"لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما"المعنى لا يتساوى الجالسون من المسلمين غير أصحاب العجز والمقاتلون فى نصر دين الله بأملاكهم ميز الله المقاتلين بأملاكهم وأنفسهم على الجالسين ميزة وكلا أخبره الله بالجنة وميز الله المقاتلين على الجالسين ثوابا كبيرا رحمات منه أى عفو أى فضل وكان الله عفوا نافعا،يبين الله للنبى(ص) أن القاعدين من المؤمنين وهم المتخلفون عن الجهاد من المصدقين بحكم الله لا يتساوون فى الثواب مع المجاهدين فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وهم المحاربين لنصر دين الله بالتبرع بأملاكهم وذواتهم ويستثنى الله من القاعدين أولى الضرر وهم أصحاب العجز أى العاهات التى تمنعهم من الجهاد ،ويبين لهم أنه فضل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وفسرها بأنها أجرا عظيما والمراد أنه ميز المقاتلين بأملاكهم وذواتهم على الجالسين بميزة هى أن المجاهدين فى أعلى منزلة بالجنة والقاعدين فى المنزلة الأقل فى الجنة ويبين الله لهم أنه وعد الفريقين بالحسنى والمراد أنه أخبر الفريقين بدخولهم الجنة وفسر الله الدرجة بأنها الأجر العظيم أى المغفرة أى الرحمة وهى سكنهم فى أعلى منزلة فى الجنة ويبين لنا أنه غفور أى عفو عن المؤمنين رحيم أى نافع لهم والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده .
"إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الأنفال"ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة"فظالمى أنفسهم هم الذين كفروا وقوله"فأولئك مأواهم جهنم"يفسره قوله بسورة الكهف"إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا"فمأوى الكفار هو النزل وقوله "وساءت مصيرا"يفسره قوله بسورة الفرقان"إنها ساءت مستقرا ومقاما"فمصيرا تعنى مستقرا أى مقاما والمعنى إن الذين تميتهم الملائكة خاسرى أنفسهم قالوا فى ما عشتم؟قالوا كنا مستذلين فى البلاد قالوا ألم تكن بلاد الله كثيرة فتتنقلوا إلى بعضها فأولئك مقامهم النار وقبحت مقاما، يبين الله للمؤمنين أن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم والمراد أن الذين تنقلهم الملائكة من الدنيا إلى عالم الغيب تسألهم الملائكة:فيم كنتم ؟والمراد كيف عشتم فى الدنيا؟فيجيبون:كنا مستضعفين فى الأرض والمراد كنا أذلاء فى البلاد من السادة نتبع كفرهم فتقول الملائكة لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها والمراد ألم تكن بلاد الله كثيرة فتنتقلوا إلى إحداها حيث الأمن ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن من يخاف على ضياع إسلامه فى بلد يجب عليه أن يهاجر لبلد أخر يجد فيه الأمان على إسلامه ،ويبين الله لهم أن مأوى الظالمين وهو مكان تواجدهم هو جهنم وهى النار ويصف مصيرهم وهو معيشتهم بأنها سيئة أى قبيحة .
"إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا"يفسر قوله "عسى الله أن يعفو عنهم " قوله بسورة التحريم"عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم"فيعفو تعنى يكفر سيئاتهم والمعنى يدخل القوم النار إلا الأذلاء من الذكور والإناث والأطفال لا يقدرون على مكر أى لا يجدون مخرجا أولئك عسى الله أن يرحمهم الله وكان الله توابا رحيما ،يبين الله للمؤمنين أن النار هى مصير الذين لا يهاجرون حفظا لإسلامهم إلا المستضعفين وهم الأذلاء أى الواهنين من الرجال وهم الذكور والنساء وهن الإناث والولدان وهم الأطفال الذين لا يستطيعون حيلة والمراد لا يقدرون على تدبير مكر يهربون به إلى أرض الأمان وفسر هذا بأنهم لا يهتدون سبيلا والمراد لا يجدون طريقا يهربون منه لأرض الأمان حفاظا على إسلامهم وهؤلاء يعفو الله عنهم أى يغفر الله لهم أى يرحمهم حيث يدخلهم الجنة ويبين لهم أنه عفو أى غفور والمراد نافع مفيد للمستضعفين بإدخالهم الجنة .
"ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما"المعنى ومن ينتقل لنصر دين الله يلق فى البلاد أرزاقا كثيرة أى غنى ومن يطلع من مسكنه منتقلا إلى الله ونبيه(ص) ثم تلحقه الوفاة فقد وجب ثوابه على الله وكان الله عفوا نافعا،يبين الله لمن يهاجر أن من يهاجر فى سبيل الله والمراد من ينتقل من بلده إلى بلد أخرى لنصر دين الله يجد فى الأرض مراغما كثيرة أى سعة والمراد يلق فى البلد التى انتقل لها أرزاق كبيرة أى غنى ،ويبين لهم أن من يخرج مهاجرا إلى الله ورسوله(ص)والمراد أن من يترك مسكنه منتقلا إلى دولة فيها يطبق حكم الله المنزل على نبيه(ص)ثم يدركه الموت أى ثم تلحقه الوفاة أثناء أو بعد انتقاله للدولة فقد وقع أجره على الله والمراد فقد وجبت رحمته بإدخاله الجنة على الله ،ويبين الله أنه غفور رحيم أى نافع مفيد للمهاجر بالجنة .
"وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا "المعنى وإذا سعيتم فى البلاد فليس عليكم عقاب أن تمتنعوا عن الصلاة إن خشيتم أن يردكم الذين كذبوا عن دينكم إن الكاذبين كانوا لكم كارها معروفا ،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا ضربوا فى الأرض والمراد إذا سافروا فى البلاد فليس عليهم جناح أى عقاب إن فعلوا التالى :قصروا من الصلاة أى امتنعوا عن أداء الصلاة وهى طاعة أحكام الإسلام وذلك إن خافوا أن يفتنهم الذين كفروا والمراد إن خشوا أن يؤذيهم الذين كذبوا بالوحى فيردوهم بالتعذيب عن دينهم ،ويبين لهم أن الكافرين وهم المكذبين بحكم الله عدو مبين أى كاره كبير لهم وهذا يعنى وجوب الحذر منهم والخطاب للمؤمنين.
"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة الأحزاب"وأعد للكافرين عذابا أليما"فمهينا أى أليما والمعنى وإذا كنت معهم فأممت لهم الصلاة فلتصل جماعة منهم معك وليمسكوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليصبحوا من خلفكم ولتجىء جماعة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليعملوا احتياطهم وأسلحتهم ،أحب الذين كذبوا لو تسهون عن أسلحتكم وأرزاقكم فيهجمون عليكم هجوما واحدا ولا عقاب عليكم إن كان بكم ضرر من مطر أو كنتم عليلين أن تتركوا سلاحكم واعملوا احتياطكم إن الله جهز للكاذبين عقابا مذلا،يخاطب الله رسوله(ص)فيبين له أنه إذا كان مع المسلمين ثم أقام لهم الصلاة أى أم لهم الصلاة والمراد قادهم فى الصلاة فيجب أن تقوم طائفة منهم معه أى أن تصلى جماعة من المسلمين معه بشرط أن يأخذوا أسلحتهم والمراد أن يمسكوا سلاحهم فإذا سجدوا والمراد صلوا فعلى الطائفة الأخرى أن تكون من ورائهم أى أن تقف خلفهم والمراد أن تقوم بحراستهم وهذا يعنى أن الجيش ينقسم إلى فريقين الأول يصلى مع الإمام والثانى يحرسه حتى لا يؤذيه العدو وعلى الفريق الأول جلب سلاحه معه فى الصلاة وبعد انتهاء الطائفة الأولى من صلاتها تأت الطائفة الثانية وهى الجماعة الثانية التى كانت تحرس فلم تصلى حتى يصلوا أى يسجدوا مع النبى(ص) أو الإمام وعليهم أخذ الحذر وهو السلاح معهم أثناء الصلاة وهذا يعنى أن الفريق الثانى يترك الحراسة بعد أن يأخذ الفريق الأول مواقع الحراسة بعد انتهاء صلاته ويأتى حاملا سلاحه للصلاة مع الإمام وهذا يعنى أن كل فريق يصلى صلاة واحدة والإمام وحده هو الذى يصلى الصلاة صلاتين بالفريقين ،ويبين الله للمؤمنين أن الذين كفروا وهم الذين كذبوا بحكم الله ودوا أى تمنوا التالى :لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم والمراد لو تسهون أى تغيبون عن سلاحكم وأموالكم ولو حدث ذلك فإنهم سيميلون ميلة واحدة والمراد سيهجمون على المسلمين هجوما واحدا يقتلونهم فيه قتلا تاما ،ويبين الله للمؤمنين أن لا جناح عليهم والمراد لا عقاب يقع عليهم إن وضعوا أسلحتهم أى تركوها فى الحالة التالية :كان بهم أذى من مطر أى ضرر من ماء السحاب أو كانوا مرضى أى مصابين بالأوجاع ولكن عليهم أن يأخذوا حذرهم أى يعملوا احتياطهم وهو وجود حراسة تراقب المكان من الأصحاء ،ويبين لهم أنه أعد للكافرين عذابا مهينا أى أعد للمكذبين بالوحى العقاب الشديد والخطاب حتى كلمة ود للنبى(ص)وما بعده للمؤمنين وما بعده
"فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا"المعنى فإذا أنهيتم الصلاة فأطيعوا حكم الله وقوفا وجلوسا وعلى مراقدكم أى إذا أمنتم فأدوا الطاعة لله إن الطاعة كانت على المصدقين بالوحى حكما واجبا،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا قضوا الصلاة والمراد إذا انتهوا من أداء الصلاة بشكلها المعروف فعليهم التالى :ذكر الله وهو طاعة حكم الله قياما أى وهم على أرجلهم ثابتين أو سائرين وقعودا أى وهم جلوس وعلى جنوبهم أى وهم راقدين على أى جنب منهم يمينا ويسارا وبطنا وظهرا وهذا يعنى أن المسلم يطيع حكم الله فى كل أحواله الجسمية وفسر الله هذا بأنهم إذا اطمأنوا والمراد إذا أمنوا على أنفسهم من الأذى فعليهم أن يقيموا الصلاة أى الدين مصداق لقوله تعالى بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"والمراد أن يطيعوا حكم الله والسبب هو أن الصلاة أى طاعة الدين كانت على المؤمنين أى المصدقين بحكم الله كتابا موقوتا أى فرضا مفروضا أى حكما واجبا .
