قراءة فى كتاب أقوال الفقهاء الأعلام فيما يتعلق بشاتم الأنبياء من أحكام
والكتاب له عنوان أخر شارح هو :
كشف حقيقة انتساب الطوائف المعاصرة إلى السنة والفقه من خلال مواقفهم من جرائم شتم الأنبياء ومؤلف الكتاب هو صادق الكرخي وفى مقدمة بين الكرخى خطورة جريمة سب النبى(ص) فقال:
"وبعد فان جريمة سب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ تعد في الشريعة الإسلامية من أعظم الجرائم وأكبرها، ورتبت عليها أغلظ العقوبات وأشدها وما ذلك إلا لما للأنبياء من منزلة عظيمة في دين الإسلام، فالطعن في أي منهم؛ هو طعن في الدين كله، والمكذب بأي منهم؛ هو مكذب بالدين كله""
والحقيقة أن الرجل أنه لا يوجد فى الإسلام جريمة سب لنبى(ص) بمفرده وإنما هناك جريمة سب عامة فى كل الناس وعقابها واحد لكل ساب ما لم يكن مظلوما كما قال تعالى :
" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
ولذا قال النبى(ص) عن نفسه بأمر من الله "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى"
ونقل الكرخى قولا من بطون الكتب فقال:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ان سب الرسل والطعن فيهم؛ ينبوع جميع أنواع الكفر، وجماع؛ جميع الضلالات، وكل كفر؛ ففرع منه)"
وبين الكرخى أن المعاصرين لهم أحكام مختلفة فى القضية فقال:
"ورغم عظم هذه الجريمة والموقف الواضح والحازم الذي اتخذه الإسلام من مقترفها؛ إلا ان المعاصرين من المنتسبين إلى الإسلام؛ قد اختلفوا في مواقفهم تجاهها وتجاه مرتكبها! وكل يدعي ان موقفه يمثل الموقف الإسلامي الصحيح وفي هذه الرسالة نقوم بعرض الموقف الإسلامي السليم من مقترف تلك الجريمة؛ كما بينه فقهاء الأمة الأعلام - بعيدا عن ضغوط الواقع التي قد تجعل بعض المعاصرين يميلون مع عاصفته، ثم ينسبون ذلك الميلان إلى الشريعة الإسلامية الثابتة -
- ليعمل الغيورون من المؤمنين؛ على بصيرة من دينهم، فيواجهوا تلك الاعتداءات كما أراد الله منهم
- و {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} ويعلم؛ من الأولى بالله ورسوله، والأقرب إلى السنة والفقه في دين الله، من بين تلك الطوائف المدعية نصرة الأنبياء (ص)"
ثم بين الرجل كون الساب كافر عند الفقهاء القدامى ونقل عنهم التالى:
"1) ساب النبي (ص) - إن كان ينسب نفسه إلى الإسلام - مرتد، كافر:
قال إسحاق بن راهويه [ت: 237 هـ]: (أجمع المسلمون؛ على أن من سب الله، أو سب رسوله أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله)
وقال النووي [ت: 676 هـ]: (وقد أجمع المسلمون؛ على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي (ص) موجبة للكفر)
"ونقل أبو بكر الفارسي - أحد أئمة الشافعية - في كتاب "الإجماع"؛ أن من سب النبي (ص)، بما هو قذف صريح؛ كفر، باتفاق العلماء"
وقال أبو الحسن السبكي [ت: 756 هـ]: (أما سب النبي (ص)؛ فالإجماع منعقد على أنه كفر، والاستهزاء به؛ كفر)
وقال محمد بن سحنون [ت: 256 هـ]: (أجمع العلماء؛ على أن شاتم النبي، المتنقص له؛ كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة؛ القتل، ومن شك في كفره وعذابه؛ كفر)
وفي "البزازية" : (من شك في عذابه وكفره؛ فقد كفر)
وقال القاضي عياض [ت: 544 هـ]: (من أضاف إلى نبينا تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به، أو شك في صدقة، أو سبه، أو قال؛ إنه لم يبلغ، أو استخف به؛ فهو كافر بالإجماع)
وقال ابن تيمية [ت: 728 هـ]: (وتحرير القول أن الساب - إن كان مسلما - فإنه يكفر ويقتل، بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم)
2) لا يشترط ان يستحل السب؛ لتكفيره ، ولا يعذر بدعوى الجهل أو زلل اللسان:
