نظرات فى كتاب المصالح المرسلة
الكتاب من تأليف محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي وفي مقدمة الكتاب ناقض مقدم كتاب الشنقيطى نفسه فاعتبر كتاب الله شامل لكل حكم بقوله"لقد جاءت الشريعة الإسلامية ولله الحمد والمنة، الشاملة لجميع جوانب الإنسان في حياته وبعد مماته، في عباداته ومعاملاته، وفي جميع شئونه الفردية والجماعية، في ظل كتاب الله تعالى الجامع الشامل كما قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}وقد مضى الصدر الأول من الأمة في ظل نصوص القرآن وصريح عباراتهوكانوا إذا أشكل عليهم نص أو استجد لهم جديد وجدوا من رسول الله (ص) بيان ما أجمل وتفصيل ما التبسومضى عهد الصحابة في رعايته (ص)، تبليغاً وتشريعاً وعملاً واتباعاً، حتى أتم الله عليهم النعمة وختم الرسالة، وأدى الأمانة، وترك (ص) الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك"
ثم ناقض نفسه باعتبار أصلين وهما الكتاب والسنة فإن كان القرآن شاملا كما في المقدمة فما هى الحاجة للسنة والتى اعتبرها أصل مع كتاب الله فقال :" وترك في الأمة ما إن تمسكوا به نجوا: كتاب الله وسنة رسوله (ص)وكذلك السنة المطهرة، والتي قال فيها (ص): "ألا وإنني أوتيت القرآن ومثله معه" - أي السنة - وإنها الوحي الثاني: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}وهما مصدر التشريع بوحي الله فوضعوا أصول الفقه التي عليها مبنى الاجتهاد في استنباط
الأحكام من أدلتها، فوضعوا مباحث القرآن من عام وخاص، ومطلق ومقيد، وناسخ ومنسوخ، وغير ذلك وكذلك السنة:بينوا طرق إثباتها ومراتب صحتها وحال رواتها والجمع بين مختلفها وغير ذلك أيضاً'
ثم ناقض نفسه وجعل الكتاب والسنة غير كافيين مع أنهما مصدر التشريع فنقلنا إلى الإجماع والقياس وغيرهما فقال :
"ثم الإجماع ووقوعه وطرقه وأقسامه ومنزلته عند التعارض والترجيح ثم القياس بأقسامه، وبأركانه وشروطه ومواطنه، بأصوله وفروعه
وهنالك أصول أربعة أخرى محل اجتهاد الأصوليين، وهي مما تمس الحاجة إليها وهي:
1ـ شرع من قبلنا
2ـ قول الصحابي إذا لم يوجد له مخالف من الصحابة
3ـ استصحاب الأصل، أو البراءة الأصلية
4ـ المصالح المرسلة، أو الاستصلاح"
وكما قلنا في السنة تقول في هذه الأمور المخترعة فإذا كان القرآن والسنة شاملين فما هى الحاجة لكل تلك الأمور مع أنه لا يوجد مصدر تشريع غيرهما كما قال هو في فقرة سابقة ؟
ثم دخل إلى موضوع الكتاب وهو المصالح المرسلة فبين ماهية المصلحة فقال :
"ومكمن الخطر في ادعاء المصلحة لأنه ادعاء عام، وكل يدعيه لبحثه فيما يذهب إليهولن يذهب مجتهد فقط إلى حكم في مسألة لا نص فيها إلا وادعى أنه ذهب لتحقيق المصلحة ولكن، أي المصالح يعنونإن المصلحة الإنسانية الخاصة أمر نسبي، وكل يدعيها فيما يذهب إليه ومن هنا كان الخطر ولكن حقيقة المصلحة هي المصلحة الشرعية التي تتمشى مع منهج الشرع في عمومه وإطلاقه، لا خاصة ولا نسبية فهي التي يشهد لها الشرع الذي جاء لتحقيق مصالح جميع العباد، ومراعاة جميع الوجوه، لأن الشرع لا يقر مصلحة تتضمن مفسدة مساوية لها أو راجحة عليها ظهر أمرها أو خفي على باحثها، لأن الشارع حكيم عليم كما أن المصلحة الشرعية تراعي أمر الدنيا والآخرة معاً، فلا تعتبر مصلحة دنيوية إذا كانت تستوجب عقوبة أخروية وفي هذا يكمن الفرق الأساسي بين المصلحة عند القانونيين الذين يقولون: حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله وبين الأصوليين الشرعيين الذين يصدق على منهجهم أنه حيثما وجد الشرع فثم مصلحة العباد فإذا لم يوجد نص للشرع اجتهد العالم في النازلة ليرى هل هي محققة لمصلحة مما جاء الشرع لتحقيقها في العقيدة أو النفس أو المال أو العرض أو النسب وأنها خالية من مفسدة تضر ببعض هذه الضرورات أم لا"
إذا المصلحة تكون في مسألة ليس بها نص وهو ما يخالف كتاب الله في قوله "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء" فهنا الكتاب به حكم كل شىء وحتى الروايات قالت بذلك " فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم"
فكتاب الله فصل في كل شىء ومن ثم فلا وجود للمصالح المرسلة ولكن دعونا نساير الأمر فالرجل يجعل المصلحة الشرعية تراعي أمر الدنيا والآخرة معاً وهو أمر غير ممكن في الكثير من المسائل التى سموها مصالح مرسلة وسوف نبينها فيما بعد
ثم بين مقدم الكتاب أن كتب الفقه به باب ثابت للمصالح فقال :
"وقد وضعت في ذلك الكتب المستقلة وإنه ما من مؤلف في أصول الفقه إلا وفيه بحث مستقل للمصلحة
وقد بدأ الشنقيطى كتابه أى محاضرته بالقول :
"اعلم أولا أن المصالح التي عليها مدار التشريع السماوي ثلاث:
الأولى منها: درء المفاسد، وهي المعروف عند الأصوليين بالضروريات
والثانية: جلب المصالح وهو المعروف عند الأصوليين بالحاجيات
والثالثة: الجري على مكارم الأخلاق، وأحسن العادات، وهو المعروف عند الأصوليين بالتحسينيات، والتتميميات، وكل واحدة من هذه المصالح الثلاث قد تكون مرسلة وغير مرسلة"
