"ووهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا كلا فضلنا على العالمين "المعنى وأعطينا لإبراهيم (ص)إسحاق(ص)ويعقوب(ص)وكلا اخترنا ونوحا اخترنا من قبل ومن شيعته داود(ص)وسليمان(ص)وأيوب(ص)ويوسف(ص)وموسى (ص)وهارون(ص)وهكذا نثيب الصالحين وزكريا (ص)ويحيى(ص)وعيسى(ص)وإلياس(ص)كل من المحسنين وإسماعيل (ص)واليسع(ص)ويونس(ص)ولوطا(ص)كلا اخترنا من الناس ،يبين الله لنبيه(ص)أنه وهب والمراد أعطى لإبراهيم (ص)ولده إسحاق(ص)وولد إسحاق(ص)يعقوب(ص) وكلا هدى والمراد وكلاهما اختاره الله لإنزال الوحى عليه وأما نوح(ص)فقد هداه من قبل والمراد فقد اختاره لإنزال الوحى عليه من قبل وجود إبراهيم (ص)فى الدنيا ومن ذرية وهى شيعة أى متبعى دين إبراهيم (ص)داود(ص)وسليمان(ص)وأيوب(ص)ويوسف(ص)وموسى (ص)وهارون(ص)وكذلك أى بنفس الطريقة وهى الهدى أى اختيارهم لإنزال الوحى عليهم يجزى المحسنين وهم المتقين مصداق لقوله بسورة النمل"كذلك يجزى الله المتقين"ومن متبعى دين إبراهيم (ص)زكريا(ص)ويحيى (ص)وعيسى(ص)وإلياس(ص)وكلهم من الصالحين وهم الصابرين مصداق لقوله بسورة الأنبياء"كل من الصابرين "أى المطيعين للدين ومن متبعى دين إبراهيم (ص)إسماعيل(ص)واليسع(ص)ويونس(ص) ولوطا (ص) وكلهم فضله الله على العالمين والمراد وكلهم اختاره الله من وسط الناس والسبب فى تفسير الذرية بالشيعة وهم متبعى الدين هنا هو أن لوط (ص)ليس من ذرية إبراهيم (ص)وهم أولاده وإنما هو الوحيد الذى أمن به من قومه مصداق لقوله بسورة العنكبوت"فأمن له لوط".
"ومن أباءهم وذرياتهم واخوانهم اجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم "المعنى ومن والدى الرسل وأولادهم واخوانهم اخترناهم وأدخلناهم فى جنة سليمة ،يبين الله لنبيه (ص)أنه اجتبى والمراد اختار لإنزال الوحى أباء بعض الرسل مثل إبراهيم(ص) أبو إسماعيل(ص)وإسحاق(ص)وداود (ص)أبو سليمان(ص) ومن ذرياتهم وهم أولاد بعض الرسل مثل يوسف (ص)ولد يعقوب(ص)واخوانهم وهم إخوة الرسل مثل هارون (ص)أخو موسى (ص)وإسماعيل(ص)أخو إسحاق(ص)وقد هديناهم إلى صراط مستقيم والمراد وقد أسكناهم فى جنة حسنة أى وقد أويناهم إلى مسكن طيب وتفسير الهداية بإدخال الجنة وليس العلم لأنه الإجتباء هو إعلام بالعلم وهو الوحى .
" ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون "المعنى الجنة رحمة الرب يختص بها من يريد من خلقه ولو كفروا لخسر لهم الذى كانوا يفعلون،يبين الله لنبيه(ص) أن ذلك وهو دخول الصراط المستقيم وهو الجنة هو هدى الله أى رحمة الرب يهدى به من يشاء من عباده أى يرحم به من يريد من خلقه أى يختص برحمته من يريد من خلقه مصداق لقوله بسورة البقرة"والله يختص برحمته من يشاء"،ولو أشركوا والمراد ولو كفر الرسل(ص)لحبط عنهم ما كانوا يعملون والمراد لزال عنهم ثواب الذى كانوا يفعلون من الحسنات وهذا يعنى أنه يدخلهم النار ولا ينفعهم عملهم الحسن السابق على شركهم والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).
"أولئك الذين أتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها كافرين "المعنى أولئك الذين أوحينا لهم الوحى أى الشريعة أى الحكم فإن يكذب بها هؤلاء فقد أعطيناها ناسا ليسوا بها مكذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن أولئك وهم الرسل هم الذين أتاهم أى أوحى لهم الكتاب الذى فسره بأنه الحكم الذى فسره بأنه النبوة وهو الوحى ،ويبين له أن هؤلاء وهم الكفار فى عصره إن يكفروا بها والمراد إن يكذبوا حكم الله فقد وكل بها قوما ليسوا بها كافرين والمراد فقد أعطاها ناسا ليسوا بها مكذبين وهم المؤمنين والخطاب للنبى (ص) وما بعده.
"أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكر للعالمين "المعنى أولئك الذين رحم الله فبدينهم اعمل قل لا أطالبكم على ابلاغه مالا إن هو إلا حكم للناس ،يبين الله لنبيه (ص)أن أولئك وهم الذين أتاهم الكتاب هم الذين هدى الله أى رحم أى أنعم الله عليهم مصداق لقوله بسورة النساء"الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين "ويطلب منه أن يقتدى بهداهم والمراد أن يعمل بدينهم وهو الإسلام ،ويطلب منه أن يقول لهم :لا أسألكم عليه أجرا والمراد لا أطالبكم على إبلاغ الوحى مالا مصداق لقوله بسورة هود "لا أسألكم عليه مالا" وهذا يعنى أنه لا يطالبهم بمال مقابل إبلاغ الوحى ،إن هو إلا ذكر للعالمين والمراد إن القرآن هو حكم الله للناس كلهم .
"وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا أباؤكم قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون "المعنى وما أطاعوا الرب واجب طاعته حين قالوا ما أوحى الرب إلى ناس من وحى قل من أوحى التوراة التى أتى بها موسى (ص)هدى أى رحمة للخلق تقسمونه أجزاء تظهرونها وتكتمون كثيرا وعرفتم الذى لم تعرفوا أنتم ولا أباؤكم قل الرب ثم اتركهم فى تكذيبهم يستمرون،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس ما قدروا الله حق قدره والمراد ما اتقوا الرب واجب تقاته أى ما أطاعوا حكم الله واجب طاعته إذ قالوا والمراد وقت قالوا :ما أنزل أى ما أوحى الله على بشر من شىء والمراد ما ألقى الرب إلى إنسان من وحى وهذا يعنى تكذيبهم بكل الرسل،ويطلب الله منه أن يقول لهم :من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس والمراد من أوحى التوراة التى أتى بها موسى (ص)رحمة أى نفع للخلق مصداق لقوله بسورة المائدة"إنا أنزلنا التوارة فيها هدى ونورا"؟ويقول لأهل الكتاب :تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا والمراد تقسمونه أجزاء تعلنونها وتكتمون كثيرا منها ،وهذا يعنى أن أهل الكتاب قسموا التوراة لأجزاء يعلنون بعضها ولأجزاء أخرى يكتمون بعضها الأخر ،ويقول لهم:وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا أباؤكم والمراد وعرفتم الذى لم تعرفوا أنتم ولا أباؤكم وهذا يعنى أنه يعرف أهل الكتاب فى القرآن أشياء لم يكونوا يعرفون بها ،ويطلب الله منه أن يجيب على السؤال من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى ؟قائلا :الله هو المنزل ،ويطلب منه أن يذرهم فى خوضهم يلعبون والمراد أن يتركهم فى كفرهم يستمرون وهذا يعنى ألا يكرر دعوتهم للإسلام .
"وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالأخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون "المعنى وهذا حكم أوحيناه دائم مشابه الذى فى الكعبة ولتخبر أصل البلاد ومن فى محيطها والذين يصدقون بالقيامة يصدقون به وهم على دينهم يثبتون،يبين الله لنبيه (ص)أن هذا وهو القرآن كتاب أنزلناه مبارك أى حكم أوحيناه لك دائم الوجود مصداق لقوله بسورة الشورى"وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا"مصدق الذى بين يديه والمراد مشابه للذى عند الله فى الكتاب فى الكعبة وهو أم الكتاب مصداق لقوله بسورة المائدة "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا بما بين يديه من الكتاب"والسبب فى وحيه أن تنذر أم القرى ومن حولها والمراد أن تبلغ به أهل أصل البلاد وهى مكة وأهل البلاد فى محيطها وهم كل أهل الأرض لأن مكة هى وسط الكون بالضبط ،ويبين له أن الذين يؤمنون بالأخرة يؤمنون به والمراد أن الذين يصدقون بوقوع القيامة يصدقون بالكتاب وهو القرآن وهم على صلاتهم يحافظون والمراد وهم على دينهم يثبتون أى هم لحكمهم يطيعون والخطاب وما قبله للنبى (ص)ومنه لأهل الكتاب وأيضا ما بعده له.
"ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شىء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم اخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون "المعنى ومن أضل من الذى نسب إلى الرب باطلا أو قال أنزل لى ولم ينزل له وحى ومن قال سأوحى شبه الذى أوحى الرب ولو تشاهد وقت الكافرون فى سكرات الوفاة والملائكة مادوا أذاهم :أبعدوا أنفسكم الآن تعاقبون عقاب الذل بالذى كنتم تنسبون إلى الرب سوى العدل وكنتم لأحكامه تخالفون،يبين الله لنبيه (ص)أن الأظلم وهو الضال أى الكافر هو الذى افترى على الله كذبا والمراد نسب إلى دين الله باطلا وهو ما لم يقله الله والأظلم هو أيضا من قال:أوحى إلى أى أنزل الله لى الوحى وهو لم يوح إليه شىء والمراد وهو لم ينزل له وحى من الله ،والأظلم أيضا من قال:سأنزل مثل ما أنزل الله والمراد سأشرع شبه الذى شرع الرب وهو قولهم بسورة الأنفال"ولو نشاء قلنا مثل هذا "وهذا يعنى أنه يريد أن يضع حكم مشابه لحكم الله ،ويبين الله لنبيه (ص)أنه لو يرى الظالمين فى غمرات الموت والمراد لو يشاهد الكافرين فى سكرت الوفاة وهى لحظات الإنتقال من الدنيا للبرزخ حيث النار والملائكة باسطوا أيديهم والمراد والملائكة مادوا أذاهم للكفار يقولون لهم بسخرية :اخرجوا أنفسكم والمراد أنقذوا ذواتكم من النار ،اليوم تجزون عذاب الهون والمراد الآن تدخلون عقاب الذل بما كنتم تقولون على الله غير الحق والمراد بالذى كنتم تنسبون إلى الرب سوى العدل وكنتم عن آياته تستكبرون والمراد وكنتم لأحكامه تعصون وهذا يعنى أنهم دخلوا النار بسبب نسب الكذب لله وعصيانهم لأحكام الله .
"ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ولقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون "المعنى ولقد أتيتمونا وحدانا كما أنشأناكم أسبق مرة وخلفتم الذى أعطيناكم خلف أنفسكم وما نشاهد لديكم شركاءكم الذين قلتم أنهم فيكم مقاسمين ولقد انفصل بينكم وبعد عنكم الذى كنتم تقولون،يبين الله لنبيه(ص)أن الله يقول على لسان الملائكة للظالمين :ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة والمراد ولقد أتيتمونا وحدانا كما أبدعناكم أسبق مرة وهذا يعنى أن كل واحد يأتى فردا وحيدا كما خلقه بمفرده فى الدنيا،وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم والمراد وخلفتم الذى أعطيناكم خلف أنفسكم وهذا يعنى أنهم تركوا ما أعطاهم الله من مال وولد وغيره خلفهم فى الدنيا،وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء والمراد ولا نعلم معكم أربابكم الذين قلتم أنهم فيكم مقاسمين لى وهذا يعنى أنهم يأتون ليس معهم آلهتهم المزعومة الذين زعموا أنهم يملكونهم بالإشتراك مع الله ،ولقد تقطع بينكم والمراد ولقد فصل بينكم وهذا يعنى وجود فاصل بين الكفار والأرباب المزعومة فى البرزخ والقيامة ،وضل عنكم ما كنتم تزعمون والمراد وتبرأ منكم الذين كنتم تقولون بربوبيتهم أى وكفر بكم الذين أى كذبكم الذين كنتم تقولون أنهم آلهة مصداق لقوله بسورة مريم"واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " والخطاب وما قبله للنبى(ص)ومنه للكفار .
"إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحى من الميت ومخرج الميت من الحى ذلكم الله فأنى تؤفكون "المعنى إن الله خالق البذر أى الأصول ،يفصل الباقى عن المتوفى وفاصل المتوفى عن الباقى ذلكم الرب فكيف تكفرون ؟،يبين الله للناس أن الله هو فالق الحب والمراد أن الله هو خالق البذر الذى فسره بأنه النوى وهو أصول الأنواع المختلفة التى منها يخلقون،وهو يخرج الحى من الميت والمراد وهو يفصل عالم الباقى وهو الدنيا عن عالم المتوفى وهو البرزخ وفسر هذا بقوله مخرج الميت من الحى والمراد فاصل عالم المتوفى أى البرزخ عن عالم الباقى وهو الدنيا فالأرض يعيش فيها عالم الأحياء وعالم الأموات مفصولين لا إتصال بينهما مصداق لقوله بسورة المرسلات"ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا "وذلكم وهو الفالق المخرج هو الله فأنى تؤفكون أى "فأنى تصرفون"كما قال بسورة يونس والمراد فكيف تكذبون بحكمه رغم علمكم بهذا ؟والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب الإيمان بحكم الله والخطاب وما بعده وما بعده للناس .
"فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم"المعنى خالق النهار وخلق الليل راحة والشمس والقمر دائرين ذلك خلق القادر الخبير ،يبين الله للناس أنه فالق الإصباح والمراد خالق النهار مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وهو الذى خلق الليل والنهار"وجعل الليل سكنا أى وخلق الليل راحة أى لباسا مصداق لقوله بسورة الفرقان"وهو الذى جعل لكم الليل لباسا"وخلق الشمس والقمر حسبانا والمراد دائرين فى فلك لا يدركان بعضهما مصداق لقوله بسورة يس"لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر "ذلك وهو النهار والليل والشمس والقمر هو تقدير العزيز العليم أى هو خلق القوى العارف بكل شىء .
"وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون" المعنى وهو الذى خلق لكم الكواكب لترشدوا بها فى متاهات اليابس والماء قد بينا الأحكام لناس يفهمون ،يبين الله للناس أن الله هو الذى جعل لهم النجوم والمراد قد خلق لهم الكواكب فى السماء والسبب أن يهتدوا فى ظلمات البر والبحر والمراد أن يستدلوا بها على الطريق الصحيح فى متاهات اليابس والماء ،ويبين لهم أنه قد فصل الآيات لقوم يفقهون أى "قد بينا الآيات لقوم يوقنون"كما قال بسورة البقرة والمراد قد وضح الأحكام لناس يطيعونها.
"وهو الذى أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون"المعنى وهو الذى خلقكم من فرد واحد فمسكن أى مخزن قد بينا الأحكام لناس يفهمون،يبين الله للناس أن الله هو الذى أنشأكم أى "خلقكم من نفس واحدة "كما قال بسورة النساء والمراد أبدعهم من إنسان واحد فمستقر أى مستودع والمراد فمسكن أى مخزن والمراد أن نفس كل واحد فينا هى قراره أى وديعته التى يجب أن يحافظ عليها فلا يدخلها النار ويقول:قد بينا الآيات لقوم يفقهون والمراد"قد بينا الآيات لقوم يوقنون"كما قال بسورة البقرة وهذا يعنى أنه وضح الأحكام لناس يفهمون أى يطيعون الأحكام والخطاب وما بعده للناس.
"وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شىء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن فى ذلكم لآيات لقوم يؤمنون"المعنى وهو الذى أسقط من السحاب مطرا فخلقنا منه حياة كل مخلوق فأنبتنا منه نباتا نظهر منه حبا متراكما ومن النخل من جريدها ثمار ظاهرة وحدائق من عنب والزيتون والرمان متماثلا وغير متماثل،فكروا فى منافعه إذا نضج أى طاب إن فى ذلكم لبراهين لناس يصدقون،يبين الله للناس أن الله هو الذى أنزل من السماء ماء والمراد الذى أسقط من السحاب وهو المعصرات مطرا أى ماء ثجاجا مصداق لقوله بسورة النبأ"وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا"أى متتابعا فأخرجنا به نبات كل شىء أى فخلقنا به حياة كل مخلوق مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وجعلنا من الماء كل شىء حى "فأخرجنا منه خضرا والمراد فأنبتنا بالماء نباتا مصداق لقوله بسورة طه"فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى"وهذا النبات نخرج منه حبا متراكبا أى نظهر من سوقه ثمرا متراكما أى أجزائه فوق بعضها وبجانب بعضها ونظهر من النخل من طلعها وهو جريدها قنوان دانية أى ثمار ظاهرة ونخرج بالماء جنات وهى حدائق من الأعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه والمراد متماثلا وغير متماثل وهذا يعنى أن النبات الواحد منه المتشابه مثل البلح الأحمر ومنه غير المتشابه فمثلا البلح منه الأحمر ومنه الأصفر وهما غير متشابهين فى اللون ،ويطلب الله من الناس أن ينظروا إلى ثمره إذا أثمر والمراد أن يفكروا فى منافع النبات إذا نضج أى ينع أى طاب والمراد استحق أن يستفاد منه حتى يعرفوا نعمة الله عليهم ويبين أن فى ذلكم وهو نزول الماء وخلق النبات آيات لقوم يؤمنون أى براهين دالة على وجوب طاعة حكم الله وحده لناس يصدقون حكمه .
"وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون "المعنى واخترعوا لله مقاسمين الجن وأنشأهم ونسبوا له صبيان وإناث بغير وحى علا أى سما الله عن الذى يعبدون معه، يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار جعلوا لله شركاء والمراد اخترعوا لله مقاسمين فى الملك هم الجن مع أنه قد خلقهم أى قد أبدع الجن فكيف يكون المخلوق مقاسما لخالقه فى ملكه؟،وخرقوا له بنين وبنات والمراد ونسبوا لله أولاد وإناث وهذا يعنى أنهم جعلوه أبا له صبيان وإناث وكل هذا بغير علم أى بغير وحى من عند الله يقول أن الجن شركائه وأن له بنين وبنات ،سبحانه أى تعالى عما يشركون علا أى تفضل الله عن الذى يعبدون معه والمراد أن الله أفضل من آلهتهم المزعومة التى يقولون بها لأنه خالق وهم مخلوقات مصداق لقوله بسورة الإسراء"سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا "والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شىء وهو بكل شىء عليم "المعنى خالق السموات والأرض كيف يوجد له غلام ولم توجد له زوجة وأنشأ كل مخلوق وهو بكل أمر خبير ،يبين الله للمؤمنين أنه بديع أى "فاطر السموات والأرض"كما قال بسورة فاطر والمراد خالق السموات والأرض ،ويسأل أنى يكون له ولد والمراد كيف يصبح له ابن ولم تكن له صاحبة أى ولم تكن له زوجة ؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أنهم نسوا أن الأولاد لا يأتون إلا من الزوجات وهو ليس له زوجة وقد خلق كل شىء أى وقد أبدع كل مخلوق دون مساعدة أحد وهو بكل شىء عليم والمراد وهو بكل أمر خبير ومن ثم فهو ليس بحاجة لأولاد لأنه لا يحتاج مساعدة أحد ولا علمه
"ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شىء فاعبدوه وهو على كل شىء وكيل "المعنى ذلكم الله خالقكم لا رب إلا هو مبدع كل مخلوق فأطيعوه وهو لكل شىء حافظ ،يبين الله للناس أن ذلكم وهو المبدع للكون العليم به هو الله ربهم لا إله إلا هو والمراد هو الله خالقهم الذى لا خالق سواه ،خالق كل شىء أى "رب كل شىء"كما قال بنفس السورة والمراد مبدع كل مخلوق فاعبدوه أى فاتقوه أى فأطيعوا حكمه وهو على كل شىء وكيل والمراد وهو لكل مخلوق حافظ مصداق لقوله بسورة هود"إن ربى على كل شىء حفيظ" أى يحميه كى يبقى موجودا والخطاب وما بعده وما بعده للناس
"لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير"المعنى لا تعلمه الأفراد وهو يعلم بالأفراد وهو العليم المحيط ،يبين الله للناس أن الله لا تدركه الأبصار أى لا تعلم نفسه عقول الأفراد وهو يدرك الأبصار والمراد وهو يعرف نفوس الأفراد مصداق لقوله بسورة المائدة "تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك "والله هو اللطيف الخبير أى العليم المحيط بكل شىء .
"قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ "المعنى قد أتاكم أحكام من إلهكم فمن أطاع فلمصلحته ومن عصى فعقابه عليه وما أنا عليكم بوكيل ،يبين الله للناس أنه قد جاءهم بصائر من ربهم والمراد "قد جاءكم برهان من ربكم"كما قال بسورة النساء والمراد قد أتاهم أحكام الوحى من خالقهم فمن أبصر فلنفسه والمراد"فمن اهتدى فلنفسه "كما قال بسورة يونس والمراد فمن أطاع أحكام الوحى فلمنفعته ومن عمى فعليها أى "ومن ضل فإنما يضل عليها "كما قال بسورة يونس والمراد ومن عصى حكم الله فإنما عقابه على نفسه وما أنا عليكم بحفيظ والمراد"وما أنا عليكم بوكيل"كما قال بسورة يونس والمراد وما أنا لكم بحامى من عذاب الله والخطاب للناس.
"وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون "المعنى وهكذا نبين الأحكام وليقولوا علمت ولنعرفه لناس يؤمنون ،يبين الله لنبيه (ص)أن كذلك أى بإنزال الوحى يصرف الله الآيات والمراد يبين الله الأحكام للناس مصداق لقوله بسورة "وكذلك يبين الله لكم الآيات"والكفار يقولون للنبى (ص)درست أى تعلمت من بشر أخر كما قالوا بسورة النحل"ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر"ويبين له أنه يبين الوحى لقوم يعلمون والمراد أنه يفصل أى يوضح حدود الله لناس يؤمنون به مصداق لقوله بسورة الأنعام"قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون "وقوله بسورة البقرة"وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون" والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين "المعنى أطع الذى ألقى لك من خالقك لا رب إلا هو وخالف الكفار ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يتبع ما يوحى إليه من ربه والمراد أن يطيع الذى يلقى له من خالقه وهو ملة إبراهيم(ص)مصداق لقوله بسورة النحل"أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا "لا إله إلا هو والمراد لا رب إلا هو ،ويطلب منه أن يعرض عن المشركين والمراد أن يذر الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا مصداق لقوله بسورة الأنعام"وذر الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا"والمراد وخالف دين الكافرين .
"ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل "المعنى ولو أراد الرب ما كفروا وما عيناك لهم وكيلا أى ما أنت لهم بحامى ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو شاء ما أشركوا والمراد لو أراد ما كفر الناس بحكمه أى لو أراد لآمن الكفار مصداق لقوله بسورة يونس"ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا "ويبين له أنه ما جعله عليهم حفيظا والمراد ما عينه لهم وكيلا وفسر هذا بأنه ليس عليهم بوكيل أى حامى لهم من عذاب الله بسبب كفرهم والخطاب للنبى(ص).
"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون "المعنى ولا تشتموا الذين يعبدون من سوى الرب فيشتموا الرب ظلما بغير وحى هكذا حسنا لكل جماعة فعلهم ثم إلى خالقهم فيخبرهم بالذى كانوا يفعلون ،يطلب الله من المؤمنين ألا يسبوا الذين يدعون من دون الله والمراد ألا يذموا الذين يعبدون من سوى الرب وهذا يعنى ألا يشتموا آلهة الكفار المزعومة والسبب حتى لا يسبوا الله عدوا بغير علم والمراد حتى لا يذموا الرب ظلما دون معرفة وهذا يعنى حتى لا يرد الكفار بشتم الله جورا دون معرفة بوحى الله الذى يحرم هذا ،ويبين أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى عصيان العلم زين الله لكل أمة عملهم والمراد حسن الرب لكل جماعة سوء فعلهم مصداق لقوله بسورة التوبة "زين لهم سوء أعمالهم "ثم إلى ربهم مرجعهم والمراد ثم إلى جزاء خالقهم عودتهم فينبئهم بما كانوا يعملون والمراد فيخبرهم بالذى كانوا يصنعون مصداق لقوله بسورة المائدة"وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون "والخطاب للمؤمنين.
"وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون "المعنى وحلفوا بالله قدر طاقتهم لئن أتاهم معجزة ليصدقن بها قل إنما المعجزات لدى الرب والذى يعرفكم إنها إذا أتت لا يصدقون ،يبين الله للمؤمنين أن الكفار أقسموا جهد أيمانهم والمراد حلفوا قدر طاقتهم فقالوا والله لئن جاءتنا آية لنؤمن بها والمراد والله لئن أتتنا معجزة لنصدقن بها ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم إنما الآيات وهى المعجزات عند الله والمراد من لدى الرب وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون والمراد والذى يخبركم أنها إذا أتت وهى لن تأتى لا يصدقون بها مصداق لقوله بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون "وهذا يعنى أنهم يفعلون كالكفار السابقين فى عدم إيمانهم بالمعجزات .
"ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم يعمهون "المعنى ونختم على أنفسهم أى قلوبهم كما لم يصدقوا به أسبق مرة أى نتركهم فى كفرهم يسيرون ،يبين الله لنبيه(ص) أنه يقلب أفئدة الكفار وهى أبصارهم والمراد أنه يطبع الكفر على قلوب وهى نفوس الكفار مصداق لقوله بسورة النحل"أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم "كما لم يؤمنوا به أول مرة والمراد كما لم يصدقوا بالقرآن أسبق مرة دعوا فيها للإيمان به وفسر هذا بأنه يذرهم فى طغيانهم يعمهون والمراد ويترك الكفار فى كفرهم يستمرون والخطاب وماقبله للنبى(ص)
"ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شىء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون"المعنى ولو أننا أحضرنا لهم الملائكة وحدثهم الهلكى وأرسلنا لهم كل معجزة أمامهم ما كانوا ليصدقوا إلا أن يريد الله ولكن معظمهم يكفرون،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو فعل التالى للكفار:
نزل لهم الملائكة أى أرسل لهم الملائكة فى الأرض،وكلمهم الموتى أى حدثهم الهلكى الذين تركوا الدنيا بعد إحياءهم،وحشر لهم كل شىء قبلا والمراد وجمع لهم كل معجزة عيانا فإن رد فعلهم هو أنهم لا يؤمنون أى لا يصدقون بكل المعجزات مصداق لقوله بسورة البقرة"ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك" إلا فى حالة واحدة هى أن يشاء أى يريد الله إيمانهم ولكن أكثرهم يجهلون والمراد ولكن معظم الناس يكفرون أى لا يعلمون مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولكن أكثرهم لا يعلمون"أى لا يتبعون الوحى .
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون"المعنى وهكذا عينا لكل رسول كارها كفار البشر والجن يلقى بعضهم إلى بعض باطل الحديث خداعا ولو أراد إلهك ما صنعوه فاتركهم أى ما يزعمون،يبين الله لنبيه(ص)أنه جعل لكل نبى عدوا والمراد حدد لكل رسول(ص)من رسله كارها هو شياطين الإنس والجن والمراد مجرمى البشر والجن وهم الكفار مصداق لقوله بسورة الفرقان"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين"وهم يقومون بالتالى يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول والمراد يلقى بعضهم إلى بعض باطل الكلام خداعا لبعضهم وهذا يعنى أن كفار الإنس يغوون بعضهم وكفار الجن يضلون بعضهم عن طريق الكلام الباطل الماكر ،ويبين لهم أن الله لو شاء ما فعلوه والمراد لو أراد ما أشركوا أى كفروا مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولو شاء الله ما أشركوا"ويطلب الله منه أن يذرهم أى يترك طاعة دينهم وفسر هذا بأن يترك ما يفترون والمراد أن يدع طاعة ما يزعمون من الأحكام والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى (ص) .
"ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون"المعنى ولتستجيب له قلوب الذين لا يصدقون بالقيامة أى ليقبلوه أى ليعملوا الذى هم عاملون ،يبين الله لنبيه(ص) أن الزخرف تصغى له أفئدة الذين لا يؤمنون بالأخرة والمراد أن الباطل تستجيب له قلوب الذين لا يصدقون بالقيامة وفسر هذا بأنهم يرضوه أى يقبلوه دينا يتبعونه وفسر هذا بأنه يقترفوا ما هم مقترفون والمراد يرتكبوا من الذنوب الذى هم مرتكبون له .