قال ابن تيمية: (إن سب الله أو سب رسوله؛ كفر - ظاهرا وباطنا - وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن إعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة)
وقال سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه؛ كفر، ولو هازلا، لم يقصد حقيقة الاستهزاء؛ إجماعا)
وقال القاضي عياض: (أن يكون القائل لما قال في جهته (ص)؛ غير قاصد للسب والإزراء، ولا معتقد له، ولكنه تكلم في جهته (ص) بكلمة الكفر أو يأتي بسفه من القول، أو قبيح من الكلام ونوع من السب في جهته، وإن ظهر بدليل حاله؛ أنه لم يعتمد ذمه، ولم يقصد سبه، إما لجهالة حملته على ما قاله، أو لضجر، أو سكر اضطره إليه، أو قلة مراقبة وضبط للسانه، وعجرفة وتهور في كلامه، فحكم هذا الوجه ؛ القتل دون تلعثم، إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة، ولا بدعوى زلل اللسان، ولا بشيء مما ذكرناه، إذا كان عقله في فطرته سليما، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)
وقال القاضي أبو يعلى [ت: 527 هـ]: (من سب الله أو سب رسوله؛ فانه يكفر، سواء استحل سبه أو لم يستحله، فإن قال؛ لم استحل ذلك! لم يقبل منه في ظاهر الحكم - رواية واحدة - وكان مرتدا، لان الظاهر خلاف ما أخبر، لانه لا غرض له في سب الله وسب رسوله إلا لانه غير معتقد لعبادته، غير مصدق بما جاء به النبي)
وقال أبو بكر السرخسي [ت: 483 هـ]: (فإن شتم النبي (ص)، في غير موضع الضرورة ؛ كفر، وكراهته بقلبه لا تنفع شيئا)
"وعن أبي محمد ابن أبى زيد القيرواني [ت: 386 هـ]؛ لا يعذر بدعوى زلل اللسان في مثل هذا" "وأفتى أبو الحسن القابسي [ت: 403 هـ] فيمن شتم النبي (ص) في سكره؛ يقتل، لأنه يظن به أنه يعتقد هذا، ويفعله في صحوه" "
إلى هنا والكلام سليم تماما ونأتى للنقطة الثالثة والرابعة والخامسة وهى قتل الساب بلا استتابة ولا يقبل منه توبة وهو قوله::
"3) عقوبته؛ القتل:
قال أبو بكر بن المنذر [ت: 318 هـ]: (أجمع عامة أهل العلم؛ على أن من سب النبي (ص) عليه القتل، وممن قال ذلك؛ مالك والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي)
وقال القاضي عياض: (ولا نعلم خلافا في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد؛ الإجماع على قتله وتكفيره)
وقال أبو سليمان الخطابي [ت: 388 هـ]: (لا أعلم خلافا في وجوب قتله، إذا كان مسلما)
4) يقتل بلا استتابة:
قال أحمد بن حنبل [ت: 241 هـ]: (كل من شتم النبي (ص)، أو تنقصه - مسلما كان أو كافرا - فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب)
وقال مالك بن أنس [ت: 179 هـ]: (من سب النبي (ص) أو غيره من النبيين - من مسلم أو كافر -؛ قتل، ولم يستتب)
وقال الليث بن سعد [ت: 175 هـ]: (لا يناظر، ولا يستتاب، ويقتل مكانه)
5) لا تقبل توبته :
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: (لا تقبل توبة من سب النبي (ص))
وقال محمد بن سحنون: (من شتم النبي (ص) من الموحدين، ثم تاب عن ذلك؛ لم تزل توبته عنه القتل)
ويعلل القاضي أبو يعلى عدم قبول توبة الساب، بقوله: (لأن حق النبي يتعلق به حقان؛ حق لله، وحق للآدمي، والعقوبة إذا تعلق بها حق لله وحق لآدمي؛ لم تسقط بالتوبة - كالحد في المحاربة، فانه لو تاب قبل القدرة؛ لم يسقط حق الآدمي من القصاص، ويسقط حق الله -) "
قطعا الكلام الماضى يخالف كتاب الله فلم يجعل الله عقوبة الساب القتل فمن يقتل يقتل بسبب قتله لنفس أخرى أو بسبب فساده فى الأرض كما قال تعالى :
|من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"
والساب لم يقتل ولم يفسد فى الأرض ومن ثم يعاقب بعقاب جريمة السب وهو الجلد ثمانين جلدة لكذبه
