"وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وأتاكم ما لم يؤت أحد من العالمين"المعنى وقد قال موسى (ص)لشعبه يا شعبى اعلموا رحمة الله بكم حين أرسل لكم رسلا وخلقكم حكاما وأعطاكم الذى لم يعطى أحد من الخلق،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال لقومه وهم بنو إسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم والمراد اعرفوا فضل الله عليكم حين جعل فيكم أنبياء أى أرسل لكم رسلا مصداق لقوله بسورة المائدة"لقد أخذنا ميثاق بنى إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا" وجعلكم ملوكا والمراد وخلقكم حكاما والمراد أعطاهم ما يجعلهم حكاما وهو حكم الله مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"ولقد أتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة"وأتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين والمراد وأعطاكم الذى لم يعطى أحدا من الخلق وهذا هو تفضيلهم على الخلق بطاعتهم حكم الله مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"وفضلناهم على العالمين" والمراد أن الله ميزهم بطاعتهم لحكم الله والخطاب وما بعده من قصص للنبى(ص).
"يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"المعنى يا شعب اسكنوا القرية المباركة التى فرض الله لكم ولا تعودوا على أعقابكم فتعودوا خائبين ،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال لهم:يا قوم أى يا شعب ادخلوا الأرض المقدسة والمراد اسكنوا القرية المباركة مكة مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"اسكنوا هذه القرية"التى كتب الله لكم والمراد التى فرض الله لكم وهذا يعنى أنه أوجب عليهم سكن مكة المباركة فى التوراة ولا ترتدوا على أدباركم والمراد ولا تعودوا إلى كفركم والمراد لا تخالفوا أمر الله فتنقلبوا خاسرين أى خائبين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فتنقلبوا خائبين"والمراد فتعودوا معذبين .
"قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون"المعنى قالوا يا موسى إن فيها ناسا أقوياء وإنا لن نسكنها حتى يتركوها فإن يتركوها فإنا ساكنوها،يبين الله لنا أن بنى إسرائيل قالوا لموسى(ص):يا موسى إن فيها قوما جبارين أى عالين مصداق لقوله بسورة المؤمنون"قوما عالين"أى مفسدين وإنا لن ندخلها أى نسكنها حتى يخرجوا منها والمراد حتى يتركوها دون قتال منا فإن يخرجوا منها أى يتركوها لنا فإنا داخلون أى ساكنون لها،وهذا يعنى أنهم يريدون سكن الأرض المقدسة دون حرب فهم يريدون من الله أن يخرج الجبارين منها بعمله وليس بجهادهم.
"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين" المعنى قال ذكران من الذين يطيعون من الله عليهما افتحوا عليهم البلد فإذا فتحتموه فإنكم منتصرون وبالله فاحتموا إن كنتم مصدقين بحكم الله،يبين الله لنا أن رجلان أى ذكران من بنى إسرائيل وهم موسى (ص)وهارون(ص) من الذين يخافون أى يخشون عذاب الله فيطيعون حكمه قد أنعم الله عليهما والمراد قد تفضل الله عليهم بحكمه قالوا لبقيتهم :ادخلوا عليهم الباب والمراد افتحوا عليهم البلد أى اهجموا عليهم فى الأرض فإذا دخلتموه أى هجمتم عليها فإنكم غالبون أى منتصرون على الجبارين وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين والمراد وبطاعة حكم الله فاحتموا من عذاب الله إن كنتم صادقين مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"إن كنتم صادقين".
"قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون "المعنى قالوا إنا لن نسكنها ما بقوا فيها فسافر أنت وإلهك فحاربا إنا ها هنا ساكنون،يبين الله لنا أن القوم ردوا على موسى(ص)فقالوا :يا موسى إنا لن ندخلها أبدا والمراد إنا لن نسافر لسكنها ما داموا فيها أى ما سكنوها والمراد كما قالوا فى آية سابقة"حتى يخرجوا منها"فهم لا يريدون أن يجاهدوا وأن يترك الجبارون الأرض لهم دون حرب وقالوا:فاذهب أنت وربك فقاتلا والمراد سافر أنت وإلهك فحاربا وقولهم ربك يعنى كفرهم بهذا الرب لأنهم لو كانوا يعتقدون أنه ربهم لقالوا ربنا ،زد على هذا أنهم وصفوا الله بالذهاب والقتال وهو وصف يشبه الله بخلقه،وقالوا إنا ها هنا قاعدون أى باقون فى أرضنا هذه .
"قال رب لا أملك إلا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"المعنى قال إلهى لا أحكم إلا نفسى وأخى فباعد بيننا وبين القوم الكافرين،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال أى دعا الله :رب إنى لا أملك إلا نفسى وأخى والمراد إلهى إنى لا أحكم سوى نفسى وأخى لا يحكم سوى نفسه وبألفاظ أخرى لا أمر سوى نفسى بالقتال و أخى يأمر نفسه بالقتال فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين أى فاحكم أى فاقضى أى فافتح بيننا وبين القوم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"افتح بيننا وبين قومنا بالحق"،وهذا يعنى أنه يطلب من الله أن يصدر حكمه فى الكفار الذين عصوا أمر الله.
"قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض فلا تأسى على القوم الفاسقين"المعنى قال فإنها ممنوعة عليهم أربعين سنة يضلون فى الأرض فلا تحزن على القوم الكافرين،يبين الله لنا أنه استجاب لدعاء موسى(ص)فحكم حيث قال لموسى(ص):فإنها والمراد فإن الأرض المقدسة محرمة أى ممنوع عليهم دخولها أربعين سنة أى عام يتيهون فيها فى الأرض أى يضلون أى يتحيرون فى الأربعين سنة فى الصحراء التى أرادوا الجلوس فيها دون حرب ،ثم يطلب الله من موسى(ص) ألا يأسى أى يحزن على القوم الفاسقين وهم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فلا تأسى على القوم الكافرين".
"واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين"المعنى وأبلغ لهم قصة ولدى آدم(ص)حين قدما دانية لله فأخذ من أولهما ورفض من الثانى قال لأذبحنك قال إنما يأخذ الله من المطيعين ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يتلو عليهم والمراد أن يبلغ لهم نبأ ابنى آدم(ص)والمراد خبر ولدى آدم(ص)إذ قربا قربانا والمراد حين قدم كل منهما شىء يتقرب به لله فكانت النتيجة أن الله تقبل من أحدهما أى رضا عن أحدهما ولم يتقبل من الأخر والمراد ولم يرضى عن الثانى ومن ثم عرف الأول أنه على الحق وعرف الثانى أنه على الباطل فى خلافهما فقال الثانى للأول:لأقتلنك أى لأذبحنك من أجل هذا وهذا يبين لنا أنه بدلا من أن يلوم نفسه لام أخيه فقال له الأول:إنما يتقبل الله من المتقين والمراد إن الله يرضى عن المطيعين لحكمه والخطاب للنبى(ص)يقوله للناس هو وما بعده من القصة.
"لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى لأقتلك إنى أخاف الله رب العالمين "المعنى لئن مددت إلى أذاك لتذبحنى ما أنا بماد لك أذاى لأذبحك إنى أخشى عذاب الله إله الناس ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأخ الأول قال للثانى:لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى والمراد لئن عملت مكرك لتذبحنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك والمراد ما أنا صانع مكر لك لأذبحك إنى أخاف رب العالمين والمراد إنى أخشى عقاب الله خالق الجميع،وهذا يعنى أنه لا يريد قتل أخيه مثلما يريد هو قتله كما يعنى أن سبب عدم قتله لأخيه هو خوفه من عذاب الله .
"إنى أريد أن تبوأ بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين"المعنى إنى أحب أن ترجع بذنبى وذنبك فتصبح من أهل الجحيم وذلك عقاب العاصين لله،يبين الله لنبيه(ص) أن الأخ الأول قال للثانى:إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك والمراد إنى أحب أن ترجع بجرمى وجرمك السابق وهذا يعنى أن الأول يقول للثانى أن سبب عقابك سيكون ذنب قتلى وذنوبك الأخرى فتكون من أصحاب النار أى فتصبح من المعذبين مصداق لقوله تعالى بسورة الشعراء"فتكون من المعذبين"وذلك جزاء الظالمين أى عقاب الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة التوبة"وذلك جزاء الكافرين" وهذا القول منه هو تذكير للثانى بعذاب الله حتى يخاف منه فلا يقدم على القتل .
"فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين"المعنى فسولت له شهوته ذبح أخيه فذبحه فأصبح من المعذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن نفس الأخ الثانى وهى شهوته أى هواه الضال طوع له أى سول له أى أمره بقتل أى ذبح أخيه فكانت النتيجة أن نفذ الأمر فقتل أى ذبح أخيه فأصبح من الخاسرين أى النادمين مصداق لقوله فى الآية التالية"فأصبح من النادمين"وهم المعذبين فى النار.
"فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين"المعنى فأرسل الله غرابا يحفر فى التراب ليعلمه كيف يخفى جثة أخيه قال يا عذابى أفشلت أن أصبح شبه هذا الغراب فأدفن جثة أخى فأصبح من المعذبين، يبين الله لنبيه(ص)أنه بعث أى أرسل غرابا يبحث فى الأرض والمراد يحفر بأرجله فى التراب والسبب ليريه كيف يوارى سوءة أخيه أى ليعلمه كيف يدفن جثة أخيه وهذا يعنى وجوب دفن الميت بغض النظر عن دين الميت عن طريق الحفر فى الأرض ووضع الميت ثم إهالة التراب عليه،فقال القاتل:يا ويلتى أى يا عذابى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى والمراد هل فشلت أن أصبح شبه هذا الغراب فأخفى جثة أخى فى التراب ،وهذا يعنى أن الإنسان يتعلم من الحيوان وربما كان هذا التعليم هنا سبب فى تشاءم البشر بالغراب وهو أمر محرم لأن الغراب فعل تعليم الدفن بأمر من الله ،وأصبح من النادمين أى الخاسرين وهم المعذبين فى النار.
