وهو ما يدل عليه خطاب فريد فى نهاية الحكاية:
"وقلبت الخطاب على ظهره وبطنه وتفقدت زواياه وأطرافه لم يكن عليه إلا اسمها والعنوان وقربته من أنفها وشمت الرائحة المميزة للورق وحتم البريد وفتحت الخطاب وسحبت ورقة طويلة شفافة تملؤها السطور فؤاده كم يوم مضى منذ لقائنا الأخير منذ تلك الليلة المحملة بأول ريح الشتاء كنت تجلسين أمامى ومن خلفك النسل.. وقلت لى بعد صمت طويل ما رأيك يا فريد سأترك الوزارة كنت أفهمك...ص129كان دورك هو أن تصنعى شيئا جديدا لو أعطيت الفرصة وكان دورى هو أن أصنع الفرصة بصنع الناس الجديد وما الجديد إنه تغيير القديم وماذا يصنع التغيير أليس هو التفكير ...كان دورك أن تصنعى الفكرة وكان دورى ان اصنع النطق ولك اكن استطيع وحدى شيئا ...أجل لم أكن واحدا كان معى أخرون لم نملك إلا ذلك الدور البسيط الخطير تلك الكلمات البسيطة التى ولدت مع اول إنسان ...ص130ولم أصل على البيت كان هناك رجل يتعقبنى بل كانوا كثيرين مسلحين ولم يكن معى شىء تذكرين كنت أرتدى القمسص البنى والبنطلون وفتشوا جيوبى ولم يجدوا شيئا وهل توضع الكلمات فى الجيوب وأمسكوا بى ووضعونى فى الحديد لكن الكلمات حملها الهواء فهل يمسكون الهواء ويضعونه فى الحديد الجدران من حولى لكنك معى أحس يدك الصغيرة الناعمة على وجهى وأرى عينيك الخضراوين فى عينى يطل منهما الشىء الجديد الحبيس يريد ان ينطق ولا يستطيع لا تحزنى يا فؤاده ولا تبكى فالكلمات فى الهواء خارج الجدران تعيش وتدخل مع الهواء إلى الصدور وسيأتى حتما يوم تسقط فيه الكمامات وتنطق الأفواه من جديد فريد"ص131
الرواية تبدو خالية عمدا من أى شىء يذكرنا بالله ودينه فطوال مائة وثلاثة وثلاثين صفحة هى طول الرواية لا نجد كلمة الله سوى مرة واحدة وهى لا تأتى على لسان الأبطال وإنما على لسان أم فؤاده ومرة كلمة رب فى قول الساعاتى لهم رب ولا نجد تعبير أخر سوى واحد عن صلاة الأم
اللغة المستخدمة فى الرواية هى لغة غالبا يستعملها المشتغلون بالعلم ونوال هى طبيبة بشرية فى الأساس ومن ثم نجدها تكرر الجمل التى تعبر عن العلم العملى والذى هو مهنة فؤاده الباحثة الكيمائية مثل:
"وفركت عينيها وهى لا تفهم سبب هذا الانقباض فالشمس ساطعة ككل يوم يوم ينفذ ضؤوها اللامع من خلال زجاج النافذة....وترتعش كقراميط صغيرة من السمك "ص4
نجد هنا نفاذ الضوء من زجاج النافذة وارتعاش القراميط وفى الفقرة :
"ورأت الدائرتين البيضاوين الواسعتين تعوم داخلهما الدائرتان الخضروان كلا منهما تلك الحبة السوداء الصغيرة عينان كأى عينين كعينى الخروف أو البقرة أو الأرنب"ص6
نجد المساواة بين عيون البشر والحيوانات وفى العبارة :
"فريد غاب لسبب كل شىء يحدث فى الحياة لسبب الأشياء التى ظنت يوما أنها حدثت بغير سبب اتضح سببها بعد حين"ص14
نجد قانون السببية و فى وصف مرض فؤاده قالت:
"تأكل وتشرب وتنتفخ نعم كانت تنتفخ كل يوم وتضغط لجسمها الصلب على معدتها التى كثيرا ما حاولت أن تلفظها فتنقبض عضلاتها وتنبسط وقد تفرغ كل ما فى جوفها لكن الكتلة الصلبة المدببة تبقى تحك بجدار معدتها كدلوس ملتصقة به قابضة عليه بأسنانها كدودة شريطية "ص7
نجد هنا انتفاخ المعدة وتقلص العضلات والدود الشريطية وفى الفقرة الآتية تصف ما يجرى فى معمل التحليل :
"كانت عيناها تتبعان باهتمام تلك الحركة الغريبة داخل أنبوبة الاختبار وتلك الألوان التى تختفى فجأة وتظهر فجأة والأبخرة ذات الروائح الغريبة والراسب المتخلف فى القاع مادة جديدة هى نتاج تفاعل كيمائى لمادتين مختلفتين لها صفات جديدة ولها شكل جديد وبها إشعاع جديد ... وصرخت ضيعت اكتشافى ... وكان يمكن أن تصرفها نهائيا عن فكرة الاكتشاف الملحة "ص27
كما نجد التعبيرات الشهوانية التى تدس فيها العلوم مثل ما جاء فى الفقرة:
"فهى رائحة لا يألفها الأنف ولا يعرف كيف يردها إلى مصدرها فليس لها مصدر واحد ليس هو الزوايا المنفرجة تحت الإبط وليس هو الكهوف المظلمة اللاهثة وليس هو القشرة المش الخشنة يلتصق بها الشعر اللزج "ص8
فهنا زوايا منفرجة للإبط والقشرة الخشنة الشعر اللزجة كما نجد فى العبارة التالية:
"واستباحت عيون الرجال أعضاء جسمها كما يستبيحون أعضاء المومسات .... وانقضت لحظة لم تعرف مداها من الانضغاط العنيف كورقة شجرة أو فراشة توضع بين الكتب من أجل التحنيط ثم أحست بالضغط يزول فجأة وإذا بجسمها يطير فى الهواء كريشة حمامة ثم يرتطم بالأرض كقالب الطوب"ص9
علم التحنيط لورق الشجر والفراش بالضغط والطيران والارتطام بالأرض
وتتناول نوال بعض المسائل العلمية من وجهة نظر فلسفية فهى تتحدث عما يحدث فى اللحظة فتقول:
"من يدرى ماذا يمكن أن يحدث بين لحظة وأخرى أشياء كثيرة تحدث فى الحياة بين لحظة وأخرى آلاف يموتون وآلاف يولدون براكين تنفجر وتبتلع البيوت زلازل أرضية تحدث وتدك المدن أشياء كثيرة تحدث بين لحظة وأخرى أكثر مما يتخيله الناس فالناس لا تتخيل إلا ما تعرفه وتفهم معناه وهل تعرف الناس ما معنى أن ينطلق صاروخ بين لحظة وأخرى ليس صاروخا عاديا ولكنه صاروخ له رأس نووية هل يمكن أن يتخيل الناس ماذا يمكن أن تكون الرأس النووية......."ص10
هنا تعبر عن اللحظة الكونية وليس عن لحظة الإنسان التى تخص ما يعرفه فى تلك اللحظة
