قراءة فى كتاب القراءة المحشاة
الكتاب من تأليف حمزة آل فتحي وهو يدور حول وضع حواشى للكتب المحققة أو الكتب المعاد نشرها والمؤلف فى الكتاب يبين ضرورة وضع الحواشى للكتب فيقول:
"وبعد ...
فلقد توارثنا من مشايخنا فنون العلم والقراءة والاطلاع، فكان مما علمونا وأرشدونا، التزام كتاب واحد في القراءة، تدقيقا وتحقيقا، وعدم إطلاق سراحه دون حاشية كاشفة، ودماء نازفة، تجلي مبهمه، وتكشف مغلقه، وتعرف غامضه!! بحيث تضاعف فوائده بكثرة مسائله، وتزيد من حسنه وجودته .."
وتحدث عن أنواع التحشية فقال :
"فمن ذلك النهج، واستحضارا لمقولة الإمام الأستاذ، أبي زيد اللغوي:
(لا يضئ الكتاب حتى يظلم)!!
بدا لي من الأهمية بمكان، ومن العلم بامتياز، ضرورة التحشية والتقييد على الكتاب المقروء، وهي على ضربين:
1) تحشية طبيعية شارحة، تجلي الكلام وتكشف غوامضه، وتبين معانيه.
2) تحشية نقدية ضافية، تتعقب، وتعزز المعاني بمعان أخرى ومعارف مشابهة أو فائقة."
والمعروف فى التراث أن الحواشى أى الحاشيات معظمها كان عبارة عن زيادة لحجم الكتاب وكانت تقتصر على بيان معنى كلمة فى معظمها أو تذكر رواية معارضة أو حكم مخالف فى القليل من الأحيان ومن ثم لم تكن معظم الحواشى لتضيف علما جديدا وتحدث ع فوائد الحواشى فقال
"وكلاهما مفيدتان، والعمل العلمي ماش على الأولى في غالبه، حيث البناء والتأسيس وضعف الخبرة والإبداع، فيمكن أن نسميها (الحاشية التأسيسية).
والثانية (التطويرية الإبداعية) التي تتفاعل مع المؤلف، إيجابا وسلبا، وردا وتعقيبا بالحجة والبرهان، وتضيف عليه أشياء أهملها، وعلوما نسيها، وفوائد فوتها، يرى لزاما القارئ الجيد، ضرورة ورودها ليتم الكلام، ويستقيم السياق، وينتفع بها هو يوما من الأيام، وتكفيه الرجوع إلى المصادر اللاحقة.
وإذا عاد لقراءة الكتاب بعد زمن بعيد، وجد نصوصه المزينة، ونقداته اللامعة، وتعليقاته الماتعة، فذكرته، أياما خوالي رائعات والتهبت عنده مشاعر نازفات، لايكاد ينساها أو يتجاهل حلوها ومرها ... وبات من الضروري قراءة الكتاب بطبعته المترعة والمزيدة، حيث الإبداع، والإظلام المنور،
ويمكن أن يضاف ضرب ثالث تنظيمي، هو (فهرسة القراءة) وهي لا تقل اهتماما عن سابقاتها، ويدرك القارئ أن عائدتها العلمية والفكرية الإبداعية على صاحبها ثمينة جدا، وتحدث تميزات واختراقات لا يستهان بها في الوسط العلمي النخبوي، وتفجر لديه ابتكارات علمية، وتعقبات سديدة وتأليفات جديدة."
وهذا الحديث عن الحواشى لم يكن لازما فى يوم من الأيام فالمفترض هو إما نقد الكتاب ببيان عيوبه ومحاسنه حسب أحكام الله وإما تركه على حالته بدون زيادة لأن نشر الكتب حاليا هو عملية تجارية فى المقام ألأول والقراء كانوا وما زالوا يعانون فقرا ماليا والحواشى تتسبب فى زيادة أعباءهم الحياتية من خلال زيادة سعر الكتاب
وتساءل عن السبب فى القراءة المحشاة وأجاب فقال :
"لماذا القراءة المحشاة؟!
يستثقل بعض القراء القراءة المحشاة، ويرى أنها إذهاب للوقت، وإهدار للزمن الجميل، وتعطيل للجد، بحيث يختم الزملاء، ويفرغ صغار التلاميذ!! وهو لازال في كتاب واحد، يحمله في كل مكان، ولم يأت بعد على آخره!!
وهذه شبهة خطيرة، إذا رسخت في الفؤاد، كسرت القلم، وعزفت النفس عن الكتاب نهائيا، وامتطت صهوة الإسراع الفارغ، والجرد الخاطف بلا وعي وانتباه وتدبر!!
وتختم الكتب بلا وعي وثمرة وجناء ... (فأما الزبد فيذهب جفاء)
وللإجابة نقول أولا أن العلم سهل ممتنع، ومرتع فسيح، لا يمكن هضمه في مدة سريعه، أو بكتب عزيزة، أو بقراءة شوهاء سريعة، بل لابد له من صبر وتأن...ووعي معنى القراءة المحشاة وإدراك ثمراتها، يجعل الاستبطاء هنا مفيدا لذيذا، لأنه يعني الحصد، والترسيخ، والعمق، والانتفاع.
ولذلك من فوائد التحشية هنا مايلي:
(1) تدريب الصبر، وتعليم الاحتمال ورفض للإسراع الطاغي، والاستعجال المنتاب لأكثر الطلاب.
(2) ترسيخ المقروء، وحياز فهمه وبركته واستكناه مراميه ومغاريه.
(3) فتق نصوصه، وفرزها وبيان معانيها ومشكلاتها.
(4) التعليقات المكثفة والكاشفة لكل مستبهمات النصوص، وغوامض الكلام المرسوم.
(5) الاحتراف النقدي والتعقيبي، بحيث مع استدامة التعليقات والاستدراك، يؤسس القارئ لنفسه (ملكة نقدية)، تأتيه بالعجائب والفرائد، وهذه الملكة لو وبذل لها ملايين، وقطع رحلات لما كان غريبا، لأنها عزيزة غالية!!.
(6) تحفظ ما يتيسر من الفوائد المصقولة، والمصطلحات المزيونة، والأشعار الميمونة، التي لا تتطلب جهدا كبيرا، بل بمجرد الكتابة والتمعن الزائد، ترسخ في الذهن، والناس يتفاوتون هنا في حسن التلقي والاستجابة الذهنية السريعة.
(7) تعلم فن الكتابة واستسهالها علميا، بحيث تصبح طريقا للجمع والحفظ والتأليف.
( صناعة اليقظة والنباهة لدى القارئ، بحيث يصبح أكثر تركيزا ووعيا لما يطالع ويعلق.
(9) تحويل الكتاب إلى جوهرة ذهبية نفيسة، مطرزة بكل النقوشات المختلفة.
(10) جمع الفوائد المعززة لمعنى واحد، وزجها في سياق معين، بحيث يسهل الرجوع إليها.
(11) تسجيل ذكريات معينة يكون لها وقعها على القارئ بعد زمان سحيق، وعلى الأبناء إذا ما شاهدوها بعد عشرات السنين ... وتذكروا بها مثابرة والدهم، وحسن صنعه، وبعض هذه الحواشي قد تتحول مع مرور الأزمان، وحسن التعليق والإجادة إلى مؤلف، ينشره الأب أو أحد أنجاله، وقد تم مفرقا، حسب الاطلاع والمناسبات المختلفة، ثم كتب الله له الخروج والنشر بعد الصقل والاعتبار والله الموفق والمعين.
(12) تجاوز مرحلة التعصب والتقديس للمؤلف، وأنه لا عصمة لأحد بعد القرآن والسنة وكل يؤخذ من قوله ويترك، وهذا من محاسن القراءة النقدية، ومن الآداب التي تصنعها الحواشي، ولا تصنعها المحاضرات والتوجيهات، ولو وجه المشايخ تلامذتهم إلى كتب المتون بعد حفظها، إلى نقدها والتعقيب عليها، لتجاوزت الأمة مأزق التعصب الأعمى، والهيام بالرموز المذهبية، وأذكر هنا قول بعض متعصبة الأحناف في مدح متن الهداية للمرغيناني الحنفي
إن الهداية كالقرآن قد نسخت ما صنفوا قبلها في الشرع من كتب
ولو امتثل متفقهة الهداية هذا الممتثل لقالوا:
إن الهداية متن طاب منظره ليست نفائسه كالنسخ في الكتب ولكن التعصب داء قاتل."
والفوائد التى قالها الفتحى هى أضرار فليس المطلوب من المسلم أن يقرأ كل هذا الكم الهائل من الكتب والتى للأسف الشديد معظمها فى المذاهب هو تكرار لموضوعات معينة
المطلوب من المسلم أن يعرف الأحكام بصورة بسيطة وأما الكتب المذهبية وحواشيها فهى سوف تقنعه بضرورة ترك الإسلام بسبب كم الاختلافات الهائل فى أفهام الفقهاء بسبب تصديقهم للروايات المتناقضة والمعانى اللغوية والنحوية
فالكتب وحواشيها المراد منها بتلك الطريقة ابعاد المسلم عن كتاب الله وجره للمسائل النظرية والاجتهادات البشرية التى لا طائل من خلفها
وتحدث عن فنون الحواشى فقال :
"فنون الحواشي:
الحاشية تتنوع وتتلون بحسب المتن أو الكتاب المقروء، وموضوعه وفكره المسطور، فحينما يكون الكتاب عقائديا، تكون الحواشي عقائدية توحيدية، وحينما يكون الكتاب حديثيا تكون التعليقات معاني للمتون النبوية، وشرحا لمصطلحات عارضة، وحينما يكون الكتاب متنا فقهيا، تكون فكا لمستغلق المتون الضيقة، وبيانا للأدلة والقواعد، وشيئا من التفريع الفقهي والخلافي.
ونرى في هذا السياق أن لا تكون الحاشية منتمية تمام الانتماء إلى العلم المقرر فيه هذا الكتاب، بل نرى جعلها متلونة، متنوعة تشمل الفقه والعقيدة والمعنى الحديثي والاصطلاحي اللغوي والشعري، بمعنى أنه كلما مر القارئ بشئ يحتاج إلى بيان أو تجلية أو تعزيز وترسيخ، علق ما يراه مناسبا له وللكتاب، بحيث يستطيع أن يجعله موسوعة معارف متنوعة، تغنيه عن الرجوع لمصادر أخرى، هي مظان لتلكم الفوائد.
بل لو تكلف القارئ الحصيف الحاشية حينئذ لكان حسنا، بحيث تكون كالتالي:
(1) بيان كل جملة غريبة، أو سياق غير واضح.
(2) كشف معنى كل آية قرآنية لا يدرك معناها.
(3) شرح كل مصطلح لغوي غير مفهوم، عبر كتب المعاجم وبيان ذلك المرجع بالرقم والصفحة.
(4) تعليق الشواهد الشعرية الماتعة المؤكدة للمعاني، والمجلية للأفكار والمرسخة للفهوم.
(5) إثبات الفوائد النادرة للأئمة، وكبار الأعلام والشيوخ، ومحاولة تحفظها وضبطها.