"من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثير منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون"المعنى بسبب هذا فرضنا على أولاد يعقوب أنه من ذبح إنسانا بغير إنسان أو ردة فى البلاد فكأنما ذبح الخلق كلهم ومن عفا عنها فكأنما بعث البشر كلهم ولقد أتتهم مبعوثينا بالآيات ثم إن كثير منهم بعد ذلك فى البلاد لمفسدون،يبين الله لنا أن من أجل ذلك والمراد بسبب قتل الأخ لأخيه كتب أى فرض الله على بنى إسرائيل التالى:
أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض والمراد أن من ذبح إنسان بغير ذبحه لإنسان أو ردة عن دين الله فى البلاد وهو الظلم وهذا يعنى أن سبب قتل الإنسان إما قتله لأخر أو ردته عن الإسلام وهو حربه لله ورسوله(ص) والقاتل كأنما قتل الناس جميعا والمراد من ذبح إنسانا فكأنما ذبح الخلق كلهم لأنه يعمل على قطع نسل المقتول الذى سيحيى من بعده وأما من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا والمراد وأما من عفا عن القاتل فترك قتله فكأنما أحيا الخلق كلهم لأنه بهذا يحيى نسله الذى سيحيى مستقبلا ،ويبين الله لنا أنهم جاءتهم رسلهم بالبينات أى أرسل لهم مبعوثيهم بالآيات مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات "وهذا معناه أن الأنبياء(ص)أبلغوا الناس بالوحى ليعملوا به ولكن الذى حدث هو أن كثير منهم بعد إبلاغهم الوحى مسرفون أى فاسقون مصداق لقوله بسورة المائدة "وإن كثيرا من الناس لفاسقون"والمراد مكذبون بوحى الله.
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم أو أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"المعنى إنما عقاب الذين يقاتلون الله ونبيه(ص)أى يفعلون فى البلاد ظلما أن يذبحوا أو يعلقوا أو تبتر أيديهم وأرجلهم من تضاد أو يبعدوا عن اليابسة ذلك لهم ذل فى الأولى ولهم فى القيامة عقاب كبير،يبين الله لنا أن جزاء وهو عقاب الذين يحاربون الله ورسوله (ص)أى يحادونهم مصداق لقوله بسورة المجادلة"إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الأذلين"والمعنى أن عقاب الذين يعادون دين الله ونبيه(ص)وفسرهم بأنهم الذين يسعون فى الأرض فسادا والمراد الذين يعملون فى البلاد بالظلم وهو حكم غير الله هو أحد العقوبات التالية:
يقتلوا أى يذبحوا أى أن يصلبوا أى يعلقوا على المصلبة وفسر هذا بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف والمراد أن تبتر يد من اليدين والرجل المخالفة لها فى الجهة ويعلق حتى يموت على المصلبة أو أن ينفوا من الأرض والمراد أن يخرجوا من اليابسة أى يغرقوا فى الماء ،ويبين لنا أن ذلك خزى لهم فى الدنيا أى ذل أى عذاب لهم فى الحياة الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"لهم عذاب فى الحياة الدنيا" ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة النور"لهم عذاب أليم فى الدنيا والأخرة" والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم" المعنى إلا الذين عادوا للحق من قبل أن تعاقبوهم فاعرفوا أن الله عفو نافع ،يبين الله لنا أن المحاربين المفسدين يستثنى منهم من العقاب الذين تابوا قبل أن نقدر عليهم والمراد الذين عادوا لدين الله قبل أن نقبض عليهم فنعاقبهم فهؤلاء يجب علينا أن نعلم أن الله غفور رحيم أى عفو نافع لهم ومن ثم لا يجب معاقبتهم.
"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله أطيعوا حكم الله أى اعملوا من أجل جنته الطاعة لحكمه أى اعملوا فى نصره ،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله طالبا منهم أن يتقوه أى يخافوا ناره فيطيعوا حكمه مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"فاتقوا النار"وفسر هذا بأن يبتغوا إليه الوسيلة والمراد أن يعملوا لجنته المطلوب منهم وهو طاعة حكم الله وفسر هذا بأن يجاهدوا فى سبيله أى يعملوا على نصر دينه بطاعتهم له والسبب حتى يفلحوا أى يفوزوا بجنة الله وهى رحمته مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون"فأطيعوا تعنى اتقوا تعنى ابتغوا تعنى جاهدوا وتفلحون تعنى ترحمون والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم"المعنى إن الذين كذبوا لو أن لهم الذى فى الأرض كله وقدره معه ليبعدوا به عن عقاب يوم البعث ما أخذ منهم ولهم عقاب شديد يحبون أن يطلعوا من النار وما هم بباعدين عنها ولهم عقاب دائم، يبين الله لنا أن الذين كفروا أى كذبوا بحكم الله لو أن لهم أى لو أنهم يملكون ما فى الأرض جميعا ومثله معه أى وقدر ما فى الأرض معه من أجل أن يفتدوا من عذاب يوم القيامة والمراد من أجل أن ينجوا من عقاب يوم البعث ما تقبل منهم أى ما رضى الله أن ينقذهم من العذاب بسبب دفعهم له ملك الأرض ومثلها معها لأن الله حرم الفدية فقال بسورة الحديد"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا"ويبين لنا أنهم لهم عذاب أليم أى عقاب عظيم مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"ولهم عذاب عظيم"وأنهم يريدون أن يخرجوا من النار والمراد أنهم يرغبون فى أن يبعدوا عن النار ولكن الحادث أنهم ليسوا بخارجين منها أى ليسوا بطالعين منها أى ليسوا بمبعدين عنها وفسر هذا بأن لهم عذاب مقيم أى عقاب خالد أى دائم مصداق لقوله بسورة المائدة"وفى العذاب هم خالدون ".
