نقد كتاب آية الولاية
تأليف علي الحسيني الميلاني
موضوع الكتاب كما قال المؤلف هو :
"قال الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) هذه الآية المباركة تسمّى في الكتب بـ «آية الولاية»، استدلّ بها الإماميّة على إمامة أمير المؤمنين "
وقد قسم الميلانى البحث لجهات نذكرها واحدة وراء الأخرى وهى :
"الجهة الأولى:
في شأن نزول هذه الآية المباركة أجمعت الطائفة الإماميّة، ورواياتهم بهذا الأمر متواترة، بأنّ الآية المباركة نزلت عندما تصدّق أمير المؤمنين بخاتمه على السائل، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع فالأمر مفروغ منه من جهة الشيعة الإماميّة إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي للاستدلال على الطرف المقابل، كما ذكرنا من قبل، فله أن يطالب برواة هذا الخبر من أهل السنّة، من المحدّثين والمفسّرين، وله أيضاً أن يطالب بصحّة سند هذا الخبر في كتب السنّة، ليكون حجّة عليه ونحن على طبق هذه القاعدة المقرّرة في أُصول البحث والمناظرة، نذكر في الجهة الأولى أسماء بعض من روى هذه القضيّة، ونزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين، في خصوص تصدّقه في حال الركوع بخاتمه على الفقير، على السائل، لتتمّ الحجّة حينئذ على من يرى حجيّة كتبه، على من يرى اعتبار رواياته، على من يلتزم بلوازم مذهبه، فحينئذ تتمّ الجهة الأولى، ويتعيّن مَن نزلت فيه الآية المباركة، ويكون الخبر متّفقاً عليه بين الطرفين، ومقبولاً بين الخصمين أو المتخاصمين
قول المفسّرين
1 ـ يعترف القاضي الايجي في كتابه المواقف في علم الكلام وهو من أهم متون أهل السنّة في علم الكلام وأصول الدين، فالقاضي الايجي المتوفّى سنة 756 هـ يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة المتعلّقة بأمير المؤمنين
2 ـ وأيضاً يعترف بهذا الإجماع: الشريف الجرجاني المتوفّى سنة 816 هـ، في كتابه شرح المواقف في علم الكلام، وهذا الكتاب متناً وشرحاً مطبوع وموجود الآن بين أيدينا
3 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في شأن علي سعد الدين التفتازاني المتوفّى سنة 793 هـ، في كتابه شرح المقاصد ، وشرح المقاصد أيضاً من أهم كتب القوم في علم الكلام، ومن شاء فليرجع إلى كتاب كشف الظنون ليجد أهميّة هذا الكتاب بين القوم، وفي أوساطهم العلميّة، حيث كان هذا الكتاب من جملة كتبهم التي يتدارسونها في حوزاتهم العلميّة، لذلك كثر منهم الشرح والتعليق على هذا الكتاب
4 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين من أهل السنّة على نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين، في هذه القضيّة الخاصّة: علاء الدين القوشجي السمرقندي في كتابه شرح التجريد، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع وموجود بين أيدينا فعلماء الكلام الذين يبحثون عن أدلة الإمامة، وعمّا يقول الطرفان في مقام الاستدلال، وعمّا يحتجبه كلّ من الطرفين على مدّعاه، يقولون بنزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة
إذن، فالمفسّرون من أهل السنّة مجمعون على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة"
هنا الميلانى يقول بوجود إجماع من مفسرى أهل السنة على نزول الآية فى على وحده وهو كلام يخالف ما جاء فى كتب التفسير عند أهل السنة ونذكر هنا بعض منها ففى تفسير الطبرى قال:
" 12207- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نزلت:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" لقول عبادةَ:"أتولى الله ورسوله والذين آمنوا"، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم" هنا نزلت الآية فى عبادة لن الصامت وفى نفس التفسير نزلت فى حمبع المؤمنين ومنهم على فى الرواية التالية:
" 12210- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه"وأما تفسير ابن كثير فقال فى نزولها فى اليهود الذين أسلموا وكل المؤمنين وهو قوله:
" قال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدثنا أيوب بن سُوَيْد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } قال: هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب- قوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله " قال جابر بن عبد الله قال عبد الله ابن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومنا من قريظة والنضير قد هجرونا وأقسموا ألا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء" والذين " عام في جميع المؤمنين."