وهى تتناول الحسد فتقول:
"وأطبقت شفتيها وزمتهما لتذرد ريقها إنها شىء هام وليست مثلها متعطلة تتسكع فى الشارع بغير هدف وأحست أنها تحسدها نعم أن الحسد هى الكلمة التى يمكن أن تصف شعورها فى تلك اللحظة وهى لا تعرف معنى كلمة الحسد ورثتها كما ورثت أنفها وذراعيها وعينيها وهى تعرف أن الحسد عمل خارجى "ص16
بالقطع نحن نرث القاموس الثقافى للعصر الذى نحياه كما تناولت النوم وأنه لا ينفع فى فهم النوم شىء فقالت:
"كانت فى أى ليلة سابقة تضع رأسها فوق الوسادة ولا تسمع شيئا وما هى إلا لحظات حتى تنام كيف كانت تنام حاولت أن تعرف كيف كانت تنام كل ليلة لكنها اكتشفت فجأة أنها لا تعرف تماما كيف كانت تنام كان جسمها يثقل وكأنه يسقط فى بئر ثم تفقد الوعى وتذكرت أنها حاولت مرة أو ربما مرتين أن تعرف كيف تفقد الوعى فى النوم ففتحت عينيها قبل أن يتلاشى وجودها وتشبثت بقوة أخر لحظة فى وعيها لتعرف ماذا يحدث لها لكن النوم كان يغلبها دائما قبل أن تعرف إنها لم تعرف شيئا إنها لا تعرف أبسط الأشياء لا تعرف البديهيات ولا تتعلم من التكرار كم ليلة نامتها فى كل عمرها عمرها الآن 30 عاما وكل عام265 يوما لقد نامت 10950 ليلة دون أن تعرف كيف تنام ص36
ونجدها تناقش فكرة الزمن نقاشا علميا فتقول:
"كانت تفكر باندهاش فى الطريقة التى يعيش بها الناس الزمن وكيف لا يتفق الإحساس بالزمن أحيانا مع عدد الساعات أو الدقائق التى مرت وهل يمكن أن تكون تلك الحركة الثابتة المتتابعة لعقربى الساعة داخل تلك الدائرة الضيقة المحدودة مقياسا حقيقيا للزمن فكيف يمكن إذن ان يقاس شىء غير مرئى وغير محدود بشىء مرئى محدود وكيف نقيس شيئا لا نراه ولا نحسه ولا نلمسه ولا نذوقه ولا نشمه ولا نسمعه كيف يمكن أن نقيس شيئا غير موجود بشىء موجود "ص40
كما نجد أنها تتكلم عن الحزن كلاما ينتقد المجتمع الذى يزعم الحزن ومع هذا يفعل عند الحزن أفعال الفرح من لبس الجديد وإن كان اسود وعمل الذبائح والولائم كما تنتقد الصراخ العالى فتقول:
" هل هناك حزن أشد من هذا الحزن وما هو الحزن كيف يحزن الناس صراخ عال يجلو الصوت ويفرج عن الكبت ملابس سوداء جديدة تنعش جدتها الجسم ولائم وذبائح تفتح الشهية وتملأ البطن أهناك أم ماتت وحظيت بأكثر من هذا الحزن هل خلفت أم ابنة من بعدها تتجرع السم أهناك وفاء للأمومة أكثر من هذا الوفاء أهناك سداد لديون البنوة أكثر من هذا السداد "ص128
كما أنها تنتقد النساء اللاتى يهتممن باللبس ووضع المساحيق على الوجوه وتبين أن هذا هو إضرار بالجلد فتقول:
"ماذا تفعل امرأة بالمال فى هذه الدنيا غير شراء الفساتين تشترى أدوات الزينة وعلب البودرة ذلك المسحوق الأبيض الذى تدهن به المرأة وجهها وتخفى تلك الشعيرات الدموية التى تجرى فى البشرة الحية وماذا يبقى للبشرة الحية بعد أن يختفى منها لون الدم"ص100
وتناولت بحث المفكر الحق عن علاج أمراض مجتمعه فى الفقرة التالية:
"ولماذا القتل ألا يكون شيئا أخر له فائدة شيئا يقضى على الجوع على المرض على الشقاء على الظلم على الاستغلال نعم نعم أيها الرأس المصمت ردد الكلمات التى سمعتها من فريد ردد الصدى كأى جدار ماذا تعرف أنت عن الجوع ماذا تعرف أنت عن المرض ماذا تعرف أنت عن الشقاء ماذا تعرف أنت عن الظلم ماذا تعرف أنت عن الاستغلال ماذا تعرف أنت عن الناس وأنت لا تعيش مع الناس "ص106
وأيضا فى الفقرة التالية:
"منذ متى لم ترقص رقصة الخلاص من سياج العقل منذ متى لم تسمع تيوردوراكس السجين منى متى قال كازانزاكس لا ينقض إلا الجنون لكن فريد كان يقاوم الجنون كان يقول جنون فرد واحد معناه الحبس أو الموت ولكنه جنون الملايين وماذا يصنع جنون الملايين يا فريد كان يقول المعرفة والجوع الجوع موجود ولا ينقص إلا المعرفة لماذا لا يعرفون يا فريد وكيف يعرفون يا فؤاده وكل شىء من حولهم غما أخرس وإما يكذب؟ ص125
وتناولت فكرة أن إعطاء المحتاج قرش ليس علاجا لمشكلته فى الفقرة التالية:
"ووضعت يدها فى جيبها لتخرج قرشا لكن يدها بقيت داخل جيبها ورفعت عينيها إلى الشارع كانت العربات الطويلة تجرى الواحدة وراء الأخرى وفى كل عربة منها رأس لامع يعكس الضوء ورقبة مكتنزة باللحم كرقبة الساعاتى" ص 105 "ماذا يمكن أن تفعل اكتشاف كيمائى يقضى على الجوع غاز جديد يتنفسه الملايين بدل الأكل وتركت القرش يقع من بين أصابعها فى الكف الفارغة الممدودة لن يفعل القرش شيئا ولكن ليكن صدقة عابرة ترضى بها ضميرها ليكن ثمنا بخسا تدفعه وتنسى إنها كلمات فريد تعود وصوته فى رأسها له دبيب"ص106
كما تناولت فكرة الاحترام فوضحت أن احترام الإنسان لنفسه نابع من داخله وليس من احترام الأخرين له فى الفقرة التالية:
"وقالت ثم ماذا وابتسم طموح الإنسان بلا حدود اتجهت إلى السياسة قالت وماذا تعرف فى السياسة وقال كل شىء يكفى أن أصادق هذا وذاك وأردد بعض الشعارات بنبرة فصيحة ونظرت إلى رقبته المكتنزة باللحم فى تقزز وهل تحترم نفسك الآن وقال بالصوت نفسه كيف يحترم الإنسان نفسه يا فؤاده احترام النفس لا يحدث فى فراغ إنه ينبع من احترام الآخرين وأنا أنا رئيس الهيئة العليا للإنشاءات والمبانى ورئيس المجلس السياسى والصحف تكتب عنى وأتحدث فى الراديو والتلفاز وأعطى نصائحى للناس العالم كله يحترمنى فكيف لا أحترم نفسى "ص112