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم"المعنى واللص واللصة فافصلوا أكفهما عقاب لما عملا انتقاما من الله والله قوى قاضى فمن أناب من بعد سرقته أى أحسن العمل فإن الله يغفر له إن الله تواب نافع،يبين الله لنا أن السارق والسارقة وهما من أخذا مال الغير أيا كان نوعه جهرا أو سرا دون رضاه الواجب فيهم هو قطع أيديهم أى فصل أكفهما عن أذرعهما وهذا جزاء ما كسبا والمراد عقاب الذى صنعا وهو السرقة وهذا الجزاء نكال من الله أى انتقام فرضه الله منهم وهو العزيز أى القوى الحكيم أى القاضى بالحق ،ويبين لنا أن من تاب من بعد ظلمه أى من عاد للحق من بعد سرقته وفسره الله بأنه أصلح أى أناب للحق فالله يتوب عليه أى يغفر له أى يرحمه لأنه غفور رحيم أى نافع مفيد للتائب والخطاب للمؤمنين.
"ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شىء قدير"المعنى هل لم تعرف أن الله له ميراث السموات والأرض يعاقب من يريد ويرحم من يريد والله لكل أمر يريده فاعل؟يخبر الله رسوله(ص)أن له ملك أى ميراث السموات والأرض أى حكمهم مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"ولله ميراث السموات والأرض"وهو يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء أى يعاقب من يريد وهو الكافر به ويرحم من يريد وهو المؤمن به مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت"يرحم من يشاء"وهو على كل شىء قدير والمراد لكل أمر يريده فعال مصداق لقوله تعالى بسورة البروج"فعال لما يريد" والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم أخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"المعنى يا أيها المبعوث لا يغمك الذين يتسابقون فى تكذيب حكم الله من الذين قالوا صدقنا بألسنتهم ولم تصدق نفوسهم ومن الذين هادوا مطيعون للكفر مطيعون لناس أخرين لم يجيئوك يبعدون الأحكام عن مقاصدها يقولون إن أعطيتم هذا فأطيعوه وإن لم تبلغوه فابعدوا عنه ومن يحب الله عذابه فلن تمنع عنه من الله عذابا أولئك الذين لم يحب الله أن يزكى نفوسهم لهم فى الأولى ذل وفى القيامة عقاب شديد،يخاطب الله الرسول وهو محمد(ص) فينهاه عن الحزن على الذين يسارعون فى الكفر والمراد يزجره عن الأسى على الذين يتسابقون فى عمل أعمال التكذيب لحكم الله لأنهم لا يستحقون ذلك وهم الذين قالوا آمنا بأفواههم والمراد الذين قالوا صدقنا حكم الله بكلماتهم وهى ألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم أى ولم تصدق نفوسهم بحكم الله أى لم يدخل الإيمان فى قلوبهم كما قال بسورة الحجرات "ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم"،ويبين له أن من الذين هادوا وهم اليهود سماعون للكذب والمراد متبعون لحكم الكفر وفسرهم بأنهم سماعون لقوم أخرين لم يأتوه والمراد متبعون لحكم ناس سواهم لم يحضروا عند محمد(ص) وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه والمراد يبعدون أحكام الله وهى كتابه عن معانيها الحقيقية أى "يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب" كما قال بسورة آل عمران ويقولون لمتبعيهم :إن أوتيتم هذا فخذوه والمراد إن أبلغتم كلامنا هذا فاتبعوه وإن لم تؤتوه فاحذروا والمراد وإن لم تبلغوا به من محمد(ص) فلا تتبعوه،ويبين له أن من يرد الله فتنته والمراد من يشاء الله تعذيبه أى إضلاله مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"ومن يرد الله أن يضله" فلن يملك له من الله شيئا والمراد فلن يمنع عنه من الله عذابا وبين له أن هؤلاء هم الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم والمراد الذين لم يشأ الله أن يزكى أى يرحم نفوسهم وعقابهم أنهم لهم خزى أى ذل أى عذاب فى الحياة الدنيا وهى الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"ولهم عذاب فى الحياة الدنيا " ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة المائة"ولهم عذاب أليم"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"سماعون للكذب آكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرونك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين"المعنى متبعون للكفر آخذون للحرام فإن أتوك فاقض بينهم أو تولى عنهم وإن تتولى عنهم فلن يؤذوك بشىء وإن قضيت فاقض بينهم بالعدل إن الله يثيب العادلين ،يبين الله لنبيه(ص) أن أهل النفاق وأهل التحريف سماعون للكذب أى مطيعون لما يقال لهم من الباطل وهم آكالون للسحت أى آخذون للمتاع الحرام و الكفار المذكورين إن جاءوه أى حضروا عنده للتقاضى فله الحق فى أن يحكم بينهم أى يقضى بينهم أو يعرض عنهم أى يتولى عنهم والمراد يمتنع عن الحكم بينهم ويبين له أنه لو أعرض عن الحكم والمراد لو امتنع عن الحكم بين الكافرين فلن يضروه بشىء والمراد فلن يصيبوه بأذى مهما كان صغيرا ويطلب منه إن حكم أى قضى بينهم أى يحكم بالقسط وهو العدل أى ما أنزل الله مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فاحكم بينهم بما أنزل الله"ويبين له أن الله يحب المقسطين والمراد أن الله يرحم العادلين وهم المتقين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله يحب المتقين".
"وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين"المعنى وكيف يتقاضون عندك ولديهم التوراة بها قضاء الله ثم يعرضون من بعد حكمك وما أولئك بالمصدقين؟،يسأل الله رسوله (ص)كيف يجعلك اليهود قاضيا بينهم مع أن عندهم التوراة فيها حكم أى قضاء الله ثم يتولون أى يرفضون الحكم من بعد صدوره منك ؟والغرض من السؤال هو إخبار الرسول(ص)بأن غرض اليهود من التقاضى عنده خبيث لأنهم يعرفون حكم أى قضاء الله وهو الهدى أى النور فى التوراة مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور" والغرض الخبيث هو أن يقولوا للناس أن حكم محمد(ص)ليس من عند الله بدليل أنهم تولوا أى أعرضوا عن تنفيذه لما وجدوه يخالف ما عندهم واليهود ليسوا مؤمنين أى غير مصدقين بحكم الله أى كافرين مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فأولئك هم الكافرون"والخطاب للنبى.
"يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"المعنى يا شعب اسكنوا القرية المباركة التى فرض الله لكم ولا تعودوا على أعقابكم فتعودوا خائبين ،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال لهم:يا قوم أى يا شعب ادخلوا الأرض المقدسة والمراد اسكنوا القرية المباركة مكة مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"اسكنوا هذه القرية"التى كتب الله لكم والمراد التى فرض الله لكم وهذا يعنى أنه أوجب عليهم سكن مكة المباركة فى التوراة ولا ترتدوا على أدباركم والمراد ولا تعودوا إلى كفركم والمراد لا تخالفوا أمر الله فتنقلبوا خاسرين أى خائبين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فتنقلبوا خائبين"والمراد فتعودوا معذبين .
"قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون"المعنى قالوا يا موسى إن فيها ناسا أقوياء وإنا لن نسكنها حتى يتركوها فإن يتركوها فإنا ساكنوها،يبين الله لنا أن بنى إسرائيل قالوا لموسى(ص):يا موسى إن فيها قوما جبارين أى عالين مصداق لقوله بسورة المؤمنون"قوما عالين"أى مفسدين وإنا لن ندخلها أى نسكنها حتى يخرجوا منها والمراد حتى يتركوها دون قتال منا فإن يخرجوا منها أى يتركوها لنا فإنا داخلون أى ساكنون لها،وهذا يعنى أنهم يريدون سكن الأرض المقدسة دون حرب فهم يريدون من الله أن يخرج الجبارين منها بعمله وليس بجهادهم.
"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين" المعنى قال ذكران من الذين يطيعون من الله عليهما افتحوا عليهم البلد فإذا فتحتموه فإنكم منتصرون وبالله فاحتموا إن كنتم مصدقين بحكم الله،يبين الله لنا أن رجلان أى ذكران من بنى إسرائيل وهم موسى (ص)وهارون(ص) من الذين يخافون أى يخشون عذاب الله فيطيعون حكمه قد أنعم الله عليهما والمراد قد تفضل الله عليهم بحكمه قالوا لبقيتهم :ادخلوا عليهم الباب والمراد افتحوا عليهم البلد أى اهجموا عليهم فى الأرض فإذا دخلتموه أى هجمتم عليها فإنكم غالبون أى منتصرون على الجبارين وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين والمراد وبطاعة حكم الله فاحتموا من عذاب الله إن كنتم صادقين مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"إن كنتم صادقين".
"قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون "المعنى قالوا إنا لن نسكنها ما بقوا فيها فسافر أنت وإلهك فحاربا إنا ها هنا ساكنون،يبين الله لنا أن القوم ردوا على موسى(ص)فقالوا :يا موسى إنا لن ندخلها أبدا والمراد إنا لن نسافر لسكنها ما داموا فيها أى ما سكنوها والمراد كما قالوا فى آية سابقة"حتى يخرجوا منها"فهم لا يريدون أن يجاهدوا وأن يترك الجبارون الأرض لهم دون حرب وقالوا:فاذهب أنت وربك فقاتلا والمراد سافر أنت وإلهك فحاربا وقولهم ربك يعنى كفرهم بهذا الرب لأنهم لو كانوا يعتقدون أنه ربهم لقالوا ربنا ،زد على هذا أنهم وصفوا الله بالذهاب والقتال وهو وصف يشبه الله بخلقه،وقالوا إنا ها هنا قاعدون أى باقون فى أرضنا هذه .
"قال رب لا أملك إلا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"المعنى قال إلهى لا أحكم إلا نفسى وأخى فباعد بيننا وبين القوم الكافرين،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال أى دعا الله :رب إنى لا أملك إلا نفسى وأخى والمراد إلهى إنى لا أحكم سوى نفسى وأخى لا يحكم سوى نفسه وبألفاظ أخرى لا أمر سوى نفسى بالقتال و أخى يأمر نفسه بالقتال فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين أى فاحكم أى فاقضى أى فافتح بيننا وبين القوم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"افتح بيننا وبين قومنا بالحق"،وهذا يعنى أنه يطلب من الله أن يصدر حكمه فى الكفار الذين عصوا أمر الله.
"قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض فلا تأسى على القوم الفاسقين"المعنى قال فإنها ممنوعة عليهم أربعين سنة يضلون فى الأرض فلا تحزن على القوم الكافرين،يبين الله لنا أنه استجاب لدعاء موسى(ص)فحكم حيث قال لموسى(ص):فإنها والمراد فإن الأرض المقدسة محرمة أى ممنوع عليهم دخولها أربعين سنة أى عام يتيهون فيها فى الأرض أى يضلون أى يتحيرون فى الأربعين سنة فى الصحراء التى أرادوا الجلوس فيها دون حرب ،ثم يطلب الله من موسى(ص) ألا يأسى أى يحزن على القوم الفاسقين وهم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فلا تأسى على القوم الكافرين".
"واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين"المعنى وأبلغ لهم قصة ولدى آدم(ص)حين قدما دانية لله فأخذ من أولهما ورفض من الثانى قال لأذبحنك قال إنما يأخذ الله من المطيعين ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يتلو عليهم والمراد أن يبلغ لهم نبأ ابنى آدم(ص)والمراد خبر ولدى آدم(ص)إذ قربا قربانا والمراد حين قدم كل منهما شىء يتقرب به لله فكانت النتيجة أن الله تقبل من أحدهما أى رضا عن أحدهما ولم يتقبل من الأخر والمراد ولم يرضى عن الثانى ومن ثم عرف الأول أنه على الحق وعرف الثانى أنه على الباطل فى خلافهما فقال الثانى للأول:لأقتلنك أى لأذبحنك من أجل هذا وهذا يبين لنا أنه بدلا من أن يلوم نفسه لام أخيه فقال له الأول:إنما يتقبل الله من المتقين والمراد إن الله يرضى عن المطيعين لحكمه والخطاب للنبى(ص)يقوله للناس هو وما بعده من القصة.
"لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى لأقتلك إنى أخاف الله رب العالمين "المعنى لئن مددت إلى أذاك لتذبحنى ما أنا بماد لك أذاى لأذبحك إنى أخشى عذاب الله إله الناس ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأخ الأول قال للثانى:لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى والمراد لئن عملت مكرك لتذبحنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك والمراد ما أنا صانع مكر لك لأذبحك إنى أخاف رب العالمين والمراد إنى أخشى عقاب الله خالق الجميع،وهذا يعنى أنه لا يريد قتل أخيه مثلما يريد هو قتله كما يعنى أن سبب عدم قتله لأخيه هو خوفه من عذاب الله .
"إنى أريد أن تبوأ بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين"المعنى إنى أحب أن ترجع بذنبى وذنبك فتصبح من أهل الجحيم وذلك عقاب العاصين لله،يبين الله لنبيه(ص) أن الأخ الأول قال للثانى:إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك والمراد إنى أحب أن ترجع بجرمى وجرمك السابق وهذا يعنى أن الأول يقول للثانى أن سبب عقابك سيكون ذنب قتلى وذنوبك الأخرى فتكون من أصحاب النار أى فتصبح من المعذبين مصداق لقوله تعالى بسورة الشعراء"فتكون من المعذبين"وذلك جزاء الظالمين أى عقاب الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة التوبة"وذلك جزاء الكافرين" وهذا القول منه هو تذكير للثانى بعذاب الله حتى يخاف منه فلا يقدم على القتل .
"فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين"المعنى فسولت له شهوته ذبح أخيه فذبحه فأصبح من المعذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن نفس الأخ الثانى وهى شهوته أى هواه الضال طوع له أى سول له أى أمره بقتل أى ذبح أخيه فكانت النتيجة أن نفذ الأمر فقتل أى ذبح أخيه فأصبح من الخاسرين أى النادمين مصداق لقوله فى الآية التالية"فأصبح من النادمين"وهم المعذبين فى النار.
"فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين"المعنى فأرسل الله غرابا يحفر فى التراب ليعلمه كيف يخفى جثة أخيه قال يا عذابى أفشلت أن أصبح شبه هذا الغراب فأدفن جثة أخى فأصبح من المعذبين، يبين الله لنبيه(ص)أنه بعث أى أرسل غرابا يبحث فى الأرض والمراد يحفر بأرجله فى التراب والسبب ليريه كيف يوارى سوءة أخيه أى ليعلمه كيف يدفن جثة أخيه وهذا يعنى وجوب دفن الميت بغض النظر عن دين الميت عن طريق الحفر فى الأرض ووضع الميت ثم إهالة التراب عليه،فقال القاتل:يا ويلتى أى يا عذابى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى والمراد هل فشلت أن أصبح شبه هذا الغراب فأخفى جثة أخى فى التراب ،وهذا يعنى أن الإنسان يتعلم من الحيوان وربما كان هذا التعليم هنا سبب فى تشاءم البشر بالغراب وهو أمر محرم لأن الغراب فعل تعليم الدفن بأمر من الله ،وأصبح من النادمين أى الخاسرين وهم المعذبين فى النار.
"من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثير منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون"المعنى بسبب هذا فرضنا على أولاد يعقوب أنه من ذبح إنسانا بغير إنسان أو ردة فى البلاد فكأنما ذبح الخلق كلهم ومن عفا عنها فكأنما بعث البشر كلهم ولقد أتتهم مبعوثينا بالآيات ثم إن كثير منهم بعد ذلك فى البلاد لمفسدون،يبين الله لنا أن من أجل ذلك والمراد بسبب قتل الأخ لأخيه كتب أى فرض الله على بنى إسرائيل التالى:
أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض والمراد أن من ذبح إنسان بغير ذبحه لإنسان أو ردة عن دين الله فى البلاد وهو الظلم وهذا يعنى أن سبب قتل الإنسان إما قتله لأخر أو ردته عن الإسلام وهو حربه لله ورسوله(ص) والقاتل كأنما قتل الناس جميعا والمراد من ذبح إنسانا فكأنما ذبح الخلق كلهم لأنه يعمل على قطع نسل المقتول الذى سيحيى من بعده وأما من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا والمراد وأما من عفا عن القاتل فترك قتله فكأنما أحيا الخلق كلهم لأنه بهذا يحيى نسله الذى سيحيى مستقبلا ،ويبين الله لنا أنهم جاءتهم رسلهم بالبينات أى أرسل لهم مبعوثيهم بالآيات مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات "وهذا معناه أن الأنبياء(ص)أبلغوا الناس بالوحى ليعملوا به ولكن الذى حدث هو أن كثير منهم بعد إبلاغهم الوحى مسرفون أى فاسقون مصداق لقوله بسورة المائدة "وإن كثيرا من الناس لفاسقون"والمراد مكذبون بوحى الله.