وأما عدم استتابته فيخالف وجوب استتابة كل من ارتكب جريمة بعد تنفيذ العقوبة إلا إذا كانت قتلا فيستتاب قبل قتله ولذا نجد خلف كل عقاب جريمة وجوب توبة مرتكبها ومن ذلك قوله تعالى فى السراق:
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوبعليه"
وقال فى المحاربين :
"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم"
وأما عدم قبول توبته فيتنافى مع قبول الله توبة وهى استغفار كل مذنب لأى ذنب فى قوله تعالى"قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم"
ثم قال عن الساب إن كان معاهدا:
"6) إن كان الساب؛ ذميا، فقد انتقض عهده:
قال ابن حزم الأندلسي [ت: 456 هـ]: (وأما الذمي يسب النبي (ص)؛ فان أصحابنا ، ومالكا وأصحابه، قالوا؛ يقتل ولابد، وهو قول الليث بن سعد)
وقال ابن تيمية: (وأقوال أحمد كلها؛ نص في وجوب قتله، وفي أنه قد نقض العهد، وليس عنه في هذا اختلاف، وكذلك ذكر عامة أصحابه - متقدمهم ومتأخرهم - لم يختلفوا في ذلك)
وقال الشافعي [ت: 204 هـ]: (يقتل الذمي؛ إذا سب النبي (ص)، وتبرأ منه الذمة) "
وقطعا هذا الرأى لا دليل عليه فحتى الروايات تبين عكس ما ذهب له القوم كما أنه لا يمكن عقاب المعاهد على اعتقاده والكفار كلهم يعتقدون أن النبى محمد(ص) كاذب وأن الإسلام ليس دين الله وهو ما أباحه الله بقوله " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وأما ما يعاقب به فهو إعلان رأيه بقدح النبى(ص) فى أمور شخصية كاتهام النبى(ص) بالزنى أو السرقة أو ما شابه ثم أكمل الكرخى نفسه ما قاله فى الساب المسلم الذى كفر بسبه فقال :
7) ليس لأحد قبول اعتذاره أو العفو عنه:
قال ابن تيمية رحمه الله: (إن سب النبي؛ كان موجبا للقتل في حياته وكان إذا علم بذلك تولى هذا الحق، فإن أحب؛ استوفى، وإن أحب؛ عفا، فإذا تعذر إعلامه - لغيبته أو موته - وجب على المسلمين القيام بطلب حقه، ولم يجز العفو عنه لأحد من الخلق)
وقال ابن القيم [ت: 751 هـ]: (وأما تركه (ص) قتل من قدح في عدله فذلك؛ أن الحق له، فله أن يستوفيه، وله أن يتركه، وليس لأمته ترك استيفاء حقه (ص))
ان سب المنتسب للإسلام للنبي (ص) أعظم جرما ممن سبه من الكفار الأصليين:
قال ابن تيمية: (وكفر الردة؛ أغلظ - بالإجماع - من الكفر الأصلي)
وقال: (وقد استقرت السنة؛ بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي، من وجوه متعددة)
9) لكل أحد - كائنا من كان - قتله، إذا تقاعست السلطة المسلمة عن ذلك:
قال ابن تيمية: (لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك، لكان ذلك الفرض؛ على القادر عليه، وقول من قال؛ "لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه"، إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل، كما يقول الفقهاء؛ "الأمر إلى الحاكم"، إنما هو العادل القادر وكذلك الأمير؛ إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها، لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه، والأصل؛ أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان؛ أقيمت - اذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فانها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - فإن كان فى ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها؛ لم يدفع فساد بأفسد منه) "
كل ما قيل هنا يتناقض مع القرآن ومع الروايات حتى فكم سب المنافقون وأهل الكتاب النبى(ص) بأقوال مثل أذن والأذل ومع هذاعاقبهم ليس بالقتل وإنما بعقاب السب كما فى قوله تعالى :
"ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم"
والسؤال هل قتل النبى(ص) من قال له اعدل ؟