وأما تفسير القرطبى ففيه نفى حفيد على فى روايته أن تكون فى على دون بقية المؤمنين فقال :
"وقد سئل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن معنى " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " هل هو علي بن أبي طالب ؟ فقال: علي من المؤمنين، يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين. { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا }
وأما تفسير البغوى فقال فى نزولها فى عبادة مرة وفى عبد الله بن سلام ومن اسلموا من اليهود وهو قوله:
"روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول حين تبرأ عبادة من اليهود، وقال: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، فنزل فيهم من قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء"، إلى قوله: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" يعني عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء" وعلى هذا التأويل أراد بقوله: { وَهُمْ رَاكِعُونَ }
وزعم الميلانى أن المقرين بهذا الإجماع فى كتبهم كثرة فقال :
" والمعترِف بهذا الإجماع كبار علماء القوم في علم الكلام، الذين يرجع إليهم ويعتمد على أقوالهم ويستند إلى كتبهم
قول المحدّثين فقد رأيت من رواة هذا الحديث في كتبهم:
1 ـ الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني، صاحب كتاب المصنّف، وهو شيخ البخاري صاحب الصحيح
2 ـ الحافظ عبد بن حميد، صاحب كتاب المسند
3 ـ الحافظ رزين بن معاوية العبدري الاندلسي، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة
4 ـ الحافظ النسائي، صاحب الصحيح، روى هذا الحديث في صحيحه
5 ـ الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ المعروف والتفسير المعروف المشهور
6 ـ ابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدّث المفسّر المشهور، الذي يعتقد ابن تيميّة في منهاج السنّة بأنّ تفسير ابن أبي حاتم خال من الموضوعات
7 ـ الحافظ أبو الشيخ الأصفهاني
8 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي
9 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني
10 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني
11 ـ الحافظ الخطيب البغدادي
12 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي
13 ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي
14 ـ الحافظ المحبّ الطبري شيخ الحرم المكّي
15 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي، المجدّد في القرن العاشر عند أهل السنّة
16 ـ الحافظ الشيخ علي المتّقي الهندي، صاحب كتاب كنز العمّال
هؤلاء جماعة من أعلام الأئمّة في القرون المختلفة، يروون هذا الحديث في كتبهم "
وبغد ان ذكر الإجماع ناقض نفسه بذكر أن الغالبية وهذا يعنى عدم وجود إجماع ذكروا هذا فنقل عن الألوسى:
"يقول الألوسي صاحب التفسير المسمّى بروح المعاني: غالب الإخباريين على أنّ هذه الآية نزلت في علي كرّم الله وجهه فالقضيّة بين المفسّرين مجمع عليها، وغالب المحدّثين والإخباريين ينصّون على هذا، ويقولون بنزول الآية في علي ويروون هذا الحديث وذكرت لكم أسماء جماعة من أعلامهم، منذ زمن البخاري إلى القرن الحادي عشر /ولو أنّك تراجع تفسير ابن كثير في ذيل هذه الآية المباركة ، تجده يعترف بصحّة بعض أسانيد هذه الأخبار، واعتراف ابن كثير بصحّة بعض هذه الأسانيد يمكن أن يكون لنا حجة على الخصوم، لانّ اعتراف مثل ابن كثير بصحّة هذه الروايات، وهو ممّن لا نرتضيه نحن ونراه رجلاً متعصّباً في تفسيره وتاريخه، هذا الاعتراف له قيمته العلميّة وأنا شخصيّاً راجعت عدّة من أسانيد هذه الرواية، ولاحظت كلمات علماء الجرح والتعديل من كبار علمائهم في رجال هذه الروايات والأسانيد، ورأيت تلك الأسانيد صحيحة على ضوء كلمات علمائهم
منها هذا الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ، فإنّه يرويه عن أبي سعيد الأشج، عن الفضل بن دكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل قال: تصدّق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت الآية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) إلى آخرها
فإذن، هذا الخبر مجمع عليه بين المفسّرين، وعليه غالب المحدّثين باعتراف الألوسي، وذكرت لكم أسامي عدّة من رواته من الأعلام، وذكرت لكم اعتراف ابن كثير بصحّة بعض أسانيده"
يزعم الميلانى أن ابن كثير اعترف بصحة أسانيد روايات نزول الآية فى على وهو كلام غير صحيح فالرجل لم يذكر ذلك وذكر فى أسانيد تلك الرواية قول مضاد وهو أنه لم يصح منها شىء وهو قوله فى تفسير الآية :
"ثم رواه ابن مردويه، من حديث علي بن أبي طالب نفسه، وعمار بن ياسر، وأبي رافع. وليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجاله"
وزعم الميلانى أنه حقق بعض الأسانيد فى كتب أهل السنة فى سبب نزول الآية فوجدها روايات صحيحة فقال :
"كما أنّي شخصيّاً حقّقت بعض الأسانيد على ضوء كلمات علمائهم وصحّحتها على طبق قواعدهم وقد اشتهر هذا الخبر وثبت، بحيث يروى أنّ حسّان بن ثابت الشاعر الأنصاري الصحابي المعروف، قد نظم هذه المنقبة وهذه القضيّة في شعر له، ـ ومن الناقلين لهذا الشعر هو الألوسي البغدادي صاحب روح المعاني ـ يقول في شعر له:
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً زكاةً فدتك النفس يا خيرَ راكعِ
فأنزل فيك الله خيرَ ولاية وأثبتها أثنى كتاب الشرايع
إذن، هذه القضيّة لا يمكن المناقشة في سندها بشكل من الإشكال، ولا مجال لان تكذّب هذه القضيّة أو تضعّف روايات هذه القضيّة "
والرجل هنا لم يحقق شىء فلو عاد لتفسير ابن كثير لوحد فى تفسير الآية التالى:
"وقال عبد الرزاق: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية: نزلت في علي بن أبي طالب عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به.