وما قاله الرجل من كون التشريع قائم على درء المفاسد وجلب المصالح ومكارم الأخلاق خاطىء فالتشريع قائم على شىء واحد فقط وهو العدل وفى العدل أحيانا يوجد ما يسمونه مفاسد مثل إفساد الناس بالقصاص من الجروح وإزهاق النفس قصاصا وإباحة القتال الذى هو مفاسد كقتل الأرواح وجرح وقطع الأجساد وحرق النبات وتدمير البيوت وفى العدل أحيانا تمنع المصالح مثل مصلحة بائع الخمر ولاعب الميسر و مصلحة المرابى وأما يسمى مكارم الأخلاق فهى تعبير فضفاض عند الناس فمثلا الناس يعتبرون الصدق مكرمة والكذب مرذلة ولكن الشرع فيه الصدق مباح والصدق محرم والكذب محرم والكذب مباح ومثلا يعتبرون الحياء مكرمة وهو فى الشرع مكرمة ومرذلة أى محرم ومباح
ثم تحدث الشنقيطى فقال :
"وإذا علمت ذلك فاعلم أن الوصف من حيث هو وصف لا يخلو من واحدة من ثلاث حالات لا رابع لها
:الأولى: أن تكون إناطة الحكم بذلك الوصف تتضمن إحدى المصالح الثلاث المذكورة آنفاً
الثانية: أن تكون إناطة بالحكم بذلك الوصف لا تتضمن مصلحة أصلاً لا بالذات ولا بالتتبع أعني الاستلزام
الثالثة: أن تكون إناطة الحكم بذلك الوصف لا تتضمن مصلحة بالذات ولكنها تتضمنها بالتتبع، أي الاستلزام، فإن كانت إناطة الحكم به تتضمن إحدى المصالح الثلاثة المذكورة فهو المعروف عند الأصوليين بالوصف المناسب كإناطة تحريم الخمر بالإسكار فإنها تتضمن مصلحة حفظ العقل، ودرء المفسدة عن العقل من الضروريات كما هو معلوم وإن كانت إناطة الحكم به لا تتضمن مصلحة أصلا لا بالذات ولا بالتتبع فهو المعروف في الاصطلاح بالوصف الطردي، ولا يصح التعليل به إجماعاً"
الشنقيطى هنا يقسم الوصف إلى مناسب حيث يوجد سبب وطردى غير مناسب حيث لا يوجد سبب وقد قال فيه :
"واعلم أن الوصف الطردي الذي لا مناسبة فيه ولا تتضمن إناطة الحكم به مصلحة أصلاً ينقسم إلى قسمين:
1ـ أحدهما: أن يكون طردياً في جميع أحكام الشرع كالطول والقصر، فإنك لا تجد حكماً من أحكام الشرع معللا بالطول أو القصر، لأن إناطة الحكم بذلك خالية من المصلحة أصلاً"
الخطأ أن الطول والقصر على إطلاقهما ليسا سببا في تعليل أى حكم في الشرع والطول وطول القرآن كان سببا في أن تكون القراءة حسب المتيسر طولا أو قصرا بقوله تعالى "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن"
ولو دخلنا لعالم الروايات لوجدناها تعتبر الطول والقصر فى الأحكام فمثلا أمرت رواية بتقصير الصلاة وعدم إطالتها حرصا على مصالح الناس وهى:
702 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ سَمِعْتُ قَيْسًا قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - (ص)- فِى مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ » أطرافه 90 ، 704 ، 6110 ، 7159 - تحفة 10004صحيح البخارى"
ثم قال الشنقيطى:
"2ـ الثاني منهما: أن يكون الوصف طردياً في بعض الأحكام دون بعض كالذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق، فإن أحكام العتق لا ترى شيئاً منها يناط بخصوص الذكورة أو الأنوثة فهما طرديان بالنسبة إلى العتق، مع أن الذكورة والأنوثة غير طرديين في أحكام أخرى غير العتق كالميراث لقوله تعالى: {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} وكالشهادة لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} إلى غير ذلك من الأحكام التي تعتبر فيها الذكورة والأنوثة غير العتق"
الرجل ذكر قسمين فقط "بقوله الوصف الطردي الذي لا مناسبة فيه ولا تتضمن إناطة الحكم به مصلحة أصلاً ينقسم إلى قسمين" ومع هذا أضاف قسما ثالثا وهو قياس الشبه فقال :
"وإن كانت إناطة الحكم به لا تتضمن مصلحة بالذات ولكنها تستلزمها بالتتبع فذلك الوصف هو الجامع بين الأصل والفرع في نوع القياس المسمى بقياس الشبه على ما حرره جماعة من الأصوليين منهم القاضي أبو بكر الباقلاني، والقرافي، وزادوا على ما ذكر كون الشرع قد شهد بتأثير جنس ذلك الوصف القريب في جنس ذلك الحكم القريب يعنون أنه لا يكتفي بالجنس البعيد في ذلك ومثاله قولهم: الخل مائع لا تبنى على جنسه القنطرة، ولا يصاد من جنسه السمك فلا تصح الطهارة به قياساً على الدهن فقولهم لا تبنى القنطرة على جنسه ولا يصاد من جنسه السمك ليس مناسباً في ذاته، لأن عدم بناء القنطرة عليه وعدم صيد السمك منه بالنظر إلى ذات تلك الأوصاف فهي أوصاف طردية بالنسبة إلى الطهارة وعدمها ولكنها مستلزمة للمناسب قال القرافي في شرح التنقيح: "فإن العادة أن القنطرة لا تبنى على الأشياء القليلة بل على الكثيرة كالأنهار، فالقلة مناسبة لعدم مشروعية المتصف بها من المائعات للطهارة العامة، فإن الشرع العام يقتضي أن تكون أسبابه عامة الوجود، أما تكليف الكل بما لا يجده إلا البعض فبعيد عن القواعد فصار قولهم لا تبنى القنطرة على جنسه ولا يصاد من جنسه السمك ليس بمناسب وهو مستلزم للمناسب, وقد شهد الشرع بتأثير جنس القلة والتعذر في عدم مشروعية الطهارة بدليل أن الماء إذا قل واشتدت إليه الحاجة فإنه يسقط الأمر به وينتقل إلى التيمم"، بواسطة نقل "نشر البنود"
الخبل هنا هو في القول "وزادوا على ما ذكر كون الشرع قد شهد بتأثير جنس ذلك الوصف القريب في جنس ذلك الحكم القريب يعنون أنه لا يكتفي بالجنس البعيد في ذلك ومثاله قولهم: الخل مائع لا تبنى على جنسه القنطرة، ولا يصاد من جنسه السمك فلا تصح الطهارة به قياساً على الدهن"
فالشرع خالى وبرىء من هذا المثال المتعلق بالخل والدهن وهو واضح فى أنه في حالة عدم وجود الماء فالتراب وهو الصعيد الطيب هو المطهر وهو قوله تعالى" فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم"