كما بينت أن كلمة الحب نتيجة تكرارها على الألسنة أصبح معناها مبهما فقال:
"وتكورت كلمة الحب فى فمها كلقمة غير قابلة للمضغ الحب ما معنى كلمة الحب متى سمعتها لأول مرة من فم من إنها لا تذكر تماما فالكلمة لم تغب عن أذنها منذ وعت الحياة كانت تسمعها كثيرا"ًص32
الحكاية لها أربع شخصيات رئيسية هى :
الأولى فؤاده والحكاية تتناول فى الأساس حكاية حياتها
الثانية فريد الغائب الرجل الباحث عن العدل والذى تم القبض عليه بسبب ذلك
الثالثة الأم التى ربت فؤاده واحتضنتها طوال حياتها وتريد لها الخير فى حياتها
الرابعة الساعاتى وهو البرىء الذى فسد ولا يجد سوى أن ينشر الفساد من خلال وصوله لمنصب سياسى غير المنصب الوظيفى
الشخصيات الثلاثة الأخيرة يتم تناولها عرضا من خلال حكاية الشخصية الأولى فؤاده وبالقطع سوف نتناول الحكاية دون تقيد بترتيبها فى حكاية نوال :
تبدأ الحكاية بزواج أم فؤاده من والدها وهى تلميذة فى المدرسة وحرمان الزواج لها من الدراسة وهو ما تشير له الفقرة التالية:
فلم يكن طموحها من ذلك النوع النسوى العادى كانت قبل أن تتزوج قد ذهبت إلى المدرسة وربما قرأت بعض القصص ..لكنها فتحت عينيها ذات صباح فلم تجد مريلة المدرسة كما تركتها فى الليلة السابقة فوق الشماعة وسمعت صوت أبيها الخشن يقول لن تذهبى إلى المدرسة وجرت إلى أمها تبكى وتسأل عن السبب ولم يكن السبب سوى الزوج وكان هذا كافيا لأن تكرهه من أول نظرة وظلت تكرهه حتى مات وبعد أن مات وكانت فؤاده لا تزال فى المدرسة الثانوية قالت لها أمها وهى تسوى شعرها الأسود الناعم أمام المرآة وتتأمل قوامها الممشوق مستقبلك فى المذاكرة يا بنتى الرجل ليس له فائدة" ص18
وفيما بعد ولادة فؤاده بدأت الأم تبث فى ابنتها ضرورة أن تكون مخترعة مكتشفة امرأة لها أهميتها وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"وزحف فى رأسها صوت أمها تقول ستكونين شيئا عظيما مثل مدام كورى وتبعه صوت مدرسة الكيمياء يقول فؤاده شىء أخر غير باقى بنات الفصل وهمس صوت فريد فى أذنها فيك شىء لا يوجد عند الأخريات "ص25
ومن ثم بدأت علامات النبوغ تظهر على البنت فى المدرسة وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"وسألت مدرسة الفصل فى ذلك اليوم أين توجد الجراثيم يا بنات لكن الفصل ظل ساكنا ولم ترفع واحدة من البنات أصبعها وأحست فؤاده أنها تعرف الجواب فرفعت أصبعها إلى أعلى فى ثقة وكبرياء وابتسمت المدرسة لتشجعها وقالت فى رقة هل تعرفين أين تعرفين أين توجد الجراثيم يا فؤاده ونهضت فؤاده واقفة رافعة رأسها فوق البنات وقالت بصوت عال ملىء بالثقة نعم يا أبلة الجراثيم توجد فى مناديل أبى "
وكانت أامها تريد دخولها كلية الطب ولكنها دخلت العلوم نتيجة قلة مجموعها وتخرجت واشتغلت فى إحدى الوزارات كما فى الأقوال :
"كانت أمنية أمها أن تدخل فؤاده كلية الطب ولكنها لم تحصل على مجموع عال فى نهاية المرحلة الثانوية ربما لأنها لم تستذكر كثيرا"ص18وأيضا:
"ربما بعد أن تخرجت من كلية العلوم ربما بعد أن اشتغلت فى الوزارة "ص17
وفى تلك الفترة من العمل تعرفت بفريد وأقامت معه علاقة زنى مستمرة كما تدل العبارة التالية:
"رائحة الياسمين كان لها معنى لقائها مع فريد وكان لها ملمس قبلاته فوق عنها ولكنها الآن تعنى غيابه"ص22
ونتيجة عدم وجود عمل حقيقى لفؤاده فى الوزارة قررت ترك عملها الحكومى لتفتح معملا للتحاليل كما تشير الفقرة:
"ولكنها لم تعد موجودة فحسب لقد بدأت تتحرك وتخرج من ركنها المظلم إلى منطقة الضوء واستطاعت فؤاده أن تقرأها نعم لقد كانت مكتوبة بخط عريض واضح فوق واجهة العمارة معمل فؤاده للتحليلات الكيميائية"ص26
وبحثت عن مكان مناسب ووجدته وكان يتطلب مبلغا حصلت عليه فى النهاية من أمها كما تشير الفقرة:
وقالت الأم فى النهاية هذا شىء جميل جدا ليس لى إلا أن أدعو لك بالتوفيق يا ابنتى وقالت فؤاده ولكن الدعوات وحدها لا تكفى يا أمى لا يمكن أن أنشىء معملا كيماويا بالدعوات لابد من مال لشراء الأدوات والأجهزة وقالت الأم وهى تنفض يديها المعروقتين مال من أين المال أنت تعرفين البير وغطاه وقالت فؤاده ولكنك قلت مرة أن عندك ما يقرب من ألف جنيه وقالت الأم وقد اختفت النبرة الضعيفة من صوتها ألف لم يعد هناك ألف ألم نسحب جزء لتبييض الشقة وتجديد العفش هل نسيت ...وقالت الأم وهى تمصمص شفتيها اليابستين لم يبق إلا ثمن كفنى وقالت فؤاده بعيد الشر عنك يا ماما ...لا لا تقولى هذا الكلام "ص48
وفقدت فريد فى أثناء تلك الفترة وهو ما تشير له الفقرة:
"وعرفت سبب ذلك الانقباض الذى جثم فوق صدرها فإن فريد لم يأت فى الموعد الذى اتفقا عليه ليلة أمس"ص5
وفى تلك الفترة تعرفت بصاحب العمارة التى فيها المعمل وهو الساعاتى الذى كان يرغب فى زواجها وقدم لها هدية خاتم من الماس وعرض عليها نقلها لهيئة المبانى التى يرأسها وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"ونهضت واقفة كان رأسها قد سخن ونظرت فى عينيه المهزوزتين نظرة ثابتة وقالت أنا لست من هذا النوع يا أستاذ ساعاتى إننى أريد أن أعمل أريد أن أقوم بأبحاث كيماوية إننى أدفع عمرى من أجل أن أعمل بحثا وسكتت لحظة وابتلعت ريقها وقالت إننى أكره الوزارة أمقتها لأننى لا أعمل فيها شيئا لا أدرى كيف تكون تقاريرى ممتازة وأنا لم أعمل شيئا منذ ست سنوات لن أذهب على الهيئة ولن اذهب إلى الوزارة سأقدم استقالتى وأتفرغ لمعملى "ص93