ورواه ابن مَرْدُويه، من طريق سفيان الثوري، عن أبي سِنان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي، فمر سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية الضحاك لم يلق ابن عباس.
وروى ابن مَرْدُويه أيضًا عن طريق محمد بن السائب الكلبي -وهو متروك-عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، والناس يصلون، بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أعطاك أحد شيئًا؟" قال: نعم. قال: "من؟" قال: ذلك الرجل القائم. قال: "على أي حال أعطاكه؟" قال: وهو راكع، قال: "وذلك علي بن أبي طالب". قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وهو يقول: { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }وهذا إسناد لا يفرح به"
فهنا ثلاث أسانيد وروايات أعلها ابن كثير
الغريب أن الميلانى فى كتابه إبطال ما استدلّ به لإمامة أبي بكر لم يرتضى بتفسير أهل السنة بنزول آية وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى فى أبى بكر فقال:
"قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأحَد عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَة تُجْزَى) هذه آية قرآنية، وكما ذكرنا في مباحثنا حول الآيات المستدل بها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ دلالة الآية على إمامة علي تتوقّف على ثبوت نزولها في علي وبدليل معتبر، وإلاّ فالآية من القرآن، وليس فيها اسم علي ولا اسم غير علي قوله تعالى: (سَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى) يتوقّف الاستدلال به على مقدمات، حتّى تتمّ دلالة الآية على إمامة أبي بكر "
وكما قال فى أبى بكر نقول فى على ليس فى الآية اسم على ولا غيره كما أن الروايات كما قال فى تلك الآية انقسمت ما بين روايات أبو بكر وقصة أبو الدحداح والنخلة وهو قوله فى الكتاب السابق:
"والحال أنّهم مختلفون في تفسير هذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إنّ الآية عامّة للمؤمنين ولا اختصاص لها بأحد منهم
القول الثاني: إنّ الآية نازلة في قصّة أبي الدحداح وصاحب النخلة، راجعوا الدر المنثور في التفسير بالمأثور، يذكر لكم هذه القصة في ذيل هذه الآية ، وإنّ الآية بناء على هذا القول نازلة بتلك القصة ولا علاقة لها بأبي بكر القول الثالث: إنّ الآية نازلة في أبي بكر فالقول بنزول الآية المباركة في أبي بكر أحد الأقوال الثلاثة عندهم"
فهنا انقسمت الروايات فى على وعبادة وعبد الله بن سلام
ورغم قوله بإجماع مفسرى أهل السنة فى نزول آية فى على إلا استغرب قول ابن تيمية المكذب لهذا فقال :
"مع ابن تيمية:
وإذا بلغ الأمر إلى هذه المرحلة، فلا بأس لو أقرأ لكم عبارة ابن تيميّة حول هذا الحديث وهذا الاستدلال، نصّ عبارته هكذا، يقول هذا الرجل:
قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بيّن ويضيف هذا الرجل: وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي بخصوصه، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع، وأنّ جمهور الاُمّة لم تسمع هذا الخبر "
ويعود الرجل للتكلم عن الإجماع المزعوم رغم قوله أن ابن تيمية خرقه فيقول:
" فليسمع المقلّدون لابن تيميّة في بحوثهم العلميّة، ولينتبه أُولئك الذين يأخذون من مثل هذا الرجل عقائدهم وأحكامهم وسننهم وآدابهم فالقاضي الايجي والشريف الجرجاني وكبار علماء الكلام ـوهذه كتبهم موجودة ـ ينصّون على إجماع المفسّرين بنزول الآية المباركة في علي في القصّة الخاصّة هذه، ويقول هذا الرجل: إنّ بعض الكذّابين قد وضع هذا الخبر المفترى، وعلي لم يتصدّق بخاتمه، وأجمع أهل العلم في الحديث"
وهو ينقض كلامه عندما يقول أن مخالفى الاجماع اثنين أو ثلاثة فيقول :