إذا القرابة لا تعنى وحدة الحكم فمثلا الزوجة حلال لزوجها وأختها حرام عليه مع أنهما أختان ومثلا الفعل الواحد مثل الجماع حلال مع الزوجة حرام مع غيرها وحتى الجماع مع الزوجة قد يكون حلالا وقد يكون حراما في الحيض ومن ثم فالوحدة أو القرابة لا تعنى وحدة الحكم
وأشار الشنقيطى إلى وجود أربع صور للوصف هى:
"وإذا علمت بما ذكرنا انقسام الوصف باعتبار تضمنه المصلحة وعدمها إلى مناسب وطردي، وشبهي، فاعلم أن الوصف المناسب الذي هو المقصود بالكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: واحد منها صادق بصورتين فيصير مجموع الصور أربعاً وإيضاح ذلك:أن المصلحة التي تضمنها الوصف فصار مناسبا بسبب تضمنها لها تنقسم إلى ثلاث حالات لا رابعة لها:
الأولى: أن يدل دليل خاص من الشرع على اعتبار تلك المصلحة وعدم إهدارها كالإسكار إلى تحريم الخمر، والصغر بالنسبة إلى الولاية على المال
الثانية: أن يدل دليل خاص على إهدارها وعدم اعتبارها، كما لو ظاهر "الملك" من امرأته، فمصلحة الزجر والردع في تخصيص تكفيره بالصوم لأن الصوم هو الذي يردعه عن العود إلى مثل ذلك، أما الإعتاق والإطعام فهو أسهل شيء على الملوك لأنهم لا يبالون به لخفته عليهم، ولكن الشرع الكريم ألغى هذه المصلحة وأهدرها، كما قال تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍِ}واعلم أن الشرع الكريم لا يلغي اعتبار مصلحة ويحكم بإهدارها إلا لتحصيل مصلحة أخرى أهم في نظر الشرع منها، لأن عتق الرقبة وإخراجها من الرق أهم في نظر الشرع من التضييق على "الملك" بالصوم لينزجر بالتكفير بذلك
الثالثة: هي أن لا يدل دليل (خاص) على اعتبار مناسبة ذلك الوصف ولا على إهدارها فإن دل الدليل الخاص على اعتبار تلك المصلحة فهو المعروف بـ:"المؤثر"، و"الملائم"، وإن دل الدليل الخاص على إهدار تلك المصلحة فهو المعروف عند أكثر أهل الأصول بالغريب، وإن لم يدل الدليل الخاص على اعتبارها ولا على إهدارها فهي المصلحة المرسلة، وإنما قيل لها مصلحة لأن المفروض تضمن الوصف المذكور لإحدى المصالح الثلاث وإنما قيل لها مرسلة لإرسالها أي إطلاقها عن دليل خاص يقيد ذلك الوصف بالاعتبار أو بالإهدار، وتسمى: "المرسل"، و"المصالح المرسلة"، و"الاستصلاح"، وسيأتي إن شاء الله كلام أهل العلم فيها"
في الفقرة نجد الأخطاء التالية:
الأول تعطيل نصوص الوحى بسبب الملك المزعوم فالرجل يقول أنه لا يجوز فى حالة الملك للتكفير أن يعتق رقبة أو يكسو أو غير هذا لكثرة المال لديه فلا يقع زجر له وإنما يقع الزجر بصومه وكأن هناك رقباء على عليه في حالة الصوم
بداية لا يوجد ملك أو سلطان بالمعنى المعروف عند الأمم في الإسلام فالملك وهو الحاكم هو فرد عادى من الرعية وحاله متوسط أو ضعيف في المال كما في حالة طالوت عندما قالت بنو إسرائيل عنه " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء "
ومن ثم فالحالة التى يتكلم عنها لا تقع في دولة المسلمين لأنه لو تولى غنى فقد تحولت الدولة للكفر وهو الطغيان كما قال تعالى ""كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"
وقد بين الله أن الحاكم وأهله تضاعف لهم العقوبات كما في قوله تعالى "يا نساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين"
الثانى وجود مصلحة لا دليل عليها على اعتبارها ولا على إهدارها وهو ما يخالف أن كل مسألة في العالم لها حكم في كتاب الله كما قال تعالى " "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ثم بين الشنقيطى أن البعض اعترض على مقولة المصالح المرسلة فقال :
"اعلم أولا أن بعض العلماء شنع على مالك بن أنس رحمه الله في الأخذ بالمصالح المرسلة تشنيعاً شديداً، كأبي المعالي الجويني ومن وافقه فعابوا مالكاً بأنه يحكم بضرب المتهم ليقر بالسرقة مثلاً، وقالوا: لا شك أن ترك مذنب أهون من إهانة برئ، وزعموا أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين وأنه يبيح قطع الأعضاء في التعزيرات، وقال بعضهم العمل بالمصالح المرسلة تشريع جديد لعدم استناد المصالح المرسلة إلى نص خاص من كتاب أو سنة وسنذكر أولا حجة مالك المتضمنة الجواب عما قيل عنه، ثم نذكر بعد ذلك ما يحتاج إليه من الكلام على المصالح المرسلة وموقف أهل المذاهب وأصحابهم منها أما دعواهم على مالك أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين وأنه يجيز قطع الأعضاء في التعزيرات فهي دعوى باطلة لم يقلها مالك ولم يروها عنه أحد من أصحابه، ولا توجد في شيء من كتب مذهبه كما حققه القرافي، ومحمد بن الحسن البناني وغيرهما، وقد درسنا مذهب مالك زمناً طويلاً وعرفنا أن تلك الدعوى باطلة
أما حكمه بضرب المتهم ليقر بالسرقة فهو صحيح عن مالك كما عقده ابن عاصم في تحفته بقوله: وإن تكن دعوى على من يتهم فمالك بالسجن والضرب حكم ومالك لا يجيز ضرب المتهم إلا إذا ثبتت عليه الخيانة قبل ذلك ثبوتاً لا مطعن فيه فثبوت كونه خائناً رجح عنده طرف الاحتياط للمال ليقر به، أما الذي لم يثبت عليه الخيانة سابقاً فلم يقل بضربه ليقر
