قراءة فى كتاب فقه الواقع
الكتاب من تأليف صالح بن عبد العزيز آل الشيخ والكتاب عبارة عن سؤال وجواب عن فقه الواقع
السؤال هو :
"هذا سؤال ربما ورد كثيرا يبدو أن الحاجة إلى الجواب عنه ملحة يقول: ما معنى فقه الواقع؟ ونرجو أن تعرّج على تعريف بعض العلوم التي يستدل بها أصحابها على أهل الدليل من الكتاب والسنة"
وأما جواب الرجل فهو:
"الجواب
نكتفي بالفقرة الأولى وهي قوله (ما معنى فقه الواقع؟)
أولا: التركيبة (فقه الواقع) مركبة من كلمتين (فقه) و(الواقع)، وكل كلمة من هاتين الكلمتين كانت مستعملة عند السلف الصالح رضي الله عنهم، فكانوا يستعملون كلمة (فقه)، وكانوا يستعملون كلمة (الواقع)، ومع ذلك فهم لم يجعلوا الواقع عندهم هو الواقع المراد عند هذه الإضافة والواقع: هو ما يقع من الأحداث والأمور في الناس
السلف لم يركبوا هذا التركيب مع وجود الكلمتين عندهم، فلم يضيفوا (الفقه) إلى (الواقع)، فلم يقولوا (فقه واقع) قالوا: فقه الكتاب، فقه السنة، ونحو ذلك، الفقه الأكبر؛ يعني العقيدة، أما فقه الواقع فلم يرد عندهم فكان هذا مع عدم تسمية معرفة الواقع بفقه الواقع، مع أن العلماء أعرضوا عنه أربعة عشر قرنا، كان هذا دليلا على أن هذه التسمية محدثة «وكل محدثة بدعة»؛ لأنها متصلة بالشريعة، ولا يخفى على كل واحد منكم أن فقه الواقع عند من يسميه بذلك له مساس بالأحكام الشرعية"
الرجل اعتبر التسمية مستحدثة وهى لا تخبرنا عن شىء حقيقى وليس لها وجود فى علم السابقين ثم بين حقيقة الواقع عند السابقين فقال:
"فتبين من هذا أن تركيبة الكلمتين لم ترد عند السلف مع وجود كل واحدة من الكلمتين عندهم ما الذي كان عند السلف؟ وما الذي كان عند أهل العلم؟
كان عندهم أن المفتي والحاكم لا يفتي ولا يحكم في المسائل الشرعية إلا بعد أن يعرف واقعَ المسألة المسئول عنها، فإذا سُئل عن شيء لا يجوز له أن يفتي أو يحكم بدون أن يتصورها، ولهذا جاء في بعض مسائل كتاب التوحيد أن إمام الدعوة قال: وفيها فهم الصحابة للواقع يعني بذلك فهمه لواقع الناس وما يسألون عنه، لا يُسأل عن مسألة وهو لا يعرف ما يريد الناس بها، يُستغفل! لا، لكن إذا سئل يعرف هذه المسألة تصورا، فإذا كانت المسألة مثلا في الفقه يعرف صورتها الفقهية، هذا معلوم عند أهل العلم"
وهو هنا يبين أن المفتى لا يفتى إلا بناء على تصوره لواقع المسألة حتى لا يغيب عنه شىء يمكن أن يكون قد غاب عن السائل ولذ كان بعضهم يحتاط فيضع الحكم لكل حالة يمكن أن تحدث
وقد قسم الرجل الواقع لقسمين فقال :
"بل قالوا: الحكم على الشيء فرع عن تصوره
والواقع قسمان:
واقع له أثر في الأحكام الشرعية
وواقع لا أثر له في الأحكام الشرعية
فليس كل ما يقع بين الناس، وما يجعله الله جل وعلا في أرضه، ليس كل ذلك مؤثرا في الأحكام الشرعية، أو تبنى عليه الأحكام الشرعية
القسم الأول: الواقع الذي تبنى عليه الأحكام الشرعية وفهم المسألة وصورتها وما تتنزل عليه
الثاني: ما يتصل بالمسألة مما ليس له أثر في الحكم الشرعي، هذا واقع لا أثر له
مثلا القاضي يأتيه خصمان يتخاصمان في مسألة، يقول الأول كلاما في ربع ساعة طويل، ويأتي الثاني يقول كلاما في ربع ساعة أيضا طويل، القاضي كل هذا الذي ذكره الخصمان واقع وقع، لكن القاضي لا يقيد منه في سجلِّه -يعني سيبني عليه الحكم- إلا ثلاث كلمات أو أربع؛ لأنها هي المؤثرة في الحكم الشرعي
