإسلام اللقيط باتفاق المسلمين وإن كان فيها أهل ذمة تغليبا للإسلام ولظاهر الدار ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه .
الحالة الثانية : إذا وجد اللقيط في بيعة أو كنيسة أو في قرية من قرى أهل الذمة وكان الواجد ذميا ، فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يعتبر اللقيط ذميا .
المذهب الثاني : يعتبر اللقيط مسلما .
الحالة الثالثة : إذا وجد الذمي لقيطا في مساجد المسلمين أو في قراهم وأمصارهم ، فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يعتبر ذميا كدين واجده .
المذهب الثاني : يعتبر مسلما .
الحالة الرابعة : إذا وجد مسلم لقيطا في بيعة أو كنيسة أو قرية من قرى أهل الذمة ، فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يعتبر اللقيط ذميا تبعا للمكان .
المذهب الثاني : يعتبر اللقيط مسلما .
والأظهر في كل المسائل المتقدمة اعتبار اللقيط مسلما وذلك لما تدل عليه الأدلة التالية:
1-قوله تعالى : " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها [والفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها هي الإسلام .
2- ما رواه أبو هريرة أن رسول الله (ص)قال :" ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ "ثم يقول أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله
3-ما جاء عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله (ص)قال :" ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا : كل مال نحلته عبدي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم "
المطلب الثاني
دين اللقيط بعد التمييز
يتناول هذا المطلب حكم اللقيط إذا بلغ سنا يصح فيها إسلامه بأن كان مميزا ، فتكلم بالإسلام أو بالكفر.
قال ابن قدامة : إذا بلغ اللقيط حدا يصح فيه إسلامه وردته فوصف الإسلام فهو مسلم سواء كان ممن حكمنا بإسلامه أو كفره .
وأما إذا نطق بالكفر فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة هل يؤاخذ بذلك أم لا يؤاخذ ؟ على مذهبين :
المذهب الأول : إذا كان ممن حكم بإسلامه فهو مرتد لا يقر على كفره ...وذلك لعموم قوله (ص):" من بدل دينه فاقتلوه " .
المذهب الثاني : يقر على كفره ونوقش هذا : بأن دليل الإسلام وجد خاليا عن المعارض وثبت حكمه واستقر قلم يجز إزالة حكمه بقوله كما لو كان ابن مسلم ، وقوله لا دلالة فيه أصلا لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه ولا ما كان دينه ، وإنما يقول هذا من تلقاء نفسه والذي يظهر رجحانه هو المذهب الأول"
وكل ما سبق قوله خطأ فاللقيط هو طفل ليس له دين سواء بلغ أم لم يبلغ وهو فى الإسلام سفيه ومن ثم يخير عند بلوغ الرشد بين الأديان المختلفة إلا أن يكون موشوما بوشوم دين معين كما يسمون الطفل بصليب ففى تلك الحالة إن وجد كفار معاهدين فى البلد يعطى لأحدهم وإن لم يوجد أزيل الوشم طبيا وأعطى لأحد المسلمين ابقاء على حياته ولكن يتم توثيق الأمر قضائيا حيث يصور الطفل وبه الوشك ويوضع فى ملف قضائى لربما فى يوم من الأيام يظهر أهله
وتحدث عن حرية اللقيط فقال :
المبحث الرابع حرية اللقيط
قال ابن قدامة : " اللقيط حر في قول عامة أهل العلم إلا النخعي "
واللقيط حر فى كل الأحوال وتحدث عن النفقة على اللقيط فقال :
"المبحث الخامس الإنفاق على اللقيط
الأصل أن تكون نفقة كل شخص في ماله ، وعلى هذا فإذا وجد مع اللقيط مال كدراهم أو دنانير أو عروض كثياب ملفوفة عليه أو مفروشة تحته أو دابة مشدود عليها أو خيمة موضوع فيها ونحو ذلك مما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعته فيحكم أنه تحت يده وملكا له .