"أتصوّر أنّه يقصد من أهل العلم حيث يدّعي الإجماع يقصد نفسه فقط أو مع بعض الملتفّين حوله، فإذا رأى نفسه هذا الرأي، ورأى اثنين أو ثلاثة من الأشخاص يقولون برأيه، فيدّعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل وإجماع الاُمّة كلّهم على ما يراه هو، وكأنّ الإجماع في كيسه، متى ما أراد أن يخرجه من كيسه أخرجه وصرفه إلى الناس"
وكلامه يخالف ما نقلناه من تفاسير أهل السنة الأربعة سابقا ويخالف ما ورد فى الكتب المذكورة فى قوله:
"وعلى الناس أن يقبلوا منه ما يدّعي وعلى كلّ حال، فهذه القضيّة واردة في كتبهم وكتبنا، في تفاسيرهم وتفاسيرنا، في كتبهم في الحديث وكتبنا
مثلاً: لو أنّكم تراجعون من التفاسير: تفسير الثعلبي وهو مخطوط، تفسير الطبري،وأسباب النزول للواحدي، وتفسير الفخر الرازي، وتفسير البغوي، وتفسير النسفي، وتفسير القرطبي، وتفسير أبي السعود، وتفسير الشوكاني، وتفسير ابن كثير، وتفسير الألوسي، والدر المنثور للسيوطي لرأيتم كلّهم ينقلون هذا الخبر، بعضهم يروي بالسند، وبعضهم يرسل الخبر ، وكأنّ هؤلاء كلّهم ليسوا من هذه الاُمّة وعلى كلّ حال، فالقضيّة لا تقبل أيّ شك وأيّ مناقشة من جهة السند، ومن ناحية شأن النزول، وحينئذ ينتهي بحثنا عن الجهة الأولى، أي جهة شأن نزول الآية المباركة وقضيّة أمير المؤمنين وتصدّقه بخاتمه وهو راكع "
ففى تفسير الفخر الرازى :
"ولنا في هذه الآية مقامات :
المقام الأول : أن هذه الآية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية من الروافض ، وتقرير مذهبهم أن الذين أقرنا بخلافة أبي بكر وإمامته كلهم كفروا وصاروا مرتدين ، لأنهم أنكروا النص الجلي على إمامة علي عليه السلام فنقول : ( لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق ) بدليل قوله { من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم } إلى آخر الآية وكلمة [ من ] في معرض الشرط للعموم ، فهي تدل على أن كل من صار مرتداً عن دين الإسلام فإن الله يأتي بقوم يقهرهم ويردهم ويبطل شوكتهم ، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة كذلك لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم ، ولما لم يكن الأمر كذلك بل الأمر بالضد فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالاتهم الباطلة أبداً منذ كانوا علمنا فساد مقالتهم ومذهبهم ، وهذا كلام ظاهر لمن أنصف ."
وتفسير الثعالبى يقول أن الآية عامة فى قوله:
وقوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ . . . } الآية : «إنما» في هذه الآية حاصرةٌ ، وقرأ ابن مسعود : «إنَّمَا مَوْلاَكُمُ اللَّهُ» ، والزكاةُ هنا : لفظٌ عامٌّ للزكاةِ المفروضةِ ، والتطوُّعِ بالصدَقَةِ ، ولكلِّ أفعالِ البِرِّ ، إذ هي مُنَمِّيَةٌ للحسنات ، مطَهِّرة للمَرْءِ مِنْ دَنَسِ السيِّئات ، ثم وصفهم سبحانه بتَكْثير الركُوعِ ، وخُصَّ بالذكْر؛ لكونه مِنْ أعظم أركان الصلاة ، وهي هيئَةُ تواضعٍ ، فعبَّر عن جميعِ الصلاَةِ؛ كما قال سبحانه : { والركع السجود } [ الحج : 26 ] هذا هو الصحيحُ . ، وهو تأويل الجمهورِ ، ولكن اتفق مع ذلك أنَّ عليَّ بْنَ أبي طالِبٍ ( رضي اللَّه عنه ) أعطى خاتَمَهُ ، وهو راكعٌ قال السُّدِّيُّ : وإن اتفَقَ ذلك لعليٍّ ، فالآية عامَّة في جميعِ المؤمنين .
ثم أخبر تعالى : أنَّ مَنْ يتولَّى اللَّه ورسولَهُ والمؤمنين ، فإنه غالبٌ كُلَّ مَنْ ناوأه ، وجاءَتِ العبارةُ عامَّة في أنَّ حِزْبَ اللَّه هم الغالِبُون"
وتفسير الدر المنثور يقول أن الآية فى عبادة وعبارته هى:
قوله { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [ المائدة : 55 ] يعني عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون } [ المائدة : 81 ] .
