قراءة فى كتاب الكذب
مؤلف الكتاب عبد الملك بن محمد القاسم وهو كتاب من كتب عصرنا وقد بدأ الكتاب بمقدمة تتحدث عن مضار الكذب وفوائد الصدق فقال:
"المقدمة
جعل الله الأمة الإسلامية أمة صفاء ونقاء في العقيدة والأفعال والأقوال فالصدق علامة لسعادة الأمة، وحسن إدراكها، ونقاء سريرتها فالسعادة مفتاحها الصدق والتصديق، والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب
ولقد أخبر -سبحانه وتعالى - أنه لا ينفع العباد يوم القيامة إلا صدقهم، وجعل علم المنافقين الذي تميزوا به هو الكذب في أقوالهم وأفعالهم، فجميع ما عابه عليهم أصله الكذب في القول والفعل
فالصدق: بريد الإيمان، ودليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحليته، ولباسه، بل هو لبه وروحه
والكذب: بريد الكفر، والنفاق دليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحليته، ولباسه، ولبه، فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرح أحدهما صاحبه ويستقر موضعه
فما أنعم الله على عبد من نعمة بعد الإسلام أعظم من الصدق الذي هو غذاء الإسلام وحياته، ولا ابتلاه ببلية أعظم من الكذب الذي هو مرض الإسلام وفساده"
وهو كلام عام المفروض أن يكون عليه براهين من الوحى وقد خلا الكتاب من تعريف الكذب ويمكن إرجاع هذا إلى تصور المؤلف إلى أن تعريف الكذب يعلمه الناس جميعا
تعريف الكذب هو أمر أساسى لأنه بدون هذا التعريف تتداخل أحكام الحلال والحرام فى كثير من المسائل فمثلا إذا عرفنا الكذب بأنه قول غير الحقيقة وهو التعريف المعروف عند الناس فهذا التعريف يسبب العديد من المشاكل وأهمها:
1-تحريم التخيل العلمى وهو ما يقضى على ابتكار الآلات والمخترعات باعتبار أن تخيلات المخترعين للأجهزة والآلات مجرد كذب لكونها ليست موجودة فى الحقيقة ولكن عن طريق التخيل العلمى تصبح المخترعات المفيدة حقيقة
2- الحكايات المفيدة التى تم تأليفها من مسرحيات وروايات ومسلسلات وشرائط خيالة وغير ذلك هى كذب محرم
3-ضرب الأمثال التخيلية هو نوع من الكذب وهذا الأمر بالذات يجعل من بعض القرآن كذب فمثلا قوله تعالى "ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون" هو ضرب لمثل تخيلى لأن أبواب السماء لم تفتح لأحد من الكفار ومثلا قوله تعالى "ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين"ضرب أخر بشىء تخيلى لم يحدث وهو نزول القرطاس وهو الورقة المكتوب فيها أنه رسول من الله من السماء
4-تخيل الأحداث وهو ما يسمونه أحلام اليقظة ستكون كلها حتى لو لم تتضمن أى مخالفة كممارسة الجماع أو السرقة ستكون كلها حراما لكونها ليست حقيقة
إذا التعريف المعروف هو كارثة للناس إذا تم التحليل والتحريم على أساسه والقرآن فرق بين أمرين :
الأول شهادة الزور وهى المرادة بالكذب المشهور بين الناس وهى :
قول أو فعل مخالف للحقيقة يقصد من خلفه إيقاع أذى للمشهود عليه أو جلب نفع للشاهد أو لمن دفع له وهذا النفع ليس حق للشاهد أو لمن دفع له ويستوى فى ذلك الشهادة عند القاضى أو عند غيره من الناس
ومن ثم يشترط فى الكذب المحرم التالى:
-سوء القصد وهو المراد ولذا استبعد الله من الكاذبين من كذب بحسن قصد أى بطيب نية كالذى يحافظ على إسلامه خوفا من تعذيب أو قتل الكفار بالقول أنه كافر مثلهم أو بفعل أفعال الكفر أمامهم كما فى قوله تعالى :
"إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"
-تعمد الكذب وهو علم الكاذب أنه يكذب بسوء نية كما قال تعالى " ويحلفون على الكذب وهم يعلمون"
الثانى كلمة الكذب وهو يعنى أمرين :
1-الكذب على الله وهو نسبة شىء لم يقله الله لله كما فى قوله تعالى :
"ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب"
2- التكذيب بالصدق أى الكفر بالوحى الإلهى وجاء المعنى فى قوله تعالى
"فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه "
بعد ذلك نصح الكاتب الناس النصيحة المعروفة فقال :
"أخي المسلم:
إياك والكذب، فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكاذب يصور المعدوم موجودا والموجود معدوما، والحق باطلا والباطل حقا، والخير شرا والشر خيرا، فيفسد عليه تصوره وعلمه، عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه
ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم مؤثرة للباطل، وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعمله التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها وصار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان، فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله"
وهذا الكلام لا ينطبق على الكاذبين جميعا وإنما ينطبق على الكافرين فالكذب ليس كله حراما والصدق ليس كله حلالا
بعد ذلك ساق الكاتب ما ظم أنه أدلة تحريم الكذب فقال :
"تحريم الكذب:
الكذب من قبائح الذنوب وفواحش العيوب
قال الله - جل وعلا - {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]
وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا»
قال العلماء: إن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم
والبر: اسم جامع للخير كله، وقيل: البر: الجنة، ويجوز أن يتناول العمل الصالح والجنة أما الكذب: فيوصل إلى الفجور، وهو الميل عن الاستقامة وقيل: الانبعاث في المعاصي
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»
وفي ذم التحدث بكل ما يسمعه المرء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»
وقال عبد الله بن عامر: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال حتى أعطيك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «وما أردت أن تعطيه؟ »
قالت: تمرا فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا»
فاحذر - أخي المسلم - من مغبة الكذب، فإن الكذب أساس الفجور كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار» "
ذكر الكاتب عدة أدلة الأول قوله تعالى "ولا تقف ما ليس لك به علم"ليس فيه أى دليل على حرمة الكذب وإنما هو دليل على تحريم إتباع الذى لا يعلمه الإنسان
والثانى قوله تعالى"ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" لا يدل على الكذب وإنما يدل على تسجيل كلام الإنسان كله حلالا وحراما
والثالث وهو" إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور" ليس دليلا على تحريم الكذب المعروف فالصدق هنا والكذب هنا يجب تفسيره بالوحى وضده الكفر كما قال تعالى "والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون" فالذى يتم التصديق به هو الوحى والكذب الهادى للفجور هو الكذب أى التشريع الكافر الذى قال تعالى فيه ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب"