وأيضا :
"ونهض وفتح العلبة بنفسه وسار إليها حيث هى واقفة وقرب منها العلبة وهو يقول ما رأيك فى هذا الخاتم ...إن فيه فصا من الماس الحر واقترب وجهه منها ورأت عينيه الجاحظتين عن قرب يطفو فوقهما غشاء معتم يخفى ذلك البريق الطبيعى للعينين ...إنها لا تستخدم هذه الأشياء لا تلبس الخواتم أو الأساور أو العقود إنها تضيق بجلدها الذى يلتف حول جسمها فكيف تلف حول أعضائها حبلا أخر؟.. ماس حر لن تستخدمه فى شىء فما الفرق بينه وبيت قطعة عاج أو زجاج هل يفرق التراب بين اى شىء "ص109
ورغم أنها كانت تحاول إخباره أنها لا تريد الزواج منه فقد كان يكرر محاولاته بعرض المال وغيره عليها كما تشير الفقرة التالية:
"وتذكرت قول الساعاتى عن أى شىء تبحثين هل هناك شىء تريدينه ليس موجود فى كل هذه الدنيا ؟إنها لا تريد مالا وماذا تفعل بالمال ماذا تفعل المرأة بالمال فى هذه الدنيا تشترى فساتين غالية كثيرة ولكن ما فائدة الفساتين الكثيرة الغالية إنها لا تذكر شكل فساتينها لا تذكر أن فريد نظر إلى فستانها مرة واحدة لم تحس يوما أن فستانها له قيمة ما سوى أنه يغطى أجزاء من جسمها وماذا غير الفساتين ماذا تفعل امرأة بالمال فى هذه الدنيا غير شراء الفساتين تشترى أدوات الزينة وعلب البودرة ذلك المسحوق الأبيض الذى تدهن به المرأة وجهها وتخفى تلك الشعيرات الدموية التى تجرى فى البشرة الحية وماذا يبقى للبشرة الحية بعد أن يختفى منها لون الدم ...ولكنها لا تريد شيئا من هذا إنها لا تشترى مساحيق ولا تذهب إلى السينما وليس لها صديقات ولا تسعى وراء زواج فما الذى تريده "ص100
حاول أن يفهمها كما تشير الفقرة:
"سارت بهما السيارة الزرقاء الطويلة فى شوارع القاهرة وظلا صامتين حتى خرجت السيارة إلى الخلاء بالقرب من الهرم ثم سمعته يقول بصوت غليظ فى حياتك سر لا أفهمه لماذا لا تفتحين قلبك لى ونظرت إليه نظرة خاطفة ثم مدت بصرها إلى الصحراء الواسعة وقالت لا أعرف بحياتى سرا أو معنى آكل وأنام كأى حيوان ولا أفعل شيئا مفيدا لأحد "ص110
ومع هذا الرفض الداخلى لزواجه ونتيجة عدم معرفتها بمصير فريد تركت نفسها له مرتين دون مقاومة له سوى رفضها النفسى كانت إحداهما يوم موت أمها وهو ما تشير له الفقرات:
"وبدأت تتذكر لشىء من الوضوح كانت واقفة فى الصحراء تحملق فى الفضاء وأحست بالساعاتى خلفه وحوط ذراعي حول خصرها وأصبحت عيناه تقتربان وتتسعان وتزدادان جحوظا وأحست شفتيه الباردتين فوق شفتيها وأسنانه الكبيرة تصطك بأسنانها وملأ أنفها رائحة معدنية غريبة كرائحة الحديد الصدىء وملأ فمها لعابا مرا لاسعا نعم كانت ترى وتحس لكنها لم تكن رؤية واضحة ولم يكن إحساسا أكيدا كان كالحلم الكئيب وحاولت أن ترفع ذراعها وتصفعه لكن ذراعها لم تكن ترتفع"ص115
وأيضا:
"وأحست الكف السمينة الطرية فوق صدرها وشمت رائحة الحديد الصدىء وذاقت طعم اللعاب اللاسع المر وتحولت الكف الطرية إلى أصابع غليظة ترتعش لم تكن رعشة ثابتة فى مكانها لكنها رعشة هابطة على أسفل على بطنها وفخذيها ... وكان بطنه المرتفع يعلو ويهبط مع أنفاسه المتقطعة ...وزحفت فوق جسدها برودة ثقيلة غريبة برودة لم يعرفها جسمها من قبل سوى مرة واحدة ...وأمسك الطبيب إبرة حادة طويلة وغرزها فى ذراعها وسرت فى جسمها تلك البرودة الثقيلة"ص126
وفى نهايبة الحكاية علمت بما حدث لفريد من القبض عليه ووجوده فى السجن من خلال الخطاب الذى أرسله لها :
وقلبت الخطاب على ظهره وبطنه وتفقدت زواياه وأطرافه لم يكن عليه إلا اسمها والعنوان وقربته من أنفها وشمت الرائحة المميزة للورق وحتم البريد وفتحت الخطاب وسحبت ورقة طويلة شفافة تملؤها السطور فؤاده كم يوم مضى منذ لقائنا الأخير منذ تلك الليلة المحملة بأول ريح الشتاء كنت تجلسين أمامى ومن خلفك النسل.. وقلت لى بعد صمت طويل ما رأيك يا فريد سأترك الوزارة كنت أفهمك...ص129كان دورك هو أن تصنعى شيئا جديدا لو أعطيت الفرصة وكان دورى هو أن أصنع الفرصة بصنع الناس الجديد وما الجديد إنه تغيير القديم وماذا يصنع التغيير أليس هو التفكير ...كان دورك أن تصنعى الفكرة وكان دورى ان اصنع النطق ولك اكن استطيع وحدى شيئا ...أجل لم أكن واحدا كان معى أخرون لم نملك إلا ذلك الدور البسيط الخطير تلك الكلمات البسيطة التى ولدت مع اول إنسان ...ص130ولم أصل على البيت كان هناك رجل يتعقبنى بل كانوا كثيرين مسلحين ولم يكن معى شىء تذكرين كنت أرتدى القمسص البنى والبنطلون وفتشوا جيوبى ولم يجدوا شيئا وهل توضع الكلمات فى الجيوب وأمسكوا بى ووضعونى فى الحديد لكن الكلمات حملها الهواء فهل يمسكون الهواء ويضعونه فى الحديد الجدران من حولى لكنك معى أحس يدك الصغيرة الناعمة على وجهى وأرى عينيك الخضراوين فى عينى يطل منهما الشىء الجديد الحبيس يريد ان ينطق ولا يستطيع لا تحزنى يا فؤاده ولا تبكى فالكلمات فى الهواء خارج الجدران تعيش وتدخل مع الهواء إلى الصدور وسيأتى حتما يوم تسقط فيه الكمامات وتنطق الأفواه من جديد فريد"ص131