فإن لم يكن له مال خاص ، كانت نفقته في مال عام وهي الأموال الموقوفة على اللقطاء أو الموصى لهم بها ، وهذا ما عليه عامة الفقهاء فإن لم يعرف له مال خاص ولم يوجد مال عام ينفق منه على اللقيط ، فهنا اختلف الفقهاء فيمن يلزم بالإنفاق على اللقيط على مذهبين :
المذهب الأول : تكون نفقته في بيت مال المسلمين .
المذهب الثاني : يقترض الإمام من بيت المال أو بعض الناس .
والأول أظهر لأن احتمال ظهور مال للقيط أو عائل ينفق عليه احتمال ضعيف لا يترك لأجله الواجب المتعين على جماعة المسلمين من خلال بيت المال .
وما ينفق على اللقيط من بيت المال لا رجوع فيه على اللقيط ، لأن عمر - رضي الله عنه - استشار الصحابة في ذلك فأجمعوا على أن نفقته في بيت المال
فإن لم يكن في بيت المال شيء أو كان فيه ولكن هناك ما هو أهم من الإنفاق على اللقيط ، فهنا اختلف فيمن ينفق على اللقيط على مذهبين :
المذهب الأول : يجب على الملتقط الإنفاق على اللقيط .
المذهب الثاني : لا يجب على الملتقط الإنفاق على اللقيط وإنما يلزم الإمام من بحضرته من المسلمين .وهو مذهب الجمهور ، ودليلهم :
1-قوله - عز وجل - : " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [ولا شك أن الإنفاق على اللقيط من أعظم البر ، وتركه بلا نفقة من الإثم المنهي عنه .
2-أن في ترك الإنفاق على اللقيط هلاكه ، وحفظه من ذلك واجب كإنقاذه من الغرق
3-وأما عدم تعين ذلك على الملتقط فلما قاله ابن المنذر :" أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط كوجوب نفقة الولد".
والذي يظهر هو رجحان مذهب الجمهور "
فى دولة المسلمين النفقة على المجتمع وهو ما نسميه الدولة وأما فى مجتمعاتنا الحالية حيث لا سلطة للمسلمين على شىء فالقانون الوضعى هو من يحكم إلا أن يتم الأمر سرا وللأسف فإنه يتم فى الغالب خارج الشرع حيث يقوم اللاقط بكتابة اللقيط باسمه على أن زوجته ولدته ويربيه
وتحدث عن الولاية على اللقيط فقال :
"المبحث السادس الولاية على اللقيط
الولاية سلطة شرعية تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها بحيث تترتب آثارها الشرعية عليها بمجرد صدورها ...ومن حيث الولاية على اللقيط ، فيفرق الفقهاء بين نوعي الولاية :
فالولاية على نفس اللقيط للسلطان لقوله (ص): " السلطان ولي من لا ولي له " ...وللملتقط أن يقبض الهبة عن اللقيط لأن ذلك نفع محض وليس فيها احتمال خلافه ، كما له أن يؤاجره وان يسلمه في صنعة لأن ذلك ليس من باب الولاية عليه بل من باب إصلاح حاله وإيصال المنفعة المحضة إليه من غير ضرر فأشبه إطعامه
وأما الولاية على مال اللقيط ، فقد اختلف الفقهاء في ثبوتها للملتقط على مذهبين :
المذهب الأول : لا ولاية للملتقط على مال اللقيط ، فلا ينفق إلا بإذن القاضي .
المذهب الثاني : للملتقط ولاية على مال اللقيط فلا يتوقف على إذن القاضي .