(6) تخريج الأحاديث غير المخرجة، وبيان أحكامها وعللها، لا سيما للمهتمين بعلوم الحديث.
وقد تظهر الحواشي ميول القارئ وعنايته بأشياء مخصوصة، وهذا شئ فطري لإيمكن تجاوزه، لكننا نؤكد هنا على ضرورة تسويد الكتاب أولا، وإغراقه بالفوائد والتعليقات، ثم تأتي مرحلة ثانية من النصح والنباهة تجعل القارئ لا يعلق إلا ما يفيده ويدعم عنده الفائدة المقصودة.
وقد يعقب ذلك الانتقال إلى الحواشي النقدية، التي تخطها أيدي الصفوة، والقراء النهمين العمالقة، الذين يثرون الكتاب بالرد والنقض، والتأييد والتعقيب، وهذه مرحلة متأخرة ستحصل وتتنامى مع شدة العمق القرائي، واستدامة النهج البحثي والمعرفي.
ومن صور التحشية انتهاج التخطيط والعلامات على جمل معينة أو مسائل محددة، أو إشكالات خاصة، وإن لم يكتب شيئا، لكنه خطط ورسم وعلم، بحيث يراجعها في يوم من الأيام، ويمكن أن نسميه هنا (ترميز القراءة).
وهي نوع من التحشية والفهرسة الجميلة للمقروء، بحيث يستخدم إشارات معينة للكلام الجزل المفيد، وإشارة خاصة لما يراد حفظه، وأخرى لما لا يفهمه، وأخرى لما يرى غثاثته، وعدم الحاجة إليه ... !!وهنا يمكن أن يستخدم الألوان المختلفة كالأزرق والأحمر والأخضر للمهم والمفيد والمثير والمحفوظ وهلم جرا ..
المهم أن يجسد صلته بالكتاب قراءة وحذقا وحاشية وخربشة، بحيث تمتلئ عيناه بالنظر إلى الكتاب، فتحفظ شكله ولونه وطريقه نظمه وكتابته، من طول النظر، ودوام التعليق وغزارة الإظلام المضئ، والتسويد المشرق."
وكل ما ذكره الرجل لا فائدة منه إلا فى الدراسات العليا وأما الطلاب الذى يتم تعليمهم فى المدارس والجامعات فالمطلوب هو تعليمهم أحكام الإسلام ببساطة ودون دخول فى متاهات
والحاشية الوحيدة المفيدة هى الحاشية النقدية والتى تختص فى الغالب ببيان أخطاء الكتاب ومخالفاته لكتاب الله وهذه يمكن نشرها فى كتاب دون الكتاب للأصلى لتقليل حجم الكتاب وكلفته فى زمن لم يعد أحد من القراء إلا النادر يملك مالا لشراء الكتب
وتحدث عما سماه الحاشية المنظمة فقال :
"التحشية المنظمة وسواها
مع استمرار القارئ الحصيف في التحشية، وانهماكه في حلوائها، سيبين له من خلال الكتابة وحذقها، أنه بإمكانه تنظيم الحاشية، وحصرها في نطاق علمي موحد.
حيث يعمد إلى متن نحو (صحيح البخاري) مثلا، فيعلق عليه خلاصة شروح البخاري كالفتح والمعالم والعمدة والإرشاد، والبهجة والكوثر وشبهها، بطريقة مختزلة مستخلصة، بحيث يفرغ من المتن قراءة، وقد دبجه بروائع المعاني المتفرقة في أمهات الشروح، مع ما قد يضيفه هو من فوائد، يفتحها الله عليه، ثم بعد ذلك يعدها للإلقاء والطرح والنشر.
أو يندفع إلى متى عقيدي (كالطحاوية) أو (الواسطية)، ويذيلها بحاشية مذهبة موزونة، تنصب في النطاق العلمي المخصوص، بلا تفريعات ولا هوامش دخيلات، إلى أن ينتهي إلى خلاصة عقدية جميلة لذلك المتن الشريف.
أو يكرس جهده لمتن فقهي في أحد المذاهب الأربعة المشهورة (كالهداية) عند الحنفية أو (أبي شجاع) عند الشافعية، أو (خليل) عند المالكية، أو (الزاد) عند الحنابلة، فيصب فيه رؤوس المعاني، الفاكة لعقد المتن، مذيلة بخلاف يسير في المذاهب، وتعليلات فقهية رائعة واستنتاجات هادئة، أو يملك نسخة من تفسير القرآن الكريم المختصرة، المطبوعة بذيل المصحف، فيضم إليها مختصرا تفسيريا رزينا من أحد التفاسير المشهورة، أو يلخص مضمون ثلاثة تفاسير جياد على نسخته الأصلية.
وقد جربت بحمد الله هذه الحاشية المنظمة على عدة كتب، كان من أهمها وأدقها حاشية تفسيرية على نسخة (الحافظ التجيبي) على تفسير ابن جرير الطبري، حيث طبعت بهامش القرآن، فامتلكتها وعلقت على هوامشها، عصارة ذهن ابن الجوزي الخلافية في كتابه الشهير (زاد المسير) ورغم ضيق الهامش، إلا أنني حاولت إدخال ما يمكن إدخاله من خلافات التفسير المفيدة، وأشعر بالحاجه الماسة إليها.
وإن كانت هذه حاشية متقدمة بجانب ما يفعله المبتدئ إلا أنها صورة تطبيقية لما نريد حكايته وترسيخه في المنهج العلمي للطلاب، وكانت الفوائد والعوائد واسعة النطاق على العبد الفقير، خرج منها بما يلي:
(1) ترسيخ المكتوب، وفهم مكامن الخلافيات التفسيرية.
(2) إدراك معالم منهج ابن الجوزي في التفسير، وسعته النقليه التي تتجاوز الوصف، ووعي ما قد يكون مأخذا عليه
(3) الالتذاذ التقييدي المباشر للقلم والكتابة، بحيث ترافقك اللذة، ويجانبك الملل، ولا تحسب حساب المكتوب والتعب.
(4) توسيع المدارك النقدية وبحيث يمكن فرز تلك المنقولات، ومقارنتها بأقوال أخرى تصاحبها، أو تفوقها صحة واستدلالا.
(5) معرفة كبار أئمة التفسير واللغة الذين يهتم بهم ابن الحوزي، ولا يكاد يتجاوزهم إلا قليلا.
(6) فهم تدبر القرآن، والعيش في ظلاله واستنباط دروسه وعظاته، التي لا تدرك إلا بشئ من النظر والأناة، والربط والمقارنة.
(7) الاحتكاك المباشر باللغة القرآنية، وحيازة مفرداتها وروائع تركيباتها، وهذا شئ يطول جدا، وهو علم بحد ذاته، حيث أتاح التفسير فهم تلك المفردات الغريبة والتي لا تفهم بمجرد حفظ القرآن، بل لابد من العود للتفاسير والشروحات.
- هذا ما يمكن أن نسميه (حاشية منظمة) تدور في فلك علمي، واحد بحيث إذا فرغ من الكتاب باتت ككتاب معلق أو شارح لذلك المتن الأصلي، أما سواها فهي (الحاشية العامة)، التي تجاوز حدود الفن الواحد، وتنفتح على سائر الفنون والعلوم والكتب والتعليقات، بحيث يكون فيها شمولية غزيزة لاحد لها، تثري الكتاب، وتثقف الطالب وتوسع مداركه، وتقدح زناده للمضاء والاستزاده والتوسع ..."
وكما سبق القول الحواشى بديلها المفيد هو نشر نقد القارىء فى كتاب بمفرده فهو أفيد للقارىء وأرخص سعرا عندما يتم نقل الفقرات التى تم التعليق عليها مع التعليق
وبالقطع لا يقرأ تلك الكتب المحشاة عند النشر إلا قلة ثم ترمى ولا يقرئها أحد لأنها لا تفيد جمهور القراء نظرا لضخامة عددها صفحاتها ومجلداتها
وتحدث عن التحشية فى عصرنا فقال :
"التحشية في عصر السرعة والمعلومات
عصرنا الذي نعيش فيه، تميز بالسرعة والتدفق المعرفي والمعلوماتي والاقتصادي العجيب.
بحيث أن حجم المعلومات المقذوفة في الساحة، لا يمكن للقارئ المجتهد بلوغها والإحاطة بها فضلا عن القارئ البسيط!!
هذا يتطلب من القارئ الفهم الحصيف، مضاعفة الجهد، وامتطاء السرعة، والمبادرة وتوفير الزمان، والتقليل من المباحات، وشحذ العزيمة، وتقدير قيمة العلم والمعرفة.
والشبهة هنا أن التحشية والتعليق تأخير وتخلف عن قافلة المسارعين وقنطرة المجيزين، مما يعني تراكم المعلومات، وتأخر الفهم، والتباعد الذهني، الذي سينعكس بتداعياته على الطالب والعالم والمثقف.
ولتجاوز ذلك الاهتمام بالقراءة أولا وانتهاء، والاكتفاء بالتخطيط العابر بالقلم الرصاص، لإنجاز قدر كبير من الكتب في الشهر الواحد.
وللجواب على هذه الشبهة:
(1) أولا: علينا ان نعي أن لكل وسيلة محاسنها وعيوبها، وهذا من عيوب التحشية، ولكن المحاسن المذكوره سلفا تغطي على هذا العيب، وتتجاوزه إلى النتيجة النوعية المدروكة من خلال الوصفات السابقة.
أما الهذ والهذرمة، والخطف، والسرعة، فهي وإن أنجزت كتبا لا تثمر نوعيا، ولا تحرك الأذهان ولا تصنع المثقفين والمبدعين.
ثانيا: مع دعوتنا إلى التقييد والحاشية، لا يعني الارتخاء والانبساط، بل يجب الأخذ بحزم، والسير بقوة، والتحرك باهتمام ومبادرة، لأن قراءة الكتاب بالتحشية نتجاوز قراءته بدون ذلك وقتا وزمانا، بحيث قد يتضاعف الزمان، ولكنك تعود بالإحسان، وذلك يختصر الزمان، وقد يبوء بالحرمان، فلا يخرج إلا بالاسم والرسم!! وربما نسي الكتاب ومؤلفه، برغم أنه ختمه، ولكن على عجل وبلا تعليق وتقييد!!.
ثالثا: التأخر المنتج خير من الاستعجال الفارغ، بحيث إنه قد يمر عليك شخص قراء يلتهم الكتب التهاما، ولكن حصليته العلمية، ووعاءه العرفي محدود والسبب دوام استعجاله الفارغ، واندفاعه الخاطف، وعزوفه عن الحاشية العلمية.
على أنه قد يوجد قارىء سريع، ولا يقيد، ولديه من الإمكانات الذهنية ما تجعله محيطا بمعالم ما يقرأ، لكننا هنا نرسم منهجا لجمهرة الطلاب، ونؤكد تفوق المحشي عل من سواه من المقتدرين والمسرعين، وهو منهج علمي قديم، سار عليه الأسلاف، وسنه فضلاء الناس، ومنهم الأذكياء والعباقرة، وهو فسيح الفائدة، وعظيم الثمرة والعائدة.