قطعا فالكلمة هى اتهام صريح له بالظلم والكذب
وبين الكرخى أن سب محمد(ص) جريمة متساوية مع سب أى نبى أخر وهو كلام صحيح فيما عدا القتل وعدم قبول التوبة وعدم الاستتابة وفى هذا قال:
10) ساب سائر الأنبياء (ص)- غير نبينا محمد (ص)– تنطبق عليه ذات الأحكام السابقة:
قال القاضي عياض رحمه الله: (وحكم من سب سائر أنبياء الله تعالى واستخف بهم ؛ حكم نبينا (ص) قال الله تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله الآية} [النساء: 150]، وقال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم الآية}، إلى قوله: {لا نفرق بين أحد منهم} [البقرة: 136]، وقال: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} [البقرة: 285])
وقال ابن تيمية رحمه الله: (والحكم في سب سائر الأنبياء؛ كالحكم في سب نبينا وما أعلم أحدا فرق بينهما، وان كان أكثر كلام الفقهاء؛ انما فيه ذكر من سب نبينا، فانما ذلك لمسيس الحاجة إليه، وانه وجب التصديق له والطاعة له - جملة وتفضيلا - ولا ريب؛ ان جرم سابه أعظم من جرم ساب غيره، كما ان حرمته أعظم من حرمة غيره، وان شاركه سائر اخوانه من النبيين والمرسلين؛ في أن سابهم؛ كافر محارب، حلال الدم)
تلك كانت أهم أحكام الشريعة الإسلامية - كما بينها الفقهاء الأعلام - في جريمة سب الأنبياء (ص)
نسأل الله أن يجعلنا من المتصدين لهذه الجريمة ومقترفيها، الناصرين لأنبياء الله الكرام
قال سبحانه: {إلا تنصروه فقد نصره الله} "
وما قاله الرجل وما نقله من الكتب هو غيرة على النبى(ص) وهى غيرة صادقة ولكنها لا تعمينا عن أن ما نقله من كون عقاب الجريمة القتل مع عدم الاستتابة وعدم قبول التوبة هو الأخر جريمة فى حق الإسلام فالعقوبة لا تكون إلا بنص ولا يوجد نص فى كون تلك العقوبة القتل كما لا توجد نصوص فى عدم الاستتابة وعدم قبول التوبة والنصوص الموجودة كلها تناقض ما ذهب له الفقهاء
والكتاب له عنوان أخر شارح هو :
كشف حقيقة انتساب الطوائف المعاصرة إلى السنة والفقه من خلال مواقفهم من جرائم شتم الأنبياء ومؤلف الكتاب هو صادق الكرخي وفى مقدمة بين الكرخى خطورة جريمة سب النبى(ص) فقال:
"وبعد فان جريمة سب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ تعد في الشريعة الإسلامية من أعظم الجرائم وأكبرها، ورتبت عليها أغلظ العقوبات وأشدها وما ذلك إلا لما للأنبياء من منزلة عظيمة في دين الإسلام، فالطعن في أي منهم؛ هو طعن في الدين كله، والمكذب بأي منهم؛ هو مكذب بالدين كله""
والحقيقة أن الرجل أنه لا يوجد فى الإسلام جريمة سب لنبى(ص) بمفرده وإنما هناك جريمة سب عامة فى كل الناس وعقابها واحد لكل ساب ما لم يكن مظلوما كما قال تعالى :
" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
ولذا قال النبى(ص) عن نفسه بأمر من الله "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى"
ونقل الكرخى قولا من بطون الكتب فقال:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ان سب الرسل والطعن فيهم؛ ينبوع جميع أنواع الكفر، وجماع؛ جميع الضلالات، وكل كفر؛ ففرع منه)"
وبين الكرخى أن المعاصرين لهم أحكام مختلفة فى القضية فقال:
"ورغم عظم هذه الجريمة والموقف الواضح والحازم الذي اتخذه الإسلام من مقترفها؛ إلا ان المعاصرين من المنتسبين إلى الإسلام؛ قد اختلفوا في مواقفهم تجاهها وتجاه مرتكبها! وكل يدعي ان موقفه يمثل الموقف الإسلامي الصحيح وفي هذه الرسالة نقوم بعرض الموقف الإسلامي السليم من مقترف تلك الجريمة؛ كما بينه فقهاء الأمة الأعلام - بعيدا عن ضغوط الواقع التي قد تجعل بعض المعاصرين يميلون مع عاصفته، ثم ينسبون ذلك الميلان إلى الشريعة الإسلامية الثابتة -