وأخرج ابن مردويه من طريق عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده عن عبادة بن الصامت قال : فيّ نزلت هذه الآية حين أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبرأت إليه من حلف اليهود ، وظاهرت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عليهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال « جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من يهود كثير عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية مواليّ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أُبَيِّ : يا أبا حباب ، أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة ، . . فهو لك دونه . قال : إذن أقبل . فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى أن بلغ إلى قوله { والله يعصمك من الناس } »
ونكتفى بهذه النقول لعدم الإطالة فمعظم الكتب التى ذكرها إن لم يكن كلها تجعل الآية عامة أو تخصص عبادة وقومه
تأليف علي الحسيني الميلاني
موضوع الكتاب كما قال المؤلف هو :
"قال الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) هذه الآية المباركة تسمّى في الكتب بـ «آية الولاية»، استدلّ بها الإماميّة على إمامة أمير المؤمنين "
وقد قسم الميلانى البحث لجهات نذكرها واحدة وراء الأخرى وهى :
"الجهة الأولى:
في شأن نزول هذه الآية المباركة أجمعت الطائفة الإماميّة، ورواياتهم بهذا الأمر متواترة، بأنّ الآية المباركة نزلت عندما تصدّق أمير المؤمنين بخاتمه على السائل، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع فالأمر مفروغ منه من جهة الشيعة الإماميّة إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي للاستدلال على الطرف المقابل، كما ذكرنا من قبل، فله أن يطالب برواة هذا الخبر من أهل السنّة، من المحدّثين والمفسّرين، وله أيضاً أن يطالب بصحّة سند هذا الخبر في كتب السنّة، ليكون حجّة عليه ونحن على طبق هذه القاعدة المقرّرة في أُصول البحث والمناظرة، نذكر في الجهة الأولى أسماء بعض من روى هذه القضيّة، ونزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين، في خصوص تصدّقه في حال الركوع بخاتمه على الفقير، على السائل، لتتمّ الحجّة حينئذ على من يرى حجيّة كتبه، على من يرى اعتبار رواياته، على من يلتزم بلوازم مذهبه، فحينئذ تتمّ الجهة الأولى، ويتعيّن مَن نزلت فيه الآية المباركة، ويكون الخبر متّفقاً عليه بين الطرفين، ومقبولاً بين الخصمين أو المتخاصمين
قول المفسّرين
1 ـ يعترف القاضي الايجي في كتابه المواقف في علم الكلام وهو من أهم متون أهل السنّة في علم الكلام وأصول الدين، فالقاضي الايجي المتوفّى سنة 756 هـ يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة المتعلّقة بأمير المؤمنين
2 ـ وأيضاً يعترف بهذا الإجماع: الشريف الجرجاني المتوفّى سنة 816 هـ، في كتابه شرح المواقف في علم الكلام، وهذا الكتاب متناً وشرحاً مطبوع وموجود الآن بين أيدينا
3 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في شأن علي سعد الدين التفتازاني المتوفّى سنة 793 هـ، في كتابه شرح المقاصد ، وشرح المقاصد أيضاً من أهم كتب القوم في علم الكلام، ومن شاء فليرجع إلى كتاب كشف الظنون ليجد أهميّة هذا الكتاب بين القوم، وفي أوساطهم العلميّة، حيث كان هذا الكتاب من جملة كتبهم التي يتدارسونها في حوزاتهم العلميّة، لذلك كثر منهم الشرح والتعليق على هذا الكتاب
4 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين من أهل السنّة على نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين، في هذه القضيّة الخاصّة: علاء الدين القوشجي السمرقندي في كتابه شرح التجريد، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع وموجود بين أيدينا فعلماء الكلام الذين يبحثون عن أدلة الإمامة، وعمّا يقول الطرفان في مقام الاستدلال، وعمّا يحتجبه كلّ من الطرفين على مدّعاه، يقولون بنزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة
إذن، فالمفسّرون من أهل السنّة مجمعون على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة"
هنا الميلانى يقول بوجود إجماع من مفسرى أهل السنة على نزول الآية فى على وحده وهو كلام يخالف ما جاء فى كتب التفسير عند أهل السنة ونذكر هنا بعض منها ففى تفسير الطبرى قال:
" 12207- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نزلت:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" لقول عبادةَ:"أتولى الله ورسوله والذين آمنوا"، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم" هنا نزلت الآية فى عبادة لن الصامت وفى نفس التفسير نزلت فى حمبع المؤمنين ومنهم على فى الرواية التالية:
" 12210- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه"وأما تفسير ابن كثير فقال فى نزولها فى اليهود الذين أسلموا وكل المؤمنين وهو قوله:
" قال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدثنا أيوب بن سُوَيْد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } قال: هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب- قوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله " قال جابر بن عبد الله قال عبد الله ابن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومنا من قريظة والنضير قد هجرونا وأقسموا ألا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء" والذين " عام في جميع المؤمنين."