والذي يظهر هو رجحان مذهب الجمهور لقوة أدلتهم ، وما استدل به المذهب الثاني اجتهاد في مورد نص ، ولا شك أن المعول عليه هو النص الشرعي ، والأخذ بهذا القول أحفظ لمال اللقيط وأحوط لدين الملتقط من أن يخوض في مال اللقيط بغير حق"
الولاية على اللقيط تكون فى دولة المسلمين للقضاء حيث يقوم قاضى البلدة بتنظيم الأمر حيث يعطى لمسلم اللقيط كلا يربيه حسب قواعد محددة سبق أن تحدثنا عنها
وفى المبحث التالى تحدث عن جرائم اللقيط والجرائم المرتكبة فى حقه فقال :
"المبحث السابع جناية اللقيط والجناية عليه
المطلب الأول جناية اللقيط
أولا : جناية العمد :
ذهب عامة الفقهاء إلى أن اللقيط إذا جنى جناية لا تحملها العاقلة ـ وهي العمد ـ فحكمه فيها حكم غيره من المكلفين ، وذلك بأن يقتص منه إن استوفى شروط استحقاق القصاص ، بأن كان عاقلا بالغا متعمدا ونحو ذلك من الشروط وإن كانت الجناية موجبة للمال ـ بأن سقط القصاص مثلا ـ ، فإن كان للقيط مال استوفي منه ، وإن لم يكن له مال بقيت ذمته مشغولة بهذا الحق حتى يوسر كسائر الديون وكضمان المتلفات لا تسقط بالإعسار .
ثانيا : جناية الخطأ وشبه العمد :
إذا جنى اللقيط جناية موجبة للمال مما تحمله العاقلة ، فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن بيت مال المسلمين يتحمل دية هذه الجناية ، لأن هذا النوع من الجنايات تتحملها العاقلة ولا عاقلة للقيط فيتحملها بيت المال عنه لأن ميراثه له فتكون نفقته ودياته عليه لأن الغنم بالغرم كالعصبة فيما تتحمله عن الجاني وفيما ترثه عنه ."
أفعال اللقيط لكونه طفل لا يحاسب عليها فالحساب يبدأ عند العقل وهى لا تسمى جنايات ولا جرائم وتتحملها الدولة وأما ما يرتكب فى حق اللقيط فيحاسب المجرم إن كان عاقلا عليها وفيها قال :
"المطلب الثاني الجناية على اللقيط
أولا : جناية العمد :
المذهب الأول : الإمام مخير بين استيفاء القصاص وأخذ الدية أو الصلح على مال وليس له العفو مجانا .
المذهب الثاني : ليس للإمام استيفاء القصاص وإنما له أخذ الدية في مال القاتل عمدا
...وبهذا يظهر رجحان مذهب الجمهور لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ، ولأن القصاص شرع لحفظ الأنفس ، واللقيط من جملة الأنفس المحترمة التي راعها الشارع، والقول بأن قاتل اللقيط لا قصاص عليه مما يخالف هذا المقصد الأسمى من تشريع القصاص كما قال - عز وجل - : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب [.
ثانيا : جناية الخطأ وشبه العمد :
ذهب عامة الفقهاء إلى أن اللقيط إذا جني عليه في النفس جناية توجب المال فأرشه لورثته إن كان له ورثة ، فإن لم يكن له ورثة فأرشه لبيت المال لأنه وارثه وعليه نفقته فيكون عقله له لقوله (ص):" الخراج بالضمان " .
وإن جني عليه فيما دون النفس جناية توجب الأرش قبل بلوغه فلوليه أخذ الأرش وإن كانت عمدا موجبة للقصاص وللقيط مال يكفيه وقف الأمر على بلوغه ليقتص أو يعفو، سواء كان عاقلا أو معتوها ، وإن لم يكن له مال وكان عاقلا انتظر بلوغه أيضا ، وإن كان معتوها فللولي العفو على مال يأخذه له لأن المعتوه ليست له حال معلومة منتظرة ، فإن ذلك قد يدوم والعاقل له حال منتظرة فافترقا وفي الحال التي ينتظر بلوغه فإن الجاني يحبس حتى يبلغ اللقيط فيستوفي بنفسه ، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة ، لأنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على قوله كما لو كان بالغا غائبا ."