- ليعمل الغيورون من المؤمنين؛ على بصيرة من دينهم، فيواجهوا تلك الاعتداءات كما أراد الله منهم
- و {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} ويعلم؛ من الأولى بالله ورسوله، والأقرب إلى السنة والفقه في دين الله، من بين تلك الطوائف المدعية نصرة الأنبياء (ص)"
ثم بين الرجل كون الساب كافر عند الفقهاء القدامى ونقل عنهم التالى:
"1) ساب النبي (ص) - إن كان ينسب نفسه إلى الإسلام - مرتد، كافر:
قال إسحاق بن راهويه [ت: 237 هـ]: (أجمع المسلمون؛ على أن من سب الله، أو سب رسوله أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله)
وقال النووي [ت: 676 هـ]: (وقد أجمع المسلمون؛ على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي (ص) موجبة للكفر)
"ونقل أبو بكر الفارسي - أحد أئمة الشافعية - في كتاب "الإجماع"؛ أن من سب النبي (ص)، بما هو قذف صريح؛ كفر، باتفاق العلماء"
وقال أبو الحسن السبكي [ت: 756 هـ]: (أما سب النبي (ص)؛ فالإجماع منعقد على أنه كفر، والاستهزاء به؛ كفر)
وقال محمد بن سحنون [ت: 256 هـ]: (أجمع العلماء؛ على أن شاتم النبي، المتنقص له؛ كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة؛ القتل، ومن شك في كفره وعذابه؛ كفر)
وفي "البزازية" : (من شك في عذابه وكفره؛ فقد كفر)
وقال القاضي عياض [ت: 544 هـ]: (من أضاف إلى نبينا تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به، أو شك في صدقة، أو سبه، أو قال؛ إنه لم يبلغ، أو استخف به؛ فهو كافر بالإجماع)
وقال ابن تيمية [ت: 728 هـ]: (وتحرير القول أن الساب - إن كان مسلما - فإنه يكفر ويقتل، بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم)
2) لا يشترط ان يستحل السب؛ لتكفيره ، ولا يعذر بدعوى الجهل أو زلل اللسان:
قال ابن تيمية: (إن سب الله أو سب رسوله؛ كفر - ظاهرا وباطنا - وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن إعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة)
وقال سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه؛ كفر، ولو هازلا، لم يقصد حقيقة الاستهزاء؛ إجماعا)
وقال القاضي عياض: (أن يكون القائل لما قال في جهته (ص)؛ غير قاصد للسب والإزراء، ولا معتقد له، ولكنه تكلم في جهته (ص) بكلمة الكفر أو يأتي بسفه من القول، أو قبيح من الكلام ونوع من السب في جهته، وإن ظهر بدليل حاله؛ أنه لم يعتمد ذمه، ولم يقصد سبه، إما لجهالة حملته على ما قاله، أو لضجر، أو سكر اضطره إليه، أو قلة مراقبة وضبط للسانه، وعجرفة وتهور في كلامه، فحكم هذا الوجه ؛ القتل دون تلعثم، إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة، ولا بدعوى زلل اللسان، ولا بشيء مما ذكرناه، إذا كان عقله في فطرته سليما، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)
وقال القاضي أبو يعلى [ت: 527 هـ]: (من سب الله أو سب رسوله؛ فانه يكفر، سواء استحل سبه أو لم يستحله، فإن قال؛ لم استحل ذلك! لم يقبل منه في ظاهر الحكم - رواية واحدة - وكان مرتدا، لان الظاهر خلاف ما أخبر، لانه لا غرض له في سب الله وسب رسوله إلا لانه غير معتقد لعبادته، غير مصدق بما جاء به النبي)
وقال أبو بكر السرخسي [ت: 483 هـ]: (فإن شتم النبي (ص)، في غير موضع الضرورة ؛ كفر، وكراهته بقلبه لا تنفع شيئا)
"وعن أبي محمد ابن أبى زيد القيرواني [ت: 386 هـ]؛ لا يعذر بدعوى زلل اللسان في مثل هذا" "وأفتى أبو الحسن القابسي [ت: 403 هـ] فيمن شتم النبي (ص) في سكره؛ يقتل، لأنه يظن به أنه يعتقد هذا، ويفعله في صحوه" "
إلى هنا والكلام سليم تماما ونأتى للنقطة الثالثة والرابعة والخامسة وهى قتل الساب بلا استتابة ولا يقبل منه توبة وهو قوله::