والدليل الرابع القول«أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» وهو قول يناقضه ثلاث من كن فيه وكلاهما يعارض القرآن فى كون صفات المنافقين كثيرة لا يمكن تحديدها بثلاث أو أربع ومنها لحن القول كما قال تعالى" أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول" واللحن القولى غير مذكور لا فى الثلاث او فى الأربع وأيضا الظن أن كل قول يقال من المسلمين وهم حضور هم المقصودين به كما قى قوله تعالى "يحسبون كل صيحة عليهم" وهذا غير مذكور أيضا فى الثلاث والأربع
والدليل الخامس «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»قول لا يمكن أن يقوله النبى(ص)لأنه جعل التحديث بكل المسموع كذب فالتحديث عن الغير لو كان صادقا لا يمكن اعتباره كذب فليس النقل عن الآخرين كذب حتى لو كان الآخرين يكذبون
والدليل السادس حكاية التالى " جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال حتى أعطيك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «وما أردت أن تعطيه؟ »قالت: تمرا فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»
وبالقطع هذا الكلام فى معاملة الأطفال خطير جدا خاصة لمتوسطى الحال والفقراء والحكاية تعارضها حكاية 5481 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ نَوِّمِى الصِّبْيَةَ وَأَطْفِئِى السِّرَاجَ وَقَرِّبِى لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ - قَالَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وأيضا حكاية
28714- عن أسلم : أن عمر بن الخطاب طاف ليلة فإذا هو بامرأة فى جوف دار لها وحولها صبيان يبكون وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء فدنا عمر من الباب فقال : يا أمة الله ما بكاء هؤلاء الصبيان قالت : بكاؤهم من الجوع ، قال : فما هذه القدر التى على النار قالت : قد جعلت فيها ماء هو ذا أعللهم به حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئا دقيقا ، فبكى عمر ثم جاء إلى دار الصدقة وأخذ غرارة وجعل فيها شيئا من دقيق وشحم وسمن وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة ثم قال : يا أسلم احمل على ، فقلت : يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك فقال لى : لا أم لك يا أسلم أنا أحمله لأنى أنا المسؤول عنهم فى الآخرة ، فحمله حتى أتى به منزل المرأة ، فأخذ القدر فجعل فيها دقيقا وشيئا من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر ، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته حتى طبخ لهم ، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا ثم خرج وربض بحذائهم حتى كأنه سبع ، وخفت أن أكلمه ، فلم يزل كذلك"
فهنا الكذب وهو قول غير الحقيقة للأولاد مباح
تناول الكاتب بعد ذلك حالات إباحة الكذب فقال:
"الحالات التي يباح فيها الكذب
الكذب حرام، لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره ولكن يباح الكذب وقد يجب أحيانا، والضابط فيه: أن كل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا، فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله، وأخفى ماله وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها منه، وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري
وملخص ما سبق: فإن الفقهاء قد نصوا على أن الكذب ينقسم على أقسام حكم الشرع الخمسة، والأصل فيه التحريم:
القسم الأول: المحرم: وهو ما لا نفع فيه شرعا
القسم الثاني: المكروه: وهو ما كان لجبر خاطر الوالد أو خاطر الزوجة
القسم الثالث: المندوب: وهو ما كان لإرهاب أعداء الدين في الجهاد، كأن يخبرهم بكثرة عدد المسلمين وعددهم
القسم الرابع: الواجب: ما كان لتخليص مسلم أو ماله من هلاك
القسم الخامس: المباح: ما كان للإصلاح بين الناس
وقد قيل بقبحه مطلقا، لما ورد في أهله من الذم في كتاب الله العزيز"
ونلاحظ فى الفقرة أن الرجل بعد أن أورد المباحات من الكذب عاد فنقض ما قاله وقاله الفقهاء بقوله "وقد قيل بقبحه مطلقا"
والتقاسيم التى ذكرها ليست من شرع الله فالأمر إما حلال وإما حرام والحلال هناك الواجب فيه وهناك ما هو أفضل من الواجب وهو الفرض والجلوس لتعديد الحالات المباح فيها الكذب أمر يطول [نه قد ننسى منه شىء فمما لم يذكره هنا الكذب لاقناع الكفار بالحق كما فى كذب إبراهيم(ص) فى قوله" بل فعله كبيرهم هذا" فالغرض منه هو إثبات الحجة وهى اعتراف القوم بأن الأصنام لا تقدر على القول والفعل وهو ما حدث بالفعل كما قص الله علينا "قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون"
ثم تعرض الكاتب للمعاريض وهى كلمات تفهم على عدة معانى فيفهمها السامع على أنه فى مصلحته بينما قائلها يريد به غير ما يفهمه السامع فقال :
"المعاريض:
بيان الحذر من الكذب بالمعاريض:
نقل عن السلف أن في المعاريض مندوحة عن الكذب وأرادوا بذلك إذا اضطر الإنسان إلى الكذب، فأما إذا لم تكن حاجة وضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعا، ولكن التعريض أهون
ومثال التعريض:
*ما روي أن مطرفا دخل على زياد فاستبطأه فتعلل بمرض، وقال: ما رفعت جنبي منذ فارقت الأمير إلا ما رفعني الله
*وقال إبراهيم: إذا بلغ الرجل عنك شيء فكرهت أن تكذب فقل: إن الله تعالى ليعلم ما قلت من ذلك من شيء فيكون قوله: «ما» حرف نفي عند المستمع، وعنده الإبهام
*وكان معاذ بن جبل عاملا لعمر - رضي الله عنه - فلما رجع قالت له امرأته: ما جئت به مما يأتي به العمال إلى أهلهم؟
وما كان قد أتاها بشيء فقال: كان عندي ضاغط، قالت: كنت أمينا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعند أبي بكر - رضي الله عنه - فبعث عمر معك ضاغطا؟ وقامت بذلك بين نسائها واشتكت عمر، فلما بلغه ذلك دعا معاذا وقال: بعثت معك ضاغطا؟ قال: لم أجد ما أعتذر به إليها إلا ذلك، فضحك عمر - رضي الله عنه - وأعطاه شيئا، فقال أرضها به - ومعنى قوله ضاغطا: يعني رقيبا وأراد به الله تعالى
*وكان النخعي لا يقول لابنته: أشتري لك سكرا، بل يقول: أرأيت لو اشتريت لك سكرا؟ فإنه ربما لا يتفق له ذلك
*وكان إبراهيم إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار، قال للجارية: قولي له اطلبه في المسجد، ولا تقولي له ليس ههنا كيلا يكون كذبا
*وكان الشعبي إذا طلب في المنزل من قبل شخص وهو يكرهه خط دائرة، وقال للجارية: ضعي الأصبع فيها وقولي: ليس ههنا