"وقلبت الخطاب على ظهره وبطنه وتفقدت زواياه وأطرافه لم يكن عليه إلا اسمها والعنوان وقربته من أنفها وشمت الرائحة المميزة للورق وحتم البريد وفتحت الخطاب وسحبت ورقة طويلة شفافة تملؤها السطور فؤاده كم يوم مضى منذ لقائنا الأخير منذ تلك الليلة المحملة بأول ريح الشتاء كنت تجلسين أمامى ومن خلفك النسل.. وقلت لى بعد صمت طويل ما رأيك يا فريد سأترك الوزارة كنت أفهمك...ص129كان دورك هو أن تصنعى شيئا جديدا لو أعطيت الفرصة وكان دورى هو أن أصنع الفرصة بصنع الناس الجديد وما الجديد إنه تغيير القديم وماذا يصنع التغيير أليس هو التفكير ...كان دورك أن تصنعى الفكرة وكان دورى ان اصنع النطق ولك اكن استطيع وحدى شيئا ...أجل لم أكن واحدا كان معى أخرون لم نملك إلا ذلك الدور البسيط الخطير تلك الكلمات البسيطة التى ولدت مع اول إنسان ...ص130ولم أصل على البيت كان هناك رجل يتعقبنى بل كانوا كثيرين مسلحين ولم يكن معى شىء تذكرين كنت أرتدى القمسص البنى والبنطلون وفتشوا جيوبى ولم يجدوا شيئا وهل توضع الكلمات فى الجيوب وأمسكوا بى ووضعونى فى الحديد لكن الكلمات حملها الهواء فهل يمسكون الهواء ويضعونه فى الحديد الجدران من حولى لكنك معى أحس يدك الصغيرة الناعمة على وجهى وأرى عينيك الخضراوين فى عينى يطل منهما الشىء الجديد الحبيس يريد ان ينطق ولا يستطيع لا تحزنى يا فؤاده ولا تبكى فالكلمات فى الهواء خارج الجدران تعيش وتدخل مع الهواء إلى الصدور وسيأتى حتما يوم تسقط فيه الكمامات وتنطق الأفواه من جديد فريد"ص131
الرواية تبدو خالية عمدا من أى شىء يذكرنا بالله ودينه فطوال مائة وثلاثة وثلاثين صفحة هى طول الرواية لا نجد كلمة الله سوى مرة واحدة وهى لا تأتى على لسان الأبطال وإنما على لسان أم فؤاده ومرة كلمة رب فى قول الساعاتى لهم رب ولا نجد تعبير أخر سوى واحد عن صلاة الأم
اللغة المستخدمة فى الرواية هى لغة غالبا يستعملها المشتغلون بالعلم ونوال هى طبيبة بشرية فى الأساس ومن ثم نجدها تكرر الجمل التى تعبر عن العلم العملى والذى هو مهنة فؤاده الباحثة الكيمائية مثل:
"وفركت عينيها وهى لا تفهم سبب هذا الانقباض فالشمس ساطعة ككل يوم يوم ينفذ ضؤوها اللامع من خلال زجاج النافذة....وترتعش كقراميط صغيرة من السمك "ص4
نجد هنا نفاذ الضوء من زجاج النافذة وارتعاش القراميط وفى الفقرة :
"ورأت الدائرتين البيضاوين الواسعتين تعوم داخلهما الدائرتان الخضروان كلا منهما تلك الحبة السوداء الصغيرة عينان كأى عينين كعينى الخروف أو البقرة أو الأرنب"ص6
نجد المساواة بين عيون البشر والحيوانات وفى العبارة :
"فريد غاب لسبب كل شىء يحدث فى الحياة لسبب الأشياء التى ظنت يوما أنها حدثت بغير سبب اتضح سببها بعد حين"ص14
نجد قانون السببية و فى وصف مرض فؤاده قالت:
"تأكل وتشرب وتنتفخ نعم كانت تنتفخ كل يوم وتضغط لجسمها الصلب على معدتها التى كثيرا ما حاولت أن تلفظها فتنقبض عضلاتها وتنبسط وقد تفرغ كل ما فى جوفها لكن الكتلة الصلبة المدببة تبقى تحك بجدار معدتها كدلوس ملتصقة به قابضة عليه بأسنانها كدودة شريطية "ص7
نجد هنا انتفاخ المعدة وتقلص العضلات والدود الشريطية وفى الفقرة الآتية تصف ما يجرى فى معمل التحليل :
"كانت عيناها تتبعان باهتمام تلك الحركة الغريبة داخل أنبوبة الاختبار وتلك الألوان التى تختفى فجأة وتظهر فجأة والأبخرة ذات الروائح الغريبة والراسب المتخلف فى القاع مادة جديدة هى نتاج تفاعل كيمائى لمادتين مختلفتين لها صفات جديدة ولها شكل جديد وبها إشعاع جديد ... وصرخت ضيعت اكتشافى ... وكان يمكن أن تصرفها نهائيا عن فكرة الاكتشاف الملحة "ص27
كما نجد التعبيرات الشهوانية التى تدس فيها العلوم مثل ما جاء فى الفقرة:
"فهى رائحة لا يألفها الأنف ولا يعرف كيف يردها إلى مصدرها فليس لها مصدر واحد ليس هو الزوايا المنفرجة تحت الإبط وليس هو الكهوف المظلمة اللاهثة وليس هو القشرة المش الخشنة يلتصق بها الشعر اللزج "ص8
فهنا زوايا منفرجة للإبط والقشرة الخشنة الشعر اللزجة كما نجد فى العبارة التالية:
"واستباحت عيون الرجال أعضاء جسمها كما يستبيحون أعضاء المومسات .... وانقضت لحظة لم تعرف مداها من الانضغاط العنيف كورقة شجرة أو فراشة توضع بين الكتب من أجل التحنيط ثم أحست بالضغط يزول فجأة وإذا بجسمها يطير فى الهواء كريشة حمامة ثم يرتطم بالأرض كقالب الطوب"ص9
علم التحنيط لورق الشجر والفراش بالضغط والطيران والارتطام بالأرض
وتتناول نوال بعض المسائل العلمية من وجهة نظر فلسفية فهى تتحدث عما يحدث فى اللحظة فتقول:
"من يدرى ماذا يمكن أن يحدث بين لحظة وأخرى أشياء كثيرة تحدث فى الحياة بين لحظة وأخرى آلاف يموتون وآلاف يولدون براكين تنفجر وتبتلع البيوت زلازل أرضية تحدث وتدك المدن أشياء كثيرة تحدث بين لحظة وأخرى أكثر مما يتخيله الناس فالناس لا تتخيل إلا ما تعرفه وتفهم معناه وهل تعرف الناس ما معنى أن ينطلق صاروخ بين لحظة وأخرى ليس صاروخا عاديا ولكنه صاروخ له رأس نووية هل يمكن أن يتخيل الناس ماذا يمكن أن تكون الرأس النووية......."ص10
هنا تعبر عن اللحظة الكونية وليس عن لحظة الإنسان التى تخص ما يعرفه فى تلك اللحظة