وثبوت الخيانة له أثره في الشرع، فمن قذف من ثبت عليها الزنا لا يُحد بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}فمفهوم قوله تعالى: {الْمُحْصَنَاتِ} أن الذين يرمون المحصنات لا تثبت عليهم تلك الأحكام المذكورة في قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} الآية قالوا: وفي بعض الروايات لحديث الإفك أن علياً ضرب بريرة لتخبر بالحقيقة عن عائشة، وضربه لها مصلحة مرسلة، ولم ينكر عليه (ص) وذكر ابن حجر أن رواية الضرب المذكورة جاءت من رواية أبي أوس وابن إسحاق، قلت: وقد ثبت في صحيح مسلم ما لفظه: "فانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول (ص)" الحديث، وبريرة مسلمة، وانتهراها من غير ذنب أذى لها بلا موجب، وأذى المسلم حرام وكان مستند من انتهرها هو مطلق المصلحة المرسلة، ولم ينكر النبي (ص) ذلك فهو تقرير منه للعمل بالمصلحة المرسلة في الجملة "
الشنقيطى يقرر مبدأ خطير بناء على كلام مالك وهو إيذاء الإنسان بناء على ظن قد يصدق وقد يكذب وهو غالبا ما يكذب فالمضروب غالبا ما يعترف على نفسه بسبب الألم الذى يحدث وهو لم يسرق
الخبل هو أن السارق لو قطعت يده ولو سرق مرتين وقطعت يديه كما هو مفروض كيف يسرق مرة أخرى ؟
اعطونا عقولكم
مالك يتحدث ليس عن دولة تحكم بشرع الله وإنما دولة تحكم بشرع الكفر الذى يعنى أن السارق لا يقطع ومن ثم يعتادون السرقة وهو الحادث حاليا فى مجتمعاتنا
ثم كيف يجيز أن يؤذى المسلم المسلم بدون حق وهو البغى وقد قال تعالى "قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق"؟
ثم ذكر الشنقيطى أمثلة لما يسمى المصالح المرسلة فقال :
"واحتج مالك للعمل بالمصالح المرسلة بأن الصحابة كانوا يعملون بها من غير أن يخالف أحد، قال علماء المالكية ومن أمثلة ذلك:
نقط المصحف، وشكله، وكتابته، لأجل حفظه في الأوليين من التصحيف، وفي الثالث من الذهاب والنسيان، قالوا: ومن أمثلة ذلك حرق عثمان للمصاحف وجمع الناس على مصحف واحد خوف الاختلاف قالوا: ومن أمثلة تولية أبي بكر لعمر لأنه لا مستند له فيها إلا المصلحة المرسلة على التحقيق، وقول بعضهم إنه من القياس خلاف الظاهر، يعنون قياس العهد على العقد
وقالوا: ومنه ترك عمر الخلافة شورى بين ستة لأن النبي (ص) توفي وهو عنهم راض، وقالوا ومن أمثلة ذلك هدم عثمان وغيره الدور المجاورة للمسجد عند ضيق المسجد لأجل مصلحة توسعته
- قالوا ومن أمثلة ذلك زيادة عثمان لأحد الأذانين في الجمعة لكثرة الناس، قالوا: ومنها اشتراء عمر دار صفوان بن أمية واتخاذها سجنا لمعاقبة أهل الجرائم، وقالوا: السجن من العقوبات الشديدة، ولذا قرن بالعذاب الأليم في قوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقالوا: لم يكن في زمن رسول الله (ص) وأبي بكر سجن، فلما انتشرت الرعية ابتاع بمكة داراً وجعلها سجناً يسجن فيها، قالوا: وفيه دليل على جواز اتخاذ السجن، وقد سجن عمر الحطيئة على الهجو كما يدل له قوله:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فامنن عليك سلام الله يا عمر
وقد سجن عمر صبيغاً على سؤاله عن المتشابه، وسجن عثمان ضابيء بن حارثة، وكان من لصوص بني تميم، ومات في السجن، وقد حاول قتل عثمان وهو في سجنه كما يدل له قوله:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائل
قالوا: وسجن علي في الكوفة، وسجن ابن الزبير في مكة، قالوا: ومن أمثلة ذلك تدوين الدواوين، لأن أول من دونها في الإسلام عمر ولم يتقدم فيه ولا في شيء مما ذكر قبله، ولا في نظيره أمر من الشارع، فكتابة عمر أسماء الجند في ديوان يعرف به الجند وتميز به أهل كل ناحية ويعرف به من تخلف ممن لم يتخلف وموافقة جميع الصحابة على ذلك من غير نكير لمجرد المصلحة المرسلة مع أنه ثبت في الصحيح أن النبي (ص)لم يتفقد كعب بن مالك ولم يعلم بتخلفه حتى وصل تبوك ونحو ذلك من الوقائع التي ذكروا والتي لم يذكروها حجة ظاهرة لمالك فيما شابهها"
ما ذكر من أمثلة فى الفقرة السابقة فالحديث عن شكل وتنقيط القرآن وحرق عثمان لنسخ القرآن هو ضرب من الهبل فالقرآن لم يحفظه البشر وإنما حفظه الله بالنص فى قوله " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
تلك الأمثلة لم تقع أساسا لمعارضتها القرآن
وأما ما سمى بتعيين أبو بكر لعمر وتعيين عمر لستة يختارون أحدهم لتولى الخلافة فهى أمور لم تقع فلو وقعت لكان أبو لكر وعمر كافرين بقوله تعالى "وأمرهم شورى بينهم"ولا يمكن لمؤمنين أن يكفرا بنص من نصوص القرآن عند موتهما أو قبله بقليل فيضيعا عمرهما مسلمين وينهياه كافرين
وما سمى الآذان الثانى أمر لم يقع فلا يمكن أن يزيد صحابى مؤمن شىء زائد على كتاب وكان الأمر من الممكن ان يقبل لو لم يكن هناك مسجد فى المدينة سوى المسجد النبوى وإنما كانت المساجد موجودة من قبل هجرة النبى (ص)وهناك روايات يعرفها القوم جمع فيها مصعب بن عمير وأحد الأنصار
وأما ما سمى السجن فلا يوجد سجن فى الإسلام فهذه العقوبة غير موجودة فى الإسلام وعندما كانت موجودة كانت سجنا أى حبسا أى امساكا فى بيت الزوجية فى الآية "واللاتى يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا"
والسجن المذكور فى المصحف كان فى بلد كافرة يحكمها كفار ملك وفرعون هى مصر ولم يكن فى بلد مسلم
وأما الدواوين والخبل المزعوم فهذ أمر نظمه الله فى القرآن ولم يأخذه المسلمون عن أحد فأى دولة فى أى مكان لابد أن يكون فيها تنظيمات لادارة أمور البلاد كلها