"3) عقوبته؛ القتل:
قال أبو بكر بن المنذر [ت: 318 هـ]: (أجمع عامة أهل العلم؛ على أن من سب النبي (ص) عليه القتل، وممن قال ذلك؛ مالك والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي)
وقال القاضي عياض: (ولا نعلم خلافا في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد؛ الإجماع على قتله وتكفيره)
وقال أبو سليمان الخطابي [ت: 388 هـ]: (لا أعلم خلافا في وجوب قتله، إذا كان مسلما)
4) يقتل بلا استتابة:
قال أحمد بن حنبل [ت: 241 هـ]: (كل من شتم النبي (ص)، أو تنقصه - مسلما كان أو كافرا - فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب)
وقال مالك بن أنس [ت: 179 هـ]: (من سب النبي (ص) أو غيره من النبيين - من مسلم أو كافر -؛ قتل، ولم يستتب)
وقال الليث بن سعد [ت: 175 هـ]: (لا يناظر، ولا يستتاب، ويقتل مكانه)
5) لا تقبل توبته :
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: (لا تقبل توبة من سب النبي (ص))
وقال محمد بن سحنون: (من شتم النبي (ص) من الموحدين، ثم تاب عن ذلك؛ لم تزل توبته عنه القتل)
ويعلل القاضي أبو يعلى عدم قبول توبة الساب، بقوله: (لأن حق النبي يتعلق به حقان؛ حق لله، وحق للآدمي، والعقوبة إذا تعلق بها حق لله وحق لآدمي؛ لم تسقط بالتوبة - كالحد في المحاربة، فانه لو تاب قبل القدرة؛ لم يسقط حق الآدمي من القصاص، ويسقط حق الله -) "
قطعا الكلام الماضى يخالف كتاب الله فلم يجعل الله عقوبة الساب القتل فمن يقتل يقتل بسبب قتله لنفس أخرى أو بسبب فساده فى الأرض كما قال تعالى :
|من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"
والساب لم يقتل ولم يفسد فى الأرض ومن ثم يعاقب بعقاب جريمة السب وهو الجلد ثمانين جلدة لكذبه
وأما عدم استتابته فيخالف وجوب استتابة كل من ارتكب جريمة بعد تنفيذ العقوبة إلا إذا كانت قتلا فيستتاب قبل قتله ولذا نجد خلف كل عقاب جريمة وجوب توبة مرتكبها ومن ذلك قوله تعالى فى السراق:
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوبعليه"
وقال فى المحاربين :
"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم"
وأما عدم قبول توبته فيتنافى مع قبول الله توبة وهى استغفار كل مذنب لأى ذنب فى قوله تعالى"قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم"
ثم قال عن الساب إن كان معاهدا:
"6) إن كان الساب؛ ذميا، فقد انتقض عهده:
قال ابن حزم الأندلسي [ت: 456 هـ]: (وأما الذمي يسب النبي (ص)؛ فان أصحابنا ، ومالكا وأصحابه، قالوا؛ يقتل ولابد، وهو قول الليث بن سعد)
وقال ابن تيمية: (وأقوال أحمد كلها؛ نص في وجوب قتله، وفي أنه قد نقض العهد، وليس عنه في هذا اختلاف، وكذلك ذكر عامة أصحابه - متقدمهم ومتأخرهم - لم يختلفوا في ذلك)
وقال الشافعي [ت: 204 هـ]: (يقتل الذمي؛ إذا سب النبي (ص)، وتبرأ منه الذمة) "
وقطعا هذا الرأى لا دليل عليه فحتى الروايات تبين عكس ما ذهب له القوم كما أنه لا يمكن عقاب المعاهد على اعتقاده والكفار كلهم يعتقدون أن النبى محمد(ص) كاذب وأن الإسلام ليس دين الله وهو ما أباحه الله بقوله " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وأما ما يعاقب به فهو إعلان رأيه بقدح النبى(ص) فى أمور شخصية كاتهام النبى(ص) بالزنى أو السرقة أو ما شابه ثم أكمل الكرخى نفسه ما قاله فى الساب المسلم الذى كفر بسبه فقال :
7) ليس لأحد قبول اعتذاره أو العفو عنه:
قال ابن تيمية رحمه الله: (إن سب النبي؛ كان موجبا للقتل في حياته وكان إذا علم بذلك تولى هذا الحق، فإن أحب؛ استوفى، وإن أحب؛ عفا، فإذا تعذر إعلامه - لغيبته أو موته - وجب على المسلمين القيام بطلب حقه، ولم يجز العفو عنه لأحد من الخلق)