"ولا تهنوا فى ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما "يفسر قوله"وترجون من الله ما لا يرجون" قوله تعالى بسورة البقرة"يرجون رحمة الله"فالمرجو من الله هو الرحمة والمعنى ولا تضعفوا فى طلب الكفار إن تكونوا تتوجعون فإنهم يتوجعون كما تتوجعون وتريدون من الله الذى لا يريدون وكان الله خبيرا قاضيا ،ينهى الله المؤمنين فيقول :لا تهنوا فى ابتغاء القوم والمراد لا تضعفوا عن مطاردة العدو متعللين بأنكم تتألمون من الجراح والإصابات ،ويبين لهم أنهم إن كانوا يألمون أى يتوجعون فالعدو يتألمون أى يتوجعون مثلهم وهذا يعنى تساويهم فى الألم أضف لهذا أن المؤمنين يرجون من الله ما لا يرجون والمراد أن المسلمين يريدون من الله الرحمة فى الآخرة التى لا يريدها العدو وهذا القول يبين لنا أن الحرب لا يجب أن تتوقف على معركة وإنما كل معركة غير محسومة ينبغى أن يليها على الفور معركة أخرى للقضاء على العدو وهو فى نفس حالتنا من الألم ،ويبين لهم أنه عليم أى خبير بكل شىء حكيم أى قاضى يقضى بالحق والخطاب للمؤمنين المجاهدين.
"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما"يفسر قوله"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" قوله تعالى بسورة فاطر"والذى أوحينا إليك من الكتاب هو الحق"فأنزلنا تعنى أوحينا وقوله "لتحكم بين الناس بما أراك الله"يفسره قوله بسورة المائدة"فاحكم بينهم بالقسط"فما أراه الله هو القسط وقوله "ولا تكن للخائنين خصيما "يفسره قوله بسورة القصص"فلا تكونن ظهيرا للكافرين"فالخصيم هو الظهير والخائنين هم الكافرين والمعنى إنا أوحينا لك الوحى بالعدل لتفصل بين الخلق بما علمك الله ولا تصبح للمخادعين نصيرا ،يبين الله لرسوله(ص)أنه أنزل له الكتاب بالحق والمراد أنه أوحى له الوحى بالعدل وهو حكم الله والسبب أن يحكم بين الناس بما أراه الله والمراد أن يفصل فى قضايا الخلاف بين الخلق بالذى عرفه الله من حكمه وينهاه أن يكون خصيم للخائنين أى أن يصبح ناصر للمخادعين للمؤمنين ومن ثم يجب عليه أن يتحرى العدل حتى لا يظلم أحدا والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده وما بعده.
"واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما "المعنى واستعفى الله إن الله كان عفوا نافعا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يستغفره والمراد أن يطلب منه العفو عن ذنبه وهو مناصرة الخائنين ويبين له أنه غفور رحيم أى عفو عن الذنب للمستغفر نافع له برحمته .
"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما"يفسر قوله "إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما" قوله تعالى بسورة البقرة"والله لا يحب كل كفار أثيم "وقوله بسورة الحج"إن الله لا يحب كل خوان كفور"فالخوان الأثيم هو الكفور والمعنى ولا تدافع عن الذين يخدعون أنفسهم إن الله لا يرحم كل كفور مجرم،ينهى الله نبيه(ص)عن الجدال عن الذين يختانون أنفسهم والمراد عن الدفاع عن الذين يخدعون أنفسهم حيث يحسبون سيئاتهم حسنات والمراد هنا خاصة سيئة ظلم الغير وهى هنا اتهامهم بالباطل برىء بجريمة لم يرتكبها ويبين له أنه لا يحب كل خوان أثيم والمراد لا يرحم كل كافر مكذب حيث يدخله النار.
"يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة يونس " والله عليم بما يفعلون"فيعملون تعنى يفعلون ومحيطا تعنى عليما والمعنى يستترون من البشر ولا يستترون من الله وهو عالم بهم إذ ينوون الذى لا يبيح من الحديث وكان الله بالذى يفعلون خبيرا،يبين الله لنبيه(ص)أن الخائنين يستخفون من الناس والمراد يخافون من المسلمين فيقولون فى السر ما لا يرضى الله من القول وهو الذى يرفضه الله من الحديث وهم لا يستخفون من الله والمراد وهم لا يخافون من عذاب الله الذى هو معهم إذ يبيتون قولهم والمراد الذى هو عالم بهم حين ينوون فعل ما قالوه فى حديثهم ،ويبين له أنه محيط بما يعملون والمراد خبير بالذى يفعلون وسيحاسبهم عليهم .
"ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا"المعنى ها أنتم حاججتم عن الخائنين فى الحياة الأولى فمن يحاجج عنهم يوم البعث أى من يصبح لهم نصيرا ؟يبين الله للمؤمنين أنهم جادلوا عن الخونة فى الحياة الدنيا والمراد أنهم دافعوا عن الخونة بشدة فى الحياة الأولى نتيجة خداع الخونة لهم ويسألهم من يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا والمراد من يدافع عن الخونة يوم البعث أى من يصبح ناصرا لهم؟ والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أنهم على باطل بدفاعهم عن الخونة الذين لن يجدوا فى يوم البعث مدافعا عنهم أى نصيرا لهم أى شافعا لهم ومن ثم عليهم أن يستغفروا الله لذنبهم فى الدفاع عن الخونة والخطاب للمؤمنين.
"ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما "يفسر قوله "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه" قوله تعالى بسورة النساء"من يكسب إثما"فيعمل تعنى يكسب وسوء أى ظلم تعنى إثم وقوله "ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم"فيستغفر تعنى يتوب ووجدان الله غفور هو توبة الله عليهم والمعنى ومن يفعل ذنبا أى يخسر نفسه ثم يستعفى الله يلق الله عفوا نافعا،يبين الله للمؤمنين أن من يعمل سوءا أى يظلم نفسه والمراد يفعل ذنبا ثم يستغفر الله أى ثم يتوب إلى الله يجد الله غفورا رحيما والمراد يلق الله توابا نافعا له والخطاب وما بعده للناس وما بعده .
"ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما"يفسر قوله "ومن يكسب إثما" قوله تعالى بسورة البقرة"من يكسب خطيئة"فإثما تعنى خطيئة والمعنى ومن يعمل سيئة فإنما يتحمل عقابه بنفسه وكان الله خبيرا قاضيا،يبين الله للمؤمنين أن من يكسب إثما والمراد من يعمل خطيئة أى سيئة يكسبها على نفسها والمراد يذوق عقابها بنفسه ويبين لهم أنه عليم حكيم أى خبير بكل شىء قاضى يقضى بالحق.
"ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا"يفسر قوله"ومن يكسب خطيئة أو إثما" قوله تعالى بنفس السورة"ومن يعمل سوءا "فالخطيئة أى الإثم هو السوء ويكسب تعنى يعمل والمعنى ومن يعمل سيئة أى ذنبا ثم ينسبه لطاهر فقد اكتسب جرما أى ذنبا عظيما ،يبين الله للنبى(ص)أن من يكسب خطيئة أى إثم والمراد من يصنع جريمة أى ذنب ثم يرم به بريئا والمراد ثم ينسب جريمته إلى إنسان أخر لم يصنعه فقد احتمل بهتانا أى إثما مبينا والمراد فقد صنع جريمة أخرى أى ذنب كبير وهذا ما فعله الخونة حيث ارتكبوا جريمة ثم نسبوها إلى من لم يعملها .
"ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما"يفسر قوله"لهمت طائفة منهم أن يضلوك" قوله تعالى بسورة الإسراء"وإن كادوا ليفتنوك عن الذى أوحينا إليك"فهمت تعنى كادوا ويضلوك تعنى يفتنوك عن الوحى وقوله"وما يضلون إلا أنفسهم "يفسره قوله بسورة البقرة"وما يخدعون إلا أنفسهم "فيضلون تعنى يخدعون وقوله "وما يضرونك من شىء"يفسره قوله بسورة المائدة"والله يعصمك من الناس"فلا يضرونك تعنى أن الله يعصمه من ضرر الناس وقوله "وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم"يفسره قوله بسورة الشورى"وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا"فالكتاب أى الحكمة أى العلم هو القرآن وتفسيره والمعنى ولولا رأفة الله بك أى نفعه لك لكادت جماعة منهم أن يبعدوك عن دينك وما يبعدون إلا أنفسهم عن الإسلام وما يؤذونك بأذى وأوحى الله لك الحكم أى الوحى أى عرفك الذى لم تكن تعرف وكانت نعمة الله عليك كبرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن لولا فضل الله عليه وهو رحمته به أى رأفته به أى نفعه له بإعلامه بمكيدة الخونة لحدث التالى :همت طائفة منهم أن يضلوه عن الحق والمراد كادت جماعة من الخونة أن يبعدوه عن دين الله ،ويبين له أنهم ما يضلون إلا أنفسهم والمراد ما يخدعون إلا أنفسهم وبألفاظ أخرى ما يهلكون إلا أنفسهم ببعدهم عن الحق ،ويبين له أنهم ما يضرونه بشىء والمراد ما يؤذونه بعض الأذى وهذا يعنى أن الله حماه من أذاهم الجسدى،ويبين له أن أنزل عليه الكتاب أى الحكمة وهو العلم الذى لم يكن يعلمه والمراد أن الله أوحى له القرآن وهو حكم الله أى المعرفة التى لم يكن يعرفها من قبل ،ويبين له أن فضله كان عليه عظيما والمراد أن عطاء الله له كان كثيرا مصداق لقوله تعالى بسورة الكوثر"إنا أعطيناك الكوثر" والخطاب للنبى(ص).
"لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما"يفسر قوله"ابتغاء مرضات الله" قوله تعالى بسورة الإسراء"ابتغاء رحمة من ربك"فمرضات تعنى رحمة الله وقوله"نؤتيه أجرا عظيما"يفسره قوله بسورة الفتح"فإن تطيعوا يؤتكم أجرا حسنا"فعظيما تعنى حسنا والمعنى لا نفع فى عديد من حديثهم إلا من طالب بعطاء أو إحسان أى عدل بين الخلق ومن يصنع ذلك طلبا لرحمة الله فسوف نعطيه ثوابا حسنا،يبين الله للمؤمنين أن لا خير فى كثير من نجوى الناس والمراد أن لا فائدة فى العديد من حديث الخلق السرى إلا الأمور التالية:
من أمر بصدقة أى من طالب غيره بدفع نفقة لمن يحتاجها ،أو أمر بمعروف أى من طالب غيره بعمل خير أى أمر بإصلاح بين الناس أى من طالب بالتوفيق وهو العدل بين الخلق ،ويبين له أن من يفعل ذلك والمراد من يأمر بالصدقة أو المعروف أى الإصلاح وهو الأمر بالعدل ابتغاء مرضات الله أى طلبا لرحمة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما أى فسوف نعطيه رحمة كبرى هى الجنة والخطاب للمؤمنين.
"إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الأنفال"ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة"فظالمى أنفسهم هم الذين كفروا وقوله"فأولئك مأواهم جهنم"يفسره قوله بسورة الكهف"إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا"فمأوى الكفار هو النزل وقوله "وساءت مصيرا"يفسره قوله بسورة الفرقان"إنها ساءت مستقرا ومقاما"فمصيرا تعنى مستقرا أى مقاما والمعنى إن الذين تميتهم الملائكة خاسرى أنفسهم قالوا فى ما عشتم؟قالوا كنا مستذلين فى البلاد قالوا ألم تكن بلاد الله كثيرة فتتنقلوا إلى بعضها فأولئك مقامهم النار وقبحت مقاما، يبين الله للمؤمنين أن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم والمراد أن الذين تنقلهم الملائكة من الدنيا إلى عالم الغيب تسألهم الملائكة:فيم كنتم ؟والمراد كيف عشتم فى الدنيا؟فيجيبون:كنا مستضعفين فى الأرض والمراد كنا أذلاء فى البلاد من السادة نتبع كفرهم فتقول الملائكة لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها والمراد ألم تكن بلاد الله كثيرة فتنتقلوا إلى إحداها حيث الأمن ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن من يخاف على ضياع إسلامه فى بلد يجب عليه أن يهاجر لبلد أخر يجد فيه الأمان على إسلامه ،ويبين الله لهم أن مأوى الظالمين وهو مكان تواجدهم هو جهنم وهى النار ويصف مصيرهم وهو معيشتهم بأنها سيئة أى قبيحة .
"إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا"يفسر قوله "عسى الله أن يعفو عنهم " قوله بسورة التحريم"عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم"فيعفو تعنى يكفر سيئاتهم والمعنى يدخل القوم النار إلا الأذلاء من الذكور والإناث والأطفال لا يقدرون على مكر أى لا يجدون مخرجا أولئك عسى الله أن يرحمهم الله وكان الله توابا رحيما ،يبين الله للمؤمنين أن النار هى مصير الذين لا يهاجرون حفظا لإسلامهم إلا المستضعفين وهم الأذلاء أى الواهنين من الرجال وهم الذكور والنساء وهن الإناث والولدان وهم الأطفال الذين لا يستطيعون حيلة والمراد لا يقدرون على تدبير مكر يهربون به إلى أرض الأمان وفسر هذا بأنهم لا يهتدون سبيلا والمراد لا يجدون طريقا يهربون منه لأرض الأمان حفاظا على إسلامهم وهؤلاء يعفو الله عنهم أى يغفر الله لهم أى يرحمهم حيث يدخلهم الجنة ويبين لهم أنه عفو أى غفور والمراد نافع مفيد للمستضعفين بإدخالهم الجنة .
"ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما"المعنى ومن ينتقل لنصر دين الله يلق فى البلاد أرزاقا كثيرة أى غنى ومن يطلع من مسكنه منتقلا إلى الله ونبيه(ص) ثم تلحقه الوفاة فقد وجب ثوابه على الله وكان الله عفوا نافعا،يبين الله لمن يهاجر أن من يهاجر فى سبيل الله والمراد من ينتقل من بلده إلى بلد أخرى لنصر دين الله يجد فى الأرض مراغما كثيرة أى سعة والمراد يلق فى البلد التى انتقل لها أرزاق كبيرة أى غنى ،ويبين لهم أن من يخرج مهاجرا إلى الله ورسوله(ص)والمراد أن من يترك مسكنه منتقلا إلى دولة فيها يطبق حكم الله المنزل على نبيه(ص)ثم يدركه الموت أى ثم تلحقه الوفاة أثناء أو بعد انتقاله للدولة فقد وقع أجره على الله والمراد فقد وجبت رحمته بإدخاله الجنة على الله ،ويبين الله أنه غفور رحيم أى نافع مفيد للمهاجر بالجنة .
"وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا "المعنى وإذا سعيتم فى البلاد فليس عليكم عقاب أن تمتنعوا عن الصلاة إن خشيتم أن يردكم الذين كذبوا عن دينكم إن الكاذبين كانوا لكم كارها معروفا ،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا ضربوا فى الأرض والمراد إذا سافروا فى البلاد فليس عليهم جناح أى عقاب إن فعلوا التالى :قصروا من الصلاة أى امتنعوا عن أداء الصلاة وهى طاعة أحكام الإسلام وذلك إن خافوا أن يفتنهم الذين كفروا والمراد إن خشوا أن يؤذيهم الذين كذبوا بالوحى فيردوهم بالتعذيب عن دينهم ،ويبين لهم أن الكافرين وهم المكذبين بحكم الله عدو مبين أى كاره كبير لهم وهذا يعنى وجوب الحذر منهم والخطاب للمؤمنين.