الكتاب من تأليف محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي وفي مقدمة الكتاب ناقض مقدم كتاب الشنقيطى نفسه فاعتبر كتاب الله شامل لكل حكم بقوله"لقد جاءت الشريعة الإسلامية ولله الحمد والمنة، الشاملة لجميع جوانب الإنسان في حياته وبعد مماته، في عباداته ومعاملاته، وفي جميع شئونه الفردية والجماعية، في ظل كتاب الله تعالى الجامع الشامل كما قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}وقد مضى الصدر الأول من الأمة في ظل نصوص القرآن وصريح عباراتهوكانوا إذا أشكل عليهم نص أو استجد لهم جديد وجدوا من رسول الله (ص) بيان ما أجمل وتفصيل ما التبسومضى عهد الصحابة في رعايته (ص)، تبليغاً وتشريعاً وعملاً واتباعاً، حتى أتم الله عليهم النعمة وختم الرسالة، وأدى الأمانة، وترك (ص) الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك"
ثم ناقض نفسه باعتبار أصلين وهما الكتاب والسنة فإن كان القرآن شاملا كما في المقدمة فما هى الحاجة للسنة والتى اعتبرها أصل مع كتاب الله فقال :" وترك في الأمة ما إن تمسكوا به نجوا: كتاب الله وسنة رسوله (ص)وكذلك السنة المطهرة، والتي قال فيها (ص): "ألا وإنني أوتيت القرآن ومثله معه" - أي السنة - وإنها الوحي الثاني: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}وهما مصدر التشريع بوحي الله فوضعوا أصول الفقه التي عليها مبنى الاجتهاد في استنباط
الأحكام من أدلتها، فوضعوا مباحث القرآن من عام وخاص، ومطلق ومقيد، وناسخ ومنسوخ، وغير ذلك وكذلك السنة:بينوا طرق إثباتها ومراتب صحتها وحال رواتها والجمع بين مختلفها وغير ذلك أيضاً'
ثم ناقض نفسه وجعل الكتاب والسنة غير كافيين مع أنهما مصدر التشريع فنقلنا إلى الإجماع والقياس وغيرهما فقال :
"ثم الإجماع ووقوعه وطرقه وأقسامه ومنزلته عند التعارض والترجيح ثم القياس بأقسامه، وبأركانه وشروطه ومواطنه، بأصوله وفروعه
وهنالك أصول أربعة أخرى محل اجتهاد الأصوليين، وهي مما تمس الحاجة إليها وهي:
1ـ شرع من قبلنا
2ـ قول الصحابي إذا لم يوجد له مخالف من الصحابة
3ـ استصحاب الأصل، أو البراءة الأصلية
4ـ المصالح المرسلة، أو الاستصلاح"
وكما قلنا في السنة تقول في هذه الأمور المخترعة فإذا كان القرآن والسنة شاملين فما هى الحاجة لكل تلك الأمور مع أنه لا يوجد مصدر تشريع غيرهما كما قال هو في فقرة سابقة ؟
ثم دخل إلى موضوع الكتاب وهو المصالح المرسلة فبين ماهية المصلحة فقال :
"ومكمن الخطر في ادعاء المصلحة لأنه ادعاء عام، وكل يدعيه لبحثه فيما يذهب إليهولن يذهب مجتهد فقط إلى حكم في مسألة لا نص فيها إلا وادعى أنه ذهب لتحقيق المصلحة ولكن، أي المصالح يعنونإن المصلحة الإنسانية الخاصة أمر نسبي، وكل يدعيها فيما يذهب إليه ومن هنا كان الخطر ولكن حقيقة المصلحة هي المصلحة الشرعية التي تتمشى مع منهج الشرع في عمومه وإطلاقه، لا خاصة ولا نسبية فهي التي يشهد لها الشرع الذي جاء لتحقيق مصالح جميع العباد، ومراعاة جميع الوجوه، لأن الشرع لا يقر مصلحة تتضمن مفسدة مساوية لها أو راجحة عليها ظهر أمرها أو خفي على باحثها، لأن الشارع حكيم عليم كما أن المصلحة الشرعية تراعي أمر الدنيا والآخرة معاً، فلا تعتبر مصلحة دنيوية إذا كانت تستوجب عقوبة أخروية وفي هذا يكمن الفرق الأساسي بين المصلحة عند القانونيين الذين يقولون: حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله وبين الأصوليين الشرعيين الذين يصدق على منهجهم أنه حيثما وجد الشرع فثم مصلحة العباد فإذا لم يوجد نص للشرع اجتهد العالم في النازلة ليرى هل هي محققة لمصلحة مما جاء الشرع لتحقيقها في العقيدة أو النفس أو المال أو العرض أو النسب وأنها خالية من مفسدة تضر ببعض هذه الضرورات أم لا"
إذا المصلحة تكون في مسألة ليس بها نص وهو ما يخالف كتاب الله في قوله "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء" فهنا الكتاب به حكم كل شىء وحتى الروايات قالت بذلك " فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم"
فكتاب الله فصل في كل شىء ومن ثم فلا وجود للمصالح المرسلة ولكن دعونا نساير الأمر فالرجل يجعل المصلحة الشرعية تراعي أمر الدنيا والآخرة معاً وهو أمر غير ممكن في الكثير من المسائل التى سموها مصالح مرسلة وسوف نبينها فيما بعد
ثم بين مقدم الكتاب أن كتب الفقه به باب ثابت للمصالح فقال :
"وقد وضعت في ذلك الكتب المستقلة وإنه ما من مؤلف في أصول الفقه إلا وفيه بحث مستقل للمصلحة
وقد بدأ الشنقيطى كتابه أى محاضرته بالقول :
"اعلم أولا أن المصالح التي عليها مدار التشريع السماوي ثلاث:
الأولى منها: درء المفاسد، وهي المعروف عند الأصوليين بالضروريات
والثانية: جلب المصالح وهو المعروف عند الأصوليين بالحاجيات
والثالثة: الجري على مكارم الأخلاق، وأحسن العادات، وهو المعروف عند الأصوليين بالتحسينيات، والتتميميات، وكل واحدة من هذه المصالح الثلاث قد تكون مرسلة وغير مرسلة"