كذلك المستفتي تأتي تستفتي أحد العلماء، وتقصّ عليه قصة طويلة، ويجيبك بمسألتين، ثلاث، تقول: لا، شيخ كان كذا وكذا يقول: ولو كان هذا ما له أثر وهو واقع صحيح عندك أنه واقع، ربما يكون مؤثرا لكنه عند العالم ليس مؤثرا في الحكم الشرعي"
وهذه الفقرة تبين أن أسئلة السائلين أو كلام المتخاصمين عند القاضى معظمها كلام لا يبنى عليه حكم لكونها كما يقال لت وعجن أو كلام فارغ من المعنى وإنما عدة جمل منها يبنى عليها الحكم لأن السائل أو المتخاصم ليس لديه علم القاضى فى تصور ما حدث وإنما هو ياخذ المسألة حسب فهمه وهو غالبا فهم قاصر
وبين الرجل أن فقه الواقع يطلق حاليا على أمور كثير ما لم يحدث أى يقع فى الواقع فقال:
"الآن هذه الكلمة (فقه الواقع) يُعنى بها معرفة أحوال الناس والمسلمين والأعداء، وما يعدّون له، وما يخططون ونحو ذلك من علوم كثيرة، وهذا لاشك أنه كعلم –مع اعتراض على التسمية- كعلم مطلوب، أن يعرف في الأمة طائفة هذه الأمور، وهذا من أجناس فروض الكفايات كالعلوم المختلفة: علم السياسة، وعلم الفيزياء، والكيمياء، والجبر، والهندسة، ونحو ذلك، هذا من جنس العلوم تلك، فمعرفتها لا بد أن تكون في الأمة، لكن تلك معرفة وليس بفقه، معرفة لأن الفقه هو فهم الأمور، الفقه هو الفهم ?مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ?[هود:91]، يعني ما نفهم كثيرا مما تقول، ولا يدعي من يتابع أحوال العالم من طلبة العلم المعتنين بذلك ونحو ذلك، لا يدعون أنهم يفهمون ما سيجري من الأحداث، ولهذا التسمية بفقه واقعا أيضا ليست بصحيحة؛ لأن حقيقة ما يرومون هو معرفة ما يقال وما يكتب"
والخطأ هنا أن الرجل يطلق على علوم الكفايات معرفة فقط دون فقه وهو فهم خاطىء منه فمثلا علم الكيمياء مرتبط به أحكام شرعية كثيرة مثل حرمة إبادة أنواع من الحشرات بمادة من مواده وحرمة استخدامه فى تصنيع الخمور وحرمة إنتاج أسمدة منه تؤدى لضياع طعم النبات ومثلا علم الهندسة مرتبط به أحام شرعية فمثلا لا يجوز بناء الملاعب الكبرى لكونها نوع من تضييع المال وكذلك بناء البنايات الضخمة التى يسكنها أو يعمل بها الألوف المؤلفة محرم لأنه لا يستعمل عنصر الأمن فيها فيجب ألا تكون هناك تجمعات عددية كبيرة فى مكان واحد يجعل العدو يقتل الآلاف بضربة واحدة وإنما يوزع السكان على مساحات واسعة فهذا يكلفه الكثير ويتعبه وكثرة الأهداف تشتت تفكيره
وقال صالح أن العلوم الكفائية ليست مصلحة دينية فى الفقرة التالية:
"وهذا أقل من الفقه بكثير هنا هذه الأشياء قلنا لابد أن يكون في الأمة من يعرف، فهي من جنس العلوم الكفائية، وقد نبّه على ذلك الشيخ ناصر الدين الألباني حين عرض لهذه المسألة إذا تقرر هذا فإنه باتفاق أهل العلم: العلوم الكفائية لا يخاطب بها عامة الناس؛ لأنها ليست مُصلحة لدينهم، بل إنها تشغلهم عما هو أولى لهم"
العلوم الكفائية مصلحة دينية فعلم الطب مثلا يحافظ على صحة الناس تطبيقا لقول المأثور " تداووا عباد الله فإن الله جعل لكل داء دواء"وعلم الزراعة مثلا يوفر لهم الطعام الحلال
وقد ضرب الرجل لنا مثلا بنظرية النسبية على كونها ليست من فقه الواقع فقال :
" أرأيت لو أن محاضرا أتى عندنا اليوم ففسحنا له الدرس، وقلنا حدث الإخوة في نظرية أينشتاين النسبية، كونه يوجد في الأمة من يعلم ذلك في تخصص الفيزياء لا بأس، لكن هل تحدَّثون بذلك، هذا لا شك أنه من الكفائيات التي لا تناسبكم، وإذا عرفتموها عرفتم علما