"أفغير الله أبتغى حكما وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين أتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين"المعنى هل سوى الله أريد قاضيا وهو الذى أوحى لكم الحكم مبينا والذين أوحينا لهم الوحى سابقا يعرفون أنه موحى من إلهك بالعدل فلا تصبحن من الكافرين،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسأل الناس:أفغير الله أبتغى حكما أى هل سوى الله أريد قاضيا ؟أى هل سوى الله أتخذ وليا ؟وفى هذا قال تعالى بسورة الأنعام"قل أغير الله اتخذ وليا"والغرض من السؤال هو إخبارهم أن النبى(ص)لا يقبل إله أى حاكم له سوى الله لأنه أنزل لهم الكتاب مفصلا والمراد لأنه أوحى لهم الحكم السليم مفهوما لهم ،ويبين له أن الذين أتاهم الكتاب والمراد أن الذين أعطاهم الوحى السابق يعلمون أنه منزل من الله بالحق والمراد يعرفون أنه موحى من عند الله بالعدل وهو حكمه وفى هذا قال بسورة الأنعام "والذين أتيناهم الكتاب يعرفونه"وينهاه الله أن يكون من الممترين أى الجاهلين أى المشركين وهم العصاة لحكمه مصداق لقوله بسورة الأنعام"فلا تكونن من الجاهلين"و"ولا تكونن من المشركين".
"وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم"المعنى وكملت حكمة إلهك حقا أى قسطا لا مغير لأحكامه وهو الخبير العارف،يبين الله لنبيه(ص)أن كلمة ربه وهى حكمة إلهه أى دين ربه قد كمل مصداق لقوله بسورة المائدة"اليوم أكملت لكم دينكم "وهو دين صدق أى عدل أى قسط لا ظلم فيه ،ويبين له أن لا مبدل لكلماته والمراد لا مغير لأحكام الله أى لا مهلك للوحى لأنه محفوظ فى الكعبة للعودة له عند الخلاف مصداق لقوله بسورة الحجر"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"والله هو السميع العليم أى الخبير المحيط بكل شىء.
"وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون"المعنى وإن تتبع معظم من فى البلاد يبعدوك عن دين الله إن يطيعون سوى الهوى أى إن هم إلا يكفرون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه إن يطع أكثر من فى الأرض والمراد إن يطيع معظم من فى البلاد والمراد الذين كفروا يضلوه عن سبيل الله والمراد يبعدوه عن طاعة دين الله أى يردوهم على أعقابهم وهى أديانهم الضالة مصداق لقوله بسورة آل عمران"إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم"ويبين له أنهم يتبعون الظن أى يطيعون الهوى مصداق لقوله بسورة القصص"فاعلم إنما يتبعون أهواءهم"وهى شهواتهم مصداق لقوله بسورة النساء"الذين يتبعون الشهوات"وهى أحكام الكفر وفسر هذا بأنهم يخرصون أى يظنون مصداق لقوله بسورة الجاثية"وإن هم إلا يظنون"والمراد إن هم إلا يكفرون بدين الله والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين"المعنى إن إلهك هو أعرف من يكفر بدينه وهو أعرف بالمصدقين،يبين الله لنبيه(ص)أن ربه وهو إلهه أعلم بمن يضل عن سبيله والمراد أعرف بمن يبعد عن طاعة الإسلام وهم المفسدين مصداق لقوله بسورة يونس"وربك أعلم بالمفسدين"وهو أعلم بالمهتدين والمراد وهو أعرف بالشاكرين أى المطيعين لدين الله مصداق لقوله بسورة الأنعام"أليس الله بأعلم بالشاكرين".
"فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم مؤمنين"المعنى فاطعموا من الذى ردد حكم الله فيه إن كنتم بأحكامه مصدقين،يطلب الله من المؤمنين أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه والمراد أن يطعموا من الأنعام أو الصيد الذى ردد حكم الله عليه وهو الذى قصد به طاعة الله وحده من خلال أكله هذا إن كانوا مؤمنين أى صادقين فى قوله أنهم مصدقون بالوحى مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن كنتم صادقين"والخطاب للمؤمنين.
"وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين "المعنى وما السبب ألا تطعموا من الذى ردد حكم الله عليه وقد بين لكم الذى منعكم منه إلا ما أكرهتم عليه وإن عديدا ليتبعون شهواتهم دون وحى إن إلهك هو أعرف بالمفسدين،يسأل الله المؤمنين وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه والمراد وما يمنعكم أن تطعموا من الذى أطيع حكم الله فيه ؟والغرض من السؤال إخبارهم أن الذبائح التى ردد حكم الله عليها وهى التى قصد من ذبحها طاعة الله بأكلها لعمل الأعمال الحسنة يعنى أنه حلال أكلها،ويبين لهم أنه فصل أى بين لهم ما حرم عليهم والمراد عرفهم ما منعهم من أكله من أصناف الحيوان فى الوحى السابق نزوله إلا ما اضطررتم إليه وهو ما أجبرتم أنفسكم على أكله خوفا من الموت جوعا وهى المخمصة مصداق لقوله بسورة المائدة "فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم إن الله غفور رحيم " فالله يغفر هذا الذنب ويبين الله لنبيه (ص)أنه أعلم بالمعتدين أى أعرف بالمفسدين وهم المتبعين للأهواء مصداق لقوله بسورة يونس"وربك أعلم بالمفسدين"والقول الخطاب فى أوله للمؤمنين حتى إن كثيرا فهو للنبى(ص).
"وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون"المعنى واتركوا إعلان الكفر وإخفائه إن الذين يعملون الكفر سيعاقبون بما كانوا يذنبون،يطلب الله من المؤمنين أن يذروا ظاهر الإثم وباطنه والمراد يتركوا إعلان عمل الفاحشة وهى الكفر وعملها فى الكتمان ويبين لهم أن الذين يكسبون الإثم أى يعملون السيئات مصداق لقوله بسورة يونس"والذين كسبوا السيئات"سيجزون بما كانوا يقترفون والمراد سيعاقبون بدخول جهنم بالذى كانوا يكسبون أى يعملون مصداق لقوله بسورة التوبة"ومأواهم جهنم بما كانوا يكسبون" والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أولياءهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"المعنى ولا تطعموا من الذى لم يردد حكم الله عليه وإنه لكفر وإن الكفار ليقولون لأتباعهم ليحاجوكم وإن اتبعتموهم إنكم لكافرون،يطلب الله من المؤمنين ألا يأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه والمراد ألا يطعموا من الذبائح التى لم يردد حكم الله عليها وهى ما أهل به لغير الله مصداق لقوله بسورة البقرة"وما أهل لغير الله"والمراد ما قصد من ذبحها عصيان الله ويبين لهم أنه فسق والمراد أن الأكل من الذبائح التى لم يقصد بها طاعة الله كفر ،ويبين لهم أن الشياطين وهم كبار الكفار يوحون إلى أولياءهم والمراد يقولون لأتباعهم الباطل وهو زخرف القول والسبب حتى يجادلونا أى يحاجونا فى دين الله مصداق لقوله فى نفس السورة"شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول "ويبين لهم أنهم إن يطيعوهم أى يتبعوا باطلهم وهو وحيهم يكونوا مشركين أى كافرين بدين الله مصداق لقوله بسورة آل عمران"إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين".
"أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون"المعنى هل من كان كافرا فهديناه أى علمناه هديا يحكم به فى الخلق كمن شبهه فى الكفر ليس بتارك لطاعته هكذا حسن للمكذبين الذى كانوا يفعلون ،يسأل الله المؤمنين :أو والمراد هل من كان ميتا أى مكذبا لدين الله فأحييناه أى فهديناه للحق وفسر هذا بأنه جعل له نور يمشى به فى الناس والمراد أنه علمه حكما يحكم به فى تعامله مع الخلق كمن مثله أى شبهه فى الظلمات وهى الضلالات أى الكفر ليس بخارج منها والمراد ليس بتارك لطاعة الضلالات ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن المسلم حى لأنه يتبع الحياة وهى الوحى مصداق لقوله بسورة الأنفال"استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" والكافر ميت وأنهما لا يستويان فى الجزاء وفى هذا قال بسورة فاطر"وما يستوى الأحياء ولا الأموات "ويبين لهم أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى طاعة الكافر للظلمات زين للكافرين وهم المسرفين ما كانوا يعملون أى يفعلون وفى هذا قال بسورة يونس"كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون".
"وكذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون"المعنى وهكذا خلقنا فى كل بلدة أعاظم كفارها ليفسدوا فيها وما يهلكون إلا أنفسهم وما يعلمون،يبين الله للمؤمنين أن كذلك جعل فى كل قرية أكابر مجرميها والمراد خلق فى كل بلدة سادة كفارها وهم المترفين ليمكروا فيها أى ليفسقوا أى ليفسدوا فيها بحكمهم بغير حكم الله مصداق لقوله بسورة الإسراء"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها"،ويبين لنا أنهم ما يمكرون إلا بأنفسهم والمراد ما يهلكون أى ما يضلون سوى أنفسهم بمكرهم مصداق لقوله بسورة آل عمران"وما يضلون إلا أنفسهم "وقوله بسورة الأنعام"إن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون"وهم لا يشعرون أى لا يعلمون والمراد أنهم لا يظنون أنهم يضلون أنفسهم لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا مصداق لقوله بسورة الكهف"الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"والخطاب وما قبله للمؤمنين.
"وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون" المعنى وإذا أتتهم معجزة قالوا لن نصدق بها حتى نعطى شبه الذى أوحى لأنبياء الله ،الله أعرف حيث يضع وحيه ،سيدخل الذين كفروا ذل لدى الله أى عقاب عظيم بالذى كانوا يكفرون ،يبين الله لنا أن الكفار السابقين إذا جاءتهم آية والمراد إذا أتتهم معجزة ليؤمنوا قالوا للرسل(ص)لن نؤمن أى لن نصدق بها حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله والمراد حتى نعطى وحيا شبه الوحى الذى أعطى أنبياء الله(ص)،وهذا يعنى أنهم لما وجدوا الله أعطاهم ما طلبوا من معجزات لم يجدوا حجة تمنعهم من الإيمان إلا أن يطلبوا شىء يعلمون أنه مستحيل وهو أن ينزل عليهم الوحى جميعا ،ويبين الله أنه أعلم حيث يجعل رسالته والمراد أنه أعرف حيث يضع وحيه وهذا معناه أنه حر فى إعطاء الوحى لمن يختاره هو مصداق لقوله بسورة القصص"وربك يخلق ما يشاء ويختار"،ويبين لنا أن الذين أجرموا أى كفروا سيصيبهم صغار عند الله والمراد سيدخلون مكان يجلب لهم الذل وفسره بأنه العذاب الشديد وهو العقاب الأليم مصداق لقوله بسورة التوبة"سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم"والسبب فى عذابهم هو ما كانوا يمكرون أى ما كانوا يعملون أى يقترفون من الذنوب مصداق لقوله بسورة الأنعام"بما كانوا يقترفون"أى "بما كانوا يكفرون"مصداق لقوله بسورة يونس"بما كانوا يكفرون".
"ومن أباءهم وذرياتهم واخوانهم اجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم "المعنى ومن والدى الرسل وأولادهم واخوانهم اخترناهم وأدخلناهم فى جنة سليمة ،يبين الله لنبيه (ص)أنه اجتبى والمراد اختار لإنزال الوحى أباء بعض الرسل مثل إبراهيم(ص) أبو إسماعيل(ص)وإسحاق(ص)وداود (ص)أبو سليمان(ص) ومن ذرياتهم وهم أولاد بعض الرسل مثل يوسف (ص)ولد يعقوب(ص)واخوانهم وهم إخوة الرسل مثل هارون (ص)أخو موسى (ص)وإسماعيل(ص)أخو إسحاق(ص)وقد هديناهم إلى صراط مستقيم والمراد وقد أسكناهم فى جنة حسنة أى وقد أويناهم إلى مسكن طيب وتفسير الهداية بإدخال الجنة وليس العلم لأنه الإجتباء هو إعلام بالعلم وهو الوحى .
" ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون "المعنى الجنة رحمة الرب يختص بها من يريد من خلقه ولو كفروا لخسر لهم الذى كانوا يفعلون،يبين الله لنبيه(ص) أن ذلك وهو دخول الصراط المستقيم وهو الجنة هو هدى الله أى رحمة الرب يهدى به من يشاء من عباده أى يرحم به من يريد من خلقه أى يختص برحمته من يريد من خلقه مصداق لقوله بسورة البقرة"والله يختص برحمته من يشاء"،ولو أشركوا والمراد ولو كفر الرسل(ص)لحبط عنهم ما كانوا يعملون والمراد لزال عنهم ثواب الذى كانوا يفعلون من الحسنات وهذا يعنى أنه يدخلهم النار ولا ينفعهم عملهم الحسن السابق على شركهم والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).
"أولئك الذين أتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها كافرين "المعنى أولئك الذين أوحينا لهم الوحى أى الشريعة أى الحكم فإن يكذب بها هؤلاء فقد أعطيناها ناسا ليسوا بها مكذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن أولئك وهم الرسل هم الذين أتاهم أى أوحى لهم الكتاب الذى فسره بأنه الحكم الذى فسره بأنه النبوة وهو الوحى ،ويبين له أن هؤلاء وهم الكفار فى عصره إن يكفروا بها والمراد إن يكذبوا حكم الله فقد وكل بها قوما ليسوا بها كافرين والمراد فقد أعطاها ناسا ليسوا بها مكذبين وهم المؤمنين والخطاب للنبى (ص) وما بعده.
"أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكر للعالمين "المعنى أولئك الذين رحم الله فبدينهم اعمل قل لا أطالبكم على ابلاغه مالا إن هو إلا حكم للناس ،يبين الله لنبيه (ص)أن أولئك وهم الذين أتاهم الكتاب هم الذين هدى الله أى رحم أى أنعم الله عليهم مصداق لقوله بسورة النساء"الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين "ويطلب منه أن يقتدى بهداهم والمراد أن يعمل بدينهم وهو الإسلام ،ويطلب منه أن يقول لهم :لا أسألكم عليه أجرا والمراد لا أطالبكم على إبلاغ الوحى مالا مصداق لقوله بسورة هود "لا أسألكم عليه مالا" وهذا يعنى أنه لا يطالبهم بمال مقابل إبلاغ الوحى ،إن هو إلا ذكر للعالمين والمراد إن القرآن هو حكم الله للناس كلهم .
"وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا أباؤكم قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون "المعنى وما أطاعوا الرب واجب طاعته حين قالوا ما أوحى الرب إلى ناس من وحى قل من أوحى التوراة التى أتى بها موسى (ص)هدى أى رحمة للخلق تقسمونه أجزاء تظهرونها وتكتمون كثيرا وعرفتم الذى لم تعرفوا أنتم ولا أباؤكم قل الرب ثم اتركهم فى تكذيبهم يستمرون،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس ما قدروا الله حق قدره والمراد ما اتقوا الرب واجب تقاته أى ما أطاعوا حكم الله واجب طاعته إذ قالوا والمراد وقت قالوا :ما أنزل أى ما أوحى الله على بشر من شىء والمراد ما ألقى الرب إلى إنسان من وحى وهذا يعنى تكذيبهم بكل الرسل،ويطلب الله منه أن يقول لهم :من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس والمراد من أوحى التوراة التى أتى بها موسى (ص)رحمة أى نفع للخلق مصداق لقوله بسورة المائدة"إنا أنزلنا التوارة فيها هدى ونورا"؟ويقول لأهل الكتاب :تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا والمراد تقسمونه أجزاء تعلنونها وتكتمون كثيرا منها ،وهذا يعنى أن أهل الكتاب قسموا التوراة لأجزاء يعلنون بعضها ولأجزاء أخرى يكتمون بعضها الأخر ،ويقول لهم:وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا أباؤكم والمراد وعرفتم الذى لم تعرفوا أنتم ولا أباؤكم وهذا يعنى أنه يعرف أهل الكتاب فى القرآن أشياء لم يكونوا يعرفون بها ،ويطلب الله منه أن يجيب على السؤال من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى ؟قائلا :الله هو المنزل ،ويطلب منه أن يذرهم فى خوضهم يلعبون والمراد أن يتركهم فى كفرهم يستمرون وهذا يعنى ألا يكرر دعوتهم للإسلام .
"وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالأخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون "المعنى وهذا حكم أوحيناه دائم مشابه الذى فى الكعبة ولتخبر أصل البلاد ومن فى محيطها والذين يصدقون بالقيامة يصدقون به وهم على دينهم يثبتون،يبين الله لنبيه (ص)أن هذا وهو القرآن كتاب أنزلناه مبارك أى حكم أوحيناه لك دائم الوجود مصداق لقوله بسورة الشورى"وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا"مصدق الذى بين يديه والمراد مشابه للذى عند الله فى الكتاب فى الكعبة وهو أم الكتاب مصداق لقوله بسورة المائدة "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا بما بين يديه من الكتاب"والسبب فى وحيه أن تنذر أم القرى ومن حولها والمراد أن تبلغ به أهل أصل البلاد وهى مكة وأهل البلاد فى محيطها وهم كل أهل الأرض لأن مكة هى وسط الكون بالضبط ،ويبين له أن الذين يؤمنون بالأخرة يؤمنون به والمراد أن الذين يصدقون بوقوع القيامة يصدقون بالكتاب وهو القرآن وهم على صلاتهم يحافظون والمراد وهم على دينهم يثبتون أى هم لحكمهم يطيعون والخطاب وما قبله للنبى (ص)ومنه لأهل الكتاب وأيضا ما بعده له.
"ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شىء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم اخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون "المعنى ومن أضل من الذى نسب إلى الرب باطلا أو قال أنزل لى ولم ينزل له وحى ومن قال سأوحى شبه الذى أوحى الرب ولو تشاهد وقت الكافرون فى سكرات الوفاة والملائكة مادوا أذاهم :أبعدوا أنفسكم الآن تعاقبون عقاب الذل بالذى كنتم تنسبون إلى الرب سوى العدل وكنتم لأحكامه تخالفون،يبين الله لنبيه (ص)أن الأظلم وهو الضال أى الكافر هو الذى افترى على الله كذبا والمراد نسب إلى دين الله باطلا وهو ما لم يقله الله والأظلم هو أيضا من قال:أوحى إلى أى أنزل الله لى الوحى وهو لم يوح إليه شىء والمراد وهو لم ينزل له وحى من الله ،والأظلم أيضا من قال:سأنزل مثل ما أنزل الله والمراد سأشرع شبه الذى شرع الرب وهو قولهم بسورة الأنفال"ولو نشاء قلنا مثل هذا "وهذا يعنى أنه يريد أن يضع حكم مشابه لحكم الله ،ويبين الله لنبيه (ص)أنه لو يرى الظالمين فى غمرات الموت والمراد لو يشاهد الكافرين فى سكرت الوفاة وهى لحظات الإنتقال من الدنيا للبرزخ حيث النار والملائكة باسطوا أيديهم والمراد والملائكة مادوا أذاهم للكفار يقولون لهم بسخرية :اخرجوا أنفسكم والمراد أنقذوا ذواتكم من النار ،اليوم تجزون عذاب الهون والمراد الآن تدخلون عقاب الذل بما كنتم تقولون على الله غير الحق والمراد بالذى كنتم تنسبون إلى الرب سوى العدل وكنتم عن آياته تستكبرون والمراد وكنتم لأحكامه تعصون وهذا يعنى أنهم دخلوا النار بسبب نسب الكذب لله وعصيانهم لأحكام الله .
"ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ولقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون "المعنى ولقد أتيتمونا وحدانا كما أنشأناكم أسبق مرة وخلفتم الذى أعطيناكم خلف أنفسكم وما نشاهد لديكم شركاءكم الذين قلتم أنهم فيكم مقاسمين ولقد انفصل بينكم وبعد عنكم الذى كنتم تقولون،يبين الله لنبيه(ص)أن الله يقول على لسان الملائكة للظالمين :ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة والمراد ولقد أتيتمونا وحدانا كما أبدعناكم أسبق مرة وهذا يعنى أن كل واحد يأتى فردا وحيدا كما خلقه بمفرده فى الدنيا،وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم والمراد وخلفتم الذى أعطيناكم خلف أنفسكم وهذا يعنى أنهم تركوا ما أعطاهم الله من مال وولد وغيره خلفهم فى الدنيا،وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء والمراد ولا نعلم معكم أربابكم الذين قلتم أنهم فيكم مقاسمين لى وهذا يعنى أنهم يأتون ليس معهم آلهتهم المزعومة الذين زعموا أنهم يملكونهم بالإشتراك مع الله ،ولقد تقطع بينكم والمراد ولقد فصل بينكم وهذا يعنى وجود فاصل بين الكفار والأرباب المزعومة فى البرزخ والقيامة ،وضل عنكم ما كنتم تزعمون والمراد وتبرأ منكم الذين كنتم تقولون بربوبيتهم أى وكفر بكم الذين أى كذبكم الذين كنتم تقولون أنهم آلهة مصداق لقوله بسورة مريم"واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " والخطاب وما قبله للنبى(ص)ومنه للكفار .
"إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحى من الميت ومخرج الميت من الحى ذلكم الله فأنى تؤفكون "المعنى إن الله خالق البذر أى الأصول ،يفصل الباقى عن المتوفى وفاصل المتوفى عن الباقى ذلكم الرب فكيف تكفرون ؟،يبين الله للناس أن الله هو فالق الحب والمراد أن الله هو خالق البذر الذى فسره بأنه النوى وهو أصول الأنواع المختلفة التى منها يخلقون،وهو يخرج الحى من الميت والمراد وهو يفصل عالم الباقى وهو الدنيا عن عالم المتوفى وهو البرزخ وفسر هذا بقوله مخرج الميت من الحى والمراد فاصل عالم المتوفى أى البرزخ عن عالم الباقى وهو الدنيا فالأرض يعيش فيها عالم الأحياء وعالم الأموات مفصولين لا إتصال بينهما مصداق لقوله بسورة المرسلات"ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا "وذلكم وهو الفالق المخرج هو الله فأنى تؤفكون أى "فأنى تصرفون"كما قال بسورة يونس والمراد فكيف تكذبون بحكمه رغم علمكم بهذا ؟والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب الإيمان بحكم الله والخطاب وما بعده وما بعده للناس .
"فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم"المعنى خالق النهار وخلق الليل راحة والشمس والقمر دائرين ذلك خلق القادر الخبير ،يبين الله للناس أنه فالق الإصباح والمراد خالق النهار مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وهو الذى خلق الليل والنهار"وجعل الليل سكنا أى وخلق الليل راحة أى لباسا مصداق لقوله بسورة الفرقان"وهو الذى جعل لكم الليل لباسا"وخلق الشمس والقمر حسبانا والمراد دائرين فى فلك لا يدركان بعضهما مصداق لقوله بسورة يس"لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر "ذلك وهو النهار والليل والشمس والقمر هو تقدير العزيز العليم أى هو خلق القوى العارف بكل شىء .
"وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون" المعنى وهو الذى خلق لكم الكواكب لترشدوا بها فى متاهات اليابس والماء قد بينا الأحكام لناس يفهمون ،يبين الله للناس أن الله هو الذى جعل لهم النجوم والمراد قد خلق لهم الكواكب فى السماء والسبب أن يهتدوا فى ظلمات البر والبحر والمراد أن يستدلوا بها على الطريق الصحيح فى متاهات اليابس والماء ،ويبين لهم أنه قد فصل الآيات لقوم يفقهون أى "قد بينا الآيات لقوم يوقنون"كما قال بسورة البقرة والمراد قد وضح الأحكام لناس يطيعونها.
"وهو الذى أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون"المعنى وهو الذى خلقكم من فرد واحد فمسكن أى مخزن قد بينا الأحكام لناس يفهمون،يبين الله للناس أن الله هو الذى أنشأكم أى "خلقكم من نفس واحدة "كما قال بسورة النساء والمراد أبدعهم من إنسان واحد فمستقر أى مستودع والمراد فمسكن أى مخزن والمراد أن نفس كل واحد فينا هى قراره أى وديعته التى يجب أن يحافظ عليها فلا يدخلها النار ويقول:قد بينا الآيات لقوم يفقهون والمراد"قد بينا الآيات لقوم يوقنون"كما قال بسورة البقرة وهذا يعنى أنه وضح الأحكام لناس يفهمون أى يطيعون الأحكام والخطاب وما بعده للناس.
"وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شىء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن فى ذلكم لآيات لقوم يؤمنون"المعنى وهو الذى أسقط من السحاب مطرا فخلقنا منه حياة كل مخلوق فأنبتنا منه نباتا نظهر منه حبا متراكما ومن النخل من جريدها ثمار ظاهرة وحدائق من عنب والزيتون والرمان متماثلا وغير متماثل،فكروا فى منافعه إذا نضج أى طاب إن فى ذلكم لبراهين لناس يصدقون،يبين الله للناس أن الله هو الذى أنزل من السماء ماء والمراد الذى أسقط من السحاب وهو المعصرات مطرا أى ماء ثجاجا مصداق لقوله بسورة النبأ"وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا"أى متتابعا فأخرجنا به نبات كل شىء أى فخلقنا به حياة كل مخلوق مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وجعلنا من الماء كل شىء حى "فأخرجنا منه خضرا والمراد فأنبتنا بالماء نباتا مصداق لقوله بسورة طه"فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى"وهذا النبات نخرج منه حبا متراكبا أى نظهر من سوقه ثمرا متراكما أى أجزائه فوق بعضها وبجانب بعضها ونظهر من النخل من طلعها وهو جريدها قنوان دانية أى ثمار ظاهرة ونخرج بالماء جنات وهى حدائق من الأعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه والمراد متماثلا وغير متماثل وهذا يعنى أن النبات الواحد منه المتشابه مثل البلح الأحمر ومنه غير المتشابه فمثلا البلح منه الأحمر ومنه الأصفر وهما غير متشابهين فى اللون ،ويطلب الله من الناس أن ينظروا إلى ثمره إذا أثمر والمراد أن يفكروا فى منافع النبات إذا نضج أى ينع أى طاب والمراد استحق أن يستفاد منه حتى يعرفوا نعمة الله عليهم ويبين أن فى ذلكم وهو نزول الماء وخلق النبات آيات لقوم يؤمنون أى براهين دالة على وجوب طاعة حكم الله وحده لناس يصدقون حكمه .
"وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون "المعنى واخترعوا لله مقاسمين الجن وأنشأهم ونسبوا له صبيان وإناث بغير وحى علا أى سما الله عن الذى يعبدون معه، يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار جعلوا لله شركاء والمراد اخترعوا لله مقاسمين فى الملك هم الجن مع أنه قد خلقهم أى قد أبدع الجن فكيف يكون المخلوق مقاسما لخالقه فى ملكه؟،وخرقوا له بنين وبنات والمراد ونسبوا لله أولاد وإناث وهذا يعنى أنهم جعلوه أبا له صبيان وإناث وكل هذا بغير علم أى بغير وحى من عند الله يقول أن الجن شركائه وأن له بنين وبنات ،سبحانه أى تعالى عما يشركون علا أى تفضل الله عن الذى يعبدون معه والمراد أن الله أفضل من آلهتهم المزعومة التى يقولون بها لأنه خالق وهم مخلوقات مصداق لقوله بسورة الإسراء"سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا "والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شىء وهو بكل شىء عليم "المعنى خالق السموات والأرض كيف يوجد له غلام ولم توجد له زوجة وأنشأ كل مخلوق وهو بكل أمر خبير ،يبين الله للمؤمنين أنه بديع أى "فاطر السموات والأرض"كما قال بسورة فاطر والمراد خالق السموات والأرض ،ويسأل أنى يكون له ولد والمراد كيف يصبح له ابن ولم تكن له صاحبة أى ولم تكن له زوجة ؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أنهم نسوا أن الأولاد لا يأتون إلا من الزوجات وهو ليس له زوجة وقد خلق كل شىء أى وقد أبدع كل مخلوق دون مساعدة أحد وهو بكل شىء عليم والمراد وهو بكل أمر خبير ومن ثم فهو ليس بحاجة لأولاد لأنه لا يحتاج مساعدة أحد ولا علمه
"ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شىء فاعبدوه وهو على كل شىء وكيل "المعنى ذلكم الله خالقكم لا رب إلا هو مبدع كل مخلوق فأطيعوه وهو لكل شىء حافظ ،يبين الله للناس أن ذلكم وهو المبدع للكون العليم به هو الله ربهم لا إله إلا هو والمراد هو الله خالقهم الذى لا خالق سواه ،خالق كل شىء أى "رب كل شىء"كما قال بنفس السورة والمراد مبدع كل مخلوق فاعبدوه أى فاتقوه أى فأطيعوا حكمه وهو على كل شىء وكيل والمراد وهو لكل مخلوق حافظ مصداق لقوله بسورة هود"إن ربى على كل شىء حفيظ" أى يحميه كى يبقى موجودا والخطاب وما بعده وما بعده للناس
"لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير"المعنى لا تعلمه الأفراد وهو يعلم بالأفراد وهو العليم المحيط ،يبين الله للناس أن الله لا تدركه الأبصار أى لا تعلم نفسه عقول الأفراد وهو يدرك الأبصار والمراد وهو يعرف نفوس الأفراد مصداق لقوله بسورة المائدة "تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك "والله هو اللطيف الخبير أى العليم المحيط بكل شىء .
"قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ "المعنى قد أتاكم أحكام من إلهكم فمن أطاع فلمصلحته ومن عصى فعقابه عليه وما أنا عليكم بوكيل ،يبين الله للناس أنه قد جاءهم بصائر من ربهم والمراد "قد جاءكم برهان من ربكم"كما قال بسورة النساء والمراد قد أتاهم أحكام الوحى من خالقهم فمن أبصر فلنفسه والمراد"فمن اهتدى فلنفسه "كما قال بسورة يونس والمراد فمن أطاع أحكام الوحى فلمنفعته ومن عمى فعليها أى "ومن ضل فإنما يضل عليها "كما قال بسورة يونس والمراد ومن عصى حكم الله فإنما عقابه على نفسه وما أنا عليكم بحفيظ والمراد"وما أنا عليكم بوكيل"كما قال بسورة يونس والمراد وما أنا لكم بحامى من عذاب الله والخطاب للناس.
"وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون "المعنى وهكذا نبين الأحكام وليقولوا علمت ولنعرفه لناس يؤمنون ،يبين الله لنبيه (ص)أن كذلك أى بإنزال الوحى يصرف الله الآيات والمراد يبين الله الأحكام للناس مصداق لقوله بسورة "وكذلك يبين الله لكم الآيات"والكفار يقولون للنبى (ص)درست أى تعلمت من بشر أخر كما قالوا بسورة النحل"ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر"ويبين له أنه يبين الوحى لقوم يعلمون والمراد أنه يفصل أى يوضح حدود الله لناس يؤمنون به مصداق لقوله بسورة الأنعام"قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون "وقوله بسورة البقرة"وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون" والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين "المعنى أطع الذى ألقى لك من خالقك لا رب إلا هو وخالف الكفار ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يتبع ما يوحى إليه من ربه والمراد أن يطيع الذى يلقى له من خالقه وهو ملة إبراهيم(ص)مصداق لقوله بسورة النحل"أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا "لا إله إلا هو والمراد لا رب إلا هو ،ويطلب منه أن يعرض عن المشركين والمراد أن يذر الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا مصداق لقوله بسورة الأنعام"وذر الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا"والمراد وخالف دين الكافرين .
"ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل "المعنى ولو أراد الرب ما كفروا وما عيناك لهم وكيلا أى ما أنت لهم بحامى ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو شاء ما أشركوا والمراد لو أراد ما كفر الناس بحكمه أى لو أراد لآمن الكفار مصداق لقوله بسورة يونس"ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا "ويبين له أنه ما جعله عليهم حفيظا والمراد ما عينه لهم وكيلا وفسر هذا بأنه ليس عليهم بوكيل أى حامى لهم من عذاب الله بسبب كفرهم والخطاب للنبى(ص).
"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون "المعنى ولا تشتموا الذين يعبدون من سوى الرب فيشتموا الرب ظلما بغير وحى هكذا حسنا لكل جماعة فعلهم ثم إلى خالقهم فيخبرهم بالذى كانوا يفعلون ،يطلب الله من المؤمنين ألا يسبوا الذين يدعون من دون الله والمراد ألا يذموا الذين يعبدون من سوى الرب وهذا يعنى ألا يشتموا آلهة الكفار المزعومة والسبب حتى لا يسبوا الله عدوا بغير علم والمراد حتى لا يذموا الرب ظلما دون معرفة وهذا يعنى حتى لا يرد الكفار بشتم الله جورا دون معرفة بوحى الله الذى يحرم هذا ،ويبين أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى عصيان العلم زين الله لكل أمة عملهم والمراد حسن الرب لكل جماعة سوء فعلهم مصداق لقوله بسورة التوبة "زين لهم سوء أعمالهم "ثم إلى ربهم مرجعهم والمراد ثم إلى جزاء خالقهم عودتهم فينبئهم بما كانوا يعملون والمراد فيخبرهم بالذى كانوا يصنعون مصداق لقوله بسورة المائدة"وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون "والخطاب للمؤمنين.
"وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون "المعنى وحلفوا بالله قدر طاقتهم لئن أتاهم معجزة ليصدقن بها قل إنما المعجزات لدى الرب والذى يعرفكم إنها إذا أتت لا يصدقون ،يبين الله للمؤمنين أن الكفار أقسموا جهد أيمانهم والمراد حلفوا قدر طاقتهم فقالوا والله لئن جاءتنا آية لنؤمن بها والمراد والله لئن أتتنا معجزة لنصدقن بها ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم إنما الآيات وهى المعجزات عند الله والمراد من لدى الرب وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون والمراد والذى يخبركم أنها إذا أتت وهى لن تأتى لا يصدقون بها مصداق لقوله بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون "وهذا يعنى أنهم يفعلون كالكفار السابقين فى عدم إيمانهم بالمعجزات .
"ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم يعمهون "المعنى ونختم على أنفسهم أى قلوبهم كما لم يصدقوا به أسبق مرة أى نتركهم فى كفرهم يسيرون ،يبين الله لنبيه(ص) أنه يقلب أفئدة الكفار وهى أبصارهم والمراد أنه يطبع الكفر على قلوب وهى نفوس الكفار مصداق لقوله بسورة النحل"أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم "كما لم يؤمنوا به أول مرة والمراد كما لم يصدقوا بالقرآن أسبق مرة دعوا فيها للإيمان به وفسر هذا بأنه يذرهم فى طغيانهم يعمهون والمراد ويترك الكفار فى كفرهم يستمرون والخطاب وماقبله للنبى(ص)
"ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شىء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون"المعنى ولو أننا أحضرنا لهم الملائكة وحدثهم الهلكى وأرسلنا لهم كل معجزة أمامهم ما كانوا ليصدقوا إلا أن يريد الله ولكن معظمهم يكفرون،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو فعل التالى للكفار:
نزل لهم الملائكة أى أرسل لهم الملائكة فى الأرض،وكلمهم الموتى أى حدثهم الهلكى الذين تركوا الدنيا بعد إحياءهم،وحشر لهم كل شىء قبلا والمراد وجمع لهم كل معجزة عيانا فإن رد فعلهم هو أنهم لا يؤمنون أى لا يصدقون بكل المعجزات مصداق لقوله بسورة البقرة"ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك" إلا فى حالة واحدة هى أن يشاء أى يريد الله إيمانهم ولكن أكثرهم يجهلون والمراد ولكن معظم الناس يكفرون أى لا يعلمون مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولكن أكثرهم لا يعلمون"أى لا يتبعون الوحى .
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون"المعنى وهكذا عينا لكل رسول كارها كفار البشر والجن يلقى بعضهم إلى بعض باطل الحديث خداعا ولو أراد إلهك ما صنعوه فاتركهم أى ما يزعمون،يبين الله لنبيه(ص)أنه جعل لكل نبى عدوا والمراد حدد لكل رسول(ص)من رسله كارها هو شياطين الإنس والجن والمراد مجرمى البشر والجن وهم الكفار مصداق لقوله بسورة الفرقان"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين"وهم يقومون بالتالى يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول والمراد يلقى بعضهم إلى بعض باطل الكلام خداعا لبعضهم وهذا يعنى أن كفار الإنس يغوون بعضهم وكفار الجن يضلون بعضهم عن طريق الكلام الباطل الماكر ،ويبين لهم أن الله لو شاء ما فعلوه والمراد لو أراد ما أشركوا أى كفروا مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولو شاء الله ما أشركوا"ويطلب الله منه أن يذرهم أى يترك طاعة دينهم وفسر هذا بأن يترك ما يفترون والمراد أن يدع طاعة ما يزعمون من الأحكام والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى (ص) .
"ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون"المعنى ولتستجيب له قلوب الذين لا يصدقون بالقيامة أى ليقبلوه أى ليعملوا الذى هم عاملون ،يبين الله لنبيه(ص) أن الزخرف تصغى له أفئدة الذين لا يؤمنون بالأخرة والمراد أن الباطل تستجيب له قلوب الذين لا يصدقون بالقيامة وفسر هذا بأنهم يرضوه أى يقبلوه دينا يتبعونه وفسر هذا بأنه يقترفوا ما هم مقترفون والمراد يرتكبوا من الذنوب الذى هم مرتكبون له .
"أفغير الله أبتغى حكما وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين أتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين"المعنى هل سوى الله أريد قاضيا وهو الذى أوحى لكم الحكم مبينا والذين أوحينا لهم الوحى سابقا يعرفون أنه موحى من إلهك بالعدل فلا تصبحن من الكافرين،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسأل الناس:أفغير الله أبتغى حكما أى هل سوى الله أريد قاضيا ؟أى هل سوى الله أتخذ وليا ؟وفى هذا قال تعالى بسورة الأنعام"قل أغير الله اتخذ وليا"والغرض من السؤال هو إخبارهم أن النبى(ص)لا يقبل إله أى حاكم له سوى الله لأنه أنزل لهم الكتاب مفصلا والمراد لأنه أوحى لهم الحكم السليم مفهوما لهم ،ويبين له أن الذين أتاهم الكتاب والمراد أن الذين أعطاهم الوحى السابق يعلمون أنه منزل من الله بالحق والمراد يعرفون أنه موحى من عند الله بالعدل وهو حكمه وفى هذا قال بسورة الأنعام "والذين أتيناهم الكتاب يعرفونه"وينهاه الله أن يكون من الممترين أى الجاهلين أى المشركين وهم العصاة لحكمه مصداق لقوله بسورة الأنعام"فلا تكونن من الجاهلين"و"ولا تكونن من المشركين".
"وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم"المعنى وكملت حكمة إلهك حقا أى قسطا لا مغير لأحكامه وهو الخبير العارف،يبين الله لنبيه(ص)أن كلمة ربه وهى حكمة إلهه أى دين ربه قد كمل مصداق لقوله بسورة المائدة"اليوم أكملت لكم دينكم "وهو دين صدق أى عدل أى قسط لا ظلم فيه ،ويبين له أن لا مبدل لكلماته والمراد لا مغير لأحكام الله أى لا مهلك للوحى لأنه محفوظ فى الكعبة للعودة له عند الخلاف مصداق لقوله بسورة الحجر"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"والله هو السميع العليم أى الخبير المحيط بكل شىء.
"وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون"المعنى وإن تتبع معظم من فى البلاد يبعدوك عن دين الله إن يطيعون سوى الهوى أى إن هم إلا يكفرون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه إن يطع أكثر من فى الأرض والمراد إن يطيع معظم من فى البلاد والمراد الذين كفروا يضلوه عن سبيل الله والمراد يبعدوه عن طاعة دين الله أى يردوهم على أعقابهم وهى أديانهم الضالة مصداق لقوله بسورة آل عمران"إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم"ويبين له أنهم يتبعون الظن أى يطيعون الهوى مصداق لقوله بسورة القصص"فاعلم إنما يتبعون أهواءهم"وهى شهواتهم مصداق لقوله بسورة النساء"الذين يتبعون الشهوات"وهى أحكام الكفر وفسر هذا بأنهم يخرصون أى يظنون مصداق لقوله بسورة الجاثية"وإن هم إلا يظنون"والمراد إن هم إلا يكفرون بدين الله والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين"المعنى إن إلهك هو أعرف من يكفر بدينه وهو أعرف بالمصدقين،يبين الله لنبيه(ص)أن ربه وهو إلهه أعلم بمن يضل عن سبيله والمراد أعرف بمن يبعد عن طاعة الإسلام وهم المفسدين مصداق لقوله بسورة يونس"وربك أعلم بالمفسدين"وهو أعلم بالمهتدين والمراد وهو أعرف بالشاكرين أى المطيعين لدين الله مصداق لقوله بسورة الأنعام"أليس الله بأعلم بالشاكرين".
"فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم مؤمنين"المعنى فاطعموا من الذى ردد حكم الله فيه إن كنتم بأحكامه مصدقين،يطلب الله من المؤمنين أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه والمراد أن يطعموا من الأنعام أو الصيد الذى ردد حكم الله عليه وهو الذى قصد به طاعة الله وحده من خلال أكله هذا إن كانوا مؤمنين أى صادقين فى قوله أنهم مصدقون بالوحى مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن كنتم صادقين"والخطاب للمؤمنين.
"وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين "المعنى وما السبب ألا تطعموا من الذى ردد حكم الله عليه وقد بين لكم الذى منعكم منه إلا ما أكرهتم عليه وإن عديدا ليتبعون شهواتهم دون وحى إن إلهك هو أعرف بالمفسدين،يسأل الله المؤمنين وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه والمراد وما يمنعكم أن تطعموا من الذى أطيع حكم الله فيه ؟والغرض من السؤال إخبارهم أن الذبائح التى ردد حكم الله عليها وهى التى قصد من ذبحها طاعة الله بأكلها لعمل الأعمال الحسنة يعنى أنه حلال أكلها،ويبين لهم أنه فصل أى بين لهم ما حرم عليهم والمراد عرفهم ما منعهم من أكله من أصناف الحيوان فى الوحى السابق نزوله إلا ما اضطررتم إليه وهو ما أجبرتم أنفسكم على أكله خوفا من الموت جوعا وهى المخمصة مصداق لقوله بسورة المائدة "فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم إن الله غفور رحيم " فالله يغفر هذا الذنب ويبين الله لنبيه (ص)أنه أعلم بالمعتدين أى أعرف بالمفسدين وهم المتبعين للأهواء مصداق لقوله بسورة يونس"وربك أعلم بالمفسدين"والقول الخطاب فى أوله للمؤمنين حتى إن كثيرا فهو للنبى(ص).
"وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون"المعنى واتركوا إعلان الكفر وإخفائه إن الذين يعملون الكفر سيعاقبون بما كانوا يذنبون،يطلب الله من المؤمنين أن يذروا ظاهر الإثم وباطنه والمراد يتركوا إعلان عمل الفاحشة وهى الكفر وعملها فى الكتمان ويبين لهم أن الذين يكسبون الإثم أى يعملون السيئات مصداق لقوله بسورة يونس"والذين كسبوا السيئات"سيجزون بما كانوا يقترفون والمراد سيعاقبون بدخول جهنم بالذى كانوا يكسبون أى يعملون مصداق لقوله بسورة التوبة"ومأواهم جهنم بما كانوا يكسبون" والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أولياءهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"المعنى ولا تطعموا من الذى لم يردد حكم الله عليه وإنه لكفر وإن الكفار ليقولون لأتباعهم ليحاجوكم وإن اتبعتموهم إنكم لكافرون،يطلب الله من المؤمنين ألا يأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه والمراد ألا يطعموا من الذبائح التى لم يردد حكم الله عليها وهى ما أهل به لغير الله مصداق لقوله بسورة البقرة"وما أهل لغير الله"والمراد ما قصد من ذبحها عصيان الله ويبين لهم أنه فسق والمراد أن الأكل من الذبائح التى لم يقصد بها طاعة الله كفر ،ويبين لهم أن الشياطين وهم كبار الكفار يوحون إلى أولياءهم والمراد يقولون لأتباعهم الباطل وهو زخرف القول والسبب حتى يجادلونا أى يحاجونا فى دين الله مصداق لقوله فى نفس السورة"شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول "ويبين لهم أنهم إن يطيعوهم أى يتبعوا باطلهم وهو وحيهم يكونوا مشركين أى كافرين بدين الله مصداق لقوله بسورة آل عمران"إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين".
"أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون"المعنى هل من كان كافرا فهديناه أى علمناه هديا يحكم به فى الخلق كمن شبهه فى الكفر ليس بتارك لطاعته هكذا حسن للمكذبين الذى كانوا يفعلون ،يسأل الله المؤمنين :أو والمراد هل من كان ميتا أى مكذبا لدين الله فأحييناه أى فهديناه للحق وفسر هذا بأنه جعل له نور يمشى به فى الناس والمراد أنه علمه حكما يحكم به فى تعامله مع الخلق كمن مثله أى شبهه فى الظلمات وهى الضلالات أى الكفر ليس بخارج منها والمراد ليس بتارك لطاعة الضلالات ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن المسلم حى لأنه يتبع الحياة وهى الوحى مصداق لقوله بسورة الأنفال"استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" والكافر ميت وأنهما لا يستويان فى الجزاء وفى هذا قال بسورة فاطر"وما يستوى الأحياء ولا الأموات "ويبين لهم أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى طاعة الكافر للظلمات زين للكافرين وهم المسرفين ما كانوا يعملون أى يفعلون وفى هذا قال بسورة يونس"كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون".
"وكذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون"المعنى وهكذا خلقنا فى كل بلدة أعاظم كفارها ليفسدوا فيها وما يهلكون إلا أنفسهم وما يعلمون،يبين الله للمؤمنين أن كذلك جعل فى كل قرية أكابر مجرميها والمراد خلق فى كل بلدة سادة كفارها وهم المترفين ليمكروا فيها أى ليفسقوا أى ليفسدوا فيها بحكمهم بغير حكم الله مصداق لقوله بسورة الإسراء"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها"،ويبين لنا أنهم ما يمكرون إلا بأنفسهم والمراد ما يهلكون أى ما يضلون سوى أنفسهم بمكرهم مصداق لقوله بسورة آل عمران"وما يضلون إلا أنفسهم "وقوله بسورة الأنعام"إن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون"وهم لا يشعرون أى لا يعلمون والمراد أنهم لا يظنون أنهم يضلون أنفسهم لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا مصداق لقوله بسورة الكهف"الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"والخطاب وما قبله للمؤمنين.
"وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون" المعنى وإذا أتتهم معجزة قالوا لن نصدق بها حتى نعطى شبه الذى أوحى لأنبياء الله ،الله أعرف حيث يضع وحيه ،سيدخل الذين كفروا ذل لدى الله أى عقاب عظيم بالذى كانوا يكفرون ،يبين الله لنا أن الكفار السابقين إذا جاءتهم آية والمراد إذا أتتهم معجزة ليؤمنوا قالوا للرسل(ص)لن نؤمن أى لن نصدق بها حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله والمراد حتى نعطى وحيا شبه الوحى الذى أعطى أنبياء الله(ص)،وهذا يعنى أنهم لما وجدوا الله أعطاهم ما طلبوا من معجزات لم يجدوا حجة تمنعهم من الإيمان إلا أن يطلبوا شىء يعلمون أنه مستحيل وهو أن ينزل عليهم الوحى جميعا ،ويبين الله أنه أعلم حيث يجعل رسالته والمراد أنه أعرف حيث يضع وحيه وهذا معناه أنه حر فى إعطاء الوحى لمن يختاره هو مصداق لقوله بسورة القصص"وربك يخلق ما يشاء ويختار"،ويبين لنا أن الذين أجرموا أى كفروا سيصيبهم صغار عند الله والمراد سيدخلون مكان يجلب لهم الذل وفسره بأنه العذاب الشديد وهو العقاب الأليم مصداق لقوله بسورة التوبة"سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم"والسبب فى عذابهم هو ما كانوا يمكرون أى ما كانوا يعملون أى يقترفون من الذنوب مصداق لقوله بسورة الأنعام"بما كانوا يقترفون"أى "بما كانوا يكفرون"مصداق لقوله بسورة يونس"بما كانوا يكفرون".