وقانون الجزاء أو ما يسمونه الحدود هو ما يطبق فى المجتمع المسلم دون نظر لأى شىء فى المجرم كدينه أو كونه ذكر أو أنثى أو تفرقة لأن القانون فيه أحكام كل الأحوال
وتحدث عن ميراث اللقيط فقال :
"المبحث الثامن إرث اللقيط
إذا مات اللقيط وكان له وارث معروف كزوجة وأبناء ونحو ذلك فميراثه لورثته كسائر المسلمين ، وأما إذا مات ولم يترك وارثا فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن ميراثه يكون لبيت مال المسلمين "
الميراث هو للورثة واللقيط عند كبره لا يسمى لقيطا بل يكون شخصا عاديا وتنتفى عنه صفة اللقط بمجرد كفالة أحد من المسلمين له وتحدث عن السفر باللقيط فقال :
"المبحث التاسع السفر باللقيط
سفر الأمين العدل باللقيط
ذكر الفقهاء أربعة صور لسفر الملتقط ظاهر الأمانة والعدالة باللقيط يختلف الحكم فيها تبعا لاختلاف المكان المقصود ، وذلك على النحو التالي :
الصورة الأولى : السفر باللقيط من البادية إلى الحضر :
لو التقط الأمين العدل اللقيط في البادية فأراد السفر به إلى الحضر فله ذلك ، لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدعة والدين ، حيث يتيسر للقيط تعلم العلوم والصنائع .
الصورة الثانية : السفر باللقيط من الحضر إلى البادية :
لو أراد الملتقط الانتقال باللقيط من المدينة إلى البادية لم يقر بيده وينزع منه لأمرين :
الأول : أن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له ، وعيش البادية خشن ويفوت على اللقيط العلم بالدين والصنائع .
الثاني : أن وجود اللقيط في الحضر يدل على أن الظاهر أنه ولد في المدينة فبقاؤه فيها أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به .
الصورة الثالثة : السفر باللقيط من المدينة إلى مدينة أخرى :
اختلف الفقهاء في حكم السفر باللقيط في هذه الصورة على مذهبين :
المذهب الأول : لا يقر اللقيط في يد الملتقط وينزع منه .
المذهب الثاني : يقر اللقيط في يد الملتقط وله أن يسافر به .
والأظهر أنه لا يجوز السفر باللقيط من المدينة التي وجد فيها لأن بقاؤه فيها أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به ، إلا إذا كان في السفر به مصلحة له كأن يكون البلد الذي فيه هو فيه وبيئا أي وخيما فلا مانع من سفره مع الملتقط إلى بلد آخر مناسب له ، أو لا يوجد من يمكن دفع اللقيط إليه ـ عند نزعه من الملتقط ـ ممن تقوم به الكفاية ، فحينئذ يكون إقراره بيد الملتقط أولى من نزعه منه مراعاة لمصلحة اللقيط .
الصورة الرابعة : السفر باللقيط من بادية إلى بادية أخرى :
اختلف الفقهاء في حكم السفر باللقيط في هذه الصورة على مذهبين :
المذهب الأول : لا يقر اللقيط في يد الملتقط وينزع منه ويدفع إلى صاحب قرية أو مدينة .
المذهب الثاني : يقر اللقيط في يد الملتقط وله أن يسافر به ..
والأظهر رجحان المذهب الأول ، لأن إبقاء اللقيط في المكان الذي وجد فيه أرجى لانكشاف حاله ونسبه ، وانتقاله مع الملتقط من بادية إلى أخرى فيه تضييع لنسبه .
المطلب الثاني
سفر مستور الحال باللقيط
اختلف الفقهاء في حكم سفر مستور الحال ـ وهو من لم تعرف منه حقيقة العدالة ولا الخيانة ـ باللقيط على مذهبين :
المذهب الأول : لا يقر اللقيط في يد مستور الحال بل ينزع منه .
المذهب الثاني : يقر اللقيط في يده ويجوز له السفر به والأظهر هو رجحان المذهب الأول لأن في ذلك أخذا بالأحوط ورعاية لمصلحة اللقيط من حيث الاحتياط لنسبه وماله ."