وهذا كله في موضع الحاجة، فأما في غير موضع الحاجة فلا، لأن هذا تفهيما للكذب - وإن لم يكن اللفظ كذبا - فهو مكروه على الجملة، كما روى عبد الله بن عتبة قال: دخلت مع أبي على عمر بن عبد العزيز - رحمة الله عليه - فخرجت وعلى ثوب، فجعل الناس يقولون: هذا كساه أمير المؤمنين؟ فكنت أقول جزى الله أمير المؤمنين خيرا، فقال لي أبي: يا بني اتق الكذب وما أشبه، فنهاه عن ذلك، لأن فيه تقريرا لهم على ظن كاذب لأجل غرض المفاخرة وهذا غرض باطل لا فائدة منه"
والمعاريض نوع من الكذب قد يكون حلالا وقد يكون حراما وهو يعتمد على النية فى حله وحرمته
ثم تناول الرجل أسباب الكذب فقال :
"الأسباب الباعثة على الكذب
هناك بواعث كثيرة تدفع صاحب النفس الدنيئة إلى الكذب، ومنها:
أولا: قلة الخوف من الله وعدم مراقبته في كل دقيقة وجليلة
ثانيا: محاولة تغيير الحقائق وإبدالها سواء لرغبة في الزيادة أو النقصان وسواء للتفاخر أو لمكسب دنيوي أو غيره، مثل من يكذب في ثمن شراء أرض أو سيارة، أو إيهام أهل المخطوبة بمعلومات غير صحيحة وغيرها
ثالثا: مسايرة المجالس، ولفت الأنظار بقصص ومعلومات كاذبة
رابعا: عدم تحمل المسؤولية، ومحاولة الهرب من الحقائق في الأزمات والمواقف
خامسا: التعود على الكذب منذ الصغر، وهذا من سوء التربية، فهو منذ نعومة أظفاره يرى والده يكذب وأمه كذلك، فينشأ في هذا المجتمع
سادسا: المباهاة بالكذب، وأنه نوع من الذكاء ومن سرعة البديهة وحسن التصرف"
والكلام بالقطع غير شامل للأسباب التى يمكن أن نقسمها لسببين عامين :
الأول الكذب لمنفعة والثانى الكذب لمضرة ويأتى كل واحد منهما العديد من الأمور
ثم تعرض الكاتب لما سماه الذى لا يظنه الناس كذبا فقال :
"ما لا يحسبه الناس كذبا:
ومن الكذب الذي لا يوجب الفسق، ما جرت به العادة في المبالغة، كقوله: طلبتك كذا وكذا مرة، وقلت لك: كذا مائة مرة، فإنه لا يريد به تفهيم المرات بعددها بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذبا، وإن كان طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة لا يأثم وإن لم تبلغ مائة، وبينهما درجات يتعرض مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب
ومما يعتاد الكذب فيه ويتساهل به، أن يقال: كل الطعام، فيقول: لا أشتهيه، وذلك منهي عنه وهو حرام، وإن لم يكن فيه غرض صحيح
قال مجاهد: قالت أسماء بنت عميس: كنت صاحبة عائشة في الليلة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعي نسوة قال: فو الله ما وجدنا عنده قرى إلا قدحا من لبن، فشرب ثم ناوله عائشة، قالت: فاستحيت الجارية: قالت: فقلت: لا تردي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذي منه، قالت: فأخذت منه على حياء فشربت منه، ثم قال: «ناولي صواحبك» فقلن: لا نشتهيه، فقال: «لا تجمعن جوعا وكذبا» قالت: فقلت: يا رسول الله: إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه، أيعد ذلك كذبا؟ قال: «إن الكذب ليكتب كذبا، حتى تكتب الكذيبة كذيبة»
وقد كان أهل الورع يحترزون عن التسامح بمثل هذا الكذب
قال الليث بن سعد: كانت عينا سعيد بن المسيب ترمص حتى يبلغ الرمص خارج عينيه، فقال له: لو مسحت عينيك؟ فيقول: وأين قول الطبيب: لا تمس عينيك؟ فأقول: لا أفعل
وهذه مراقبة أهل الورع، ومن تركه انسل لسانه في الكذب عند حد اختياره فيكذب ولا يشعر
وعن خوات التيمي قال: جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة لابن له، فانكبت عليه، فقالت: كيف أنت يا بني؟ فجلس الربيع وقال: أرضعتيه؟ قالت: لا، قال: ما عليك لو قلت، يا ابن أخي فصدقت؟
ومن العادة أن يقول: يعلم الله، فيما لا يعلمه
قال عيسى - عليه السلام: - إن من أعظم الذنوب عند الله أن يقول العبد: إن الله يعلم، لما لا يعلم
وربما يكذب في حكاية المنام، والإثم فيه عظيم إذ قال عليه السلام: «إن من أعظم الفرية أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينيه في المنام ما لم ير، أو يقول على ما لم أقل» وقال عليه السلام: «من كذب في حلمه كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد بينهما أبدا»
ومما لا يحسبه الناس كذبا ويتساهلون فيه
1 - دعوة الصغير لأخذ شيء، وليس مع الداعي شيء:
عن عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعالى حتى أعطيك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وما أردت أن تعطيه؟ » قالت: تمرا فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»
فليتنبه الآباء، ولتتنبه الأمهات إلى هذا، فإنهم يرون هذه الأكاذيب خير ما يدرأ عنهم المتاعب ويجلب لهم المنافع
ولنرب الأبناء على الإسلام، ولنغرس فيهم الصدق، وإيانا أن نكذب عليهم، فذلك من أقوى الأساليب التي تجعلهم كذابين، وهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - قد روى لنا بنفسه ما جرى مع أمه حين كان صغيرا، إذ إن الصغير، شديد الحفظ لما يسمع والتقليد لما يرى
2 - التحدث بكل ما يسمع:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع»
وفي رواية: «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع»
ولربما ينقل أحدهم الحديث بغير تثبت، فيقول: هذا ما سمعته ولا أنقل سوى ذلك، وماذا لو كان ما سمعه تهمة زنا لرجل عفيف، أيظل ينقل هذا؟ ومن منا يرضى لنفسه أن يتحدث عنه بمثل هذا؟
3 - التحدث بالكذب لإضحاك الناس:
عن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك به القوم، ويل له ويل له»
واشتهرت - وللأسف - أسماء من وراء هذه المعاصي، وامتلكوا الأموال والقصور، وأدخلوا السرور إلى نفوس الناس بزعمهم، فراقب الناس حركات الممثلين بكل اهتمام، وتلقي الناس هذه البضاعة بالقبول، وتبرير ذلك، بأنه ترويح للنفوس، وإذهاب لبؤسها، وتبديد لعناء الحياة، وما ذاك إلا لأنه موافق لهوى نفوسهم"
كرر الرجل هنا الكثير مما قاله فى الأدلة على حرمة الكذب وزاد أمورا أخرى خاطئة مثل قول الإنسان يعلم الله، فيما لا يعلمه وهى كلمة حق معناها الله أعلم لا أدرى كيف حرمها الله وجاء فيها برواية يكذبها الوحى فى قوله "والله يعلم وأنتم لا تعلمون"
ومثل أن من يؤلف النكات المضحكة كاذب له الويل وهو النار وهو ما يخالف الرواية التالية:
8525- أُسيد بن حُضَير - رضي الله عنه - قال : « إنَّ رجلا من الأنصار كان فيه مُزَاحُ ، فبينا هو يُحدِّثُ القوم يُضْحكهم ، إذْ طَعَنَهُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِخاصرته بِعودِ كان في يده ، فقال : أصبِرني يا رسول الله فقال : اصطَبِر ، قال : إنَّ عليك قميصا ، وليس عليَّ قميص ، فرفع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قميصَهُ ، فاحتَضَنَه ، وجعل يُقَبِّل كَشحَه ، قال : إنما أردتُ هذا يا رسولَ الله » أخرجه أبو داود."