وما قاله الرجل من كون التشريع قائم على درء المفاسد وجلب المصالح ومكارم الأخلاق خاطىء فالتشريع قائم على شىء واحد فقط وهو العدل وفى العدل أحيانا يوجد ما يسمونه مفاسد مثل إفساد الناس بالقصاص من الجروح وإزهاق النفس قصاصا وإباحة القتال الذى هو مفاسد كقتل الأرواح وجرح وقطع الأجساد وحرق النبات وتدمير البيوت وفى العدل أحيانا تمنع المصالح مثل مصلحة بائع الخمر ولاعب الميسر و مصلحة المرابى وأما يسمى مكارم الأخلاق فهى تعبير فضفاض عند الناس فمثلا الناس يعتبرون الصدق مكرمة والكذب مرذلة ولكن الشرع فيه الصدق مباح والصدق محرم والكذب محرم والكذب مباح ومثلا يعتبرون الحياء مكرمة وهو فى الشرع مكرمة ومرذلة أى محرم ومباح
ثم تحدث الشنقيطى فقال :
"وإذا علمت ذلك فاعلم أن الوصف من حيث هو وصف لا يخلو من واحدة من ثلاث حالات لا رابع لها
:الأولى: أن تكون إناطة الحكم بذلك الوصف تتضمن إحدى المصالح الثلاث المذكورة آنفاً
الثانية: أن تكون إناطة بالحكم بذلك الوصف لا تتضمن مصلحة أصلاً لا بالذات ولا بالتتبع أعني الاستلزام
الثالثة: أن تكون إناطة الحكم بذلك الوصف لا تتضمن مصلحة بالذات ولكنها تتضمنها بالتتبع، أي الاستلزام، فإن كانت إناطة الحكم به تتضمن إحدى المصالح الثلاثة المذكورة فهو المعروف عند الأصوليين بالوصف المناسب كإناطة تحريم الخمر بالإسكار فإنها تتضمن مصلحة حفظ العقل، ودرء المفسدة عن العقل من الضروريات كما هو معلوم وإن كانت إناطة الحكم به لا تتضمن مصلحة أصلا لا بالذات ولا بالتتبع فهو المعروف في الاصطلاح بالوصف الطردي، ولا يصح التعليل به إجماعاً"
الشنقيطى هنا يقسم الوصف إلى مناسب حيث يوجد سبب وطردى غير مناسب حيث لا يوجد سبب وقد قال فيه :
"واعلم أن الوصف الطردي الذي لا مناسبة فيه ولا تتضمن إناطة الحكم به مصلحة أصلاً ينقسم إلى قسمين:
1ـ أحدهما: أن يكون طردياً في جميع أحكام الشرع كالطول والقصر، فإنك لا تجد حكماً من أحكام الشرع معللا بالطول أو القصر، لأن إناطة الحكم بذلك خالية من المصلحة أصلاً"
الخطأ أن الطول والقصر على إطلاقهما ليسا سببا في تعليل أى حكم في الشرع والطول وطول القرآن كان سببا في أن تكون القراءة حسب المتيسر طولا أو قصرا بقوله تعالى "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن"
ولو دخلنا لعالم الروايات لوجدناها تعتبر الطول والقصر فى الأحكام فمثلا أمرت رواية بتقصير الصلاة وعدم إطالتها حرصا على مصالح الناس وهى:
702 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ سَمِعْتُ قَيْسًا قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - (ص)- فِى مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ » أطرافه 90 ، 704 ، 6110 ، 7159 - تحفة 10004صحيح البخارى"
ثم قال الشنقيطى:
"2ـ الثاني منهما: أن يكون الوصف طردياً في بعض الأحكام دون بعض كالذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق، فإن أحكام العتق لا ترى شيئاً منها يناط بخصوص الذكورة أو الأنوثة فهما طرديان بالنسبة إلى العتق، مع أن الذكورة والأنوثة غير طرديين في أحكام أخرى غير العتق كالميراث لقوله تعالى: {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} وكالشهادة لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} إلى غير ذلك من الأحكام التي تعتبر فيها الذكورة والأنوثة غير العتق"
الرجل ذكر قسمين فقط "بقوله الوصف الطردي الذي لا مناسبة فيه ولا تتضمن إناطة الحكم به مصلحة أصلاً ينقسم إلى قسمين" ومع هذا أضاف قسما ثالثا وهو قياس الشبه فقال :
"وإن كانت إناطة الحكم به لا تتضمن مصلحة بالذات ولكنها تستلزمها بالتتبع فذلك الوصف هو الجامع بين الأصل والفرع في نوع القياس المسمى بقياس الشبه على ما حرره جماعة من الأصوليين منهم القاضي أبو بكر الباقلاني، والقرافي، وزادوا على ما ذكر كون الشرع قد شهد بتأثير جنس ذلك الوصف القريب في جنس ذلك الحكم القريب يعنون أنه لا يكتفي بالجنس البعيد في ذلك ومثاله قولهم: الخل مائع لا تبنى على جنسه القنطرة، ولا يصاد من جنسه السمك فلا تصح الطهارة به قياساً على الدهن فقولهم لا تبنى القنطرة على جنسه ولا يصاد من جنسه السمك ليس مناسباً في ذاته، لأن عدم بناء القنطرة عليه وعدم صيد السمك منه بالنظر إلى ذات تلك الأوصاف فهي أوصاف طردية بالنسبة إلى الطهارة وعدمها ولكنها مستلزمة للمناسب قال القرافي في شرح التنقيح: "فإن العادة أن القنطرة لا تبنى على الأشياء القليلة بل على الكثيرة كالأنهار، فالقلة مناسبة لعدم مشروعية المتصف بها من المائعات للطهارة العامة، فإن الشرع العام يقتضي أن تكون أسبابه عامة الوجود، أما تكليف الكل بما لا يجده إلا البعض فبعيد عن القواعد فصار قولهم لا تبنى القنطرة على جنسه ولا يصاد من جنسه السمك ليس بمناسب وهو مستلزم للمناسب, وقد شهد الشرع بتأثير جنس القلة والتعذر في عدم مشروعية الطهارة بدليل أن الماء إذا قل واشتدت إليه الحاجة فإنه يسقط الأمر به وينتقل إلى التيمم"، بواسطة نقل "نشر البنود"
الخبل هنا هو في القول "وزادوا على ما ذكر كون الشرع قد شهد بتأثير جنس ذلك الوصف القريب في جنس ذلك الحكم القريب يعنون أنه لا يكتفي بالجنس البعيد في ذلك ومثاله قولهم: الخل مائع لا تبنى على جنسه القنطرة، ولا يصاد من جنسه السمك فلا تصح الطهارة به قياساً على الدهن"
فالشرع خالى وبرىء من هذا المثال المتعلق بالخل والدهن وهو واضح فى أنه في حالة عدم وجود الماء فالتراب وهو الصعيد الطيب هو المطهر وهو قوله تعالى" فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم"