رابعا: من قديم الزمان وشكاية العلماء والمفكرين من غزارة المعرفة، وقصور الامكانات الذهنية، وفي الحديث (اللهم إني أسألك علما نافعا).
كان يقولها (ص)منصرفه من صلاة الفجر كما عند أبي داود، واستعاذ في صحيح مسلم من أربع منها:
(ومن علم لا ينفع) فثمة علوم في القديم والحديث غير نافعة لا يجوز الاشتغال بها أو تضييع الزمان فيها، بل يكفي التعرف العام، والإلمام الإجمالي.
والطفرة المعلوماتية، وإن كانت تضخمت، لكن لا يعني ذلك الاطلاع على كل ذلك لأنه، لا الجسم يطيق، ولا الوقت يكفي!! ولكن يجمع المرء محاسن كل شيئ، وبضبط نفائسه وما يحتاج إليه.
خامسا: أن عصر السرعة وشبهة التراكم المعرفي، حافز للسرعة الذاتية، والإنجاز الفردي، وإلا لما تفاضل الناس وطلب التنافس بينهم، إذ كان السباق في الماضي على الرحلة ولقاء المشايخ، والاحتكاك بالمجتمعات، وجمع الفرائد، رغم زخارة المعلومات، والآن السبق على الجمع والمعرفة وحسن الاطلاع، مع قرب المعارف ودنوها مع من طالبها، ولكل عصر ظروفة وشئونه.
سادسا: برغم كل ما يقال من الانفجار المعرفي والثورة المعلوماتية السريعة، تبقى للجودة والنوعية دورها ووبيصها المعرفي والحضاري!! والتحشية فرع الجودة والنوعية، لأنها لا تفعل عبثا وتأخيرا، وإنما عمقا وإتقانا وبناء وإنتاجا ..
ورغم دخول ملايين الكتب (حاسوبيا) وتحولها إلى مواد بارزة بضغطة زر، لم يضعف حس الكتاب ولا حمله، وشراؤه من ذهن المطالع العربي والعالمي، بل لانزال الأخطاء والصحيفات تنتاب بعض تلك المدخلات، رغم فوائدها الجمة، وثمراتها العجيبة.
لكننا هنا نبين أن الطفرة الالكترونية، لم تقض على الكتاب، بل لايزال يطبع، ويباع، ويخرج بأحسن الطبعات وفاخرها، وكذلك هي التحشية بالنسبة لعصر السرعة لاتزال محل اهتمام عباقرة القرء، وأنباه المفكرين والمثقفين."
الفتحى يبدو انه لا يعيش فى واقعنا ولا يفهم ما هو المراد من العلم فالعلم ليس قاصرا على فئة وإنما الغرض من نشره تعليم الناس أحكام الله
الرجل يحدثنا عن فئة معها مال أو تمولها جهات معينة سواء كانت نيتها خير وهو قليل أو شر ومعظمه من جهة السلطة فالسلطة ليس غرضها من نشر تلك الكتب إلا شغل الناس بالخلافات وأن يكونوا جماعات تعادى بعضها البعض فينشغلوا ببعضهم عنها
وأما جمهور القراء العاديين وهم قلة أيضا فلم يعد فى ظل الغلاء فى إمكانهم شراء كتب خاصة المتزوجين وأصحاب العيال منهم
فى عصرنا المطلوب هو كتب سريعة يتناول الكتاب منها موضوع واحد بغرض تعليمهم أحكام الموضوع فالسلطات تجبرهم بقلة الرواتب والمعاشات على أن يشتغلوا فى وظائف متعددة بحيث لا يكون لديهم فراغ وإنما أجسام متعبة تأوى إلى السرير للراحة والنوم
وتحدث عما سماه الترقى الفكرى فقال :
"الترقي الفكري
إن انتهاج التحشية المستديمة على كل الكتب، سيكشف مع مرور الوقت مستوى القارئ، وأن ما علقه هذه السنة، يختلف مع ما يعلقه بعد خمس سنين، وبعد عشر وعشرين سنة!! سيدرك هو تباين ذلك، وأنه ما رآه أول الطلب، لا يراه في عمقه وانتهائه.
وهذه طبيعة تكوين العقل الإنساني بالعلوم والمعارف، الترقي والتزود المنعكس على الاختيارات والمسالك.
وهذا من أسباب اختلاف الأئمة، وتباين آرائهم في بعض المسائل العلمية والفقهية، وأنهم يجدون بخطه في كتاب ما، ما يناقض كتابه الآخر، أو يضيف عليه ويحرره الذي يكشف ذلك معرفة التاريخ والمرحلة العمرية التي صنف فيها الكتاب.
وللأسف أن كثيرين ممن لا يدركون ذلك، يتسرعون بجمع آراء الشيخ أو الفقيه دون حسبان الجانب التاريخ والعمري للمؤلف.
لا سيما عند التنازع والتناقض في آراء ذلك الإمام، لاسيما الأئمة المتبوعون، والعلماء المحققون الذين طبق ذكرهم الآفاق، وباتت أسماؤهم شواهد على البرهنة والحقيقة.
ولذلك هذه مسألة مهمة، على طلبة العلم إعطاؤها قدرها من الاهتمام، وألا يزجوا بموروث الإمام العلمي في سلة واحدة، ومساق علمي موحد، بل يراعوا ترقيه الفكري والمعرفي، ويفرقوا بين مصنفات أول الطلب، وعمقه، وانتهائه.
ولذلك القراء المحشي سيدرك فوارقه، وتدرجاته الفكرية من كتاب لآخر، وأن هذا العقل يبني ويترقى ويتطور، حسب المعطيات المصبوبة فيه، ويدرك أثر نعمة الله عليه بهذا اللب العجيب، وهذا المخلوق الصغير، الواسع في جمعه وفرزه وتمييزه.
فإنما العلم بأصغريه ... ليس برجليه ولا يديه
لسانه وقلبه المركب في صدره وذاك خلق عجب
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ووعي هذه النعمة سيجعل منه عنصرا مثابرا على القراءة والتفهم والاستزاده ولو أوقات المحن والأسقام.
لأن القراءة غذاء الافهام والأرواح، كما أن الطعام غذاء الأبدان والأجسام وفرق ما بين الغذائين."
مما لا شك فيه أن علم الإنسان يزداد فى غالب الأحوال ككم ولكن علمه النقدى يظل فى حالة التوهان التى نعيشها فالصوفى ينتقد السلفى والسنى بنتقد الشيعى والشافعى ينتقد الحنفى ..... فنحن نكرر نفس أخطاء الماضى ونمشى جميعا فى نفس الدائرة السوء ومن ثم لا يمكن أن يكون هناك ترقى فكرى إلا بشىء واحد وهو الاحتكام إلى كتاب الله
وتحدث عما سماه الحاشية الابتكارية فقال :
"الحاشية الابتكارية
مع تطور الحواشي، وتجاوز مراحلها الأولية، وانقطاع الطالب لها سيتمخض عنها تعليقات نقدية، تنتهي إلى أفكار ورؤى وصور جديدة في الحياة العلمية والبحثية، بفضل استدامة النقد والتمعن والاعتبار، يصدق عليها أن تسمى. (الحاشية الابتكارية) التي تفجر بحوثا، ومؤلفات، وتعقبات لدى القارئ اليقظ، وتكون بمثابة التحولات المحورية في مساره العلمي، وهي تأخذ أشكالا شتى منها:
(1) إيماءات المؤلف الخفية والظاهرة إلى أشياء لم يسعفه الزمان لإنجازها، فيستنهض الهمم للكتابة والإبحار فيها، فهذه لابد أن تكون محل اهتمام القارئ النهم ذي القلم السيال, وأن يبادر إليها بدار الساعي الملهوف، لأنها كالغنيمة الباردة، التي لا يجوز التغافل عنها.
(2) جمع متفرقات كلام المؤلف في قضية ما لم يصنف فيها، إذ بعض العلماء الموسوعيين كالنووى وابن عبد البر والخطيب، وابن تيمية وابن حجر وابن القيم، وأشباههم، لديهم قضايا خاضوا فيها خوضا عظيما، وألمحوا إلى فرائد فكرية تجاهها، وهي متفرقة في مصنفاتهم الطويلة، وبالإمكان جمعها وإبرازها في مؤلف واحد، يعلق عليها ويكشف ويقدم للساحة العلمية.
(3) الوقوف على تناقضات عالم معين، أو مآخذ عليه، بحيث يصحح الخطأ الشائع، أو الأثر التاريخي المغلوط. وهذا ظاهر في الموسوعيين أرباب النصانيف الغزيرة السيارة.
(4) تناول نظائر المسائل وأشباه الموضوعات التي تعرف بأخواتها أو بأصندادها مما لم يشر إليه المصنف صاحب الأصل، فيكون مثل ذلك مهمازا للاعتناء بمثيلاتها وأخواتها، ومثل ذلك يدرك بالفهم المعرفي والغزارة البحثية.
(5) تجريد فرائد وفوائد الكتب الضخمة والمطولات نحو التمهيد والمجموع والمغني والمبسوط، وفتح الباري، وفتاوى ابن تيمية، وتهذيب الكمال وشرح الإحياء وكتب التواريخ لابن جرير وابن الأثير وابن الجوزي وابن كثير وابن خلدون وأمثالها من الكتب الزاخرة بمحاسن الفكر والفوائد، التي تحتاج إلى من يستخرجها، ويهيئها للأنام، حيث عجزت الهمم، وشاخت العزائم المعاصرة."
الحاشية الابتكارية ليس بذكر نصوص هذا وذلك فى الكتب فى مكان ما والترجيح بينها وإنما بذكر الآراء مختصرة غير منسوبة ومناقشتها عبر كتاب الله ولكن الموجود أن فلان قال وعلان رد عليه فقال وعلان رد عليهم فقال وهذه عملية جمع لا تفيد صاحبها ولا تفيد من يقرأها
ومن ثم فالقول هو أن نشر كتاب فى موضوع معين يجمع الأراء دون نقل نفس الرأى من عشرات الكتب وإنما المسألة قيل فيها واحد اثنين.. وتتم مناقشة كل رأى فيها من كتاب الله أو من الواقع الحق ولا يتم نقل الردود المتعددة لأن الغرض هو بيان ألأدلة وليس تكرار نفس النصوص والتى غالبا ما ينقلونها عن بعضهم البعض
وتحدث عن حواشى المتون المحفوظة فقال :
"حواشي المتون المحفوظة
جرت العادة أن يقدم التلاميذ ابتداء، على حفظ المتون العلمية التي تضيق عباراتها، ولا تطول صفحاتها، وتكون مستوعبة لرءوس مسائل ذلك الفن، فقها كان أو عقيدة أو حديثا، أو أصولا، وأثناء الحفظ تمر مصطلحات لا يلم بها التلميذ ويجهلها تماما.
وللخلاص من هذه المشكلة لابد من اعتماد التحشية، بل نراها هنا ضرورية، لتعين على الحفظ والفهم والنجابة.