بالقطع من ألف نكتة لإدخال السرور على اخوانه دون مخالفة لأحكام الدين فقد أثابه الله
ثم نقل الكاتب كلاما عن كون الكذب من أنواع الكفر الأكبر فقال :
"الكذب من أنواع الكفر الأكبر:
يقول ابن قيم الجوزية: (وأما الكفر الأكبر فخمسة أنواع: كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق)
فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل وهذا القسم قليل في الكفار فإن الله تعالى أيد رسله، وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام الحجة، وأزال به المعذرة، قال تعالى عن فرعون وقومه: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل: 14]، وقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33]
وإن سمي هذا كفر تكذيب أيضا فصحيح، إذ هو تكذيب باللسان وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس، فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار ومن هذا كفر من عرف صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقد له إباء واستكبارا، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل، كما حكى الله تعالى عن فرعون وقومه قولهم: {أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون} [المؤمنون: 47]، وقول الأمم لرسلهم: {إن أنتم إلا بشر مثلنا} [إبراهيم: 101] وقوله: {كذبت ثمود بطغواها} [الشمس: 11]
وأما كفر اليهود: كما قال تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89] وقال: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} [البقرة: 146]
وأما كفر الإعراض: فإن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (والله أقول لك كلمة إن كنت صادقا، فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذبا، فأنت أحقر من أن أكلمك) وهو كفر الملحدين اليوم من المتسمين بأسماء إسلامية، المقلدين للإفرنج من اليهود والنصارى المنحلين عن كل خلق وفضيلة، زاعمين بجاهليتهم وسفههم أن هذا هو سبيل الرقي والمدنية
وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا بكذبه، بل يشك في أمره، وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - جملة، فلا يسمعها ولا يلتفت إليها وأما مع التفاته إليها ونظره فيها: فإنه لا يبقى معه شك، لأنها مستلزمة للصدق، ولا سيما بمجموعها فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على الكذب، فهذا هو النفاق الأكبر"
الرجل هنا أدخل موضوعا ليس من الكذب فى الكتاب وهو التكذيب بوحى الله ونقل نقلا كثيرا عن أنواع الكفر والمفترض أن يكتفى حتى بنقل جزء كقر التكذيب لا أن يدخل القارىء فى مسألة تبعده عن الموضوع الأصلى
ثم تناول الكذب على الله ورسوله(ص) فقال:
"الكذب على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -
قال الله عز وجل: - {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} [الزمر: 60]
وقال الحسن: هم الذين يقولون: إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل
قال ابن الجوزي في تفسيره: "وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أن الكذب على الله وعلى رسوله كفر ينقل عن الملة، ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله في تحليل حرام وتحريم حلال كفر محض، وإنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك"
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كذب علي بني له بيت في جهنم»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» "
والملاحظ هنا هو الفهم الخاطىء لكلام الله فالكذب على الله هو نسبة التشريعات الباطلة أو الحكايات الباطلة إلى الله كما فعل بعض الكتابيين الذين قال الله فيهم "وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"
وهذا الكذب كفر بالله والكذب على الرسول(ص) أو حتى له هو الآخر كفر
ثم تحت عنوان درر من أقوال السلف كلمنا كلاما عاما كما فى المقدمة ثم نقل نقولا عن السابقين فقال :
"درر من أقوال السلف:
أخي المسلم: الكذب أساس الفجور، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار»
وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده، ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها عملها كما أفسد على اللسان أقواله، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامي داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك المادة من أصلها
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب، والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يعقده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق بأنه يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب
ومن أقوال وأفعال السلف هذه الدرر المختارة:
قال علي- رضي الله عنه: - أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب، وشر الندامة ندامة يوم القيامة
*كان أبو حنيفة قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إلا تصدق بدرهم فحلف فتصدق به، ثم جعل أن يتصدق بدينار، فكان إذا حلف صادقا في عرض الكلام تصدق بدينار، وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها، وكان إذا اكتسى ثوبا جديدا كسا بقدر ثمنه الشيوخ العلماء، وكان إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه فوضعه على الخبز ثم يعطيه إنسانا فقيرا، فإن كان في الدار من عياله إنسان يحتاج إليه دفعه إليه، وإلا أعطاه مسكينا
*عن أبي بردة بن عبد الله بن أبي بردة قال: كان يقال: إن ربعي بن حراش - رضي الله عنه - لم يكذب كذبا قط، فأقبل ابناه من خراسان قد ناجلا، فجاء العريف إلى الحجاج فقال: أيها الأمير: إن الناس يزعمون أن ربعي بن حراش لم يكذب قط، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان، فقال الحجاج: علي به، فلما جاء قال: أيها الشيخ قال: ما تشاء؟ قال: ما فعل ابناك؟ قال: المستعان الله خلفتهما في البيت، قال: لا جرم والله، لا أسوؤك فيهما، هما لك
*وقال مالك بن دينار: قرأت في بعض الكتب: ما من خطيب إلا وتعرض خطبته على عمله فإن كان صادقا صدف، وإن كان كاذبا قرضت شفتاه بمقاريض من نار، كلما قرضتا نبتتا
*وقال مالك بن دينار: الصدق والكذب يعتركان في القلب، حتى يخرج أحدهما صاحبه
*وعن هارون بن رئاب قال: لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة قال: إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش، وكان مني إليه شبيه الوعد، فو الله لا ألقي الله - عز وجل - بثلث النفاق اشهدوا أني قد زوجتها إياه
*وكلم عمر بن عبد العزيز: الوليد بن عبد الملك في شيء فقال له: كذبت، فقال عمر: والله ما كذبت منذ علمت أن الكذب يشين صاحبه
*جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة إلى بني له فانكبت عليه، فقالت: كيف أنت يا بني؟ فسأل الربيع: أرضعتيه؟ قالت: لا، قال: ما عليك لو قلت: يا ابن أخي، فصدقت؟
*قال يزيد بن ميسرة: الكذب يسقي باب كل شر، كما يسقي الماء أصول الشجر
*قال عمر بن عبد العزيز: ما كذبت كذبة منذ شددت على إزاري"