"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة الأحزاب"وأعد للكافرين عذابا أليما"فمهينا أى أليما والمعنى وإذا كنت معهم فأممت لهم الصلاة فلتصل جماعة منهم معك وليمسكوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليصبحوا من خلفكم ولتجىء جماعة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليعملوا احتياطهم وأسلحتهم ،أحب الذين كذبوا لو تسهون عن أسلحتكم وأرزاقكم فيهجمون عليكم هجوما واحدا ولا عقاب عليكم إن كان بكم ضرر من مطر أو كنتم عليلين أن تتركوا سلاحكم واعملوا احتياطكم إن الله جهز للكاذبين عقابا مذلا،يخاطب الله رسوله(ص)فيبين له أنه إذا كان مع المسلمين ثم أقام لهم الصلاة أى أم لهم الصلاة والمراد قادهم فى الصلاة فيجب أن تقوم طائفة منهم معه أى أن تصلى جماعة من المسلمين معه بشرط أن يأخذوا أسلحتهم والمراد أن يمسكوا سلاحهم فإذا سجدوا والمراد صلوا فعلى الطائفة الأخرى أن تكون من ورائهم أى أن تقف خلفهم والمراد أن تقوم بحراستهم وهذا يعنى أن الجيش ينقسم إلى فريقين الأول يصلى مع الإمام والثانى يحرسه حتى لا يؤذيه العدو وعلى الفريق الأول جلب سلاحه معه فى الصلاة وبعد انتهاء الطائفة الأولى من صلاتها تأت الطائفة الثانية وهى الجماعة الثانية التى كانت تحرس فلم تصلى حتى يصلوا أى يسجدوا مع النبى(ص) أو الإمام وعليهم أخذ الحذر وهو السلاح معهم أثناء الصلاة وهذا يعنى أن الفريق الثانى يترك الحراسة بعد أن يأخذ الفريق الأول مواقع الحراسة بعد انتهاء صلاته ويأتى حاملا سلاحه للصلاة مع الإمام وهذا يعنى أن كل فريق يصلى صلاة واحدة والإمام وحده هو الذى يصلى الصلاة صلاتين بالفريقين ،ويبين الله للمؤمنين أن الذين كفروا وهم الذين كذبوا بحكم الله ودوا أى تمنوا التالى :لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم والمراد لو تسهون أى تغيبون عن سلاحكم وأموالكم ولو حدث ذلك فإنهم سيميلون ميلة واحدة والمراد سيهجمون على المسلمين هجوما واحدا يقتلونهم فيه قتلا تاما ،ويبين الله للمؤمنين أن لا جناح عليهم والمراد لا عقاب يقع عليهم إن وضعوا أسلحتهم أى تركوها فى الحالة التالية :كان بهم أذى من مطر أى ضرر من ماء السحاب أو كانوا مرضى أى مصابين بالأوجاع ولكن عليهم أن يأخذوا حذرهم أى يعملوا احتياطهم وهو وجود حراسة تراقب المكان من الأصحاء ،ويبين لهم أنه أعد للكافرين عذابا مهينا أى أعد للمكذبين بالوحى العقاب الشديد والخطاب حتى كلمة ود للنبى(ص)وما بعده للمؤمنين وما بعده
"فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا"المعنى فإذا أنهيتم الصلاة فأطيعوا حكم الله وقوفا وجلوسا وعلى مراقدكم أى إذا أمنتم فأدوا الطاعة لله إن الطاعة كانت على المصدقين بالوحى حكما واجبا،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا قضوا الصلاة والمراد إذا انتهوا من أداء الصلاة بشكلها المعروف فعليهم التالى :ذكر الله وهو طاعة حكم الله قياما أى وهم على أرجلهم ثابتين أو سائرين وقعودا أى وهم جلوس وعلى جنوبهم أى وهم راقدين على أى جنب منهم يمينا ويسارا وبطنا وظهرا وهذا يعنى أن المسلم يطيع حكم الله فى كل أحواله الجسمية وفسر الله هذا بأنهم إذا اطمأنوا والمراد إذا أمنوا على أنفسهم من الأذى فعليهم أن يقيموا الصلاة أى الدين مصداق لقوله تعالى بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"والمراد أن يطيعوا حكم الله والسبب هو أن الصلاة أى طاعة الدين كانت على المؤمنين أى المصدقين بحكم الله كتابا موقوتا أى فرضا مفروضا أى حكما واجبا .