وهى تتناول الحسد فتقول:
"وأطبقت شفتيها وزمتهما لتذرد ريقها إنها شىء هام وليست مثلها متعطلة تتسكع فى الشارع بغير هدف وأحست أنها تحسدها نعم أن الحسد هى الكلمة التى يمكن أن تصف شعورها فى تلك اللحظة وهى لا تعرف معنى كلمة الحسد ورثتها كما ورثت أنفها وذراعيها وعينيها وهى تعرف أن الحسد عمل خارجى "ص16
بالقطع نحن نرث القاموس الثقافى للعصر الذى نحياه كما تناولت النوم وأنه لا ينفع فى فهم النوم شىء فقالت:
"كانت فى أى ليلة سابقة تضع رأسها فوق الوسادة ولا تسمع شيئا وما هى إلا لحظات حتى تنام كيف كانت تنام حاولت أن تعرف كيف كانت تنام كل ليلة لكنها اكتشفت فجأة أنها لا تعرف تماما كيف كانت تنام كان جسمها يثقل وكأنه يسقط فى بئر ثم تفقد الوعى وتذكرت أنها حاولت مرة أو ربما مرتين أن تعرف كيف تفقد الوعى فى النوم ففتحت عينيها قبل أن يتلاشى وجودها وتشبثت بقوة أخر لحظة فى وعيها لتعرف ماذا يحدث لها لكن النوم كان يغلبها دائما قبل أن تعرف إنها لم تعرف شيئا إنها لا تعرف أبسط الأشياء لا تعرف البديهيات ولا تتعلم من التكرار كم ليلة نامتها فى كل عمرها عمرها الآن 30 عاما وكل عام265 يوما لقد نامت 10950 ليلة دون أن تعرف كيف تنام ص36
ونجدها تناقش فكرة الزمن نقاشا علميا فتقول:
"كانت تفكر باندهاش فى الطريقة التى يعيش بها الناس الزمن وكيف لا يتفق الإحساس بالزمن أحيانا مع عدد الساعات أو الدقائق التى مرت وهل يمكن أن تكون تلك الحركة الثابتة المتتابعة لعقربى الساعة داخل تلك الدائرة الضيقة المحدودة مقياسا حقيقيا للزمن فكيف يمكن إذن ان يقاس شىء غير مرئى وغير محدود بشىء مرئى محدود وكيف نقيس شيئا لا نراه ولا نحسه ولا نلمسه ولا نذوقه ولا نشمه ولا نسمعه كيف يمكن أن نقيس شيئا غير موجود بشىء موجود "ص40
كما نجد أنها تتكلم عن الحزن كلاما ينتقد المجتمع الذى يزعم الحزن ومع هذا يفعل عند الحزن أفعال الفرح من لبس الجديد وإن كان اسود وعمل الذبائح والولائم كما تنتقد الصراخ العالى فتقول:
" هل هناك حزن أشد من هذا الحزن وما هو الحزن كيف يحزن الناس صراخ عال يجلو الصوت ويفرج عن الكبت ملابس سوداء جديدة تنعش جدتها الجسم ولائم وذبائح تفتح الشهية وتملأ البطن أهناك أم ماتت وحظيت بأكثر من هذا الحزن هل خلفت أم ابنة من بعدها تتجرع السم أهناك وفاء للأمومة أكثر من هذا الوفاء أهناك سداد لديون البنوة أكثر من هذا السداد "ص128
كما أنها تنتقد النساء اللاتى يهتممن باللبس ووضع المساحيق على الوجوه وتبين أن هذا هو إضرار بالجلد فتقول:
"ماذا تفعل امرأة بالمال فى هذه الدنيا غير شراء الفساتين تشترى أدوات الزينة وعلب البودرة ذلك المسحوق الأبيض الذى تدهن به المرأة وجهها وتخفى تلك الشعيرات الدموية التى تجرى فى البشرة الحية وماذا يبقى للبشرة الحية بعد أن يختفى منها لون الدم"ص100
وتناولت بحث المفكر الحق عن علاج أمراض مجتمعه فى الفقرة التالية:
"ولماذا القتل ألا يكون شيئا أخر له فائدة شيئا يقضى على الجوع على المرض على الشقاء على الظلم على الاستغلال نعم نعم أيها الرأس المصمت ردد الكلمات التى سمعتها من فريد ردد الصدى كأى جدار ماذا تعرف أنت عن الجوع ماذا تعرف أنت عن المرض ماذا تعرف أنت عن الشقاء ماذا تعرف أنت عن الظلم ماذا تعرف أنت عن الاستغلال ماذا تعرف أنت عن الناس وأنت لا تعيش مع الناس "ص106
وأيضا فى الفقرة التالية:
"منذ متى لم ترقص رقصة الخلاص من سياج العقل منذ متى لم تسمع تيوردوراكس السجين منى متى قال كازانزاكس لا ينقض إلا الجنون لكن فريد كان يقاوم الجنون كان يقول جنون فرد واحد معناه الحبس أو الموت ولكنه جنون الملايين وماذا يصنع جنون الملايين يا فريد كان يقول المعرفة والجوع الجوع موجود ولا ينقص إلا المعرفة لماذا لا يعرفون يا فريد وكيف يعرفون يا فؤاده وكل شىء من حولهم غما أخرس وإما يكذب؟ ص125
وتناولت فكرة أن إعطاء المحتاج قرش ليس علاجا لمشكلته فى الفقرة التالية:
"ووضعت يدها فى جيبها لتخرج قرشا لكن يدها بقيت داخل جيبها ورفعت عينيها إلى الشارع كانت العربات الطويلة تجرى الواحدة وراء الأخرى وفى كل عربة منها رأس لامع يعكس الضوء ورقبة مكتنزة باللحم كرقبة الساعاتى" ص 105 "ماذا يمكن أن تفعل اكتشاف كيمائى يقضى على الجوع غاز جديد يتنفسه الملايين بدل الأكل وتركت القرش يقع من بين أصابعها فى الكف الفارغة الممدودة لن يفعل القرش شيئا ولكن ليكن صدقة عابرة ترضى بها ضميرها ليكن ثمنا بخسا تدفعه وتنسى إنها كلمات فريد تعود وصوته فى رأسها له دبيب"ص106
كما تناولت فكرة الاحترام فوضحت أن احترام الإنسان لنفسه نابع من داخله وليس من احترام الأخرين له فى الفقرة التالية:
"وقالت ثم ماذا وابتسم طموح الإنسان بلا حدود اتجهت إلى السياسة قالت وماذا تعرف فى السياسة وقال كل شىء يكفى أن أصادق هذا وذاك وأردد بعض الشعارات بنبرة فصيحة ونظرت إلى رقبته المكتنزة باللحم فى تقزز وهل تحترم نفسك الآن وقال بالصوت نفسه كيف يحترم الإنسان نفسه يا فؤاده احترام النفس لا يحدث فى فراغ إنه ينبع من احترام الآخرين وأنا أنا رئيس الهيئة العليا للإنشاءات والمبانى ورئيس المجلس السياسى والصحف تكتب عنى وأتحدث فى الراديو والتلفاز وأعطى نصائحى للناس العالم كله يحترمنى فكيف لا أحترم نفسى "ص112