هل يصدق هذا على واقع الناس وعلى مخططات الأعداء أم لا؟"
والرجل فى تصوره هذا مخطىء يجب أن نفهم النظريات التى يقولها الكفار ليس الغرض منها سوى إضلالنا عن كلام الله فى موضوعاتها أو تضيع أوقاتنا بالخلاف فيها فهى من ضمن الواقع الذى يجب محاربته حفاظا على دين الناس وعلى عدم تضييع حياتهم فهناك نظريات الغرض منها التشكيك فى الله فمثلا نظرية المراكز المتعددة حيث لكل مجرة مركز ونظرية الأكوان المتعددة الغرض منها إبعاد الناس عن فكرة الوحدانية فالكون ذو المركز الواحد خالقه واحد
ونظريات عدم وجود مقياس صحيح فى علم النفس وعلم الاجتماع وغير ذلك الغرض منها إنكار وجود دين حق لله فهذا الكلام لا يقال عشوائيا وإنما هو مقصود
وكرر الرجل كلامه عن عدم وجود فائدة من تلك المعرفة فقال :
"ذكر مخططات الأعداء يفيد الشباب، وذكر أحوال المسلمين يفيد الشباب من جهة، ويضرهم من جهات أخر:يفيدهم من جهة أنه يحيي في نفوسهم الارتباط بالإسلام، ويحيي في نفوسهم بغض الكفرة والمشركين، ويحيي في نفوسهم أخذ الحذر من الأعداء ونحو ذلك، وهذه مصلحة مطلوبة ومن جهات أخر يقود الشباب إلى أن يُربوا على غير التربية السلفية التي نبْعها ومصدرها القرآن والسنة، وبالتجربة وجدنا أنّ من انشغل بتلك الأمور انشغل أشهرا بل ربما سنوات، وإذا سألته اليوم ماذا حصّلت؟ يقول لم أحصل شيء وأحد ممن أثق بهم ممن يعتنون بهذا الأمر يقول: تتبعت جميع المجلات، وتتبعت جميع الجرائد لأخرج بفهم لما سيجري في المستقبل من أنواع السياسات والمخططات المستقبلية، قال: فوجدت كل ما قرأت لا يعطي صورة عن المستقبل وقد سئل بعض الوزراء البريطانيين عن السياسة: ما تعريفها؟ قال: أصح تعاريفِها أن السياسة هي الكذبوهذا ينبني عليه فهمنا إلى أن الانشغال بهذه الأمور لن تحصّل من ورائها طائلا، بل إنه يصدك عمّا يجب أن تربي نفسك عليه وما تربي أحبابك عليه إذا نظرت وتأملت في هذا الكلام، وجدت أنه يمثل الواقع، الناس يعطون -الشباب والمسلمون بعامة- يعطون ما ينفعهم في هذا الأمر، لكنه مع أصوله الشرعية؛ يعني عِداء اليهود والنصارى لنا تقرأ فيه الآيات؛ آيات الولاء والبراء، وما فعله أولئك في أعظم أمر وهو أنهم أشركوا بالله جل وعلا وسبوا الله جل وعلا أعظم مسبّة، وهذا كاف في أن يجعل المؤمن الموحد مبغضا لهم كارها لهم0
معرفة الأحوال وما يجري بين الناس لا يُنقص من جهله، لا ينقص من جهله؛ بمعنى الأحوال الدنيوية، ألم ترَ إلى قصة سليمان عليه السلام حيث كان بجواره دولة ومملكة سبأ، وملكتها بلقيس، وكان عندها من الدنيا ما عندها، وبجواره، ولها من القوة ما لها، ومع ذلك لم يعلم شيئا عنها، ولم يُطلَع من الله جل وعلا على شيء من أخبارها، إذْ أن ذلك ليس له أثر في تبليغ رسالات الله، وإنما بلغه الهدهد بأمر يتعلق بالعقيدة، فقال الهدهد ?أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ?[النمل:22]، هذا النبأ الذي اعتنى به الهدهد قال ?وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(22)إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ?[النمل:22-23] هذا كالمقدمة، ?وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ?[النمل:2