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم أو أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"المعنى إنما عقاب الذين يقاتلون الله ونبيه(ص)أى يفعلون فى البلاد ظلما أن يذبحوا أو يعلقوا أو تبتر أيديهم وأرجلهم من تضاد أو يبعدوا عن اليابسة ذلك لهم ذل فى الأولى ولهم فى القيامة عقاب كبير،يبين الله لنا أن جزاء وهو عقاب الذين يحاربون الله ورسوله (ص)أى يحادونهم مصداق لقوله بسورة المجادلة"إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الأذلين"والمعنى أن عقاب الذين يعادون دين الله ونبيه(ص)وفسرهم بأنهم الذين يسعون فى الأرض فسادا والمراد الذين يعملون فى البلاد بالظلم وهو حكم غير الله هو أحد العقوبات التالية:
يقتلوا أى يذبحوا أى أن يصلبوا أى يعلقوا على المصلبة وفسر هذا بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف والمراد أن تبتر يد من اليدين والرجل المخالفة لها فى الجهة ويعلق حتى يموت على المصلبة أو أن ينفوا من الأرض والمراد أن يخرجوا من اليابسة أى يغرقوا فى الماء ،ويبين لنا أن ذلك خزى لهم فى الدنيا أى ذل أى عذاب لهم فى الحياة الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"لهم عذاب فى الحياة الدنيا" ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة النور"لهم عذاب أليم فى الدنيا والأخرة" والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم" المعنى إلا الذين عادوا للحق من قبل أن تعاقبوهم فاعرفوا أن الله عفو نافع ،يبين الله لنا أن المحاربين المفسدين يستثنى منهم من العقاب الذين تابوا قبل أن نقدر عليهم والمراد الذين عادوا لدين الله قبل أن نقبض عليهم فنعاقبهم فهؤلاء يجب علينا أن نعلم أن الله غفور رحيم أى عفو نافع لهم ومن ثم لا يجب معاقبتهم.
"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله أطيعوا حكم الله أى اعملوا من أجل جنته الطاعة لحكمه أى اعملوا فى نصره ،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله طالبا منهم أن يتقوه أى يخافوا ناره فيطيعوا حكمه مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"فاتقوا النار"وفسر هذا بأن يبتغوا إليه الوسيلة والمراد أن يعملوا لجنته المطلوب منهم وهو طاعة حكم الله وفسر هذا بأن يجاهدوا فى سبيله أى يعملوا على نصر دينه بطاعتهم له والسبب حتى يفلحوا أى يفوزوا بجنة الله وهى رحمته مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون"فأطيعوا تعنى اتقوا تعنى ابتغوا تعنى جاهدوا وتفلحون تعنى ترحمون والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم"المعنى إن الذين كذبوا لو أن لهم الذى فى الأرض كله وقدره معه ليبعدوا به عن عقاب يوم البعث ما أخذ منهم ولهم عقاب شديد يحبون أن يطلعوا من النار وما هم بباعدين عنها ولهم عقاب دائم، يبين الله لنا أن الذين كفروا أى كذبوا بحكم الله لو أن لهم أى لو أنهم يملكون ما فى الأرض جميعا ومثله معه أى وقدر ما فى الأرض معه من أجل أن يفتدوا من عذاب يوم القيامة والمراد من أجل أن ينجوا من عقاب يوم البعث ما تقبل منهم أى ما رضى الله أن ينقذهم من العذاب بسبب دفعهم له ملك الأرض ومثلها معها لأن الله حرم الفدية فقال بسورة الحديد"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا"ويبين لنا أنهم لهم عذاب أليم أى عقاب عظيم مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"ولهم عذاب عظيم"وأنهم يريدون أن يخرجوا من النار والمراد أنهم يرغبون فى أن يبعدوا عن النار ولكن الحادث أنهم ليسوا بخارجين منها أى ليسوا بطالعين منها أى ليسوا بمبعدين عنها وفسر هذا بأن لهم عذاب مقيم أى عقاب خالد أى دائم مصداق لقوله بسورة المائدة"وفى العذاب هم خالدون ".
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم"المعنى واللص واللصة فافصلوا أكفهما عقاب لما عملا انتقاما من الله والله قوى قاضى فمن أناب من بعد سرقته أى أحسن العمل فإن الله يغفر له إن الله تواب نافع،يبين الله لنا أن السارق والسارقة وهما من أخذا مال الغير أيا كان نوعه جهرا أو سرا دون رضاه الواجب فيهم هو قطع أيديهم أى فصل أكفهما عن أذرعهما وهذا جزاء ما كسبا والمراد عقاب الذى صنعا وهو السرقة وهذا الجزاء نكال من الله أى انتقام فرضه الله منهم وهو العزيز أى القوى الحكيم أى القاضى بالحق ،ويبين لنا أن من تاب من بعد ظلمه أى من عاد للحق من بعد سرقته وفسره الله بأنه أصلح أى أناب للحق فالله يتوب عليه أى يغفر له أى يرحمه لأنه غفور رحيم أى نافع مفيد للتائب والخطاب للمؤمنين.
"ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شىء قدير"المعنى هل لم تعرف أن الله له ميراث السموات والأرض يعاقب من يريد ويرحم من يريد والله لكل أمر يريده فاعل؟يخبر الله رسوله(ص)أن له ملك أى ميراث السموات والأرض أى حكمهم مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"ولله ميراث السموات والأرض"وهو يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء أى يعاقب من يريد وهو الكافر به ويرحم من يريد وهو المؤمن به مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت"يرحم من يشاء"وهو على كل شىء قدير والمراد لكل أمر يريده فعال مصداق لقوله تعالى بسورة البروج"فعال لما يريد" والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم أخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"المعنى يا أيها المبعوث لا يغمك الذين يتسابقون فى تكذيب حكم الله من الذين قالوا صدقنا بألسنتهم ولم تصدق نفوسهم ومن الذين هادوا مطيعون للكفر مطيعون لناس أخرين لم يجيئوك يبعدون الأحكام عن مقاصدها يقولون إن أعطيتم هذا فأطيعوه وإن لم تبلغوه فابعدوا عنه ومن يحب الله عذابه فلن تمنع عنه من الله عذابا أولئك الذين لم يحب الله أن يزكى نفوسهم لهم فى الأولى ذل وفى القيامة عقاب شديد،يخاطب الله الرسول وهو محمد(ص) فينهاه عن الحزن على الذين يسارعون فى الكفر والمراد يزجره عن الأسى على الذين يتسابقون فى عمل أعمال التكذيب لحكم الله لأنهم لا يستحقون ذلك وهم الذين قالوا آمنا بأفواههم والمراد الذين قالوا صدقنا حكم الله بكلماتهم وهى ألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم أى ولم تصدق نفوسهم بحكم الله أى لم يدخل الإيمان فى قلوبهم كما قال بسورة الحجرات "ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم"،ويبين له أن من الذين هادوا وهم اليهود سماعون للكذب والمراد متبعون لحكم الكفر وفسرهم بأنهم سماعون لقوم أخرين لم يأتوه والمراد متبعون لحكم ناس سواهم لم يحضروا عند محمد(ص) وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه والمراد يبعدون أحكام الله وهى كتابه عن معانيها الحقيقية أى "يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب" كما قال بسورة آل عمران ويقولون لمتبعيهم :إن أوتيتم هذا فخذوه والمراد إن أبلغتم كلامنا هذا فاتبعوه وإن لم تؤتوه فاحذروا والمراد وإن لم تبلغوا به من محمد(ص) فلا تتبعوه،ويبين له أن من يرد الله فتنته والمراد من يشاء الله تعذيبه أى إضلاله مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"ومن يرد الله أن يضله" فلن يملك له من الله شيئا والمراد فلن يمنع عنه من الله عذابا وبين له أن هؤلاء هم الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم والمراد الذين لم يشأ الله أن يزكى أى يرحم نفوسهم وعقابهم أنهم لهم خزى أى ذل أى عذاب فى الحياة الدنيا وهى الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"ولهم عذاب فى الحياة الدنيا " ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة المائة"ولهم عذاب أليم"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"سماعون للكذب آكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرونك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين"المعنى متبعون للكفر آخذون للحرام فإن أتوك فاقض بينهم أو تولى عنهم وإن تتولى عنهم فلن يؤذوك بشىء وإن قضيت فاقض بينهم بالعدل إن الله يثيب العادلين ،يبين الله لنبيه(ص) أن أهل النفاق وأهل التحريف سماعون للكذب أى مطيعون لما يقال لهم من الباطل وهم آكالون للسحت أى آخذون للمتاع الحرام و الكفار المذكورين إن جاءوه أى حضروا عنده للتقاضى فله الحق فى أن يحكم بينهم أى يقضى بينهم أو يعرض عنهم أى يتولى عنهم والمراد يمتنع عن الحكم بينهم ويبين له أنه لو أعرض عن الحكم والمراد لو امتنع عن الحكم بين الكافرين فلن يضروه بشىء والمراد فلن يصيبوه بأذى مهما كان صغيرا ويطلب منه إن حكم أى قضى بينهم أى يحكم بالقسط وهو العدل أى ما أنزل الله مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فاحكم بينهم بما أنزل الله"ويبين له أن الله يحب المقسطين والمراد أن الله يرحم العادلين وهم المتقين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله يحب المتقين".
"وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين"المعنى وكيف يتقاضون عندك ولديهم التوراة بها قضاء الله ثم يعرضون من بعد حكمك وما أولئك بالمصدقين؟،يسأل الله رسوله (ص)كيف يجعلك اليهود قاضيا بينهم مع أن عندهم التوراة فيها حكم أى قضاء الله ثم يتولون أى يرفضون الحكم من بعد صدوره منك ؟والغرض من السؤال هو إخبار الرسول(ص)بأن غرض اليهود من التقاضى عنده خبيث لأنهم يعرفون حكم أى قضاء الله وهو الهدى أى النور فى التوراة مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور" والغرض الخبيث هو أن يقولوا للناس أن حكم محمد(ص)ليس من عند الله بدليل أنهم تولوا أى أعرضوا عن تنفيذه لما وجدوه يخالف ما عندهم واليهود ليسوا مؤمنين أى غير مصدقين بحكم الله أى كافرين مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فأولئك هم الكافرون"والخطاب للنبى.