والنقول عن السلف منها الصحيح ومنها الخاطىء كتحريم القول على ابن الأخ يا بنى فهو محرم عليها لكونه ابن أخيها فهو محرم عليها كابنها ومن ثم يجوز هذا القول كما يجوز ان يخاطب كبير السن الصغير بقوله يا بنى كما فى الرواية " ادْنُ يا بُنَىَّ فَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ (أبو داود ، والترمذى ، وابن سعد ، وابن حبان ، وابن السنى فى عمل يوم وليلة ، والبيهقى فى شعب الإيمان عن عمر بن أبى سلمة) وأيضا:
"يا بنى إياك والالتفات فى الصلاة فإن الالتفات فى الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففى التطوع لا فى الفريضة يا بنى إذا دخلت على أهلك فسلم تكون بركة عليك وعلى أهل بيتك يا بنى إن قدرت أن تصبح وتمسى ليس فى قلبك غش لأحد فافعل يا بنى وذلك من سنتى ومن أحيا سنتى فقد أحيانى ومن أحيانى كان معى فى الجنة (الترمذى)
ثم تحدث عن علاج الكذب فقال :
"علاج الكذب:
أخي المسلم: إذا أردت أن تعرف قبح الكذب من نفسك، فانظر إلى كذب غيرك وإلى نفور نفسك عنه، واستحقارك لصاحبه واستقباحك لكذبه
ويجب على المسلم تجديد التوبة إلى الله من كل ذنب وخطيئة، وعليه تحري الأسباب التي تعين على ترك الكذب، ومنها:
1 - معرفة الكاذب لحرمة الكذب وشدة عقابه، وتذكر ذلك مع كل حديث وفي كل مجلس
2 - تعويد النفس على تحمل المسئولية وقول الحق، حتى وإن كان هناك نقص ظاهري يراه فإن الخير في الصدق
3 - المحافظة على اللسان ومحاسبته
4 - استبدال مجالس الكذب وفضول الكلام بمجالس الذكر وحلق العلماء
5 - أن يعلم الكذاب أنه متصف بصفة من صفات المنافقين
6 - أن يستشعر أن الكذب طريق للفجور وأن الصدق يهدي إلى الجنة
7 - تربية الأطفال تربية إسلامية صحيحة وتعويدهم على الصدق والظهور بمظهر الصادقين أمامهم
8 - أن يعلم الكاذب أن ثقة الناس به تزول، وهذا من خسران الدنيا والآخرة
9 - أن يستشعر عظم الضرر الذي سيلحق بالمسلم من جراء كذبه"
والكذب عامة ليس مرضا حتى يكون له علاج وإنما الكذب المتكرر بسوء قصد هو المرض الذى يحتاج لعلاج واحد وهو إرادة الكاذب أن يتحرر منه وأما الكذب المباح فليس مرضا وإنما شىء طبيعى حلله الله
مؤلف الكتاب عبد الملك بن محمد القاسم وهو كتاب من كتب عصرنا وقد بدأ الكتاب بمقدمة تتحدث عن مضار الكذب وفوائد الصدق فقال:
"المقدمة
جعل الله الأمة الإسلامية أمة صفاء ونقاء في العقيدة والأفعال والأقوال فالصدق علامة لسعادة الأمة، وحسن إدراكها، ونقاء سريرتها فالسعادة مفتاحها الصدق والتصديق، والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب
ولقد أخبر -سبحانه وتعالى - أنه لا ينفع العباد يوم القيامة إلا صدقهم، وجعل علم المنافقين الذي تميزوا به هو الكذب في أقوالهم وأفعالهم، فجميع ما عابه عليهم أصله الكذب في القول والفعل
فالصدق: بريد الإيمان، ودليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحليته، ولباسه، بل هو لبه وروحه
والكذب: بريد الكفر، والنفاق دليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحليته، ولباسه، ولبه، فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرح أحدهما صاحبه ويستقر موضعه
فما أنعم الله على عبد من نعمة بعد الإسلام أعظم من الصدق الذي هو غذاء الإسلام وحياته، ولا ابتلاه ببلية أعظم من الكذب الذي هو مرض الإسلام وفساده"
وهو كلام عام المفروض أن يكون عليه براهين من الوحى وقد خلا الكتاب من تعريف الكذب ويمكن إرجاع هذا إلى تصور المؤلف إلى أن تعريف الكذب يعلمه الناس جميعا
تعريف الكذب هو أمر أساسى لأنه بدون هذا التعريف تتداخل أحكام الحلال والحرام فى كثير من المسائل فمثلا إذا عرفنا الكذب بأنه قول غير الحقيقة وهو التعريف المعروف عند الناس فهذا التعريف يسبب العديد من المشاكل وأهمها:
1-تحريم التخيل العلمى وهو ما يقضى على ابتكار الآلات والمخترعات باعتبار أن تخيلات المخترعين للأجهزة والآلات مجرد كذب لكونها ليست موجودة فى الحقيقة ولكن عن طريق التخيل العلمى تصبح المخترعات المفيدة حقيقة
2- الحكايات المفيدة التى تم تأليفها من مسرحيات وروايات ومسلسلات وشرائط خيالة وغير ذلك هى كذب محرم
3-ضرب الأمثال التخيلية هو نوع من الكذب وهذا الأمر بالذات يجعل من بعض القرآن كذب فمثلا قوله تعالى "ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون" هو ضرب لمثل تخيلى لأن أبواب السماء لم تفتح لأحد من الكفار ومثلا قوله تعالى "ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين"ضرب أخر بشىء تخيلى لم يحدث وهو نزول القرطاس وهو الورقة المكتوب فيها أنه رسول من الله من السماء
4-تخيل الأحداث وهو ما يسمونه أحلام اليقظة ستكون كلها حتى لو لم تتضمن أى مخالفة كممارسة الجماع أو السرقة ستكون كلها حراما لكونها ليست حقيقة
إذا التعريف المعروف هو كارثة للناس إذا تم التحليل والتحريم على أساسه والقرآن فرق بين أمرين :
الأول شهادة الزور وهى المرادة بالكذب المشهور بين الناس وهى :
قول أو فعل مخالف للحقيقة يقصد من خلفه إيقاع أذى للمشهود عليه أو جلب نفع للشاهد أو لمن دفع له وهذا النفع ليس حق للشاهد أو لمن دفع له ويستوى فى ذلك الشهادة عند القاضى أو عند غيره من الناس
ومن ثم يشترط فى الكذب المحرم التالى:
-سوء القصد وهو المراد ولذا استبعد الله من الكاذبين من كذب بحسن قصد أى بطيب نية كالذى يحافظ على إسلامه خوفا من تعذيب أو قتل الكفار بالقول أنه كافر مثلهم أو بفعل أفعال الكفر أمامهم كما فى قوله تعالى :
"إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"
-تعمد الكذب وهو علم الكاذب أنه يكذب بسوء نية كما قال تعالى " ويحلفون على الكذب وهم يعلمون"
الثانى كلمة الكذب وهو يعنى أمرين :
1-الكذب على الله وهو نسبة شىء لم يقله الله لله كما فى قوله تعالى :
"ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب"
2- التكذيب بالصدق أى الكفر بالوحى الإلهى وجاء المعنى فى قوله تعالى
"فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه "
بعد ذلك نصح الكاتب الناس النصيحة المعروفة فقال :
"أخي المسلم:
إياك والكذب، فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكاذب يصور المعدوم موجودا والموجود معدوما، والحق باطلا والباطل حقا، والخير شرا والشر خيرا، فيفسد عليه تصوره وعلمه، عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه
ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم مؤثرة للباطل، وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعمله التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها وصار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان، فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله"
وهذا الكلام لا ينطبق على الكاذبين جميعا وإنما ينطبق على الكافرين فالكذب ليس كله حراما والصدق ليس كله حلالا
بعد ذلك ساق الكاتب ما ظم أنه أدلة تحريم الكذب فقال :
"تحريم الكذب:
الكذب من قبائح الذنوب وفواحش العيوب
قال الله - جل وعلا - {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]
وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا»
قال العلماء: إن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم
والبر: اسم جامع للخير كله، وقيل: البر: الجنة، ويجوز أن يتناول العمل الصالح والجنة أما الكذب: فيوصل إلى الفجور، وهو الميل عن الاستقامة وقيل: الانبعاث في المعاصي