وإن كان المعول عليه النص هنا، لكن لا بأس من التعليق شيئا يسيرا يفك أغلال المتن، ويثير انتباه التلميذ الحافظ، بحيث كلما حفظ مقطعا علميا، علق على هامشه بيان غامضه وخفيه وغريبه.
فلا يفرغ من المتن إلا وقد حفظه قليبا، واستوعبه ذهنيا، وبات ضابطا حاذقا لأغلب مسائله ثم ينتقل إلى شروحه البهيجة، التي تتناسب مع قدراته العلمية والعقلية.
وننبه في الحواشي المثبتة على أمور منها:
(1) عدم إطالتها، بحيث لا تستغرق وقتا، يشغل عن الحفظ، ويكتفي مع الاختصار بالفهم العام لها.
(2) اعتبار النص المحفوظ هو الأصل هنا، وتلك للايضاح وفك الإبهام.
(3) قصرها على الايضاح الضروري، والحل الاحتياجي، بحيث لا يكون فيها فسحة تعليقيه، أو ميول ذاتية للنقل، تصرف عن المتن المراد حفظه."
والاشتغال بالمتون التى يسميها علمية هى مصيبة لأنها تبعد المسلم عن أساس الدين وهو كتاب الله إلى كتب البشر والتى أصبحت عند أهل المذاهب أهم من كتاب الله فهم يتجادلون بالروايات تاركين كتاب الله فى معظم الكتب وفى معظم المسائل
وتحدث عن أن تعليثات البعض فى هوامش الكتب يعتبرها البعض قذارة فقال :
" والنظافة
يزعم بعض القراء والمهتمين بالشأن العلمي، أن حمل القلم والتخطيط وتعليق الحواشي، ضرب من امتهان الكتب وتوسيخها، وأنها تصبح كالمتاع المهمل، والضيعة المغبرة، بسبب كثرة الخربشات واستدامة التخطيطات.
ويرون الأمثل إبقاء الكتاب نظيفا بلا تخطيط، فضلا عن التحشية والتعليق.!!
ومع احترامنا لوجهة النظر هذه، إلا أنها عرية علما وفكرا، وواقعا فلم يقم الدليل عند الأئمة قبلنا إلا على التحشية وعدم إهمال الكتاب بلا تعليق، بل يرون أنه بلا تعليق مظلم غير مجد ولا مفيد، والتعليق عليه يغلي ثمنه عند صاحبه، بحيث يصبح كنزا باهظ الثمن، وعالي المكانة، يكلفه حفظه وصيانته، لأنه جمع عليه عقود الزبر جد ونقشه بلآلي الجوهر والمرجان.
كما قال بعضهم ظانا بالكتاب:
لصيق فؤادي منذ عشرين حجة وصيقل ذهني والمفرج عن همي
عزيز على مثلي إعارة مثله لما فيه من علم كبير ومن فهم
جموع لأنواع العلوم بأسرها ... فأخلق به ألا يفارقه كمي
وقال أبو الحسن الفالي، وقد اضطرته الفاقة لبيع جمهرة ابن دريد.
أنست بها عشرين حولا وبعتها لقد طال وجدي بعدها وحنيي
وما كان ظني أنني سأبيعها ولو خلدتني في السجون ديوني
وقد وجدت هذي الأبيات معلقة على النسخة.
والمحصل أن شأن الكتب عند أربابها كشأن الأموال والنفائس، بل أجل وأعظم، فكيف إذا حوت الحواشي الزهرية، والتعليقات الندية، سيكثر الاعتناء، وتبرز المسئولية والصيانة.
فادعاء نظافة الكتاب بلا تحشية مغالطة واضحة، ستؤدي إلى خلط أوراق القارئ، وعدم تمييزه بين ما اشتراه، وقرأه وما لم يقرأه.
ومن كان يخشى من القلم الجاف الذي لا يمحى، فعليه بالقلم الرصاص الذي يمحى ويضاف عليه.
وأما من حيث الواقع، فإن الفهم والإتقان، يتم ويحصل بالتعليق والحواشي، ويظهر صورة جدية للاهتمام والتعطش العلمي ولازال أكثر الناس ينهج التخطيط بالقلم على الأشياء المهمة، وإن لم يكتب شيئا ولكن ليعلم نفسه، ويضاعف تركيزه، ويعلي حماسته النقدية.
وهي شكل حضاري، يوحي بحسن التفاعل مع الكتاب ومؤلفه، بحيث لا ينتهي إلا وقد أحاط بمضمونه، ووعى مقصده، ومحتواه في الغالب."
وهذا كلام يدخلنا فى أمر لا فائدة منه فالكتاب المشترى من مال الفرد هو حر فيه يكتب ما يريد فيه أو يخطط فيه كما يريد ,اما كتب المكتبات العامة فيجب ألا يصنع فيها كذلك لأن لو سمح فيها بهذا الكلام فهو اعتداء على حقوق بقية القراء بمعنى أنه إذا علق خمسة مثلا فملئوا الهوامش أضاعوا حق البقية التى تريد الكتاب نظرا لانتهاء الهوامش ومن ثم الأصلح ترك الكتب العامة دون تعليق ومن أراد أن يعلق فليكتب الفقرة التى يعلق عليها ويكتب تعليقه فى ورقة خارجية ويحتفظ بهم أو ينشرهم
وتحدث عن الحاشية الملخصة فقال :
الحاشية الملخصة
"ثمة حواش، يلجأ إليها المرء بقصد الفهم والاستيعاب، وهي ترتكز على التخطيط وتبسيط كلام المؤلف، وتجريد فوائده على هيئة عناوين أو كلمات في سطور يسيرة كالتالي:
(1) أسامي علماء نوادر.
(2) تواريخ مهمة.
(3) حوادث مفصلية.
(4) حكم وأشعار جميلة.
(5) كلمات مشجعة مرصعه.
(6) قواعد منهجية في العلوم والأفكار.
وأشباهها:
فهذه تسمى (حاشية ملخصة)، أو متصرفة، بحيث يقوم القارئ بتلخيص كلام المؤلف ليعيه ويضبطه، أو ليذكر نفسه بالموضوع، بحيث يحسن الترابط العقلي، ولا ينبت عن أصل الكتاب.
والحاشية الملخصة لا تعتبر إضافة للكتاب ولكنها مسلك لفهمه وتعلمه وتذكير بمراميه، ومضمونه، بحيث يستفيد منها القارئ لوعي الكتاب ابتداء، ولمعرفة رءوس مسائل إذا هجره، ثم عاد إليه مرة أخرى."
هذه الحاشية التى يتحدث عنها اسمها جمع معلومات ويمكن الاستغناء عن كتابتها فى الهامش بكتابتها فى كراس أو كشكول خارجى للعودة إليه أسرع لأن وجودها داخل كتاب قد ينسى الإنسان اسمه يجعله يضيع وقته فى التفتيش عنها وحتى إن وجد الكتاب لابد أن يقلب صفحاته للوصول للمعلومات وأما الكشكول فسيعود إليه سريعا
وتحدث عن الحاشية المفهرسة فقال :
"الحاشية المفهرسة
وهي نوع من الشكل التنظيمي للتحشية والقراءة، بحيث يمكن أن تتحول الحاشية إلى عمل علمي عظيم منتج، عبارة عن (فهرسة علمية) لا سيما المطولات ككتب التواريخ والسير والأدب والرجال والأسانيد وأشباهها، التي يمكن أن تحشى أذيالها بفهارس خاصة، أو يجرد دفترا مخصوصا لتلك الفوائد المنتقاة، بحيث تجمع موضوعات محددة:
أو حكما خاصة.
أو أبيات جميلة في موضوع معين.
أو قضية حديثية أو فقهية.
أو مناظرات علمية.
أو طرائف مجموعة.
أو مواقف متشابهة، ترجع لنظر القارئ وبصيرته .. وكم من موضوعات جردت من مطولات واثمرت مجلدة نافعة .. نحو ما صنع اشيخ العلامة بكر أبوزيد في كتابه (النظائر) حيث وجمع أربع قضايا وهي:
1) العزاب.
2) التحول المذهبي: ذكر من تحول عن مذهبه الفقهي.
3) التراجم الذاتية، تعتني بكل عالم كتب عن نفسه.
4) لطائف الكلم في العلم.
وقد جاء الكتاب بهيا محل قبول العلماء والقراء، لأنه مقصد تأليفي صحيح وهو جمع المتفرق الذي ليس في خانة واحدة بل في كتب شتى، ومصنفات مختلفة وتستغرق أوقات.!!
وقد قال بعض الكتاب عن وحدة موضوعية جمعها، وقدمها للناس على طبق من ذهب، هذا (نتاج قراءة عشرين سنة).
ولولا الفهرسة والتقييد وتصنيف القراءة، لطارت هذه الفوائد مع طيران الذاكرة، وانشغال النفس بما يلهى ويغري!!
ولذلك لا بد للفهرس أن تتسم بما يلي:
1) الجد وأخذ الأمور بمصداقية مسئولة.
2) حسن الكتابة، والتصنيف، وعدم الخلط.
3) الحفظ والرعاية، ودقة المراجعة لمحتوياتها.
4) تحديد الموضوعات، بحيث كلما عنت فكرة جديدة سجلها، وأفرد لها فهرسة خاصة في (كشكول خاص).
نعم في البداية قد يتبدئ على (كراس واحد) لكل الفوائد، ولكن إذا لاحظ كثرة المقيدات، فليسارع حينها بالتحديد، وفصل كل موضوع على حدة، بحيث يثمر الجهد، ولا يذهب سدى.
5) تحديد مقياس زمني، لتأمل تلك المفهرسات، ولملمتها، وفرزها وتقديم ما حسن منها للنشر والإلقاء والمشاركة العلمية.
وتشبه هذه الفهرسة بعض مناحي الرسائل الجامعية، التي تسبق بقراءة عميقة مصنفة، وفهرسة تعتمد نظام البطاقات وماشابه ذلك، ولهذا الكتب الضخمة والمطولات في المكتبة الاسلامية، موطئ خصيب لاستخراج الدرر والفوائد، ذات الوحدة الموضوعية.
نحو كتب الشروح والرجال والتواريخ والسير، والفقه المقارن، والأدب والمعاجم وغيرها.
وأشيد هنا بعمل الدكتور/ محمد موسى الشريف في كتابة (نزهة الفضلاء) الذي عمد فيه إلى كتاب (سير أعلام النبلاء) وهذبه ورتبه وموضوعاته وفهرسها، بحيث يكون قريبة التناول، أمام الطالب والباحث والمحاضر، جزاه الله خيرا.
وهذه الطريقة، من فوائدها، تقريب مطولات الكتب في زبد مختصره، ذات بعد موضوعي محدد."
وهذه الحاشية كما سيبق القول حاشية مطلوبة حيث يتم تجميع ما ورد فى موضوع ما من كتب مختلفة ونشره فى الموضوع وهذه الحواشى تكون فى كشاكيل يختص كل منها بموضوع والأسهل منها حاليا هو تصوير الفقرات من الكتب ووضع الصفحات المصورة فى حافظة وهى بذلك لا تضيع الوقت فى كتابة الفقرات فى الكشاكيل بالقلم
الكتاب من تأليف حمزة آل فتحي وهو يدور حول وضع حواشى للكتب المحققة أو الكتب المعاد نشرها والمؤلف فى الكتاب يبين ضرورة وضع الحواشى للكتب فيقول:
"وبعد ...
