"ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الشورى"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"فالسيئة هى المصيبة والنفس هى كسب اليد وقوله "وأرسلناك للناس رسولا "يفسره قوله بسورة الفرقان"وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا"فالرسول هو المبشر النذير وقوله "وكفى بالله شهيدا "يفسره قوله بسورة النساء"وكفى بالله عليما"فشهيدا تعنى عليما والمعنى ما مسك من رحمة فمن طاعة الله وما مسك من ضرر فمن طاعة نفسك وبعثناك للبشر مبعوثا وكفى بالله خبيرا ،يبين الله للنبى(ص)وكل إنسان أن ما أصابه من حسنة فمن الله والمراد أن ما أتاه من رحمة فمن طاعته لحكم الله وأن ما أصابه من سيئة فمن نفسه والمراد وأن الذى أتاه من عذاب فهو من طاعة حكم نفسه أى هواه كما فى سورة الجاثية"أفرأيت من اتخذ إلهه هواه"،ويبين الله لنبيه(ص)أنه أرسله للناس رسولا والمراد أنه بعثه للخلق مبلغا لوحى الله ويكفى النبى(ص)دليل على رسوليته أن الله شهيد أى عليم أى مقر بها والخطاب للنبى(ص) .
"من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة آل عمران"إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله"فطاعة الرسول(ص)هى اتباعه وقوله "فما أرسلناك عليهم حفيظا"يفسره قوله بسورة الإسراء"وما أرسلناك عليهم وكيلا"فحفيظا تعنى وكيلا والمعنى من يتبع حكم النبى(ص)فقد اتبع حكم الله ومن عصى حكمه فما بعثناك إليهم حاميا ،يبين الله لنا أن من يطع الرسول فقد أطاع الله والمراد أن من يتبع حكم النبى(ص)فقد اتبع حكم الله وهذا يعنى أن حكم الرسول (ص)هو نفسه حكم الله المنزل عليه وأما من تولى أى عصى أى خالف حكم الله فقد عصى الله ويبين الله لنبيه(ص)أنه ما أرسله عليهم حفيظا والمراد ما بعثه حاميا لهم وهذا يعنى أنه لا يجب عليه أن يرهق نفسه فى حمل الناس على طاعة حكم الله لأنه ليس مسئولا عنهم والكلام مكون من قولين الأول حتى تولى فهو خطاب للناس وما بعده خطاب للنبى(ص).
"ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا" يفسر قوله "فإذا برزوا من عندك" قوله تعالى بسورة محمد"حتى إذا خرجوا من عندك"فبرزوا تعنى خرجوا وقوله "وكفى بالله وكيلا "يفسره قوله بسورة الفرقان"وكفى بربك هاديا ونصيرا"فوكيلا تعنى نصيرا والمعنى ويقولون اتباع لما تقول يا محمد فإذا خرجوا من مكانك نوى جمع منهم غير الذى تطلب منهم والله يسجل ما ينوون فتولى عنهم واعتمد على الله وكفى بالله حاميا،يبين الله لرسوله(ص)أن الفريق المنافق يقول له:طاعة أى سننفذ ما تقول ،فإذا برزوا من عندك والمراد فإذا خرجوا من مكان إقامتك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والمراد نوت جماعة منهم عمل غير الذى طلبت منهم والله يكتب ما يبيتون والمراد والله يسجل الذى ينوون عمله من الشر فى كتبهم ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يعرض عنهم والمراد أن يترك التعامل معهم وأن يتوكل على الله والمراد أن يحتمى من عذاب الله بطاعة حكم الله ويكفيه الله وكيلا والمراد ويكفيه الله حاميا له من شرهم ومن عذاب الأخرة والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"المعنى أفلا يطيعون الوحى؟ولو كان من لدى سوى الله للقوا فيه تناقضا عظيما،يسأل الله أفلا يتدبرون القرآن أى أفلا يتبعون حكم الله؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الناس لا يطيعون حكم الله ،ويبين للجميع أن القرآن لو كان من عند غيره والمراد لو كان مصدره غير الله لوجدوا فيه اختلافا عظيما والمراد لعلموا به تناقضا كبيرا يظهر أن مصدره ليس هو الله وهذا يعنى أن دليل كون القرآن من عند الله هو خلوه من التناقض وهو الاختلاف غير المنصوص عليه وهو الناسخ والمنسوخ.
"وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان إلا قليلا"المعنى وإذا أتاهم شىء من الطمأنينة أو الرعب نشروه ولو أعادوه إلى النبى(ص)وإلى أهل الحكم منهم لعرفه الذين يستخرجونه منهم ولولا نفع الله لكم أى فائدته لأطعتم الكافر إلا قليلا،يبين الله للمؤمنين أن الفريق المنافق إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف والمراد إذا أتاهم موضوع من السكينة أو الفزع أى من الخير أو الشر أذاعوا به والمراد نشروه بين الناس لإحداث الخلاف ولو ردوا الأمر إلى الرسول وإلى أولى الأمر والمراد لو أعادوا الموضوع إلى النبى(ص) وإلى أهل العلم منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم والمراد لعرفه الذين يدرسونه فى الوحى فيعرفون حكم الموضوع فيه والغرض من رد الأمر للنبى(ص)وأولى الأمر هو أن يصدروا الحكم الصحيح فى القضية ،ويبين الله للمؤمنين أن لولا فضل الله وهو رحمته أى رأفته أى نفعه لهم لاتبعتم الشيطان إلا قليلا والمراد لأطعتم الكفار إلا عدد قليل منهم والقول مكون من ثلاث أقوال أولها حتى أذاعوا به يخاطب النبى (ص)وما بعده حتى يستنبطونه منهم يخاطب الناس وما بعده يخاطب المؤمنين والظاهر أنها ثلاث أقوال حذف من كل منها بقيتها.
"فقاتل فى سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا"يفسر قوله"فقاتل فى سبيل الله" قوله تعالى بسورة التوبة "جاهد الكفار والمنافقين"فقاتل تعنى جاهد وقوله "وحرض المؤمنين "يفسره قوله بسورة الأنفال "حرض المؤمنين على القتال"فتحريض المؤمنين هو على القتال وقوله "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا "يفسره قوله بسورة الفتح"وكف أيدى الناس عنكم"فبأس الذين كفروا هو أيدى الناس وقوله"والله أشد بأسا وأشد تنكيلا "يفسره قوله بسورة فصلت "ألم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة"فبأسا أى تنكيلا تعنى قوة والمعنى فحارب فى نصر دين الله لا يفرض عليك إلا ذاتك وحث المصدقين بالوحى عسى أن يمنع الله أذى الذين كذبوا الوحى والله أعظم إيذاء أى أكبر عقابا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقاتل فى سبيل الله والمراد أن يجاهد لإعلاء دين الله ويبين له أنه لا يكلف إلا نفسه والمراد لا يحمل سوى قدرته وهى أن يقاتل بنفسه وأما المؤمنين وهم المصدقين بحكم الله فكل ما عليه هو أن يحرضهم أى يحثهم أى يدعوهم للخروج إلى القتال والسبب هو أن يكف الله بأس الذين كفروا والمراد أن يمنع الله أذى الذين كذبوا بحكم الله عن طريق إرهابهم وقتالهم ويبين له أن الله أشد بأسا أى تنكيلا والمراد أعظم أذى للكفار وهذا يعنى أن أذاه أكبر من أذى الكفار للمؤمنين والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شىء مقيتا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة النمل"من جاء بالحسنة فله خير منه ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم فى النار" فالشفاعة هى الحسنة والنصيب هو الخير من الحسنة والشفاعة هى السيئة والكفل هو النار وقوله"وكان الله على كل شىء مقيتا "يفسره قوله بسورة النساء"إن الله كان على كل شىء حسيبا"فمقيتا تعنى حسيبا والمعنى من يعمل عملا صالحا يكن له ثواب عليه ومن عمل عملا فاسدا يكن له عقاب عليه وكان الله على كل عمل رازق،يبين الله لنا أن من يشفع شفاعة حسنة والمراد من يفعل فعلا صالحا يكن له نصيب منه والمراد يصبح له ثواب له عليه من الله ومن يشفع شفاعة سيئة أى من يفعل فعلا فاسدا يكن له كفل منه أى يصبح له عقاب على فعله والشفاعة بمعنى المناصرة ممنوعة فى الإسلام حيث قال بسورة النساء"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم" ويبين الله لنا أنه مقيت أى رازق على العمل
"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شىء حسيبا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة النساء"وكان الله على كل شىء مقيتا "فحسيبا تعنى مقيتا والمعنى وإذا سلم عليكم بسلام فسلموا بأفضل منه أو أعيدوه إن الله كان على كل عمل مجازيا ،يبين الله للمؤمنين أن الناس إذا حيوهم بتحية والمراد إذا قالوا لهم سلام مثل السلام عليكم وصباح الخير وأسعد الله مساءك وسميت التحية بهذا لأنها تطلب الحياة وهى الخير للناس فالواجب على المؤمنين أن يحيوهم بأحسن منها أو يردوها والمراد أن يقولوا لهم قولا يزيد عليها فى طلب الخير أو يكرروا ما قاله الأخرون لهم ويبين الله لهم أنه حسيب أى مجازى على كل شىء أى على كل عمل والخطاب للمؤمنين .
"الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا"يفسر قوله"ليجمعنكم إلى يوم القيامة " قوله تعالى بسورة الإسراء"ونحشرهم يوم القيامة"فيجمع تعنى يحشر وقوله "لا ريب فيه "يفسره قوله بسورة غافر"لا ظلم اليوم"فالريب هو الظلم وقوله "ومن أصدق من الله حديثا "يفسره قوله بسورة النساء"ومن أصدق من الله قيلا"وقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما"فأصدق تعنى أحسن وحديثا تعنى حكما تعنى قيلا والمعنى الله لا رب سواه ليحشرنكم إلى يوم البعث لا ظلم فيه ومن أحسن من الله حكما،يبين الله للمؤمنين أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب يستحق الطاعة سواه وهو سيجمعهم ليوم القيامة والمراد سيبعثهم يوم البعث للحساب حيث لا ريب فيه والمراد حيث لا ظلم فى ذلك اليوم لأحد،ويبين لهم أنه لا يوجد أصدق من الله حديثا والمراد لا يوجد أعدل من الله فى حكمه المنزل فى صورة كلام والخطاب للناس.
"فما لكم فى المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "يفسر قوله "والله أركسهم بما كسبوا " قوله بسورة الزمر"فأصابهم سيئات ما كسبوا"فأركسهم تعنى أصابهم السيئات وقوله "أتريدون أن تهدوا من أضل الله"يفسره قوله بسورة البقرة"أفتطمعون أن يؤمنوا لكم "فإرادة أن تهدوا من أضل الله هى الطمع أن يؤمنوا وقوله "ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "يفسره قوله بسورة الرعد"ومن يضلل الله فما له من هاد"فالسبيل هى الهادى أى المنقذ والمعنى فما لكم فى المذبذبين جماعتين ؟ والله عاقبهم بالذى عملوا ،أتحبون أن ترحموا من عذب الله؟ومن يعذب الله فلن تلق له منقذا من العذاب؟،يسأل الله المؤمنين فما لكم فى المنافقين فئتين؟ والمراد لماذا أنتم فى المذبذبين بين الإسلام والكفر جماعتين ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن موقفهم من المنافقين لابد أن يكون واحدا وهو عداوتهم والسبب هو أن الله أركسهم بما كسبوا والمراد هو أن الله عذبهم بالذى عملوا من الذنوب ،ويسألهم الله :أتريدون أن تهدوا من أضل الله؟والمراد هل تحبون أن تقربوا للجنة من أبعد الله عنها للنار ؟ والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم لن يستطيعوا إنقاذ المنافقين من النار والسبب هو أنهم لن يؤمنوا ويبين الله للمؤمنين أن من يضلل الله أى من يعاقب الله فلن تجد له سبيلا والمراد فلن تلق له منقذا من عذاب النار والخطاب حتى أضل الله للمؤمنين وما بعده للنبى(ص) والقول بعده خطاب للمؤمنين.
"ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فى سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا "يفسر قوله "ودوا لو تكفرون" قوله تعالى بسورة آل عمران"ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم"فود كفر المؤمنين هو ود إضلالهم وقوله "فلا تتخذوا منهم أولياء "يفسره قوله بسورة الممتحنة "لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء " يعنى أن المنافقين هم عدو الله والمسلمين وقوله "واقتلوهم حيث ثقفتموهم "يفسره قوله بسورة البقرة"واقتلوهم حيث ثقفتموهم"فوجدتموهم تعنى ثقفتموهم والمعنى أحبوا لو تكذبون بالوحى كما كذبوا به فتصبحون متساوين فلا تجعلوا منهم أنصار حتى ينتقلوا إلى دين الله فإن أعرضوا فأمسكوهم أى اذبحوهم حيث لقيتموهم ولا تجعلوا منهم لكم معينا أى ناصرا ،يبين الله للمؤمنين أن سبب طلبه عداوة المنافقين أنهم ودوا لو تكفرون كما كفروا والمراد أنهم أرادوا أن تكذبوا حكم الله كما كذبوه هم فتكونون سواء والمراد فتصبحون متساوين فى الكفر والعقاب ،ومن ثم يطلب الله من المؤمنين ألا يتخذوا منهم أولياء والمراد ألا يجعلوا المنافقين أنصار لهم إلا أن يهاجروا فى سبيل الله أى إلا أن ينتقلوا صادقين إلى دين الله أى يصبحوا مؤمنين حقا ،ويبين للمؤمنين أن المنافقين إن تولوا أى كفروا فالواجب هو أخذهم أى إمساكهم أى قتلهم حيث وجدوهم والمراد ذبحهم حيث لقوهم تطبيقا لحد الردة حيث سبق أن أعلنوا إسلامهم ويكرر الله طلبه للمؤمنين ألا يتخذوا من المنافقين وليا أى نصيرا والمراد ألا يجعلوا المذبذبين بين الإسلام والكفر معينين لهم أى ناصرين لهم .
"إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا"المعنى لا تتخذوا المنافقين أنصار إلا الذين يقربون إلى جماعة بينكم وبينهم عهد أو أتوكم كشفت نفوسهم أن يحاربوكم أو يحاربوا أهلهم ولو أراد الله لبعثهم عليكم فلحاربوكم فإن تركوكم فلم يحاربوكم أى أعلنوا لكم الإسلام فما حكم الله لكم عليهم بعقاب،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين المستثنين من القتل هم الذين يصلون إلى قوم بين المؤمنين وبينهم ميثاق والمراد الذين ينتمون لناس بينهم وبين المسلمين عهد سلام وأيضا الذين يجيئون للمؤمنين حصرت صدورهم أن يقاتلوهم أو يقاتلوا قومهم والمراد الذين يحضرون للمسلمين وقد كشفت أنفسهم أنهم لن يحاربوهم أو يحاربوا أهلهم وبألفاظ أخرى المنافقين الذين يعلنون أنهم يطلبون عمل عهد سلام مع المسلمين ومع أهلهم ،ويبين الله للمؤمنين أنه لو شاء لسلطهم عليهم والمراد لحرضهم على حرب المسلمين فلقاتلوكم أى فحاربوكم ولكنه لم يرد ذلك ،ويبين لهم أن المنافقين إن اعتزلوهم فلم يقاتلوهم والمراد إن سالموهم فلم يحاربوهم وألقوا إليكم السلم والمراد وأعلنوا لكم الإسلام فما جعل الله لكم عليهم سبيلا والمراد فليس للمؤمنين عليهم حق العقاب لأنهم مسلمون والخطاب وما بعده للمؤمنين .
"ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا"المعنى ستعلمون بآخرين يحبون أن يعتزلوكم ويعتزلوا أهلهم كلما أعيدوا إلى البلاء سقطوا فيه فإن لم يتركوكم أى يعلنوا لكم الإسلام أى يمنعوا أنفسهم فأمسكوهم أى اذبحوهم حيث وجدتموهم وأولئكم فرضنا لكم عليهم عقابا عظيما،يبين الله للمؤمنين أنهم سيجدون والمراد سيعرفون بطائفة أخرى يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم والمراد يحبون أن يسالموا المؤمنين ويسالموا أهلهم ولكنهم كلما ردوا إلى الفتنة والمراد كلما تعرضوا لامتحان مع المسلمين أركسوا فيه أى سقطوا فيه والمراد أنهم يذنبون فى حق المسلمين إذا حانت لهم الفرصة ،ويبين لهم أن الطائفة إن لم يعتزلوا أى يسالموا المسلمين ويلقوا إليهم السلم والمراد ويعلنوا لهم الإسلام وفسر هذا بأنهم يكفوا أيديهم أى يمنعوا طاعة أهواء أنفسهم فالواجب على المؤمنين فى تلك الحالة هو:
أن يأخذوهم أى يمسكوهم أى يقتلوهم حيث ثقفوهم والمراد ثم يذبحوهم حيث يجدوهم وهذا تطبيق لحد الردة عليهم لقوله بنفس السورة"واقتلوهم حيث وجدتموهم"ويبين لهم أنه جعل لهم على الطائفة المنافقة سلطان مبين والمراد أنه فرض لهم على المنافقين عقاب عظيم أى حكم لهم أن يكونوا المنفذين لعقوبة الردة فى المنافقين.
"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما"المعنى وما كان لمسلم أن يذبح مسلما إلا غفلة ومن ذبح مسلما سهوا فعتق إنسان مسلم ومال مؤدى لأسرته إلا أن يعفوا فإن كان من قوم حرب عليكم وهو مسلم فعتق إنسان وإن كان من قوم بينكم وبينهم عهد فمال مؤدى لأسرته وعتق إنسان مسلم فمن لم يلق فصيام شهرين متتاليين غفران من الله وكان الله خبيرا قاضيا،يبين الله للمؤمنين أن المؤمن وهو المصدق بحكم الله لا يمكن أن يقتل مؤمن إلا خطأ والمراد لا يمكن أن يذبح مصدق بحكم الله إلا سهوا أى غير عمد ،ويبين لهم أن من قتل مؤمنا خطأ والمراد أن من ذبح مصدقا بحكم الله غير عامد فالواجب عليه تحرير رقبة مؤمنة أى فعتق عبد أو أمة مصدق بحكم الله ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا والمراد ومال مدفوع إلى أسرة القتيل إلا أن يتنازلوا عن المال تكفيرا عن جريمته،وأما إذا كان القتيل من قوم عدو أى محاربين للمسلمين وهو مؤمن أى مصدق بحكم الله فالواجب على القاتل هى تحرير رقبة مؤمنة أى عتق عبد مصدق أو أمة مصدقة بحكم الله وأما إن كان من قوم بين المسلمين وبينهم ميثاق أى عهد سلام فالواجب هو دية مسلمة لأهله أى مال مدفوع لأسرة القتيل وهذا يعنى أن الكفار يرثون المسلم قريبهم وتحرير رقبة مؤمنة أى وعتق عبد أو أمة مصدق بحكم الله ،ويبين الله لهم أن القاتل إن لم يجد أى يلق مال لتحرير الرقبة ودفع الدية فالواجب عليه هو صيام شهرين متتابعين أى الإمتناع عن الطعام والشراب والجماع نهارا لمدة شهرين متتاليين،وهذه الأحكام هى توبة أى غفران من الله لذنب القتل الخطأ ،ويبين لهم أنه عليم أى خبير بكل شىء وسيحاسب عليه وهو حكيم أى قاضى يقضى بالحق والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" يفسر قوله "وغضب الله عليه ولعنه " قوله تعالى بسورة آل عمران"كمن باء بسخط من الله"فغضب تعنى سخط وقوله "وأعد له عذابا عظيما"يفسره قوله بسورة الأحزاب"وأعد لهم عذابا مهينا"فعظيما تعنى مهينا والمعنى ومن يذبح مسلما قاصدا فعقابه النار باقيا فيها أى سخط الله له أى عاقبه أى جهز له عقابا شديدا،يبين الله للمؤمنين أن من يقتل مؤمنا متعمدا والمراد من يذبح مصدقا بحكم الله قاصدا ذبحه يكون جزاؤه أى عقابه هو جهنم وهى النار وفسرها بأنها غضب الله الذى فسره بأنه لعنة الله وفسر هذا بأنه أعد لهم عذابا عظيما أى جهز له عقابا أليما وهو خالد أى باقى فيه لا يخرج منه.