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»
وفي ذم التحدث بكل ما يسمعه المرء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»
وقال عبد الله بن عامر: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال حتى أعطيك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «وما أردت أن تعطيه؟ »
قالت: تمرا فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا»
فاحذر - أخي المسلم - من مغبة الكذب، فإن الكذب أساس الفجور كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار» "
ذكر الكاتب عدة أدلة الأول قوله تعالى "ولا تقف ما ليس لك به علم"ليس فيه أى دليل على حرمة الكذب وإنما هو دليل على تحريم إتباع الذى لا يعلمه الإنسان
والثانى قوله تعالى"ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" لا يدل على الكذب وإنما يدل على تسجيل كلام الإنسان كله حلالا وحراما
والثالث وهو" إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور" ليس دليلا على تحريم الكذب المعروف فالصدق هنا والكذب هنا يجب تفسيره بالوحى وضده الكفر كما قال تعالى "والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون" فالذى يتم التصديق به هو الوحى والكذب الهادى للفجور هو الكذب أى التشريع الكافر الذى قال تعالى فيه ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب"
والدليل الرابع القول«أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» وهو قول يناقضه ثلاث من كن فيه وكلاهما يعارض القرآن فى كون صفات المنافقين كثيرة لا يمكن تحديدها بثلاث أو أربع ومنها لحن القول كما قال تعالى" أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول" واللحن القولى غير مذكور لا فى الثلاث او فى الأربع وأيضا الظن أن كل قول يقال من المسلمين وهم حضور هم المقصودين به كما قى قوله تعالى "يحسبون كل صيحة عليهم" وهذا غير مذكور أيضا فى الثلاث والأربع
والدليل الخامس «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»قول لا يمكن أن يقوله النبى(ص)لأنه جعل التحديث بكل المسموع كذب فالتحديث عن الغير لو كان صادقا لا يمكن اعتباره كذب فليس النقل عن الآخرين كذب حتى لو كان الآخرين يكذبون
والدليل السادس حكاية التالى " جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال حتى أعطيك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «وما أردت أن تعطيه؟ »قالت: تمرا فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»
وبالقطع هذا الكلام فى معاملة الأطفال خطير جدا خاصة لمتوسطى الحال والفقراء والحكاية تعارضها حكاية 5481 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ نَوِّمِى الصِّبْيَةَ وَأَطْفِئِى السِّرَاجَ وَقَرِّبِى لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ - قَالَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وأيضا حكاية
28714- عن أسلم : أن عمر بن الخطاب طاف ليلة فإذا هو بامرأة فى جوف دار لها وحولها صبيان يبكون وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء فدنا عمر من الباب فقال : يا أمة الله ما بكاء هؤلاء الصبيان قالت : بكاؤهم من الجوع ، قال : فما هذه القدر التى على النار قالت : قد جعلت فيها ماء هو ذا أعللهم به حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئا دقيقا ، فبكى عمر ثم جاء إلى دار الصدقة وأخذ غرارة وجعل فيها شيئا من دقيق وشحم وسمن وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة ثم قال : يا أسلم احمل على ، فقلت : يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك فقال لى : لا أم لك يا أسلم أنا أحمله لأنى أنا المسؤول عنهم فى الآخرة ، فحمله حتى أتى به منزل المرأة ، فأخذ القدر فجعل فيها دقيقا وشيئا من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر ، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته حتى طبخ لهم ، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا ثم خرج وربض بحذائهم حتى كأنه سبع ، وخفت أن أكلمه ، فلم يزل كذلك"
فهنا الكذب وهو قول غير الحقيقة للأولاد مباح
تناول الكاتب بعد ذلك حالات إباحة الكذب فقال:
"الحالات التي يباح فيها الكذب
الكذب حرام، لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره ولكن يباح الكذب وقد يجب أحيانا، والضابط فيه: أن كل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا، فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله، وأخفى ماله وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها منه، وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري
وملخص ما سبق: فإن الفقهاء قد نصوا على أن الكذب ينقسم على أقسام حكم الشرع الخمسة، والأصل فيه التحريم:
القسم الأول: المحرم: وهو ما لا نفع فيه شرعا
القسم الثاني: المكروه: وهو ما كان لجبر خاطر الوالد أو خاطر الزوجة
القسم الثالث: المندوب: وهو ما كان لإرهاب أعداء الدين في الجهاد، كأن يخبرهم بكثرة عدد المسلمين وعددهم
القسم الرابع: الواجب: ما كان لتخليص مسلم أو ماله من هلاك
القسم الخامس: المباح: ما كان للإصلاح بين الناس
وقد قيل بقبحه مطلقا، لما ورد في أهله من الذم في كتاب الله العزيز"
ونلاحظ فى الفقرة أن الرجل بعد أن أورد المباحات من الكذب عاد فنقض ما قاله وقاله الفقهاء بقوله "وقد قيل بقبحه مطلقا"
والتقاسيم التى ذكرها ليست من شرع الله فالأمر إما حلال وإما حرام والحلال هناك الواجب فيه وهناك ما هو أفضل من الواجب وهو الفرض والجلوس لتعديد الحالات المباح فيها الكذب أمر يطول [نه قد ننسى منه شىء فمما لم يذكره هنا الكذب لاقناع الكفار بالحق كما فى كذب إبراهيم(ص) فى قوله" بل فعله كبيرهم هذا" فالغرض منه هو إثبات الحجة وهى اعتراف القوم بأن الأصنام لا تقدر على القول والفعل وهو ما حدث بالفعل كما قص الله علينا "قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون"
ثم تعرض الكاتب للمعاريض وهى كلمات تفهم على عدة معانى فيفهمها السامع على أنه فى مصلحته بينما قائلها يريد به غير ما يفهمه السامع فقال :
"المعاريض:
بيان الحذر من الكذب بالمعاريض:
نقل عن السلف أن في المعاريض مندوحة عن الكذب وأرادوا بذلك إذا اضطر الإنسان إلى الكذب، فأما إذا لم تكن حاجة وضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعا، ولكن التعريض أهون
ومثال التعريض:
*ما روي أن مطرفا دخل على زياد فاستبطأه فتعلل بمرض، وقال: ما رفعت جنبي منذ فارقت الأمير إلا ما رفعني الله
*وقال إبراهيم: إذا بلغ الرجل عنك شيء فكرهت أن تكذب فقل: إن الله تعالى ليعلم ما قلت من ذلك من شيء فيكون قوله: «ما» حرف نفي عند المستمع، وعنده الإبهام
*وكان معاذ بن جبل عاملا لعمر - رضي الله عنه - فلما رجع قالت له امرأته: ما جئت به مما يأتي به العمال إلى أهلهم؟
وما كان قد أتاها بشيء فقال: كان عندي ضاغط، قالت: كنت أمينا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعند أبي بكر - رضي الله عنه - فبعث عمر معك ضاغطا؟ وقامت بذلك بين نسائها واشتكت عمر، فلما بلغه ذلك دعا معاذا وقال: بعثت معك ضاغطا؟ قال: لم أجد ما أعتذر به إليها إلا ذلك، فضحك عمر - رضي الله عنه - وأعطاه شيئا، فقال أرضها به - ومعنى قوله ضاغطا: يعني رقيبا وأراد به الله تعالى