إذا القرابة لا تعنى وحدة الحكم فمثلا الزوجة حلال لزوجها وأختها حرام عليه مع أنهما أختان ومثلا الفعل الواحد مثل الجماع حلال مع الزوجة حرام مع غيرها وحتى الجماع مع الزوجة قد يكون حلالا وقد يكون حراما في الحيض ومن ثم فالوحدة أو القرابة لا تعنى وحدة الحكم
وأشار الشنقيطى إلى وجود أربع صور للوصف هى:
"وإذا علمت بما ذكرنا انقسام الوصف باعتبار تضمنه المصلحة وعدمها إلى مناسب وطردي، وشبهي، فاعلم أن الوصف المناسب الذي هو المقصود بالكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: واحد منها صادق بصورتين فيصير مجموع الصور أربعاً وإيضاح ذلك:أن المصلحة التي تضمنها الوصف فصار مناسبا بسبب تضمنها لها تنقسم إلى ثلاث حالات لا رابعة لها:
الأولى: أن يدل دليل خاص من الشرع على اعتبار تلك المصلحة وعدم إهدارها كالإسكار إلى تحريم الخمر، والصغر بالنسبة إلى الولاية على المال
الثانية: أن يدل دليل خاص على إهدارها وعدم اعتبارها، كما لو ظاهر "الملك" من امرأته، فمصلحة الزجر والردع في تخصيص تكفيره بالصوم لأن الصوم هو الذي يردعه عن العود إلى مثل ذلك، أما الإعتاق والإطعام فهو أسهل شيء على الملوك لأنهم لا يبالون به لخفته عليهم، ولكن الشرع الكريم ألغى هذه المصلحة وأهدرها، كما قال تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍِ}واعلم أن الشرع الكريم لا يلغي اعتبار مصلحة ويحكم بإهدارها إلا لتحصيل مصلحة أخرى أهم في نظر الشرع منها، لأن عتق الرقبة وإخراجها من الرق أهم في نظر الشرع من التضييق على "الملك" بالصوم لينزجر بالتكفير بذلك
الثالثة: هي أن لا يدل دليل (خاص) على اعتبار مناسبة ذلك الوصف ولا على إهدارها فإن دل الدليل الخاص على اعتبار تلك المصلحة فهو المعروف بـ:"المؤثر"، و"الملائم"، وإن دل الدليل الخاص على إهدار تلك المصلحة فهو المعروف عند أكثر أهل الأصول بالغريب، وإن لم يدل الدليل الخاص على اعتبارها ولا على إهدارها فهي المصلحة المرسلة، وإنما قيل لها مصلحة لأن المفروض تضمن الوصف المذكور لإحدى المصالح الثلاث وإنما قيل لها مرسلة لإرسالها أي إطلاقها عن دليل خاص يقيد ذلك الوصف بالاعتبار أو بالإهدار، وتسمى: "المرسل"، و"المصالح المرسلة"، و"الاستصلاح"، وسيأتي إن شاء الله كلام أهل العلم فيها"
في الفقرة نجد الأخطاء التالية:
الأول تعطيل نصوص الوحى بسبب الملك المزعوم فالرجل يقول أنه لا يجوز فى حالة الملك للتكفير أن يعتق رقبة أو يكسو أو غير هذا لكثرة المال لديه فلا يقع زجر له وإنما يقع الزجر بصومه وكأن هناك رقباء على عليه في حالة الصوم
بداية لا يوجد ملك أو سلطان بالمعنى المعروف عند الأمم في الإسلام فالملك وهو الحاكم هو فرد عادى من الرعية وحاله متوسط أو ضعيف في المال كما في حالة طالوت عندما قالت بنو إسرائيل عنه " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء "
ومن ثم فالحالة التى يتكلم عنها لا تقع في دولة المسلمين لأنه لو تولى غنى فقد تحولت الدولة للكفر وهو الطغيان كما قال تعالى ""كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"
وقد بين الله أن الحاكم وأهله تضاعف لهم العقوبات كما في قوله تعالى "يا نساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين"
الثانى وجود مصلحة لا دليل عليها على اعتبارها ولا على إهدارها وهو ما يخالف أن كل مسألة في العالم لها حكم في كتاب الله كما قال تعالى " "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ثم بين الشنقيطى أن البعض اعترض على مقولة المصالح المرسلة فقال :
"اعلم أولا أن بعض العلماء شنع على مالك بن أنس رحمه الله في الأخذ بالمصالح المرسلة تشنيعاً شديداً، كأبي المعالي الجويني ومن وافقه فعابوا مالكاً بأنه يحكم بضرب المتهم ليقر بالسرقة مثلاً، وقالوا: لا شك أن ترك مذنب أهون من إهانة برئ، وزعموا أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين وأنه يبيح قطع الأعضاء في التعزيرات، وقال بعضهم العمل بالمصالح المرسلة تشريع جديد لعدم استناد المصالح المرسلة إلى نص خاص من كتاب أو سنة وسنذكر أولا حجة مالك المتضمنة الجواب عما قيل عنه، ثم نذكر بعد ذلك ما يحتاج إليه من الكلام على المصالح المرسلة وموقف أهل المذاهب وأصحابهم منها أما دعواهم على مالك أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين وأنه يجيز قطع الأعضاء في التعزيرات فهي دعوى باطلة لم يقلها مالك ولم يروها عنه أحد من أصحابه، ولا توجد في شيء من كتب مذهبه كما حققه القرافي، ومحمد بن الحسن البناني وغيرهما، وقد درسنا مذهب مالك زمناً طويلاً وعرفنا أن تلك الدعوى باطلة
أما حكمه بضرب المتهم ليقر بالسرقة فهو صحيح عن مالك كما عقده ابن عاصم في تحفته بقوله: وإن تكن دعوى على من يتهم فمالك بالسجن والضرب حكم ومالك لا يجيز ضرب المتهم إلا إذا ثبتت عليه الخيانة قبل ذلك ثبوتاً لا مطعن فيه فثبوت كونه خائناً رجح عنده طرف الاحتياط للمال ليقر به، أما الذي لم يثبت عليه الخيانة سابقاً فلم يقل بضربه ليقر