وأما تفسير القرطبى ففيه نفى حفيد على فى روايته أن تكون فى على دون بقية المؤمنين فقال :
"وقد سئل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن معنى " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " هل هو علي بن أبي طالب ؟ فقال: علي من المؤمنين، يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين. { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا }
وأما تفسير البغوى فقال فى نزولها فى عبادة مرة وفى عبد الله بن سلام ومن اسلموا من اليهود وهو قوله:
"روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول حين تبرأ عبادة من اليهود، وقال: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، فنزل فيهم من قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء"، إلى قوله: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" يعني عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء" وعلى هذا التأويل أراد بقوله: { وَهُمْ رَاكِعُونَ }
وزعم الميلانى أن المقرين بهذا الإجماع فى كتبهم كثرة فقال :
" والمعترِف بهذا الإجماع كبار علماء القوم في علم الكلام، الذين يرجع إليهم ويعتمد على أقوالهم ويستند إلى كتبهم
قول المحدّثين فقد رأيت من رواة هذا الحديث في كتبهم:
1 ـ الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني، صاحب كتاب المصنّف، وهو شيخ البخاري صاحب الصحيح
2 ـ الحافظ عبد بن حميد، صاحب كتاب المسند
3 ـ الحافظ رزين بن معاوية العبدري الاندلسي، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة
4 ـ الحافظ النسائي، صاحب الصحيح، روى هذا الحديث في صحيحه
5 ـ الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ المعروف والتفسير المعروف المشهور
6 ـ ابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدّث المفسّر المشهور، الذي يعتقد ابن تيميّة في منهاج السنّة بأنّ تفسير ابن أبي حاتم خال من الموضوعات
7 ـ الحافظ أبو الشيخ الأصفهاني
8 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي
9 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني
10 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني
11 ـ الحافظ الخطيب البغدادي
12 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي
13 ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي
14 ـ الحافظ المحبّ الطبري شيخ الحرم المكّي
15 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي، المجدّد في القرن العاشر عند أهل السنّة
16 ـ الحافظ الشيخ علي المتّقي الهندي، صاحب كتاب كنز العمّال
هؤلاء جماعة من أعلام الأئمّة في القرون المختلفة، يروون هذا الحديث في كتبهم "
وبغد ان ذكر الإجماع ناقض نفسه بذكر أن الغالبية وهذا يعنى عدم وجود إجماع ذكروا هذا فنقل عن الألوسى:
"يقول الألوسي صاحب التفسير المسمّى بروح المعاني: غالب الإخباريين على أنّ هذه الآية نزلت في علي كرّم الله وجهه فالقضيّة بين المفسّرين مجمع عليها، وغالب المحدّثين والإخباريين ينصّون على هذا، ويقولون بنزول الآية في علي ويروون هذا الحديث وذكرت لكم أسماء جماعة من أعلامهم، منذ زمن البخاري إلى القرن الحادي عشر /ولو أنّك تراجع تفسير ابن كثير في ذيل هذه الآية المباركة ، تجده يعترف بصحّة بعض أسانيد هذه الأخبار، واعتراف ابن كثير بصحّة بعض هذه الأسانيد يمكن أن يكون لنا حجة على الخصوم، لانّ اعتراف مثل ابن كثير بصحّة هذه الروايات، وهو ممّن لا نرتضيه نحن ونراه رجلاً متعصّباً في تفسيره وتاريخه، هذا الاعتراف له قيمته العلميّة وأنا شخصيّاً راجعت عدّة من أسانيد هذه الرواية، ولاحظت كلمات علماء الجرح والتعديل من كبار علمائهم في رجال هذه الروايات والأسانيد، ورأيت تلك الأسانيد صحيحة على ضوء كلمات علمائهم
منها هذا الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ، فإنّه يرويه عن أبي سعيد الأشج، عن الفضل بن دكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل قال: تصدّق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت الآية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) إلى آخرها
فإذن، هذا الخبر مجمع عليه بين المفسّرين، وعليه غالب المحدّثين باعتراف الألوسي، وذكرت لكم أسامي عدّة من رواته من الأعلام، وذكرت لكم اعتراف ابن كثير بصحّة بعض أسانيده"
يزعم الميلانى أن ابن كثير اعترف بصحة أسانيد روايات نزول الآية فى على وهو كلام غير صحيح فالرجل لم يذكر ذلك وذكر فى أسانيد تلك الرواية قول مضاد وهو أنه لم يصح منها شىء وهو قوله فى تفسير الآية :
"ثم رواه ابن مردويه، من حديث علي بن أبي طالب نفسه، وعمار بن ياسر، وأبي رافع. وليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجاله"
وزعم الميلانى أنه حقق بعض الأسانيد فى كتب أهل السنة فى سبب نزول الآية فوجدها روايات صحيحة فقال :
"كما أنّي شخصيّاً حقّقت بعض الأسانيد على ضوء كلمات علمائهم وصحّحتها على طبق قواعدهم وقد اشتهر هذا الخبر وثبت، بحيث يروى أنّ حسّان بن ثابت الشاعر الأنصاري الصحابي المعروف، قد نظم هذه المنقبة وهذه القضيّة في شعر له، ـ ومن الناقلين لهذا الشعر هو الألوسي البغدادي صاحب روح المعاني ـ يقول في شعر له:
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً زكاةً فدتك النفس يا خيرَ راكعِ
فأنزل فيك الله خيرَ ولاية وأثبتها أثنى كتاب الشرايع
إذن، هذه القضيّة لا يمكن المناقشة في سندها بشكل من الإشكال، ولا مجال لان تكذّب هذه القضيّة أو تضعّف روايات هذه القضيّة "
والرجل هنا لم يحقق شىء فلو عاد لتفسير ابن كثير لوحد فى تفسير الآية التالى:
"وقال عبد الرزاق: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية: نزلت في علي بن أبي طالب عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به.