وقال ابن القيم [ت: 751 هـ]: (وأما تركه (ص) قتل من قدح في عدله فذلك؛ أن الحق له، فله أن يستوفيه، وله أن يتركه، وليس لأمته ترك استيفاء حقه (ص))
ان سب المنتسب للإسلام للنبي (ص) أعظم جرما ممن سبه من الكفار الأصليين:
قال ابن تيمية: (وكفر الردة؛ أغلظ - بالإجماع - من الكفر الأصلي)
وقال: (وقد استقرت السنة؛ بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي، من وجوه متعددة)
9) لكل أحد - كائنا من كان - قتله، إذا تقاعست السلطة المسلمة عن ذلك:
قال ابن تيمية: (لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك، لكان ذلك الفرض؛ على القادر عليه، وقول من قال؛ "لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه"، إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل، كما يقول الفقهاء؛ "الأمر إلى الحاكم"، إنما هو العادل القادر وكذلك الأمير؛ إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها، لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه، والأصل؛ أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان؛ أقيمت - اذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فانها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - فإن كان فى ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها؛ لم يدفع فساد بأفسد منه) "
كل ما قيل هنا يتناقض مع القرآن ومع الروايات حتى فكم سب المنافقون وأهل الكتاب النبى(ص) بأقوال مثل أذن والأذل ومع هذاعاقبهم ليس بالقتل وإنما بعقاب السب كما فى قوله تعالى :
"ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم"
والسؤال هل قتل النبى(ص) من قال له اعدل ؟
قطعا فالكلمة هى اتهام صريح له بالظلم والكذب
وبين الكرخى أن سب محمد(ص) جريمة متساوية مع سب أى نبى أخر وهو كلام صحيح فيما عدا القتل وعدم قبول التوبة وعدم الاستتابة وفى هذا قال:
10) ساب سائر الأنبياء (ص)- غير نبينا محمد (ص)– تنطبق عليه ذات الأحكام السابقة:
قال القاضي عياض رحمه الله: (وحكم من سب سائر أنبياء الله تعالى واستخف بهم ؛ حكم نبينا (ص) قال الله تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله الآية} [النساء: 150]، وقال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم الآية}، إلى قوله: {لا نفرق بين أحد منهم} [البقرة: 136]، وقال: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} [البقرة: 285])
وقال ابن تيمية رحمه الله: (والحكم في سب سائر الأنبياء؛ كالحكم في سب نبينا وما أعلم أحدا فرق بينهما، وان كان أكثر كلام الفقهاء؛ انما فيه ذكر من سب نبينا، فانما ذلك لمسيس الحاجة إليه، وانه وجب التصديق له والطاعة له - جملة وتفضيلا - ولا ريب؛ ان جرم سابه أعظم من جرم ساب غيره، كما ان حرمته أعظم من حرمة غيره، وان شاركه سائر اخوانه من النبيين والمرسلين؛ في أن سابهم؛ كافر محارب، حلال الدم)
تلك كانت أهم أحكام الشريعة الإسلامية - كما بينها الفقهاء الأعلام - في جريمة سب الأنبياء (ص)
نسأل الله أن يجعلنا من المتصدين لهذه الجريمة ومقترفيها، الناصرين لأنبياء الله الكرام
قال سبحانه: {إلا تنصروه فقد نصره الله} "
وما قاله الرجل وما نقله من الكتب هو غيرة على النبى(ص) وهى غيرة صادقة ولكنها لا تعمينا عن أن ما نقله من كون عقاب الجريمة القتل مع عدم الاستتابة وعدم قبول التوبة هو الأخر جريمة فى حق الإسلام فالعقوبة لا تكون إلا بنص ولا يوجد نص فى كون تلك العقوبة القتل كما لا توجد نصوص فى عدم الاستتابة وعدم قبول التوبة والنصوص الموجودة كلها تناقض ما ذهب له الفقهاء