*وكان النخعي لا يقول لابنته: أشتري لك سكرا، بل يقول: أرأيت لو اشتريت لك سكرا؟ فإنه ربما لا يتفق له ذلك
*وكان إبراهيم إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار، قال للجارية: قولي له اطلبه في المسجد، ولا تقولي له ليس ههنا كيلا يكون كذبا
*وكان الشعبي إذا طلب في المنزل من قبل شخص وهو يكرهه خط دائرة، وقال للجارية: ضعي الأصبع فيها وقولي: ليس ههنا
وهذا كله في موضع الحاجة، فأما في غير موضع الحاجة فلا، لأن هذا تفهيما للكذب - وإن لم يكن اللفظ كذبا - فهو مكروه على الجملة، كما روى عبد الله بن عتبة قال: دخلت مع أبي على عمر بن عبد العزيز - رحمة الله عليه - فخرجت وعلى ثوب، فجعل الناس يقولون: هذا كساه أمير المؤمنين؟ فكنت أقول جزى الله أمير المؤمنين خيرا، فقال لي أبي: يا بني اتق الكذب وما أشبه، فنهاه عن ذلك، لأن فيه تقريرا لهم على ظن كاذب لأجل غرض المفاخرة وهذا غرض باطل لا فائدة منه"
والمعاريض نوع من الكذب قد يكون حلالا وقد يكون حراما وهو يعتمد على النية فى حله وحرمته
ثم تناول الرجل أسباب الكذب فقال :
"الأسباب الباعثة على الكذب
هناك بواعث كثيرة تدفع صاحب النفس الدنيئة إلى الكذب، ومنها:
أولا: قلة الخوف من الله وعدم مراقبته في كل دقيقة وجليلة
ثانيا: محاولة تغيير الحقائق وإبدالها سواء لرغبة في الزيادة أو النقصان وسواء للتفاخر أو لمكسب دنيوي أو غيره، مثل من يكذب في ثمن شراء أرض أو سيارة، أو إيهام أهل المخطوبة بمعلومات غير صحيحة وغيرها
ثالثا: مسايرة المجالس، ولفت الأنظار بقصص ومعلومات كاذبة
رابعا: عدم تحمل المسؤولية، ومحاولة الهرب من الحقائق في الأزمات والمواقف
خامسا: التعود على الكذب منذ الصغر، وهذا من سوء التربية، فهو منذ نعومة أظفاره يرى والده يكذب وأمه كذلك، فينشأ في هذا المجتمع
سادسا: المباهاة بالكذب، وأنه نوع من الذكاء ومن سرعة البديهة وحسن التصرف"
والكلام بالقطع غير شامل للأسباب التى يمكن أن نقسمها لسببين عامين :
الأول الكذب لمنفعة والثانى الكذب لمضرة ويأتى كل واحد منهما العديد من الأمور
ثم تعرض الكاتب لما سماه الذى لا يظنه الناس كذبا فقال :
"ما لا يحسبه الناس كذبا:
ومن الكذب الذي لا يوجب الفسق، ما جرت به العادة في المبالغة، كقوله: طلبتك كذا وكذا مرة، وقلت لك: كذا مائة مرة، فإنه لا يريد به تفهيم المرات بعددها بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذبا، وإن كان طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة لا يأثم وإن لم تبلغ مائة، وبينهما درجات يتعرض مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب
ومما يعتاد الكذب فيه ويتساهل به، أن يقال: كل الطعام، فيقول: لا أشتهيه، وذلك منهي عنه وهو حرام، وإن لم يكن فيه غرض صحيح
قال مجاهد: قالت أسماء بنت عميس: كنت صاحبة عائشة في الليلة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعي نسوة قال: فو الله ما وجدنا عنده قرى إلا قدحا من لبن، فشرب ثم ناوله عائشة، قالت: فاستحيت الجارية: قالت: فقلت: لا تردي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذي منه، قالت: فأخذت منه على حياء فشربت منه، ثم قال: «ناولي صواحبك» فقلن: لا نشتهيه، فقال: «لا تجمعن جوعا وكذبا» قالت: فقلت: يا رسول الله: إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه، أيعد ذلك كذبا؟ قال: «إن الكذب ليكتب كذبا، حتى تكتب الكذيبة كذيبة»
وقد كان أهل الورع يحترزون عن التسامح بمثل هذا الكذب
قال الليث بن سعد: كانت عينا سعيد بن المسيب ترمص حتى يبلغ الرمص خارج عينيه، فقال له: لو مسحت عينيك؟ فيقول: وأين قول الطبيب: لا تمس عينيك؟ فأقول: لا أفعل
وهذه مراقبة أهل الورع، ومن تركه انسل لسانه في الكذب عند حد اختياره فيكذب ولا يشعر
وعن خوات التيمي قال: جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة لابن له، فانكبت عليه، فقالت: كيف أنت يا بني؟ فجلس الربيع وقال: أرضعتيه؟ قالت: لا، قال: ما عليك لو قلت، يا ابن أخي فصدقت؟
ومن العادة أن يقول: يعلم الله، فيما لا يعلمه
قال عيسى - عليه السلام: - إن من أعظم الذنوب عند الله أن يقول العبد: إن الله يعلم، لما لا يعلم
وربما يكذب في حكاية المنام، والإثم فيه عظيم إذ قال عليه السلام: «إن من أعظم الفرية أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينيه في المنام ما لم ير، أو يقول على ما لم أقل» وقال عليه السلام: «من كذب في حلمه كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد بينهما أبدا»
ومما لا يحسبه الناس كذبا ويتساهلون فيه
1 - دعوة الصغير لأخذ شيء، وليس مع الداعي شيء:
عن عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعالى حتى أعطيك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وما أردت أن تعطيه؟ » قالت: تمرا فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»
فليتنبه الآباء، ولتتنبه الأمهات إلى هذا، فإنهم يرون هذه الأكاذيب خير ما يدرأ عنهم المتاعب ويجلب لهم المنافع
ولنرب الأبناء على الإسلام، ولنغرس فيهم الصدق، وإيانا أن نكذب عليهم، فذلك من أقوى الأساليب التي تجعلهم كذابين، وهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - قد روى لنا بنفسه ما جرى مع أمه حين كان صغيرا، إذ إن الصغير، شديد الحفظ لما يسمع والتقليد لما يرى
2 - التحدث بكل ما يسمع:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع»
وفي رواية: «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع»
ولربما ينقل أحدهم الحديث بغير تثبت، فيقول: هذا ما سمعته ولا أنقل سوى ذلك، وماذا لو كان ما سمعه تهمة زنا لرجل عفيف، أيظل ينقل هذا؟ ومن منا يرضى لنفسه أن يتحدث عنه بمثل هذا؟
3 - التحدث بالكذب لإضحاك الناس:
عن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك به القوم، ويل له ويل له»
واشتهرت - وللأسف - أسماء من وراء هذه المعاصي، وامتلكوا الأموال والقصور، وأدخلوا السرور إلى نفوس الناس بزعمهم، فراقب الناس حركات الممثلين بكل اهتمام، وتلقي الناس هذه البضاعة بالقبول، وتبرير ذلك، بأنه ترويح للنفوس، وإذهاب لبؤسها، وتبديد لعناء الحياة، وما ذاك إلا لأنه موافق لهوى نفوسهم"
كرر الرجل هنا الكثير مما قاله فى الأدلة على حرمة الكذب وزاد أمورا أخرى خاطئة مثل قول الإنسان يعلم الله، فيما لا يعلمه وهى كلمة حق معناها الله أعلم لا أدرى كيف حرمها الله وجاء فيها برواية يكذبها الوحى فى قوله "والله يعلم وأنتم لا تعلمون"
ومثل أن من يؤلف النكات المضحكة كاذب له الويل وهو النار وهو ما يخالف الرواية التالية:
8525- أُسيد بن حُضَير - رضي الله عنه - قال : « إنَّ رجلا من الأنصار كان فيه مُزَاحُ ، فبينا هو يُحدِّثُ القوم يُضْحكهم ، إذْ طَعَنَهُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِخاصرته بِعودِ كان في يده ، فقال : أصبِرني يا رسول الله فقال : اصطَبِر ، قال : إنَّ عليك قميصا ، وليس عليَّ قميص ، فرفع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قميصَهُ ، فاحتَضَنَه ، وجعل يُقَبِّل كَشحَه ، قال : إنما أردتُ هذا يا رسولَ الله » أخرجه أبو داود."