ورواه ابن مَرْدُويه، من طريق سفيان الثوري، عن أبي سِنان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي، فمر سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية الضحاك لم يلق ابن عباس.
وروى ابن مَرْدُويه أيضًا عن طريق محمد بن السائب الكلبي -وهو متروك-عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، والناس يصلون، بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أعطاك أحد شيئًا؟" قال: نعم. قال: "من؟" قال: ذلك الرجل القائم. قال: "على أي حال أعطاكه؟" قال: وهو راكع، قال: "وذلك علي بن أبي طالب". قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وهو يقول: { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }وهذا إسناد لا يفرح به"
فهنا ثلاث أسانيد وروايات أعلها ابن كثير
الغريب أن الميلانى فى كتابه إبطال ما استدلّ به لإمامة أبي بكر لم يرتضى بتفسير أهل السنة بنزول آية وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى فى أبى بكر فقال:
"قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأحَد عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَة تُجْزَى) هذه آية قرآنية، وكما ذكرنا في مباحثنا حول الآيات المستدل بها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ دلالة الآية على إمامة علي تتوقّف على ثبوت نزولها في علي وبدليل معتبر، وإلاّ فالآية من القرآن، وليس فيها اسم علي ولا اسم غير علي قوله تعالى: (سَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى) يتوقّف الاستدلال به على مقدمات، حتّى تتمّ دلالة الآية على إمامة أبي بكر "
وكما قال فى أبى بكر نقول فى على ليس فى الآية اسم على ولا غيره كما أن الروايات كما قال فى تلك الآية انقسمت ما بين روايات أبو بكر وقصة أبو الدحداح والنخلة وهو قوله فى الكتاب السابق:
"والحال أنّهم مختلفون في تفسير هذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إنّ الآية عامّة للمؤمنين ولا اختصاص لها بأحد منهم
القول الثاني: إنّ الآية نازلة في قصّة أبي الدحداح وصاحب النخلة، راجعوا الدر المنثور في التفسير بالمأثور، يذكر لكم هذه القصة في ذيل هذه الآية ، وإنّ الآية بناء على هذا القول نازلة بتلك القصة ولا علاقة لها بأبي بكر القول الثالث: إنّ الآية نازلة في أبي بكر فالقول بنزول الآية المباركة في أبي بكر أحد الأقوال الثلاثة عندهم"
فهنا انقسمت الروايات فى على وعبادة وعبد الله بن سلام
ورغم قوله بإجماع مفسرى أهل السنة فى نزول آية فى على إلا استغرب قول ابن تيمية المكذب لهذا فقال :
"مع ابن تيمية:
وإذا بلغ الأمر إلى هذه المرحلة، فلا بأس لو أقرأ لكم عبارة ابن تيميّة حول هذا الحديث وهذا الاستدلال، نصّ عبارته هكذا، يقول هذا الرجل:
قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بيّن ويضيف هذا الرجل: وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي بخصوصه، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع، وأنّ جمهور الاُمّة لم تسمع هذا الخبر "
ويعود الرجل للتكلم عن الإجماع المزعوم رغم قوله أن ابن تيمية خرقه فيقول:
" فليسمع المقلّدون لابن تيميّة في بحوثهم العلميّة، ولينتبه أُولئك الذين يأخذون من مثل هذا الرجل عقائدهم وأحكامهم وسننهم وآدابهم فالقاضي الايجي والشريف الجرجاني وكبار علماء الكلام ـوهذه كتبهم موجودة ـ ينصّون على إجماع المفسّرين بنزول الآية المباركة في علي في القصّة الخاصّة هذه، ويقول هذا الرجل: إنّ بعض الكذّابين قد وضع هذا الخبر المفترى، وعلي لم يتصدّق بخاتمه، وأجمع أهل العلم في الحديث"
وهو ينقض كلامه عندما يقول أن مخالفى الاجماع اثنين أو ثلاثة فيقول :
"أتصوّر أنّه يقصد من أهل العلم حيث يدّعي الإجماع يقصد نفسه فقط أو مع بعض الملتفّين حوله، فإذا رأى نفسه هذا الرأي، ورأى اثنين أو ثلاثة من الأشخاص يقولون برأيه، فيدّعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل وإجماع الاُمّة كلّهم على ما يراه هو، وكأنّ الإجماع في كيسه، متى ما أراد أن يخرجه من كيسه أخرجه وصرفه إلى الناس"
وكلامه يخالف ما نقلناه من تفاسير أهل السنة الأربعة سابقا ويخالف ما ورد فى الكتب المذكورة فى قوله:
"وعلى الناس أن يقبلوا منه ما يدّعي وعلى كلّ حال، فهذه القضيّة واردة في كتبهم وكتبنا، في تفاسيرهم وتفاسيرنا، في كتبهم في الحديث وكتبنا
مثلاً: لو أنّكم تراجعون من التفاسير: تفسير الثعلبي وهو مخطوط، تفسير الطبري،وأسباب النزول للواحدي، وتفسير الفخر الرازي، وتفسير البغوي، وتفسير النسفي، وتفسير القرطبي، وتفسير أبي السعود، وتفسير الشوكاني، وتفسير ابن كثير، وتفسير الألوسي، والدر المنثور للسيوطي لرأيتم كلّهم ينقلون هذا الخبر، بعضهم يروي بالسند، وبعضهم يرسل الخبر ، وكأنّ هؤلاء كلّهم ليسوا من هذه الاُمّة وعلى كلّ حال، فالقضيّة لا تقبل أيّ شك وأيّ مناقشة من جهة السند، ومن ناحية شأن النزول، وحينئذ ينتهي بحثنا عن الجهة الأولى، أي جهة شأن نزول الآية المباركة وقضيّة أمير المؤمنين وتصدّقه بخاتمه وهو راكع "
ففى تفسير الفخر الرازى :
"ولنا في هذه الآية مقامات :
المقام الأول : أن هذه الآية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية من الروافض ، وتقرير مذهبهم أن الذين أقرنا بخلافة أبي بكر وإمامته كلهم كفروا وصاروا مرتدين ، لأنهم أنكروا النص الجلي على إمامة علي عليه السلام فنقول : ( لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق ) بدليل قوله { من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم } إلى آخر الآية وكلمة [ من ] في معرض الشرط للعموم ، فهي تدل على أن كل من صار مرتداً عن دين الإسلام فإن الله يأتي بقوم يقهرهم ويردهم ويبطل شوكتهم ، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة كذلك لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم ، ولما لم يكن الأمر كذلك بل الأمر بالضد فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالاتهم الباطلة أبداً منذ كانوا علمنا فساد مقالتهم ومذهبهم ، وهذا كلام ظاهر لمن أنصف ."
وتفسير الثعالبى يقول أن الآية عامة فى قوله:
وقوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ . . . } الآية : «إنما» في هذه الآية حاصرةٌ ، وقرأ ابن مسعود : «إنَّمَا مَوْلاَكُمُ اللَّهُ» ، والزكاةُ هنا : لفظٌ عامٌّ للزكاةِ المفروضةِ ، والتطوُّعِ بالصدَقَةِ ، ولكلِّ أفعالِ البِرِّ ، إذ هي مُنَمِّيَةٌ للحسنات ، مطَهِّرة للمَرْءِ مِنْ دَنَسِ السيِّئات ، ثم وصفهم سبحانه بتَكْثير الركُوعِ ، وخُصَّ بالذكْر؛ لكونه مِنْ أعظم أركان الصلاة ، وهي هيئَةُ تواضعٍ ، فعبَّر عن جميعِ الصلاَةِ؛ كما قال سبحانه : { والركع السجود } [ الحج : 26 ] هذا هو الصحيحُ . ، وهو تأويل الجمهورِ ، ولكن اتفق مع ذلك أنَّ عليَّ بْنَ أبي طالِبٍ ( رضي اللَّه عنه ) أعطى خاتَمَهُ ، وهو راكعٌ قال السُّدِّيُّ : وإن اتفَقَ ذلك لعليٍّ ، فالآية عامَّة في جميعِ المؤمنين .
ثم أخبر تعالى : أنَّ مَنْ يتولَّى اللَّه ورسولَهُ والمؤمنين ، فإنه غالبٌ كُلَّ مَنْ ناوأه ، وجاءَتِ العبارةُ عامَّة في أنَّ حِزْبَ اللَّه هم الغالِبُون"
وتفسير الدر المنثور يقول أن الآية فى عبادة وعبارته هى:
قوله { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [ المائدة : 55 ] يعني عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون } [ المائدة : 81 ] .
وأخرج ابن مردويه من طريق عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده عن عبادة بن الصامت قال : فيّ نزلت هذه الآية حين أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبرأت إليه من حلف اليهود ، وظاهرت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عليهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال « جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من يهود كثير عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية مواليّ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أُبَيِّ : يا أبا حباب ، أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة ، . . فهو لك دونه . قال : إذن أقبل . فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى أن بلغ إلى قوله { والله يعصمك من الناس } »
ونكتفى بهذه النقول لعدم الإطالة فمعظم الكتب التى ذكرها إن لم يكن كلها تجعل الآية عامة أو تخصص عبادة وقومه