كما بينت أن كلمة الحب نتيجة تكرارها على الألسنة أصبح معناها مبهما فقال:
"وتكورت كلمة الحب فى فمها كلقمة غير قابلة للمضغ الحب ما معنى كلمة الحب متى سمعتها لأول مرة من فم من إنها لا تذكر تماما فالكلمة لم تغب عن أذنها منذ وعت الحياة كانت تسمعها كثيرا"ًص32
الحكاية لها أربع شخصيات رئيسية هى :
الأولى فؤاده والحكاية تتناول فى الأساس حكاية حياتها
الثانية فريد الغائب الرجل الباحث عن العدل والذى تم القبض عليه بسبب ذلك
الثالثة الأم التى ربت فؤاده واحتضنتها طوال حياتها وتريد لها الخير فى حياتها
الرابعة الساعاتى وهو البرىء الذى فسد ولا يجد سوى أن ينشر الفساد من خلال وصوله لمنصب سياسى غير المنصب الوظيفى
الشخصيات الثلاثة الأخيرة يتم تناولها عرضا من خلال حكاية الشخصية الأولى فؤاده وبالقطع سوف نتناول الحكاية دون تقيد بترتيبها فى حكاية نوال :
تبدأ الحكاية بزواج أم فؤاده من والدها وهى تلميذة فى المدرسة وحرمان الزواج لها من الدراسة وهو ما تشير له الفقرة التالية:
فلم يكن طموحها من ذلك النوع النسوى العادى كانت قبل أن تتزوج قد ذهبت إلى المدرسة وربما قرأت بعض القصص ..لكنها فتحت عينيها ذات صباح فلم تجد مريلة المدرسة كما تركتها فى الليلة السابقة فوق الشماعة وسمعت صوت أبيها الخشن يقول لن تذهبى إلى المدرسة وجرت إلى أمها تبكى وتسأل عن السبب ولم يكن السبب سوى الزوج وكان هذا كافيا لأن تكرهه من أول نظرة وظلت تكرهه حتى مات وبعد أن مات وكانت فؤاده لا تزال فى المدرسة الثانوية قالت لها أمها وهى تسوى شعرها الأسود الناعم أمام المرآة وتتأمل قوامها الممشوق مستقبلك فى المذاكرة يا بنتى الرجل ليس له فائدة" ص18
وفيما بعد ولادة فؤاده بدأت الأم تبث فى ابنتها ضرورة أن تكون مخترعة مكتشفة امرأة لها أهميتها وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"وزحف فى رأسها صوت أمها تقول ستكونين شيئا عظيما مثل مدام كورى وتبعه صوت مدرسة الكيمياء يقول فؤاده شىء أخر غير باقى بنات الفصل وهمس صوت فريد فى أذنها فيك شىء لا يوجد عند الأخريات "ص25
ومن ثم بدأت علامات النبوغ تظهر على البنت فى المدرسة وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"وسألت مدرسة الفصل فى ذلك اليوم أين توجد الجراثيم يا بنات لكن الفصل ظل ساكنا ولم ترفع واحدة من البنات أصبعها وأحست فؤاده أنها تعرف الجواب فرفعت أصبعها إلى أعلى فى ثقة وكبرياء وابتسمت المدرسة لتشجعها وقالت فى رقة هل تعرفين أين تعرفين أين توجد الجراثيم يا فؤاده ونهضت فؤاده واقفة رافعة رأسها فوق البنات وقالت بصوت عال ملىء بالثقة نعم يا أبلة الجراثيم توجد فى مناديل أبى "
وكانت أامها تريد دخولها كلية الطب ولكنها دخلت العلوم نتيجة قلة مجموعها وتخرجت واشتغلت فى إحدى الوزارات كما فى الأقوال :
"كانت أمنية أمها أن تدخل فؤاده كلية الطب ولكنها لم تحصل على مجموع عال فى نهاية المرحلة الثانوية ربما لأنها لم تستذكر كثيرا"ص18وأيضا:
"ربما بعد أن تخرجت من كلية العلوم ربما بعد أن اشتغلت فى الوزارة "ص17
وفى تلك الفترة من العمل تعرفت بفريد وأقامت معه علاقة زنى مستمرة كما تدل العبارة التالية:
"رائحة الياسمين كان لها معنى لقائها مع فريد وكان لها ملمس قبلاته فوق عنها ولكنها الآن تعنى غيابه"ص22
ونتيجة عدم وجود عمل حقيقى لفؤاده فى الوزارة قررت ترك عملها الحكومى لتفتح معملا للتحاليل كما تشير الفقرة:
"ولكنها لم تعد موجودة فحسب لقد بدأت تتحرك وتخرج من ركنها المظلم إلى منطقة الضوء واستطاعت فؤاده أن تقرأها نعم لقد كانت مكتوبة بخط عريض واضح فوق واجهة العمارة معمل فؤاده للتحليلات الكيميائية"ص26
وبحثت عن مكان مناسب ووجدته وكان يتطلب مبلغا حصلت عليه فى النهاية من أمها كما تشير الفقرة:
وقالت الأم فى النهاية هذا شىء جميل جدا ليس لى إلا أن أدعو لك بالتوفيق يا ابنتى وقالت فؤاده ولكن الدعوات وحدها لا تكفى يا أمى لا يمكن أن أنشىء معملا كيماويا بالدعوات لابد من مال لشراء الأدوات والأجهزة وقالت الأم وهى تنفض يديها المعروقتين مال من أين المال أنت تعرفين البير وغطاه وقالت فؤاده ولكنك قلت مرة أن عندك ما يقرب من ألف جنيه وقالت الأم وقد اختفت النبرة الضعيفة من صوتها ألف لم يعد هناك ألف ألم نسحب جزء لتبييض الشقة وتجديد العفش هل نسيت ...وقالت الأم وهى تمصمص شفتيها اليابستين لم يبق إلا ثمن كفنى وقالت فؤاده بعيد الشر عنك يا ماما ...لا لا تقولى هذا الكلام "ص48
وفقدت فريد فى أثناء تلك الفترة وهو ما تشير له الفقرة:
"وعرفت سبب ذلك الانقباض الذى جثم فوق صدرها فإن فريد لم يأت فى الموعد الذى اتفقا عليه ليلة أمس"ص5
وفى تلك الفترة تعرفت بصاحب العمارة التى فيها المعمل وهو الساعاتى الذى كان يرغب فى زواجها وقدم لها هدية خاتم من الماس وعرض عليها نقلها لهيئة المبانى التى يرأسها وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"ونهضت واقفة كان رأسها قد سخن ونظرت فى عينيه المهزوزتين نظرة ثابتة وقالت أنا لست من هذا النوع يا أستاذ ساعاتى إننى أريد أن أعمل أريد أن أقوم بأبحاث كيماوية إننى أدفع عمرى من أجل أن أعمل بحثا وسكتت لحظة وابتلعت ريقها وقالت إننى أكره الوزارة أمقتها لأننى لا أعمل فيها شيئا لا أدرى كيف تكون تقاريرى ممتازة وأنا لم أعمل شيئا منذ ست سنوات لن أذهب على الهيئة ولن اذهب إلى الوزارة سأقدم استقالتى وأتفرغ لمعملى "ص93