3]
الكتاب من تأليف صالح بن عبد العزيز آل الشيخ والكتاب عبارة عن سؤال وجواب عن فقه الواقع
السؤال هو :
"هذا سؤال ربما ورد كثيرا يبدو أن الحاجة إلى الجواب عنه ملحة يقول: ما معنى فقه الواقع؟ ونرجو أن تعرّج على تعريف بعض العلوم التي يستدل بها أصحابها على أهل الدليل من الكتاب والسنة"
وأما جواب الرجل فهو:
"الجواب
نكتفي بالفقرة الأولى وهي قوله (ما معنى فقه الواقع؟)
أولا: التركيبة (فقه الواقع) مركبة من كلمتين (فقه) و(الواقع)، وكل كلمة من هاتين الكلمتين كانت مستعملة عند السلف الصالح رضي الله عنهم، فكانوا يستعملون كلمة (فقه)، وكانوا يستعملون كلمة (الواقع)، ومع ذلك فهم لم يجعلوا الواقع عندهم هو الواقع المراد عند هذه الإضافة والواقع: هو ما يقع من الأحداث والأمور في الناس
السلف لم يركبوا هذا التركيب مع وجود الكلمتين عندهم، فلم يضيفوا (الفقه) إلى (الواقع)، فلم يقولوا (فقه واقع) قالوا: فقه الكتاب، فقه السنة، ونحو ذلك، الفقه الأكبر؛ يعني العقيدة، أما فقه الواقع فلم يرد عندهم فكان هذا مع عدم تسمية معرفة الواقع بفقه الواقع، مع أن العلماء أعرضوا عنه أربعة عشر قرنا، كان هذا دليلا على أن هذه التسمية محدثة «وكل محدثة بدعة»؛ لأنها متصلة بالشريعة، ولا يخفى على كل واحد منكم أن فقه الواقع عند من يسميه بذلك له مساس بالأحكام الشرعية"
الرجل اعتبر التسمية مستحدثة وهى لا تخبرنا عن شىء حقيقى وليس لها وجود فى علم السابقين ثم بين حقيقة الواقع عند السابقين فقال:
"فتبين من هذا أن تركيبة الكلمتين لم ترد عند السلف مع وجود كل واحدة من الكلمتين عندهم ما الذي كان عند السلف؟ وما الذي كان عند أهل العلم؟
كان عندهم أن المفتي والحاكم لا يفتي ولا يحكم في المسائل الشرعية إلا بعد أن يعرف واقعَ المسألة المسئول عنها، فإذا سُئل عن شيء لا يجوز له أن يفتي أو يحكم بدون أن يتصورها، ولهذا جاء في بعض مسائل كتاب التوحيد أن إمام الدعوة قال: وفيها فهم الصحابة للواقع يعني بذلك فهمه لواقع الناس وما يسألون عنه، لا يُسأل عن مسألة وهو لا يعرف ما يريد الناس بها، يُستغفل! لا، لكن إذا سئل يعرف هذه المسألة تصورا، فإذا كانت المسألة مثلا في الفقه يعرف صورتها الفقهية، هذا معلوم عند أهل العلم"
وهو هنا يبين أن المفتى لا يفتى إلا بناء على تصوره لواقع المسألة حتى لا يغيب عنه شىء يمكن أن يكون قد غاب عن السائل ولذ كان بعضهم يحتاط فيضع الحكم لكل حالة يمكن أن تحدث
وقد قسم الرجل الواقع لقسمين فقال :
"بل قالوا: الحكم على الشيء فرع عن تصوره
والواقع قسمان:
واقع له أثر في الأحكام الشرعية
وواقع لا أثر له في الأحكام الشرعية
فليس كل ما يقع بين الناس، وما يجعله الله جل وعلا في أرضه، ليس كل ذلك مؤثرا في الأحكام الشرعية، أو تبنى عليه الأحكام الشرعية
القسم الأول: الواقع الذي تبنى عليه الأحكام الشرعية وفهم المسألة وصورتها وما تتنزل عليه
الثاني: ما يتصل بالمسألة مما ليس له أثر في الحكم الشرعي، هذا واقع لا أثر له
مثلا القاضي يأتيه خصمان يتخاصمان في مسألة، يقول الأول كلاما في ربع ساعة طويل، ويأتي الثاني يقول كلاما في ربع ساعة أيضا طويل، القاضي كل هذا الذي ذكره الخصمان واقع وقع، لكن القاضي لا يقيد منه في سجلِّه -يعني سيبني عليه الحكم- إلا ثلاث كلمات أو أربع؛ لأنها هي المؤثرة في الحكم الشرعي