بالقطع من ألف نكتة لإدخال السرور على اخوانه دون مخالفة لأحكام الدين فقد أثابه الله
ثم نقل الكاتب كلاما عن كون الكذب من أنواع الكفر الأكبر فقال :
"الكذب من أنواع الكفر الأكبر:
يقول ابن قيم الجوزية: (وأما الكفر الأكبر فخمسة أنواع: كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق)
فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل وهذا القسم قليل في الكفار فإن الله تعالى أيد رسله، وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام الحجة، وأزال به المعذرة، قال تعالى عن فرعون وقومه: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل: 14]، وقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33]
وإن سمي هذا كفر تكذيب أيضا فصحيح، إذ هو تكذيب باللسان وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس، فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار ومن هذا كفر من عرف صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقد له إباء واستكبارا، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل، كما حكى الله تعالى عن فرعون وقومه قولهم: {أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون} [المؤمنون: 47]، وقول الأمم لرسلهم: {إن أنتم إلا بشر مثلنا} [إبراهيم: 101] وقوله: {كذبت ثمود بطغواها} [الشمس: 11]
وأما كفر اليهود: كما قال تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89] وقال: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} [البقرة: 146]
وأما كفر الإعراض: فإن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (والله أقول لك كلمة إن كنت صادقا، فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذبا، فأنت أحقر من أن أكلمك) وهو كفر الملحدين اليوم من المتسمين بأسماء إسلامية، المقلدين للإفرنج من اليهود والنصارى المنحلين عن كل خلق وفضيلة، زاعمين بجاهليتهم وسفههم أن هذا هو سبيل الرقي والمدنية
وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا بكذبه، بل يشك في أمره، وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - جملة، فلا يسمعها ولا يلتفت إليها وأما مع التفاته إليها ونظره فيها: فإنه لا يبقى معه شك، لأنها مستلزمة للصدق، ولا سيما بمجموعها فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على الكذب، فهذا هو النفاق الأكبر"
الرجل هنا أدخل موضوعا ليس من الكذب فى الكتاب وهو التكذيب بوحى الله ونقل نقلا كثيرا عن أنواع الكفر والمفترض أن يكتفى حتى بنقل جزء كقر التكذيب لا أن يدخل القارىء فى مسألة تبعده عن الموضوع الأصلى
ثم تناول الكذب على الله ورسوله(ص) فقال:
"الكذب على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -
قال الله عز وجل: - {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} [الزمر: 60]
وقال الحسن: هم الذين يقولون: إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل
قال ابن الجوزي في تفسيره: "وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أن الكذب على الله وعلى رسوله كفر ينقل عن الملة، ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله في تحليل حرام وتحريم حلال كفر محض، وإنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك"
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كذب علي بني له بيت في جهنم»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» "
والملاحظ هنا هو الفهم الخاطىء لكلام الله فالكذب على الله هو نسبة التشريعات الباطلة أو الحكايات الباطلة إلى الله كما فعل بعض الكتابيين الذين قال الله فيهم "وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"
وهذا الكذب كفر بالله والكذب على الرسول(ص) أو حتى له هو الآخر كفر
ثم تحت عنوان درر من أقوال السلف كلمنا كلاما عاما كما فى المقدمة ثم نقل نقولا عن السابقين فقال :
"درر من أقوال السلف:
أخي المسلم: الكذب أساس الفجور، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار»
وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده، ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها عملها كما أفسد على اللسان أقواله، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامي داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك المادة من أصلها
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب، والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يعقده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق بأنه يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب
ومن أقوال وأفعال السلف هذه الدرر المختارة:
قال علي- رضي الله عنه: - أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب، وشر الندامة ندامة يوم القيامة
*كان أبو حنيفة قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إلا تصدق بدرهم فحلف فتصدق به، ثم جعل أن يتصدق بدينار، فكان إذا حلف صادقا في عرض الكلام تصدق بدينار، وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها، وكان إذا اكتسى ثوبا جديدا كسا بقدر ثمنه الشيوخ العلماء، وكان إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه فوضعه على الخبز ثم يعطيه إنسانا فقيرا، فإن كان في الدار من عياله إنسان يحتاج إليه دفعه إليه، وإلا أعطاه مسكينا
*عن أبي بردة بن عبد الله بن أبي بردة قال: كان يقال: إن ربعي بن حراش - رضي الله عنه - لم يكذب كذبا قط، فأقبل ابناه من خراسان قد ناجلا، فجاء العريف إلى الحجاج فقال: أيها الأمير: إن الناس يزعمون أن ربعي بن حراش لم يكذب قط، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان، فقال الحجاج: علي به، فلما جاء قال: أيها الشيخ قال: ما تشاء؟ قال: ما فعل ابناك؟ قال: المستعان الله خلفتهما في البيت، قال: لا جرم والله، لا أسوؤك فيهما، هما لك
*وقال مالك بن دينار: قرأت في بعض الكتب: ما من خطيب إلا وتعرض خطبته على عمله فإن كان صادقا صدف، وإن كان كاذبا قرضت شفتاه بمقاريض من نار، كلما قرضتا نبتتا
*وقال مالك بن دينار: الصدق والكذب يعتركان في القلب، حتى يخرج أحدهما صاحبه
*وعن هارون بن رئاب قال: لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة قال: إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش، وكان مني إليه شبيه الوعد، فو الله لا ألقي الله - عز وجل - بثلث النفاق اشهدوا أني قد زوجتها إياه
*وكلم عمر بن عبد العزيز: الوليد بن عبد الملك في شيء فقال له: كذبت، فقال عمر: والله ما كذبت منذ علمت أن الكذب يشين صاحبه
*جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة إلى بني له فانكبت عليه، فقالت: كيف أنت يا بني؟ فسأل الربيع: أرضعتيه؟ قالت: لا، قال: ما عليك لو قلت: يا ابن أخي، فصدقت؟
*قال يزيد بن ميسرة: الكذب يسقي باب كل شر، كما يسقي الماء أصول الشجر
*قال عمر بن عبد العزيز: ما كذبت كذبة منذ شددت على إزاري"
والنقول عن السلف منها الصحيح ومنها الخاطىء كتحريم القول على ابن الأخ يا بنى فهو محرم عليها لكونه ابن أخيها فهو محرم عليها كابنها ومن ثم يجوز هذا القول كما يجوز ان يخاطب كبير السن الصغير بقوله يا بنى كما فى الرواية " ادْنُ يا بُنَىَّ فَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ (أبو داود ، والترمذى ، وابن سعد ، وابن حبان ، وابن السنى فى عمل يوم وليلة ، والبيهقى فى شعب الإيمان عن عمر بن أبى سلمة) وأيضا:
"يا بنى إياك والالتفات فى الصلاة فإن الالتفات فى الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففى التطوع لا فى الفريضة يا بنى إذا دخلت على أهلك فسلم تكون بركة عليك وعلى أهل بيتك يا بنى إن قدرت أن تصبح وتمسى ليس فى قلبك غش لأحد فافعل يا بنى وذلك من سنتى ومن أحيا سنتى فقد أحيانى ومن أحيانى كان معى فى الجنة (الترمذى)
ثم تحدث عن علاج الكذب فقال :
"علاج الكذب:
أخي المسلم: إذا أردت أن تعرف قبح الكذب من نفسك، فانظر إلى كذب غيرك وإلى نفور نفسك عنه، واستحقارك لصاحبه واستقباحك لكذبه
ويجب على المسلم تجديد التوبة إلى الله من كل ذنب وخطيئة، وعليه تحري الأسباب التي تعين على ترك الكذب، ومنها:
1 - معرفة الكاذب لحرمة الكذب وشدة عقابه، وتذكر ذلك مع كل حديث وفي كل مجلس
2 - تعويد النفس على تحمل المسئولية وقول الحق، حتى وإن كان هناك نقص ظاهري يراه فإن الخير في الصدق
3 - المحافظة على اللسان ومحاسبته
4 - استبدال مجالس الكذب وفضول الكلام بمجالس الذكر وحلق العلماء
5 - أن يعلم الكذاب أنه متصف بصفة من صفات المنافقين
6 - أن يستشعر أن الكذب طريق للفجور وأن الصدق يهدي إلى الجنة
7 - تربية الأطفال تربية إسلامية صحيحة وتعويدهم على الصدق والظهور بمظهر الصادقين أمامهم
8 - أن يعلم الكاذب أن ثقة الناس به تزول، وهذا من خسران الدنيا والآخرة
9 - أن يستشعر عظم الضرر الذي سيلحق بالمسلم من جراء كذبه"
والكذب عامة ليس مرضا حتى يكون له علاج وإنما الكذب المتكرر بسوء قصد هو المرض الذى يحتاج لعلاج واحد وهو إرادة الكاذب أن يتحرر منه وأما الكذب المباح فليس مرضا وإنما شىء طبيعى حلله الله