وأيضا :
"ونهض وفتح العلبة بنفسه وسار إليها حيث هى واقفة وقرب منها العلبة وهو يقول ما رأيك فى هذا الخاتم ...إن فيه فصا من الماس الحر واقترب وجهه منها ورأت عينيه الجاحظتين عن قرب يطفو فوقهما غشاء معتم يخفى ذلك البريق الطبيعى للعينين ...إنها لا تستخدم هذه الأشياء لا تلبس الخواتم أو الأساور أو العقود إنها تضيق بجلدها الذى يلتف حول جسمها فكيف تلف حول أعضائها حبلا أخر؟.. ماس حر لن تستخدمه فى شىء فما الفرق بينه وبيت قطعة عاج أو زجاج هل يفرق التراب بين اى شىء "ص109
ورغم أنها كانت تحاول إخباره أنها لا تريد الزواج منه فقد كان يكرر محاولاته بعرض المال وغيره عليها كما تشير الفقرة التالية:
"وتذكرت قول الساعاتى عن أى شىء تبحثين هل هناك شىء تريدينه ليس موجود فى كل هذه الدنيا ؟إنها لا تريد مالا وماذا تفعل بالمال ماذا تفعل المرأة بالمال فى هذه الدنيا تشترى فساتين غالية كثيرة ولكن ما فائدة الفساتين الكثيرة الغالية إنها لا تذكر شكل فساتينها لا تذكر أن فريد نظر إلى فستانها مرة واحدة لم تحس يوما أن فستانها له قيمة ما سوى أنه يغطى أجزاء من جسمها وماذا غير الفساتين ماذا تفعل امرأة بالمال فى هذه الدنيا غير شراء الفساتين تشترى أدوات الزينة وعلب البودرة ذلك المسحوق الأبيض الذى تدهن به المرأة وجهها وتخفى تلك الشعيرات الدموية التى تجرى فى البشرة الحية وماذا يبقى للبشرة الحية بعد أن يختفى منها لون الدم ...ولكنها لا تريد شيئا من هذا إنها لا تشترى مساحيق ولا تذهب إلى السينما وليس لها صديقات ولا تسعى وراء زواج فما الذى تريده "ص100
حاول أن يفهمها كما تشير الفقرة:
"سارت بهما السيارة الزرقاء الطويلة فى شوارع القاهرة وظلا صامتين حتى خرجت السيارة إلى الخلاء بالقرب من الهرم ثم سمعته يقول بصوت غليظ فى حياتك سر لا أفهمه لماذا لا تفتحين قلبك لى ونظرت إليه نظرة خاطفة ثم مدت بصرها إلى الصحراء الواسعة وقالت لا أعرف بحياتى سرا أو معنى آكل وأنام كأى حيوان ولا أفعل شيئا مفيدا لأحد "ص110
ومع هذا الرفض الداخلى لزواجه ونتيجة عدم معرفتها بمصير فريد تركت نفسها له مرتين دون مقاومة له سوى رفضها النفسى كانت إحداهما يوم موت أمها وهو ما تشير له الفقرات:
"وبدأت تتذكر لشىء من الوضوح كانت واقفة فى الصحراء تحملق فى الفضاء وأحست بالساعاتى خلفه وحوط ذراعي حول خصرها وأصبحت عيناه تقتربان وتتسعان وتزدادان جحوظا وأحست شفتيه الباردتين فوق شفتيها وأسنانه الكبيرة تصطك بأسنانها وملأ أنفها رائحة معدنية غريبة كرائحة الحديد الصدىء وملأ فمها لعابا مرا لاسعا نعم كانت ترى وتحس لكنها لم تكن رؤية واضحة ولم يكن إحساسا أكيدا كان كالحلم الكئيب وحاولت أن ترفع ذراعها وتصفعه لكن ذراعها لم تكن ترتفع"ص115
وأيضا:
"وأحست الكف السمينة الطرية فوق صدرها وشمت رائحة الحديد الصدىء وذاقت طعم اللعاب اللاسع المر وتحولت الكف الطرية إلى أصابع غليظة ترتعش لم تكن رعشة ثابتة فى مكانها لكنها رعشة هابطة على أسفل على بطنها وفخذيها ... وكان بطنه المرتفع يعلو ويهبط مع أنفاسه المتقطعة ...وزحفت فوق جسدها برودة ثقيلة غريبة برودة لم يعرفها جسمها من قبل سوى مرة واحدة ...وأمسك الطبيب إبرة حادة طويلة وغرزها فى ذراعها وسرت فى جسمها تلك البرودة الثقيلة"ص126
وفى نهايبة الحكاية علمت بما حدث لفريد من القبض عليه ووجوده فى السجن من خلال الخطاب الذى أرسله لها :
وقلبت الخطاب على ظهره وبطنه وتفقدت زواياه وأطرافه لم يكن عليه إلا اسمها والعنوان وقربته من أنفها وشمت الرائحة المميزة للورق وحتم البريد وفتحت الخطاب وسحبت ورقة طويلة شفافة تملؤها السطور فؤاده كم يوم مضى منذ لقائنا الأخير منذ تلك الليلة المحملة بأول ريح الشتاء كنت تجلسين أمامى ومن خلفك النسل.. وقلت لى بعد صمت طويل ما رأيك يا فريد سأترك الوزارة كنت أفهمك...ص129كان دورك هو أن تصنعى شيئا جديدا لو أعطيت الفرصة وكان دورى هو أن أصنع الفرصة بصنع الناس الجديد وما الجديد إنه تغيير القديم وماذا يصنع التغيير أليس هو التفكير ...كان دورك أن تصنعى الفكرة وكان دورى ان اصنع النطق ولك اكن استطيع وحدى شيئا ...أجل لم أكن واحدا كان معى أخرون لم نملك إلا ذلك الدور البسيط الخطير تلك الكلمات البسيطة التى ولدت مع اول إنسان ...ص130ولم أصل على البيت كان هناك رجل يتعقبنى بل كانوا كثيرين مسلحين ولم يكن معى شىء تذكرين كنت أرتدى القمسص البنى والبنطلون وفتشوا جيوبى ولم يجدوا شيئا وهل توضع الكلمات فى الجيوب وأمسكوا بى ووضعونى فى الحديد لكن الكلمات حملها الهواء فهل يمسكون الهواء ويضعونه فى الحديد الجدران من حولى لكنك معى أحس يدك الصغيرة الناعمة على وجهى وأرى عينيك الخضراوين فى عينى يطل منهما الشىء الجديد الحبيس يريد ان ينطق ولا يستطيع لا تحزنى يا فؤاده ولا تبكى فالكلمات فى الهواء خارج الجدران تعيش وتدخل مع الهواء إلى الصدور وسيأتى حتما يوم تسقط فيه الكمامات وتنطق الأفواه من جديد فريد"ص131