كذلك المستفتي تأتي تستفتي أحد العلماء، وتقصّ عليه قصة طويلة، ويجيبك بمسألتين، ثلاث، تقول: لا، شيخ كان كذا وكذا يقول: ولو كان هذا ما له أثر وهو واقع صحيح عندك أنه واقع، ربما يكون مؤثرا لكنه عند العالم ليس مؤثرا في الحكم الشرعي"
وهذه الفقرة تبين أن أسئلة السائلين أو كلام المتخاصمين عند القاضى معظمها كلام لا يبنى عليه حكم لكونها كما يقال لت وعجن أو كلام فارغ من المعنى وإنما عدة جمل منها يبنى عليها الحكم لأن السائل أو المتخاصم ليس لديه علم القاضى فى تصور ما حدث وإنما هو ياخذ المسألة حسب فهمه وهو غالبا فهم قاصر
وبين الرجل أن فقه الواقع يطلق حاليا على أمور كثير ما لم يحدث أى يقع فى الواقع فقال:
"الآن هذه الكلمة (فقه الواقع) يُعنى بها معرفة أحوال الناس والمسلمين والأعداء، وما يعدّون له، وما يخططون ونحو ذلك من علوم كثيرة، وهذا لاشك أنه كعلم –مع اعتراض على التسمية- كعلم مطلوب، أن يعرف في الأمة طائفة هذه الأمور، وهذا من أجناس فروض الكفايات كالعلوم المختلفة: علم السياسة، وعلم الفيزياء، والكيمياء، والجبر، والهندسة، ونحو ذلك، هذا من جنس العلوم تلك، فمعرفتها لا بد أن تكون في الأمة، لكن تلك معرفة وليس بفقه، معرفة لأن الفقه هو فهم الأمور، الفقه هو الفهم ?مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ?[هود:91]، يعني ما نفهم كثيرا مما تقول، ولا يدعي من يتابع أحوال العالم من طلبة العلم المعتنين بذلك ونحو ذلك، لا يدعون أنهم يفهمون ما سيجري من الأحداث، ولهذا التسمية بفقه واقعا أيضا ليست بصحيحة؛ لأن حقيقة ما يرومون هو معرفة ما يقال وما يكتب"
والخطأ هنا أن الرجل يطلق على علوم الكفايات معرفة فقط دون فقه وهو فهم خاطىء منه فمثلا علم الكيمياء مرتبط به أحكام شرعية كثيرة مثل حرمة إبادة أنواع من الحشرات بمادة من مواده وحرمة استخدامه فى تصنيع الخمور وحرمة إنتاج أسمدة منه تؤدى لضياع طعم النبات ومثلا علم الهندسة مرتبط به أحام شرعية فمثلا لا يجوز بناء الملاعب الكبرى لكونها نوع من تضييع المال وكذلك بناء البنايات الضخمة التى يسكنها أو يعمل بها الألوف المؤلفة محرم لأنه لا يستعمل عنصر الأمن فيها فيجب ألا تكون هناك تجمعات عددية كبيرة فى مكان واحد يجعل العدو يقتل الآلاف بضربة واحدة وإنما يوزع السكان على مساحات واسعة فهذا يكلفه الكثير ويتعبه وكثرة الأهداف تشتت تفكيره
وقال صالح أن العلوم الكفائية ليست مصلحة دينية فى الفقرة التالية:
"وهذا أقل من الفقه بكثير هنا هذه الأشياء قلنا لابد أن يكون في الأمة من يعرف، فهي من جنس العلوم الكفائية، وقد نبّه على ذلك الشيخ ناصر الدين الألباني حين عرض لهذه المسألة إذا تقرر هذا فإنه باتفاق أهل العلم: العلوم الكفائية لا يخاطب بها عامة الناس؛ لأنها ليست مُصلحة لدينهم، بل إنها تشغلهم عما هو أولى لهم"
العلوم الكفائية مصلحة دينية فعلم الطب مثلا يحافظ على صحة الناس تطبيقا لقول المأثور " تداووا عباد الله فإن الله جعل لكل داء دواء"وعلم الزراعة مثلا يوفر لهم الطعام الحلال
وقد ضرب الرجل لنا مثلا بنظرية النسبية على كونها ليست من فقه الواقع فقال :
" أرأيت لو أن محاضرا أتى عندنا اليوم ففسحنا له الدرس، وقلنا حدث الإخوة في نظرية أينشتاين النسبية، كونه يوجد في الأمة من يعلم ذلك في تخصص الفيزياء لا بأس، لكن هل تحدَّثون بذلك، هذا لا شك أنه من الكفائيات التي لا تناسبكم، وإذا عرفتموها عرفتم علما