فلقد توارثنا من مشايخنا فنون العلم والقراءة والاطلاع، فكان مما علمونا وأرشدونا، التزام كتاب واحد في القراءة، تدقيقا وتحقيقا، وعدم إطلاق سراحه دون حاشية كاشفة، ودماء نازفة، تجلي مبهمه، وتكشف مغلقه، وتعرف غامضه!! بحيث تضاعف فوائده بكثرة مسائله، وتزيد من حسنه وجودته .."
وتحدث عن أنواع التحشية فقال :
"فمن ذلك النهج، واستحضارا لمقولة الإمام الأستاذ، أبي زيد اللغوي:
(لا يضئ الكتاب حتى يظلم)!!
بدا لي من الأهمية بمكان، ومن العلم بامتياز، ضرورة التحشية والتقييد على الكتاب المقروء، وهي على ضربين:
1) تحشية طبيعية شارحة، تجلي الكلام وتكشف غوامضه، وتبين معانيه.
2) تحشية نقدية ضافية، تتعقب، وتعزز المعاني بمعان أخرى ومعارف مشابهة أو فائقة."
والمعروف فى التراث أن الحواشى أى الحاشيات معظمها كان عبارة عن زيادة لحجم الكتاب وكانت تقتصر على بيان معنى كلمة فى معظمها أو تذكر رواية معارضة أو حكم مخالف فى القليل من الأحيان ومن ثم لم تكن معظم الحواشى لتضيف علما جديدا وتحدث ع فوائد الحواشى فقال
"وكلاهما مفيدتان، والعمل العلمي ماش على الأولى في غالبه، حيث البناء والتأسيس وضعف الخبرة والإبداع، فيمكن أن نسميها (الحاشية التأسيسية).
والثانية (التطويرية الإبداعية) التي تتفاعل مع المؤلف، إيجابا وسلبا، وردا وتعقيبا بالحجة والبرهان، وتضيف عليه أشياء أهملها، وعلوما نسيها، وفوائد فوتها، يرى لزاما القارئ الجيد، ضرورة ورودها ليتم الكلام، ويستقيم السياق، وينتفع بها هو يوما من الأيام، وتكفيه الرجوع إلى المصادر اللاحقة.
وإذا عاد لقراءة الكتاب بعد زمن بعيد، وجد نصوصه المزينة، ونقداته اللامعة، وتعليقاته الماتعة، فذكرته، أياما خوالي رائعات والتهبت عنده مشاعر نازفات، لايكاد ينساها أو يتجاهل حلوها ومرها ... وبات من الضروري قراءة الكتاب بطبعته المترعة والمزيدة، حيث الإبداع، والإظلام المنور،
ويمكن أن يضاف ضرب ثالث تنظيمي، هو (فهرسة القراءة) وهي لا تقل اهتماما عن سابقاتها، ويدرك القارئ أن عائدتها العلمية والفكرية الإبداعية على صاحبها ثمينة جدا، وتحدث تميزات واختراقات لا يستهان بها في الوسط العلمي النخبوي، وتفجر لديه ابتكارات علمية، وتعقبات سديدة وتأليفات جديدة."
وهذا الحديث عن الحواشى لم يكن لازما فى يوم من الأيام فالمفترض هو إما نقد الكتاب ببيان عيوبه ومحاسنه حسب أحكام الله وإما تركه على حالته بدون زيادة لأن نشر الكتب حاليا هو عملية تجارية فى المقام ألأول والقراء كانوا وما زالوا يعانون فقرا ماليا والحواشى تتسبب فى زيادة أعباءهم الحياتية من خلال زيادة سعر الكتاب
وتساءل عن السبب فى القراءة المحشاة وأجاب فقال :
"لماذا القراءة المحشاة؟!
يستثقل بعض القراء القراءة المحشاة، ويرى أنها إذهاب للوقت، وإهدار للزمن الجميل، وتعطيل للجد، بحيث يختم الزملاء، ويفرغ صغار التلاميذ!! وهو لازال في كتاب واحد، يحمله في كل مكان، ولم يأت بعد على آخره!!
وهذه شبهة خطيرة، إذا رسخت في الفؤاد، كسرت القلم، وعزفت النفس عن الكتاب نهائيا، وامتطت صهوة الإسراع الفارغ، والجرد الخاطف بلا وعي وانتباه وتدبر!!
وتختم الكتب بلا وعي وثمرة وجناء ... (فأما الزبد فيذهب جفاء)
وللإجابة نقول أولا أن العلم سهل ممتنع، ومرتع فسيح، لا يمكن هضمه في مدة سريعه، أو بكتب عزيزة، أو بقراءة شوهاء سريعة، بل لابد له من صبر وتأن...ووعي معنى القراءة المحشاة وإدراك ثمراتها، يجعل الاستبطاء هنا مفيدا لذيذا، لأنه يعني الحصد، والترسيخ، والعمق، والانتفاع.
ولذلك من فوائد التحشية هنا مايلي:
(1) تدريب الصبر، وتعليم الاحتمال ورفض للإسراع الطاغي، والاستعجال المنتاب لأكثر الطلاب.
(2) ترسيخ المقروء، وحياز فهمه وبركته واستكناه مراميه ومغاريه.
(3) فتق نصوصه، وفرزها وبيان معانيها ومشكلاتها.
(4) التعليقات المكثفة والكاشفة لكل مستبهمات النصوص، وغوامض الكلام المرسوم.
(5) الاحتراف النقدي والتعقيبي، بحيث مع استدامة التعليقات والاستدراك، يؤسس القارئ لنفسه (ملكة نقدية)، تأتيه بالعجائب والفرائد، وهذه الملكة لو وبذل لها ملايين، وقطع رحلات لما كان غريبا، لأنها عزيزة غالية!!.
(6) تحفظ ما يتيسر من الفوائد المصقولة، والمصطلحات المزيونة، والأشعار الميمونة، التي لا تتطلب جهدا كبيرا، بل بمجرد الكتابة والتمعن الزائد، ترسخ في الذهن، والناس يتفاوتون هنا في حسن التلقي والاستجابة الذهنية السريعة.
(7) تعلم فن الكتابة واستسهالها علميا، بحيث تصبح طريقا للجمع والحفظ والتأليف.
( صناعة اليقظة والنباهة لدى القارئ، بحيث يصبح أكثر تركيزا ووعيا لما يطالع ويعلق.
(9) تحويل الكتاب إلى جوهرة ذهبية نفيسة، مطرزة بكل النقوشات المختلفة.
(10) جمع الفوائد المعززة لمعنى واحد، وزجها في سياق معين، بحيث يسهل الرجوع إليها.
(11) تسجيل ذكريات معينة يكون لها وقعها على القارئ بعد زمان سحيق، وعلى الأبناء إذا ما شاهدوها بعد عشرات السنين ... وتذكروا بها مثابرة والدهم، وحسن صنعه، وبعض هذه الحواشي قد تتحول مع مرور الأزمان، وحسن التعليق والإجادة إلى مؤلف، ينشره الأب أو أحد أنجاله، وقد تم مفرقا، حسب الاطلاع والمناسبات المختلفة، ثم كتب الله له الخروج والنشر بعد الصقل والاعتبار والله الموفق والمعين.
(12) تجاوز مرحلة التعصب والتقديس للمؤلف، وأنه لا عصمة لأحد بعد القرآن والسنة وكل يؤخذ من قوله ويترك، وهذا من محاسن القراءة النقدية، ومن الآداب التي تصنعها الحواشي، ولا تصنعها المحاضرات والتوجيهات، ولو وجه المشايخ تلامذتهم إلى كتب المتون بعد حفظها، إلى نقدها والتعقيب عليها، لتجاوزت الأمة مأزق التعصب الأعمى، والهيام بالرموز المذهبية، وأذكر هنا قول بعض متعصبة الأحناف في مدح متن الهداية للمرغيناني الحنفي
إن الهداية كالقرآن قد نسخت ما صنفوا قبلها في الشرع من كتب
ولو امتثل متفقهة الهداية هذا الممتثل لقالوا:
إن الهداية متن طاب منظره ليست نفائسه كالنسخ في الكتب ولكن التعصب داء قاتل."
والفوائد التى قالها الفتحى هى أضرار فليس المطلوب من المسلم أن يقرأ كل هذا الكم الهائل من الكتب والتى للأسف الشديد معظمها فى المذاهب هو تكرار لموضوعات معينة
المطلوب من المسلم أن يعرف الأحكام بصورة بسيطة وأما الكتب المذهبية وحواشيها فهى سوف تقنعه بضرورة ترك الإسلام بسبب كم الاختلافات الهائل فى أفهام الفقهاء بسبب تصديقهم للروايات المتناقضة والمعانى اللغوية والنحوية
فالكتب وحواشيها المراد منها بتلك الطريقة ابعاد المسلم عن كتاب الله وجره للمسائل النظرية والاجتهادات البشرية التى لا طائل من خلفها
وتحدث عن فنون الحواشى فقال :
"فنون الحواشي:
الحاشية تتنوع وتتلون بحسب المتن أو الكتاب المقروء، وموضوعه وفكره المسطور، فحينما يكون الكتاب عقائديا، تكون الحواشي عقائدية توحيدية، وحينما يكون الكتاب حديثيا تكون التعليقات معاني للمتون النبوية، وشرحا لمصطلحات عارضة، وحينما يكون الكتاب متنا فقهيا، تكون فكا لمستغلق المتون الضيقة، وبيانا للأدلة والقواعد، وشيئا من التفريع الفقهي والخلافي.
ونرى في هذا السياق أن لا تكون الحاشية منتمية تمام الانتماء إلى العلم المقرر فيه هذا الكتاب، بل نرى جعلها متلونة، متنوعة تشمل الفقه والعقيدة والمعنى الحديثي والاصطلاحي اللغوي والشعري، بمعنى أنه كلما مر القارئ بشئ يحتاج إلى بيان أو تجلية أو تعزيز وترسيخ، علق ما يراه مناسبا له وللكتاب، بحيث يستطيع أن يجعله موسوعة معارف متنوعة، تغنيه عن الرجوع لمصادر أخرى، هي مظان لتلكم الفوائد.
بل لو تكلف القارئ الحصيف الحاشية حينئذ لكان حسنا، بحيث تكون كالتالي:
(1) بيان كل جملة غريبة، أو سياق غير واضح.
(2) كشف معنى كل آية قرآنية لا يدرك معناها.
(3) شرح كل مصطلح لغوي غير مفهوم، عبر كتب المعاجم وبيان ذلك المرجع بالرقم والصفحة.
(4) تعليق الشواهد الشعرية الماتعة المؤكدة للمعاني، والمجلية للأفكار والمرسخة للفهوم.
(5) إثبات الفوائد النادرة للأئمة، وكبار الأعلام والشيوخ، ومحاولة تحفظها وضبطها.