"ولا تهنوا فى ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما "يفسر قوله"وترجون من الله ما لا يرجون" قوله تعالى بسورة البقرة"يرجون رحمة الله"فالمرجو من الله هو الرحمة والمعنى ولا تضعفوا فى طلب الكفار إن تكونوا تتوجعون فإنهم يتوجعون كما تتوجعون وتريدون من الله الذى لا يريدون وكان الله خبيرا قاضيا ،ينهى الله المؤمنين فيقول :لا تهنوا فى ابتغاء القوم والمراد لا تضعفوا عن مطاردة العدو متعللين بأنكم تتألمون من الجراح والإصابات ،ويبين لهم أنهم إن كانوا يألمون أى يتوجعون فالعدو يتألمون أى يتوجعون مثلهم وهذا يعنى تساويهم فى الألم أضف لهذا أن المؤمنين يرجون من الله ما لا يرجون والمراد أن المسلمين يريدون من الله الرحمة فى الآخرة التى لا يريدها العدو وهذا القول يبين لنا أن الحرب لا يجب أن تتوقف على معركة وإنما كل معركة غير محسومة ينبغى أن يليها على الفور معركة أخرى للقضاء على العدو وهو فى نفس حالتنا من الألم ،ويبين لهم أنه عليم أى خبير بكل شىء حكيم أى قاضى يقضى بالحق والخطاب للمؤمنين المجاهدين.
"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما"يفسر قوله"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" قوله تعالى بسورة فاطر"والذى أوحينا إليك من الكتاب هو الحق"فأنزلنا تعنى أوحينا وقوله "لتحكم بين الناس بما أراك الله"يفسره قوله بسورة المائدة"فاحكم بينهم بالقسط"فما أراه الله هو القسط وقوله "ولا تكن للخائنين خصيما "يفسره قوله بسورة القصص"فلا تكونن ظهيرا للكافرين"فالخصيم هو الظهير والخائنين هم الكافرين والمعنى إنا أوحينا لك الوحى بالعدل لتفصل بين الخلق بما علمك الله ولا تصبح للمخادعين نصيرا ،يبين الله لرسوله(ص)أنه أنزل له الكتاب بالحق والمراد أنه أوحى له الوحى بالعدل وهو حكم الله والسبب أن يحكم بين الناس بما أراه الله والمراد أن يفصل فى قضايا الخلاف بين الخلق بالذى عرفه الله من حكمه وينهاه أن يكون خصيم للخائنين أى أن يصبح ناصر للمخادعين للمؤمنين ومن ثم يجب عليه أن يتحرى العدل حتى لا يظلم أحدا والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده وما بعده.
"واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما "المعنى واستعفى الله إن الله كان عفوا نافعا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يستغفره والمراد أن يطلب منه العفو عن ذنبه وهو مناصرة الخائنين ويبين له أنه غفور رحيم أى عفو عن الذنب للمستغفر نافع له برحمته .
"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما"يفسر قوله "إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما" قوله تعالى بسورة البقرة"والله لا يحب كل كفار أثيم "وقوله بسورة الحج"إن الله لا يحب كل خوان كفور"فالخوان الأثيم هو الكفور والمعنى ولا تدافع عن الذين يخدعون أنفسهم إن الله لا يرحم كل كفور مجرم،ينهى الله نبيه(ص)عن الجدال عن الذين يختانون أنفسهم والمراد عن الدفاع عن الذين يخدعون أنفسهم حيث يحسبون سيئاتهم حسنات والمراد هنا خاصة سيئة ظلم الغير وهى هنا اتهامهم بالباطل برىء بجريمة لم يرتكبها ويبين له أنه لا يحب كل خوان أثيم والمراد لا يرحم كل كافر مكذب حيث يدخله النار.
"يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة يونس " والله عليم بما يفعلون"فيعملون تعنى يفعلون ومحيطا تعنى عليما والمعنى يستترون من البشر ولا يستترون من الله وهو عالم بهم إذ ينوون الذى لا يبيح من الحديث وكان الله بالذى يفعلون خبيرا،يبين الله لنبيه(ص)أن الخائنين يستخفون من الناس والمراد يخافون من المسلمين فيقولون فى السر ما لا يرضى الله من القول وهو الذى يرفضه الله من الحديث وهم لا يستخفون من الله والمراد وهم لا يخافون من عذاب الله الذى هو معهم إذ يبيتون قولهم والمراد الذى هو عالم بهم حين ينوون فعل ما قالوه فى حديثهم ،ويبين له أنه محيط بما يعملون والمراد خبير بالذى يفعلون وسيحاسبهم عليهم .
"ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا"المعنى ها أنتم حاججتم عن الخائنين فى الحياة الأولى فمن يحاجج عنهم يوم البعث أى من يصبح لهم نصيرا ؟يبين الله للمؤمنين أنهم جادلوا عن الخونة فى الحياة الدنيا والمراد أنهم دافعوا عن الخونة بشدة فى الحياة الأولى نتيجة خداع الخونة لهم ويسألهم من يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا والمراد من يدافع عن الخونة يوم البعث أى من يصبح ناصرا لهم؟ والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أنهم على باطل بدفاعهم عن الخونة الذين لن يجدوا فى يوم البعث مدافعا عنهم أى نصيرا لهم أى شافعا لهم ومن ثم عليهم أن يستغفروا الله لذنبهم فى الدفاع عن الخونة والخطاب للمؤمنين.
"ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما "يفسر قوله "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه" قوله تعالى بسورة النساء"من يكسب إثما"فيعمل تعنى يكسب وسوء أى ظلم تعنى إثم وقوله "ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم"فيستغفر تعنى يتوب ووجدان الله غفور هو توبة الله عليهم والمعنى ومن يفعل ذنبا أى يخسر نفسه ثم يستعفى الله يلق الله عفوا نافعا،يبين الله للمؤمنين أن من يعمل سوءا أى يظلم نفسه والمراد يفعل ذنبا ثم يستغفر الله أى ثم يتوب إلى الله يجد الله غفورا رحيما والمراد يلق الله توابا نافعا له والخطاب وما بعده للناس وما بعده .
"ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما"يفسر قوله "ومن يكسب إثما" قوله تعالى بسورة البقرة"من يكسب خطيئة"فإثما تعنى خطيئة والمعنى ومن يعمل سيئة فإنما يتحمل عقابه بنفسه وكان الله خبيرا قاضيا،يبين الله للمؤمنين أن من يكسب إثما والمراد من يعمل خطيئة أى سيئة يكسبها على نفسها والمراد يذوق عقابها بنفسه ويبين لهم أنه عليم حكيم أى خبير بكل شىء قاضى يقضى بالحق.
"ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا"يفسر قوله"ومن يكسب خطيئة أو إثما" قوله تعالى بنفس السورة"ومن يعمل سوءا "فالخطيئة أى الإثم هو السوء ويكسب تعنى يعمل والمعنى ومن يعمل سيئة أى ذنبا ثم ينسبه لطاهر فقد اكتسب جرما أى ذنبا عظيما ،يبين الله للنبى(ص)أن من يكسب خطيئة أى إثم والمراد من يصنع جريمة أى ذنب ثم يرم به بريئا والمراد ثم ينسب جريمته إلى إنسان أخر لم يصنعه فقد احتمل بهتانا أى إثما مبينا والمراد فقد صنع جريمة أخرى أى ذنب كبير وهذا ما فعله الخونة حيث ارتكبوا جريمة ثم نسبوها إلى من لم يعملها .
"ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما"يفسر قوله"لهمت طائفة منهم أن يضلوك" قوله تعالى بسورة الإسراء"وإن كادوا ليفتنوك عن الذى أوحينا إليك"فهمت تعنى كادوا ويضلوك تعنى يفتنوك عن الوحى وقوله"وما يضلون إلا أنفسهم "يفسره قوله بسورة البقرة"وما يخدعون إلا أنفسهم "فيضلون تعنى يخدعون وقوله "وما يضرونك من شىء"يفسره قوله بسورة المائدة"والله يعصمك من الناس"فلا يضرونك تعنى أن الله يعصمه من ضرر الناس وقوله "وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم"يفسره قوله بسورة الشورى"وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا"فالكتاب أى الحكمة أى العلم هو القرآن وتفسيره والمعنى ولولا رأفة الله بك أى نفعه لك لكادت جماعة منهم أن يبعدوك عن دينك وما يبعدون إلا أنفسهم عن الإسلام وما يؤذونك بأذى وأوحى الله لك الحكم أى الوحى أى عرفك الذى لم تكن تعرف وكانت نعمة الله عليك كبرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن لولا فضل الله عليه وهو رحمته به أى رأفته به أى نفعه له بإعلامه بمكيدة الخونة لحدث التالى :همت طائفة منهم أن يضلوه عن الحق والمراد كادت جماعة من الخونة أن يبعدوه عن دين الله ،ويبين له أنهم ما يضلون إلا أنفسهم والمراد ما يخدعون إلا أنفسهم وبألفاظ أخرى ما يهلكون إلا أنفسهم ببعدهم عن الحق ،ويبين له أنهم ما يضرونه بشىء والمراد ما يؤذونه بعض الأذى وهذا يعنى أن الله حماه من أذاهم الجسدى،ويبين له أن أنزل عليه الكتاب أى الحكمة وهو العلم الذى لم يكن يعلمه والمراد أن الله أوحى له القرآن وهو حكم الله أى المعرفة التى لم يكن يعرفها من قبل ،ويبين له أن فضله كان عليه عظيما والمراد أن عطاء الله له كان كثيرا مصداق لقوله تعالى بسورة الكوثر"إنا أعطيناك الكوثر" والخطاب للنبى(ص).
"لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما"يفسر قوله"ابتغاء مرضات الله" قوله تعالى بسورة الإسراء"ابتغاء رحمة من ربك"فمرضات تعنى رحمة الله وقوله"نؤتيه أجرا عظيما"يفسره قوله بسورة الفتح"فإن تطيعوا يؤتكم أجرا حسنا"فعظيما تعنى حسنا والمعنى لا نفع فى عديد من حديثهم إلا من طالب بعطاء أو إحسان أى عدل بين الخلق ومن يصنع ذلك طلبا لرحمة الله فسوف نعطيه ثوابا حسنا،يبين الله للمؤمنين أن لا خير فى كثير من نجوى الناس والمراد أن لا فائدة فى العديد من حديث الخلق السرى إلا الأمور التالية:
من أمر بصدقة أى من طالب غيره بدفع نفقة لمن يحتاجها ،أو أمر بمعروف أى من طالب غيره بعمل خير أى أمر بإصلاح بين الناس أى من طالب بالتوفيق وهو العدل بين الخلق ،ويبين له أن من يفعل ذلك والمراد من يأمر بالصدقة أو المعروف أى الإصلاح وهو الأمر بالعدل ابتغاء مرضات الله أى طلبا لرحمة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما أى فسوف نعطيه رحمة كبرى هى الجنة والخطاب للمؤمنين.