هل يصدق هذا على واقع الناس وعلى مخططات الأعداء أم لا؟"
والرجل فى تصوره هذا مخطىء يجب أن نفهم النظريات التى يقولها الكفار ليس الغرض منها سوى إضلالنا عن كلام الله فى موضوعاتها أو تضيع أوقاتنا بالخلاف فيها فهى من ضمن الواقع الذى يجب محاربته حفاظا على دين الناس وعلى عدم تضييع حياتهم فهناك نظريات الغرض منها التشكيك فى الله فمثلا نظرية المراكز المتعددة حيث لكل مجرة مركز ونظرية الأكوان المتعددة الغرض منها إبعاد الناس عن فكرة الوحدانية فالكون ذو المركز الواحد خالقه واحد
ونظريات عدم وجود مقياس صحيح فى علم النفس وعلم الاجتماع وغير ذلك الغرض منها إنكار وجود دين حق لله فهذا الكلام لا يقال عشوائيا وإنما هو مقصود
وكرر الرجل كلامه عن عدم وجود فائدة من تلك المعرفة فقال :
"ذكر مخططات الأعداء يفيد الشباب، وذكر أحوال المسلمين يفيد الشباب من جهة، ويضرهم من جهات أخر:يفيدهم من جهة أنه يحيي في نفوسهم الارتباط بالإسلام، ويحيي في نفوسهم بغض الكفرة والمشركين، ويحيي في نفوسهم أخذ الحذر من الأعداء ونحو ذلك، وهذه مصلحة مطلوبة ومن جهات أخر يقود الشباب إلى أن يُربوا على غير التربية السلفية التي نبْعها ومصدرها القرآن والسنة، وبالتجربة وجدنا أنّ من انشغل بتلك الأمور انشغل أشهرا بل ربما سنوات، وإذا سألته اليوم ماذا حصّلت؟ يقول لم أحصل شيء وأحد ممن أثق بهم ممن يعتنون بهذا الأمر يقول: تتبعت جميع المجلات، وتتبعت جميع الجرائد لأخرج بفهم لما سيجري في المستقبل من أنواع السياسات والمخططات المستقبلية، قال: فوجدت كل ما قرأت لا يعطي صورة عن المستقبل وقد سئل بعض الوزراء البريطانيين عن السياسة: ما تعريفها؟ قال: أصح تعاريفِها أن السياسة هي الكذبوهذا ينبني عليه فهمنا إلى أن الانشغال بهذه الأمور لن تحصّل من ورائها طائلا، بل إنه يصدك عمّا يجب أن تربي نفسك عليه وما تربي أحبابك عليه إذا نظرت وتأملت في هذا الكلام، وجدت أنه يمثل الواقع، الناس يعطون -الشباب والمسلمون بعامة- يعطون ما ينفعهم في هذا الأمر، لكنه مع أصوله الشرعية؛ يعني عِداء اليهود والنصارى لنا تقرأ فيه الآيات؛ آيات الولاء والبراء، وما فعله أولئك في أعظم أمر وهو أنهم أشركوا بالله جل وعلا وسبوا الله جل وعلا أعظم مسبّة، وهذا كاف في أن يجعل المؤمن الموحد مبغضا لهم كارها لهم0
معرفة الأحوال وما يجري بين الناس لا يُنقص من جهله، لا ينقص من جهله؛ بمعنى الأحوال الدنيوية، ألم ترَ إلى قصة سليمان عليه السلام حيث كان بجواره دولة ومملكة سبأ، وملكتها بلقيس، وكان عندها من الدنيا ما عندها، وبجواره، ولها من القوة ما لها، ومع ذلك لم يعلم شيئا عنها، ولم يُطلَع من الله جل وعلا على شيء من أخبارها، إذْ أن ذلك ليس له أثر في تبليغ رسالات الله، وإنما بلغه الهدهد بأمر يتعلق بالعقيدة، فقال الهدهد ?أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ?[النمل:22]، هذا النبأ الذي اعتنى به الهدهد قال ?وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(22)إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ?[النمل:22-23] هذا كالمقدمة، ?وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ?[النمل:2
3]