وثبوت الخيانة له أثره في الشرع، فمن قذف من ثبت عليها الزنا لا يُحد بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}فمفهوم قوله تعالى: {الْمُحْصَنَاتِ} أن الذين يرمون المحصنات لا تثبت عليهم تلك الأحكام المذكورة في قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} الآية قالوا: وفي بعض الروايات لحديث الإفك أن علياً ضرب بريرة لتخبر بالحقيقة عن عائشة، وضربه لها مصلحة مرسلة، ولم ينكر عليه (ص) وذكر ابن حجر أن رواية الضرب المذكورة جاءت من رواية أبي أوس وابن إسحاق، قلت: وقد ثبت في صحيح مسلم ما لفظه: "فانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول (ص)" الحديث، وبريرة مسلمة، وانتهراها من غير ذنب أذى لها بلا موجب، وأذى المسلم حرام وكان مستند من انتهرها هو مطلق المصلحة المرسلة، ولم ينكر النبي (ص) ذلك فهو تقرير منه للعمل بالمصلحة المرسلة في الجملة "
الشنقيطى يقرر مبدأ خطير بناء على كلام مالك وهو إيذاء الإنسان بناء على ظن قد يصدق وقد يكذب وهو غالبا ما يكذب فالمضروب غالبا ما يعترف على نفسه بسبب الألم الذى يحدث وهو لم يسرق
الخبل هو أن السارق لو قطعت يده ولو سرق مرتين وقطعت يديه كما هو مفروض كيف يسرق مرة أخرى ؟
اعطونا عقولكم
مالك يتحدث ليس عن دولة تحكم بشرع الله وإنما دولة تحكم بشرع الكفر الذى يعنى أن السارق لا يقطع ومن ثم يعتادون السرقة وهو الحادث حاليا فى مجتمعاتنا
ثم كيف يجيز أن يؤذى المسلم المسلم بدون حق وهو البغى وقد قال تعالى "قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق"؟
ثم ذكر الشنقيطى أمثلة لما يسمى المصالح المرسلة فقال :
"واحتج مالك للعمل بالمصالح المرسلة بأن الصحابة كانوا يعملون بها من غير أن يخالف أحد، قال علماء المالكية ومن أمثلة ذلك:
نقط المصحف، وشكله، وكتابته، لأجل حفظه في الأوليين من التصحيف، وفي الثالث من الذهاب والنسيان، قالوا: ومن أمثلة ذلك حرق عثمان للمصاحف وجمع الناس على مصحف واحد خوف الاختلاف قالوا: ومن أمثلة تولية أبي بكر لعمر لأنه لا مستند له فيها إلا المصلحة المرسلة على التحقيق، وقول بعضهم إنه من القياس خلاف الظاهر، يعنون قياس العهد على العقد
وقالوا: ومنه ترك عمر الخلافة شورى بين ستة لأن النبي (ص) توفي وهو عنهم راض، وقالوا ومن أمثلة ذلك هدم عثمان وغيره الدور المجاورة للمسجد عند ضيق المسجد لأجل مصلحة توسعته
- قالوا ومن أمثلة ذلك زيادة عثمان لأحد الأذانين في الجمعة لكثرة الناس، قالوا: ومنها اشتراء عمر دار صفوان بن أمية واتخاذها سجنا لمعاقبة أهل الجرائم، وقالوا: السجن من العقوبات الشديدة، ولذا قرن بالعذاب الأليم في قوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقالوا: لم يكن في زمن رسول الله (ص) وأبي بكر سجن، فلما انتشرت الرعية ابتاع بمكة داراً وجعلها سجناً يسجن فيها، قالوا: وفيه دليل على جواز اتخاذ السجن، وقد سجن عمر الحطيئة على الهجو كما يدل له قوله:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فامنن عليك سلام الله يا عمر
وقد سجن عمر صبيغاً على سؤاله عن المتشابه، وسجن عثمان ضابيء بن حارثة، وكان من لصوص بني تميم، ومات في السجن، وقد حاول قتل عثمان وهو في سجنه كما يدل له قوله:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائل
قالوا: وسجن علي في الكوفة، وسجن ابن الزبير في مكة، قالوا: ومن أمثلة ذلك تدوين الدواوين، لأن أول من دونها في الإسلام عمر ولم يتقدم فيه ولا في شيء مما ذكر قبله، ولا في نظيره أمر من الشارع، فكتابة عمر أسماء الجند في ديوان يعرف به الجند وتميز به أهل كل ناحية ويعرف به من تخلف ممن لم يتخلف وموافقة جميع الصحابة على ذلك من غير نكير لمجرد المصلحة المرسلة مع أنه ثبت في الصحيح أن النبي (ص)لم يتفقد كعب بن مالك ولم يعلم بتخلفه حتى وصل تبوك ونحو ذلك من الوقائع التي ذكروا والتي لم يذكروها حجة ظاهرة لمالك فيما شابهها"
ما ذكر من أمثلة فى الفقرة السابقة فالحديث عن شكل وتنقيط القرآن وحرق عثمان لنسخ القرآن هو ضرب من الهبل فالقرآن لم يحفظه البشر وإنما حفظه الله بالنص فى قوله " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
تلك الأمثلة لم تقع أساسا لمعارضتها القرآن
وأما ما سمى بتعيين أبو بكر لعمر وتعيين عمر لستة يختارون أحدهم لتولى الخلافة فهى أمور لم تقع فلو وقعت لكان أبو لكر وعمر كافرين بقوله تعالى "وأمرهم شورى بينهم"ولا يمكن لمؤمنين أن يكفرا بنص من نصوص القرآن عند موتهما أو قبله بقليل فيضيعا عمرهما مسلمين وينهياه كافرين
وما سمى الآذان الثانى أمر لم يقع فلا يمكن أن يزيد صحابى مؤمن شىء زائد على كتاب وكان الأمر من الممكن ان يقبل لو لم يكن هناك مسجد فى المدينة سوى المسجد النبوى وإنما كانت المساجد موجودة من قبل هجرة النبى (ص)وهناك روايات يعرفها القوم جمع فيها مصعب بن عمير وأحد الأنصار
وأما ما سمى السجن فلا يوجد سجن فى الإسلام فهذه العقوبة غير موجودة فى الإسلام وعندما كانت موجودة كانت سجنا أى حبسا أى امساكا فى بيت الزوجية فى الآية "واللاتى يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا"
والسجن المذكور فى المصحف كان فى بلد كافرة يحكمها كفار ملك وفرعون هى مصر ولم يكن فى بلد مسلم
وأما الدواوين والخبل المزعوم فهذ أمر نظمه الله فى القرآن ولم يأخذه المسلمون عن أحد فأى دولة فى أى مكان لابد أن يكون فيها تنظيمات لادارة أمور البلاد كلها