(6) تخريج الأحاديث غير المخرجة، وبيان أحكامها وعللها، لا سيما للمهتمين بعلوم الحديث.
وقد تظهر الحواشي ميول القارئ وعنايته بأشياء مخصوصة، وهذا شئ فطري لإيمكن تجاوزه، لكننا نؤكد هنا على ضرورة تسويد الكتاب أولا، وإغراقه بالفوائد والتعليقات، ثم تأتي مرحلة ثانية من النصح والنباهة تجعل القارئ لا يعلق إلا ما يفيده ويدعم عنده الفائدة المقصودة.
وقد يعقب ذلك الانتقال إلى الحواشي النقدية، التي تخطها أيدي الصفوة، والقراء النهمين العمالقة، الذين يثرون الكتاب بالرد والنقض، والتأييد والتعقيب، وهذه مرحلة متأخرة ستحصل وتتنامى مع شدة العمق القرائي، واستدامة النهج البحثي والمعرفي.
ومن صور التحشية انتهاج التخطيط والعلامات على جمل معينة أو مسائل محددة، أو إشكالات خاصة، وإن لم يكتب شيئا، لكنه خطط ورسم وعلم، بحيث يراجعها في يوم من الأيام، ويمكن أن نسميه هنا (ترميز القراءة).
وهي نوع من التحشية والفهرسة الجميلة للمقروء، بحيث يستخدم إشارات معينة للكلام الجزل المفيد، وإشارة خاصة لما يراد حفظه، وأخرى لما لا يفهمه، وأخرى لما يرى غثاثته، وعدم الحاجة إليه ... !!وهنا يمكن أن يستخدم الألوان المختلفة كالأزرق والأحمر والأخضر للمهم والمفيد والمثير والمحفوظ وهلم جرا ..
المهم أن يجسد صلته بالكتاب قراءة وحذقا وحاشية وخربشة، بحيث تمتلئ عيناه بالنظر إلى الكتاب، فتحفظ شكله ولونه وطريقه نظمه وكتابته، من طول النظر، ودوام التعليق وغزارة الإظلام المضئ، والتسويد المشرق."
وكل ما ذكره الرجل لا فائدة منه إلا فى الدراسات العليا وأما الطلاب الذى يتم تعليمهم فى المدارس والجامعات فالمطلوب هو تعليمهم أحكام الإسلام ببساطة ودون دخول فى متاهات
والحاشية الوحيدة المفيدة هى الحاشية النقدية والتى تختص فى الغالب ببيان أخطاء الكتاب ومخالفاته لكتاب الله وهذه يمكن نشرها فى كتاب دون الكتاب للأصلى لتقليل حجم الكتاب وكلفته فى زمن لم يعد أحد من القراء إلا النادر يملك مالا لشراء الكتب
وتحدث عما سماه الحاشية المنظمة فقال :
"التحشية المنظمة وسواها
مع استمرار القارئ الحصيف في التحشية، وانهماكه في حلوائها، سيبين له من خلال الكتابة وحذقها، أنه بإمكانه تنظيم الحاشية، وحصرها في نطاق علمي موحد.
حيث يعمد إلى متن نحو (صحيح البخاري) مثلا، فيعلق عليه خلاصة شروح البخاري كالفتح والمعالم والعمدة والإرشاد، والبهجة والكوثر وشبهها، بطريقة مختزلة مستخلصة، بحيث يفرغ من المتن قراءة، وقد دبجه بروائع المعاني المتفرقة في أمهات الشروح، مع ما قد يضيفه هو من فوائد، يفتحها الله عليه، ثم بعد ذلك يعدها للإلقاء والطرح والنشر.
أو يندفع إلى متى عقيدي (كالطحاوية) أو (الواسطية)، ويذيلها بحاشية مذهبة موزونة، تنصب في النطاق العلمي المخصوص، بلا تفريعات ولا هوامش دخيلات، إلى أن ينتهي إلى خلاصة عقدية جميلة لذلك المتن الشريف.
أو يكرس جهده لمتن فقهي في أحد المذاهب الأربعة المشهورة (كالهداية) عند الحنفية أو (أبي شجاع) عند الشافعية، أو (خليل) عند المالكية، أو (الزاد) عند الحنابلة، فيصب فيه رؤوس المعاني، الفاكة لعقد المتن، مذيلة بخلاف يسير في المذاهب، وتعليلات فقهية رائعة واستنتاجات هادئة، أو يملك نسخة من تفسير القرآن الكريم المختصرة، المطبوعة بذيل المصحف، فيضم إليها مختصرا تفسيريا رزينا من أحد التفاسير المشهورة، أو يلخص مضمون ثلاثة تفاسير جياد على نسخته الأصلية.
وقد جربت بحمد الله هذه الحاشية المنظمة على عدة كتب، كان من أهمها وأدقها حاشية تفسيرية على نسخة (الحافظ التجيبي) على تفسير ابن جرير الطبري، حيث طبعت بهامش القرآن، فامتلكتها وعلقت على هوامشها، عصارة ذهن ابن الجوزي الخلافية في كتابه الشهير (زاد المسير) ورغم ضيق الهامش، إلا أنني حاولت إدخال ما يمكن إدخاله من خلافات التفسير المفيدة، وأشعر بالحاجه الماسة إليها.
وإن كانت هذه حاشية متقدمة بجانب ما يفعله المبتدئ إلا أنها صورة تطبيقية لما نريد حكايته وترسيخه في المنهج العلمي للطلاب، وكانت الفوائد والعوائد واسعة النطاق على العبد الفقير، خرج منها بما يلي:
(1) ترسيخ المكتوب، وفهم مكامن الخلافيات التفسيرية.
(2) إدراك معالم منهج ابن الجوزي في التفسير، وسعته النقليه التي تتجاوز الوصف، ووعي ما قد يكون مأخذا عليه
(3) الالتذاذ التقييدي المباشر للقلم والكتابة، بحيث ترافقك اللذة، ويجانبك الملل، ولا تحسب حساب المكتوب والتعب.
(4) توسيع المدارك النقدية وبحيث يمكن فرز تلك المنقولات، ومقارنتها بأقوال أخرى تصاحبها، أو تفوقها صحة واستدلالا.
(5) معرفة كبار أئمة التفسير واللغة الذين يهتم بهم ابن الحوزي، ولا يكاد يتجاوزهم إلا قليلا.
(6) فهم تدبر القرآن، والعيش في ظلاله واستنباط دروسه وعظاته، التي لا تدرك إلا بشئ من النظر والأناة، والربط والمقارنة.
(7) الاحتكاك المباشر باللغة القرآنية، وحيازة مفرداتها وروائع تركيباتها، وهذا شئ يطول جدا، وهو علم بحد ذاته، حيث أتاح التفسير فهم تلك المفردات الغريبة والتي لا تفهم بمجرد حفظ القرآن، بل لابد من العود للتفاسير والشروحات.
- هذا ما يمكن أن نسميه (حاشية منظمة) تدور في فلك علمي، واحد بحيث إذا فرغ من الكتاب باتت ككتاب معلق أو شارح لذلك المتن الأصلي، أما سواها فهي (الحاشية العامة)، التي تجاوز حدود الفن الواحد، وتنفتح على سائر الفنون والعلوم والكتب والتعليقات، بحيث يكون فيها شمولية غزيزة لاحد لها، تثري الكتاب، وتثقف الطالب وتوسع مداركه، وتقدح زناده للمضاء والاستزاده والتوسع ..."
وكما سبق القول الحواشى بديلها المفيد هو نشر نقد القارىء فى كتاب بمفرده فهو أفيد للقارىء وأرخص سعرا عندما يتم نقل الفقرات التى تم التعليق عليها مع التعليق
وبالقطع لا يقرأ تلك الكتب المحشاة عند النشر إلا قلة ثم ترمى ولا يقرئها أحد لأنها لا تفيد جمهور القراء نظرا لضخامة عددها صفحاتها ومجلداتها
وتحدث عن التحشية فى عصرنا فقال :
"التحشية في عصر السرعة والمعلومات
عصرنا الذي نعيش فيه، تميز بالسرعة والتدفق المعرفي والمعلوماتي والاقتصادي العجيب.
بحيث أن حجم المعلومات المقذوفة في الساحة، لا يمكن للقارئ المجتهد بلوغها والإحاطة بها فضلا عن القارئ البسيط!!
هذا يتطلب من القارئ الفهم الحصيف، مضاعفة الجهد، وامتطاء السرعة، والمبادرة وتوفير الزمان، والتقليل من المباحات، وشحذ العزيمة، وتقدير قيمة العلم والمعرفة.
والشبهة هنا أن التحشية والتعليق تأخير وتخلف عن قافلة المسارعين وقنطرة المجيزين، مما يعني تراكم المعلومات، وتأخر الفهم، والتباعد الذهني، الذي سينعكس بتداعياته على الطالب والعالم والمثقف.
ولتجاوز ذلك الاهتمام بالقراءة أولا وانتهاء، والاكتفاء بالتخطيط العابر بالقلم الرصاص، لإنجاز قدر كبير من الكتب في الشهر الواحد.
وللجواب على هذه الشبهة:
(1) أولا: علينا ان نعي أن لكل وسيلة محاسنها وعيوبها، وهذا من عيوب التحشية، ولكن المحاسن المذكوره سلفا تغطي على هذا العيب، وتتجاوزه إلى النتيجة النوعية المدروكة من خلال الوصفات السابقة.
أما الهذ والهذرمة، والخطف، والسرعة، فهي وإن أنجزت كتبا لا تثمر نوعيا، ولا تحرك الأذهان ولا تصنع المثقفين والمبدعين.
ثانيا: مع دعوتنا إلى التقييد والحاشية، لا يعني الارتخاء والانبساط، بل يجب الأخذ بحزم، والسير بقوة، والتحرك باهتمام ومبادرة، لأن قراءة الكتاب بالتحشية نتجاوز قراءته بدون ذلك وقتا وزمانا، بحيث قد يتضاعف الزمان، ولكنك تعود بالإحسان، وذلك يختصر الزمان، وقد يبوء بالحرمان، فلا يخرج إلا بالاسم والرسم!! وربما نسي الكتاب ومؤلفه، برغم أنه ختمه، ولكن على عجل وبلا تعليق وتقييد!!.
ثالثا: التأخر المنتج خير من الاستعجال الفارغ، بحيث إنه قد يمر عليك شخص قراء يلتهم الكتب التهاما، ولكن حصليته العلمية، ووعاءه العرفي محدود والسبب دوام استعجاله الفارغ، واندفاعه الخاطف، وعزوفه عن الحاشية العلمية.
على أنه قد يوجد قارىء سريع، ولا يقيد، ولديه من الإمكانات الذهنية ما تجعله محيطا بمعالم ما يقرأ، لكننا هنا نرسم منهجا لجمهرة الطلاب، ونؤكد تفوق المحشي عل من سواه من المقتدرين والمسرعين، وهو منهج علمي قديم، سار عليه الأسلاف، وسنه فضلاء الناس، ومنهم الأذكياء والعباقرة، وهو فسيح الفائدة، وعظيم الثمرة والعائدة.