السفر باللقيط مسموح به فى دولة المسلمين إذا كان الكفيل ينتقل لعمل ويتم تسجيل مكان وجوده الجديد فى القضاء وذلك للذهاب إليه فى حال ظهور أهل اللقيط
وتحدق عن نسب اللقيط فقال :
المبحث العاشر ادعاء نسب اللقيط:
المطلب الأول
إذا ادعى نسب اللقيط شخص واحد
أولا : إذا ادعى نسب اللقيط شخص واحد ينفرد بدعواه ، فإن كان المدعي رجلا مسلما حرا لحق به نسبه عند عامة الفقهاء ، قال ابن قدامة :" بغير خلاف بين أهل العلم إذا أمكن أن يكون منه " واختلف الفقهاء في اشتراط البينة لقبول هذا الادعاء على مذهبين :
المذهب الأول : لا يشترط البينة .
المذهب الثاني : يشترط قيام البينة لقبول ادعاء نسب اللقيط .
والمذهب الأول أرجح لأن في ذلك تحقيق مصلحة ظاهرة للقيط وهو أولى من مراعاة حق الملتقط وحق العامة ، لأن النسب من المصالح الملحة للفرد وهو من الضرورات التي راعتها الشريعة المطهرة وإلحاق اللقيط بمن يدعي أنه أبوه يحقق هذا المعنى وتلك المصلحة .
ثانيا : إن ادعته امرأة :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة :
المذهب الأول : يقبل قولها بغير بينة .
المذهب الثاني : لا يقبل قولها إلا ببينة .
المذهب الثالث : إن كان لها زوج لم يثبت النسب بدعواها لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره ولا رضاه وفي ذلك ضرر عليه فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به ، وإن لم يكن لها زوج قبلت دعواها لعدم هذا الضرر ، وهو وجه للشافعية ورواية للحنابلة وهو الأظهر لأنه القول الذي تجتمع به الأدلة والمذاهب .
ثالثا : إن ادعاه ذمي :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يلحق اللقيط به في النسب لا في الدين .
المذهب الثاني : لا يلحق به .
والراجح هو المذهب الأول لأن ثبوت مجرد النسب دون التبعية في الدين مصلحة ليس فيها مضرة فيقبل ادعاء الذمي فيها لأن في ذلك تخليصا للقيط من مفسدة تعيير الناس له وما يثبت له من مصالح أخرى ، ولا يقبل دعوى أنه على دين الذمي لأن في ذلك مفسدة تلحقه في الدنيا والآخرة .
رابعا : إن ادعاه عبد :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يلحق اللقيط بالعبد إن ادعاه .
المذهب الثاني : لا يلحقه إلا ببينة .
والأول أظهر لقوة أدلتهم ولما فيه من تحقيق مصلحة راجحة للقيط ، وبناء على هذا فلا تثبت للعبد حضانة اللقيط لأنه مشغول بخدمة سيده ، ولا تجب عليه نفقته لأنه لا مال له ولا على سيده لأن الطفل محكوم بحريته فتكون نفقته في بيت المال .
المطلب الثاني
إذا ادعى نسب اللقيط أكثر من شخص
أولا : إذا كان لواحد منهما بينة :
إذا ادعى نسب اللقيط شخصان وكان لأحدهما بينة فهو ابنه ، لأن البينة حجة في كل خصومة فهي تظهر الحق وتبينه ، وهذا ما عليه عامة الفقهاء .
ثانيا : إذا أقام كل واحد منهما بينة :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يعتبر اللقيط ابنا لهما ، بمعنى أنه يلزمهما ما يلزم الآباء من النفقة وأجرة الحضانة والرضاعة ويرث كلا منهما إرث ابن كامل إذا ماتا قبله وكان أهلا للميراث ، ويرثانه إذا مات قبلهما ويكون الإرث بينهما مناصفة .
المذهب الثاني : تسقط البينتان المتعارضتان ، ويعرض اللقيط مع المدعيين على القافة" ويلحق بمن ألحقته به منهما ...وهو المذهب الأظهر ، لقوة أدلتهم ولأن ذلك أقرب إلى أصول الشرع المطهر من حيث ثبوت النسب لأب واحد ، ولم يعهد انتساب طفل لأكثر من أب لأن الولد لا ينعقد من رجلين لقوله تعالى : " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى [ولأنه لو جاز أن يلحق بهما لجاز أن يلحق بهما باتفاقهما وتراضيهما وهذا لا يصح .