رابعا: من قديم الزمان وشكاية العلماء والمفكرين من غزارة المعرفة، وقصور الامكانات الذهنية، وفي الحديث (اللهم إني أسألك علما نافعا).
كان يقولها (ص)منصرفه من صلاة الفجر كما عند أبي داود، واستعاذ في صحيح مسلم من أربع منها:
(ومن علم لا ينفع) فثمة علوم في القديم والحديث غير نافعة لا يجوز الاشتغال بها أو تضييع الزمان فيها، بل يكفي التعرف العام، والإلمام الإجمالي.
والطفرة المعلوماتية، وإن كانت تضخمت، لكن لا يعني ذلك الاطلاع على كل ذلك لأنه، لا الجسم يطيق، ولا الوقت يكفي!! ولكن يجمع المرء محاسن كل شيئ، وبضبط نفائسه وما يحتاج إليه.
خامسا: أن عصر السرعة وشبهة التراكم المعرفي، حافز للسرعة الذاتية، والإنجاز الفردي، وإلا لما تفاضل الناس وطلب التنافس بينهم، إذ كان السباق في الماضي على الرحلة ولقاء المشايخ، والاحتكاك بالمجتمعات، وجمع الفرائد، رغم زخارة المعلومات، والآن السبق على الجمع والمعرفة وحسن الاطلاع، مع قرب المعارف ودنوها مع من طالبها، ولكل عصر ظروفة وشئونه.
سادسا: برغم كل ما يقال من الانفجار المعرفي والثورة المعلوماتية السريعة، تبقى للجودة والنوعية دورها ووبيصها المعرفي والحضاري!! والتحشية فرع الجودة والنوعية، لأنها لا تفعل عبثا وتأخيرا، وإنما عمقا وإتقانا وبناء وإنتاجا ..
ورغم دخول ملايين الكتب (حاسوبيا) وتحولها إلى مواد بارزة بضغطة زر، لم يضعف حس الكتاب ولا حمله، وشراؤه من ذهن المطالع العربي والعالمي، بل لانزال الأخطاء والصحيفات تنتاب بعض تلك المدخلات، رغم فوائدها الجمة، وثمراتها العجيبة.
لكننا هنا نبين أن الطفرة الالكترونية، لم تقض على الكتاب، بل لايزال يطبع، ويباع، ويخرج بأحسن الطبعات وفاخرها، وكذلك هي التحشية بالنسبة لعصر السرعة لاتزال محل اهتمام عباقرة القرء، وأنباه المفكرين والمثقفين."
الفتحى يبدو انه لا يعيش فى واقعنا ولا يفهم ما هو المراد من العلم فالعلم ليس قاصرا على فئة وإنما الغرض من نشره تعليم الناس أحكام الله
الرجل يحدثنا عن فئة معها مال أو تمولها جهات معينة سواء كانت نيتها خير وهو قليل أو شر ومعظمه من جهة السلطة فالسلطة ليس غرضها من نشر تلك الكتب إلا شغل الناس بالخلافات وأن يكونوا جماعات تعادى بعضها البعض فينشغلوا ببعضهم عنها
وأما جمهور القراء العاديين وهم قلة أيضا فلم يعد فى ظل الغلاء فى إمكانهم شراء كتب خاصة المتزوجين وأصحاب العيال منهم
فى عصرنا المطلوب هو كتب سريعة يتناول الكتاب منها موضوع واحد بغرض تعليمهم أحكام الموضوع فالسلطات تجبرهم بقلة الرواتب والمعاشات على أن يشتغلوا فى وظائف متعددة بحيث لا يكون لديهم فراغ وإنما أجسام متعبة تأوى إلى السرير للراحة والنوم
وتحدث عما سماه الترقى الفكرى فقال :
"الترقي الفكري
إن انتهاج التحشية المستديمة على كل الكتب، سيكشف مع مرور الوقت مستوى القارئ، وأن ما علقه هذه السنة، يختلف مع ما يعلقه بعد خمس سنين، وبعد عشر وعشرين سنة!! سيدرك هو تباين ذلك، وأنه ما رآه أول الطلب، لا يراه في عمقه وانتهائه.
وهذه طبيعة تكوين العقل الإنساني بالعلوم والمعارف، الترقي والتزود المنعكس على الاختيارات والمسالك.
وهذا من أسباب اختلاف الأئمة، وتباين آرائهم في بعض المسائل العلمية والفقهية، وأنهم يجدون بخطه في كتاب ما، ما يناقض كتابه الآخر، أو يضيف عليه ويحرره الذي يكشف ذلك معرفة التاريخ والمرحلة العمرية التي صنف فيها الكتاب.
وللأسف أن كثيرين ممن لا يدركون ذلك، يتسرعون بجمع آراء الشيخ أو الفقيه دون حسبان الجانب التاريخ والعمري للمؤلف.
لا سيما عند التنازع والتناقض في آراء ذلك الإمام، لاسيما الأئمة المتبوعون، والعلماء المحققون الذين طبق ذكرهم الآفاق، وباتت أسماؤهم شواهد على البرهنة والحقيقة.
ولذلك هذه مسألة مهمة، على طلبة العلم إعطاؤها قدرها من الاهتمام، وألا يزجوا بموروث الإمام العلمي في سلة واحدة، ومساق علمي موحد، بل يراعوا ترقيه الفكري والمعرفي، ويفرقوا بين مصنفات أول الطلب، وعمقه، وانتهائه.
ولذلك القراء المحشي سيدرك فوارقه، وتدرجاته الفكرية من كتاب لآخر، وأن هذا العقل يبني ويترقى ويتطور، حسب المعطيات المصبوبة فيه، ويدرك أثر نعمة الله عليه بهذا اللب العجيب، وهذا المخلوق الصغير، الواسع في جمعه وفرزه وتمييزه.
فإنما العلم بأصغريه ... ليس برجليه ولا يديه
لسانه وقلبه المركب في صدره وذاك خلق عجب
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ووعي هذه النعمة سيجعل منه عنصرا مثابرا على القراءة والتفهم والاستزاده ولو أوقات المحن والأسقام.
لأن القراءة غذاء الافهام والأرواح، كما أن الطعام غذاء الأبدان والأجسام وفرق ما بين الغذائين."
مما لا شك فيه أن علم الإنسان يزداد فى غالب الأحوال ككم ولكن علمه النقدى يظل فى حالة التوهان التى نعيشها فالصوفى ينتقد السلفى والسنى بنتقد الشيعى والشافعى ينتقد الحنفى ..... فنحن نكرر نفس أخطاء الماضى ونمشى جميعا فى نفس الدائرة السوء ومن ثم لا يمكن أن يكون هناك ترقى فكرى إلا بشىء واحد وهو الاحتكام إلى كتاب الله
وتحدث عما سماه الحاشية الابتكارية فقال :
"الحاشية الابتكارية
مع تطور الحواشي، وتجاوز مراحلها الأولية، وانقطاع الطالب لها سيتمخض عنها تعليقات نقدية، تنتهي إلى أفكار ورؤى وصور جديدة في الحياة العلمية والبحثية، بفضل استدامة النقد والتمعن والاعتبار، يصدق عليها أن تسمى. (الحاشية الابتكارية) التي تفجر بحوثا، ومؤلفات، وتعقبات لدى القارئ اليقظ، وتكون بمثابة التحولات المحورية في مساره العلمي، وهي تأخذ أشكالا شتى منها:
(1) إيماءات المؤلف الخفية والظاهرة إلى أشياء لم يسعفه الزمان لإنجازها، فيستنهض الهمم للكتابة والإبحار فيها، فهذه لابد أن تكون محل اهتمام القارئ النهم ذي القلم السيال, وأن يبادر إليها بدار الساعي الملهوف، لأنها كالغنيمة الباردة، التي لا يجوز التغافل عنها.
(2) جمع متفرقات كلام المؤلف في قضية ما لم يصنف فيها، إذ بعض العلماء الموسوعيين كالنووى وابن عبد البر والخطيب، وابن تيمية وابن حجر وابن القيم، وأشباههم، لديهم قضايا خاضوا فيها خوضا عظيما، وألمحوا إلى فرائد فكرية تجاهها، وهي متفرقة في مصنفاتهم الطويلة، وبالإمكان جمعها وإبرازها في مؤلف واحد، يعلق عليها ويكشف ويقدم للساحة العلمية.
(3) الوقوف على تناقضات عالم معين، أو مآخذ عليه، بحيث يصحح الخطأ الشائع، أو الأثر التاريخي المغلوط. وهذا ظاهر في الموسوعيين أرباب النصانيف الغزيرة السيارة.
(4) تناول نظائر المسائل وأشباه الموضوعات التي تعرف بأخواتها أو بأصندادها مما لم يشر إليه المصنف صاحب الأصل، فيكون مثل ذلك مهمازا للاعتناء بمثيلاتها وأخواتها، ومثل ذلك يدرك بالفهم المعرفي والغزارة البحثية.
(5) تجريد فرائد وفوائد الكتب الضخمة والمطولات نحو التمهيد والمجموع والمغني والمبسوط، وفتح الباري، وفتاوى ابن تيمية، وتهذيب الكمال وشرح الإحياء وكتب التواريخ لابن جرير وابن الأثير وابن الجوزي وابن كثير وابن خلدون وأمثالها من الكتب الزاخرة بمحاسن الفكر والفوائد، التي تحتاج إلى من يستخرجها، ويهيئها للأنام، حيث عجزت الهمم، وشاخت العزائم المعاصرة."
الحاشية الابتكارية ليس بذكر نصوص هذا وذلك فى الكتب فى مكان ما والترجيح بينها وإنما بذكر الآراء مختصرة غير منسوبة ومناقشتها عبر كتاب الله ولكن الموجود أن فلان قال وعلان رد عليه فقال وعلان رد عليهم فقال وهذه عملية جمع لا تفيد صاحبها ولا تفيد من يقرأها
ومن ثم فالقول هو أن نشر كتاب فى موضوع معين يجمع الأراء دون نقل نفس الرأى من عشرات الكتب وإنما المسألة قيل فيها واحد اثنين.. وتتم مناقشة كل رأى فيها من كتاب الله أو من الواقع الحق ولا يتم نقل الردود المتعددة لأن الغرض هو بيان ألأدلة وليس تكرار نفس النصوص والتى غالبا ما ينقلونها عن بعضهم البعض
وتحدث عن حواشى المتون المحفوظة فقال :
"حواشي المتون المحفوظة
جرت العادة أن يقدم التلاميذ ابتداء، على حفظ المتون العلمية التي تضيق عباراتها، ولا تطول صفحاتها، وتكون مستوعبة لرءوس مسائل ذلك الفن، فقها كان أو عقيدة أو حديثا، أو أصولا، وأثناء الحفظ تمر مصطلحات لا يلم بها التلميذ ويجهلها تماما.
وللخلاص من هذه المشكلة لابد من اعتماد التحشية، بل نراها هنا ضرورية، لتعين على الحفظ والفهم والنجابة.
وإن كان المعول عليه النص هنا، لكن لا بأس من التعليق شيئا يسيرا يفك أغلال المتن، ويثير انتباه التلميذ الحافظ، بحيث كلما حفظ مقطعا علميا، علق على هامشه بيان غامضه وخفيه وغريبه.
فلا يفرغ من المتن إلا وقد حفظه قليبا، واستوعبه ذهنيا، وبات ضابطا حاذقا لأغلب مسائله ثم ينتقل إلى شروحه البهيجة، التي تتناسب مع قدراته العلمية والعقلية.
وننبه في الحواشي المثبتة على أمور منها:
(1) عدم إطالتها، بحيث لا تستغرق وقتا، يشغل عن الحفظ، ويكتفي مع الاختصار بالفهم العام لها.
(2) اعتبار النص المحفوظ هو الأصل هنا، وتلك للايضاح وفك الإبهام.
(3) قصرها على الايضاح الضروري، والحل الاحتياجي، بحيث لا يكون فيها فسحة تعليقيه، أو ميول ذاتية للنقل، تصرف عن المتن المراد حفظه."
والاشتغال بالمتون التى يسميها علمية هى مصيبة لأنها تبعد المسلم عن أساس الدين وهو كتاب الله إلى كتب البشر والتى أصبحت عند أهل المذاهب أهم من كتاب الله فهم يتجادلون بالروايات تاركين كتاب الله فى معظم الكتب وفى معظم المسائل
وتحدث عن أن تعليثات البعض فى هوامش الكتب يعتبرها البعض قذارة فقال :
" والنظافة
يزعم بعض القراء والمهتمين بالشأن العلمي، أن حمل القلم والتخطيط وتعليق الحواشي، ضرب من امتهان الكتب وتوسيخها، وأنها تصبح كالمتاع المهمل، والضيعة المغبرة، بسبب كثرة الخربشات واستدامة التخطيطات.
ويرون الأمثل إبقاء الكتاب نظيفا بلا تخطيط، فضلا عن التحشية والتعليق.!!
ومع احترامنا لوجهة النظر هذه، إلا أنها عرية علما وفكرا، وواقعا فلم يقم الدليل عند الأئمة قبلنا إلا على التحشية وعدم إهمال الكتاب بلا تعليق، بل يرون أنه بلا تعليق مظلم غير مجد ولا مفيد، والتعليق عليه يغلي ثمنه عند صاحبه، بحيث يصبح كنزا باهظ الثمن، وعالي المكانة، يكلفه حفظه وصيانته، لأنه جمع عليه عقود الزبر جد ونقشه بلآلي الجوهر والمرجان.
كما قال بعضهم ظانا بالكتاب:
لصيق فؤادي منذ عشرين حجة وصيقل ذهني والمفرج عن همي
عزيز على مثلي إعارة مثله لما فيه من علم كبير ومن فهم
جموع لأنواع العلوم بأسرها ... فأخلق به ألا يفارقه كمي
وقال أبو الحسن الفالي، وقد اضطرته الفاقة لبيع جمهرة ابن دريد.
أنست بها عشرين حولا وبعتها لقد طال وجدي بعدها وحنيي
وما كان ظني أنني سأبيعها ولو خلدتني في السجون ديوني
وقد وجدت هذي الأبيات معلقة على النسخة.
والمحصل أن شأن الكتب عند أربابها كشأن الأموال والنفائس، بل أجل وأعظم، فكيف إذا حوت الحواشي الزهرية، والتعليقات الندية، سيكثر الاعتناء، وتبرز المسئولية والصيانة.
فادعاء نظافة الكتاب بلا تحشية مغالطة واضحة، ستؤدي إلى خلط أوراق القارئ، وعدم تمييزه بين ما اشتراه، وقرأه وما لم يقرأه.
ومن كان يخشى من القلم الجاف الذي لا يمحى، فعليه بالقلم الرصاص الذي يمحى ويضاف عليه.
وأما من حيث الواقع، فإن الفهم والإتقان، يتم ويحصل بالتعليق والحواشي، ويظهر صورة جدية للاهتمام والتعطش العلمي ولازال أكثر الناس ينهج التخطيط بالقلم على الأشياء المهمة، وإن لم يكتب شيئا ولكن ليعلم نفسه، ويضاعف تركيزه، ويعلي حماسته النقدية.
وهي شكل حضاري، يوحي بحسن التفاعل مع الكتاب ومؤلفه، بحيث لا ينتهي إلا وقد أحاط بمضمونه، ووعى مقصده، ومحتواه في الغالب."
وهذا كلام يدخلنا فى أمر لا فائدة منه فالكتاب المشترى من مال الفرد هو حر فيه يكتب ما يريد فيه أو يخطط فيه كما يريد ,اما كتب المكتبات العامة فيجب ألا يصنع فيها كذلك لأن لو سمح فيها بهذا الكلام فهو اعتداء على حقوق بقية القراء بمعنى أنه إذا علق خمسة مثلا فملئوا الهوامش أضاعوا حق البقية التى تريد الكتاب نظرا لانتهاء الهوامش ومن ثم الأصلح ترك الكتب العامة دون تعليق ومن أراد أن يعلق فليكتب الفقرة التى يعلق عليها ويكتب تعليقه فى ورقة خارجية ويحتفظ بهم أو ينشرهم
وتحدث عن الحاشية الملخصة فقال :
الحاشية الملخصة
"ثمة حواش، يلجأ إليها المرء بقصد الفهم والاستيعاب، وهي ترتكز على التخطيط وتبسيط كلام المؤلف، وتجريد فوائده على هيئة عناوين أو كلمات في سطور يسيرة كالتالي:
(1) أسامي علماء نوادر.
(2) تواريخ مهمة.
(3) حوادث مفصلية.
(4) حكم وأشعار جميلة.
(5) كلمات مشجعة مرصعه.
(6) قواعد منهجية في العلوم والأفكار.
وأشباهها:
فهذه تسمى (حاشية ملخصة)، أو متصرفة، بحيث يقوم القارئ بتلخيص كلام المؤلف ليعيه ويضبطه، أو ليذكر نفسه بالموضوع، بحيث يحسن الترابط العقلي، ولا ينبت عن أصل الكتاب.
والحاشية الملخصة لا تعتبر إضافة للكتاب ولكنها مسلك لفهمه وتعلمه وتذكير بمراميه، ومضمونه، بحيث يستفيد منها القارئ لوعي الكتاب ابتداء، ولمعرفة رءوس مسائل إذا هجره، ثم عاد إليه مرة أخرى."
هذه الحاشية التى يتحدث عنها اسمها جمع معلومات ويمكن الاستغناء عن كتابتها فى الهامش بكتابتها فى كراس أو كشكول خارجى للعودة إليه أسرع لأن وجودها داخل كتاب قد ينسى الإنسان اسمه يجعله يضيع وقته فى التفتيش عنها وحتى إن وجد الكتاب لابد أن يقلب صفحاته للوصول للمعلومات وأما الكشكول فسيعود إليه سريعا
وتحدث عن الحاشية المفهرسة فقال :
"الحاشية المفهرسة
وهي نوع من الشكل التنظيمي للتحشية والقراءة، بحيث يمكن أن تتحول الحاشية إلى عمل علمي عظيم منتج، عبارة عن (فهرسة علمية) لا سيما المطولات ككتب التواريخ والسير والأدب والرجال والأسانيد وأشباهها، التي يمكن أن تحشى أذيالها بفهارس خاصة، أو يجرد دفترا مخصوصا لتلك الفوائد المنتقاة، بحيث تجمع موضوعات محددة:
أو حكما خاصة.
أو أبيات جميلة في موضوع معين.
أو قضية حديثية أو فقهية.
أو مناظرات علمية.
أو طرائف مجموعة.
أو مواقف متشابهة، ترجع لنظر القارئ وبصيرته .. وكم من موضوعات جردت من مطولات واثمرت مجلدة نافعة .. نحو ما صنع اشيخ العلامة بكر أبوزيد في كتابه (النظائر) حيث وجمع أربع قضايا وهي:
1) العزاب.
2) التحول المذهبي: ذكر من تحول عن مذهبه الفقهي.
3) التراجم الذاتية، تعتني بكل عالم كتب عن نفسه.
4) لطائف الكلم في العلم.
وقد جاء الكتاب بهيا محل قبول العلماء والقراء، لأنه مقصد تأليفي صحيح وهو جمع المتفرق الذي ليس في خانة واحدة بل في كتب شتى، ومصنفات مختلفة وتستغرق أوقات.!!
وقد قال بعض الكتاب عن وحدة موضوعية جمعها، وقدمها للناس على طبق من ذهب، هذا (نتاج قراءة عشرين سنة).
ولولا الفهرسة والتقييد وتصنيف القراءة، لطارت هذه الفوائد مع طيران الذاكرة، وانشغال النفس بما يلهى ويغري!!
ولذلك لا بد للفهرس أن تتسم بما يلي:
1) الجد وأخذ الأمور بمصداقية مسئولة.
2) حسن الكتابة، والتصنيف، وعدم الخلط.
3) الحفظ والرعاية، ودقة المراجعة لمحتوياتها.
4) تحديد الموضوعات، بحيث كلما عنت فكرة جديدة سجلها، وأفرد لها فهرسة خاصة في (كشكول خاص).
نعم في البداية قد يتبدئ على (كراس واحد) لكل الفوائد، ولكن إذا لاحظ كثرة المقيدات، فليسارع حينها بالتحديد، وفصل كل موضوع على حدة، بحيث يثمر الجهد، ولا يذهب سدى.
5) تحديد مقياس زمني، لتأمل تلك المفهرسات، ولملمتها، وفرزها وتقديم ما حسن منها للنشر والإلقاء والمشاركة العلمية.
وتشبه هذه الفهرسة بعض مناحي الرسائل الجامعية، التي تسبق بقراءة عميقة مصنفة، وفهرسة تعتمد نظام البطاقات وماشابه ذلك، ولهذا الكتب الضخمة والمطولات في المكتبة الاسلامية، موطئ خصيب لاستخراج الدرر والفوائد، ذات الوحدة الموضوعية.
نحو كتب الشروح والرجال والتواريخ والسير، والفقه المقارن، والأدب والمعاجم وغيرها.
وأشيد هنا بعمل الدكتور/ محمد موسى الشريف في كتابة (نزهة الفضلاء) الذي عمد فيه إلى كتاب (سير أعلام النبلاء) وهذبه ورتبه وموضوعاته وفهرسها، بحيث يكون قريبة التناول، أمام الطالب والباحث والمحاضر، جزاه الله خيرا.
وهذه الطريقة، من فوائدها، تقريب مطولات الكتب في زبد مختصره، ذات بعد موضوعي محدد."
وهذه الحاشية كما سيبق القول حاشية مطلوبة حيث يتم تجميع ما ورد فى موضوع ما من كتب مختلفة ونشره فى الموضوع وهذه الحواشى تكون فى كشاكيل يختص كل منها بموضوع والأسهل منها حاليا هو تصوير الفقرات من الكتب ووضع الصفحات المصورة فى حافظة وهى بذلك لا تضيع الوقت فى كتابة الفقرات فى الكشاكيل بالقلم