فإن ألحقته القافة بكافر أو رقيق لم يحكم بكفره ولا رقه ، لأن الحرية والإسم ثبتا له بظاهر الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبه والظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد
ثانيا : إذا لم يكن لهما بينة ، وكان أحدهما مسلما والآخر ذميا ، أو كان أحدهما حرا والآخر عبدا :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يقدم المسلم على الذمي والحر على العبد .
المذهب الثاني : المسلم والذمي و الحر والعبد سواء في ادعاء نسب اللقيط .
وهو الأظهر لقوة دليلهم وسلامته من المناقشة ، ولأن البحث إنما هو في سماع دعوى النسب أو رفضها ، دون النظر في تبعية اللقيط لمدعي نسبه من كفر أو رق ، وعلى هذا إذا ادعى نسب اللقيط مسلم وذمي أو حر وعبد تسمع الدعوى ثم ينظر في المرجحات التي تغلب جانب أحدهما على الآخر .
ثالثا : لو ذكر أحدهما علامة في جسد اللقيط :
لو ادعاه شخصان وليس لأحدهما بينة أو كانت لهما بينتان تعارضتا وتساقطتا ، وذكر أحدهما علامة في جسد اللقيط ، فهنا اختلف الفقهاء في ترجيح دعواه على مذهبين :
المذهب الأول : الواصف أولى به .
المذهب الثاني : لا يقدم من وصف العلامة .
رابعا : لو ادعته امرأتان :
فإن كانتا ممن لا تقبل دعواهما لم تسمع دعوتهما ، وإن كانت إحداهما ممن تسمع دعواها دون الأخرى فهو ابن لها كالمنفردة ، وإن كانتا جميعا ممن تسمع دعواهما وأقامت إحداهما البينة فهي أولى به ، وإن أقامتا بينتين فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يكون اللقيط ابنا لهما ..
المذهب الثاني : لا يلحق بهما وإنما يعرض على القافة فمن ألحقته بها لحقها .
وهو الأظهر لأن كون اللقيط منهما محال يقينا فلم يجز الحكم به كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما ، وإن ألحقته القافة بأمين لم يلحق بهما وبطل قول القافة لأننا نعلم خطأه يقينا "
وادعاء نسب اللقيط على نوعين :
الأول الرضع ومن قاربهم فهؤلاء لا يعرف نسبهم والنسب فى تلك الحال لا يكون حسب ما ذكروه فى الفقرات السابقة ومن ثم قلت بوجوب تصوير اللقيط وملابسه وكل ما وجد معه عند لقطته كما يتم تسجيل الأسماء التى يحفظها إن كان ينطق وتسجيل ذلك قضائيا ومن ثم يقوم القاضى ببحث المسألة عن طريق سؤال من يدعون كون اللقيط ابنهم أو ابنتهم عن ملابسه وعن علاماته الجسدية كما يطابق صور الطفل معهم بالصور التى التقطت له عند توثيق لقطته كما يحق لهم الاستشهاد بشهود وسماع القاضى للكل ومن ثم هو من يقرر وحده كون الولد أو البنت هو ابن فلان أو علان إن وجد أدلة وإن لم يجد أعطى لأحدهم كفالته ولم ينسب له ويسمى فلان مولى فلان كما قال تعالى :
"فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم"
الثانى الأطفال الكبار الذين يعرفون أسماءهم واسم الأب والأم والأعمام والعمات والأخوال والخالات والجداد والجدات يتم تسجيل تلك الأسماء قضائيا ويتم كتابة نسبهم كما قالوا كما يتم تصويرهم وملابسهم وما وجد معهم وهؤلاء ينسبون لمن قالوا أنهم أباءهم وتستخرج بطاقات لهم بذلك كما قال تعالى :
" ادعوهم لآباءهم"
ولا يثبت النسب بأى وسيلة كالقافة والتشابه فى الصور ولا بما يسمى المورثات فكل هذا أمور وهمية لا تثبت أى شىء فى الشرع