"يا أيها الذين أمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا"يفسر قوله "تبتغون عرض الحياة الدنيا "قوله تعالى بسورة الأنفال"تريدون عرض الدنيا"فتبتغون تعنى تريدون وقوله "إن الله كان بما تعملون خبيرا"يفسره قوله بسورة يونس"والله عليم بما يفعلون" فعليم تعنى خبير ويعملون تعنى يفعلون والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله إذا خرجتم فى نصر دين الله فتثبتوا ممن تريدون حربه ولا تقولوا لمن أعلن لكم الإسلام لست مسلما تريدون متاع الحياة الأولى فلدى الله أمتعة عظيمة كذلك كنتم كفارا من قبل فتفضل الله عليكم فتثبتوا من أمره إن الله كان بالذى تفعلون عليما ،يخاطب الله المؤمنين طالبا منهم التبين وهو التثبت من المعلومات إذا ضربوا فى سبيل الله والمراد إذا خرجوا للجهاد لنصر دين الله قبل أن يحاربوا حتى لا يصيبوا قوما مسلمين دون أن يدروا ،وينهى الله المؤمنين أن يقولوا :لست مؤمنا أى مصدقا بحكم الله وذلك لمن ألقى لهم السلام والمراد لمن أعلن لهم إسلامه لأنهم إن فعلوا هذا فهم يبتغون عرض الحياة الدنيا والمراد فهم يريدون من خلف قتل المؤمن متاع الحياة الأولى وهو مال الرجل ،ويبين لهم أن عنده مغانم كثيرة والمراد أن لديه منافع كبيرة لمن يطيع حكمه ويبين لهم أنهم كانوا كذلك من قبل والمراد أنهم كانوا كفارا قبل إسلامهم فمن الله عليهم أى تفضل الله عليهم برحمته ،ويكرر لهم طلبه بأن يتبينوا أى يتثبتوا من المعلومات قبل حربهم أى قتلهم للناس ويبين لهم أنه خبير أى عليم بالذى يعملون أى يفعلون وسيحاسبهم عليه ومن ثم عليهم الحذر من مخالفته والخطاب للمؤمنين.
"من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة آل عمران"إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله"فطاعة الرسول(ص)هى اتباعه وقوله "فما أرسلناك عليهم حفيظا"يفسره قوله بسورة الإسراء"وما أرسلناك عليهم وكيلا"فحفيظا تعنى وكيلا والمعنى من يتبع حكم النبى(ص)فقد اتبع حكم الله ومن عصى حكمه فما بعثناك إليهم حاميا ،يبين الله لنا أن من يطع الرسول فقد أطاع الله والمراد أن من يتبع حكم النبى(ص)فقد اتبع حكم الله وهذا يعنى أن حكم الرسول (ص)هو نفسه حكم الله المنزل عليه وأما من تولى أى عصى أى خالف حكم الله فقد عصى الله ويبين الله لنبيه(ص)أنه ما أرسله عليهم حفيظا والمراد ما بعثه حاميا لهم وهذا يعنى أنه لا يجب عليه أن يرهق نفسه فى حمل الناس على طاعة حكم الله لأنه ليس مسئولا عنهم والكلام مكون من قولين الأول حتى تولى فهو خطاب للناس وما بعده خطاب للنبى(ص).
"ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا" يفسر قوله "فإذا برزوا من عندك" قوله تعالى بسورة محمد"حتى إذا خرجوا من عندك"فبرزوا تعنى خرجوا وقوله "وكفى بالله وكيلا "يفسره قوله بسورة الفرقان"وكفى بربك هاديا ونصيرا"فوكيلا تعنى نصيرا والمعنى ويقولون اتباع لما تقول يا محمد فإذا خرجوا من مكانك نوى جمع منهم غير الذى تطلب منهم والله يسجل ما ينوون فتولى عنهم واعتمد على الله وكفى بالله حاميا،يبين الله لرسوله(ص)أن الفريق المنافق يقول له:طاعة أى سننفذ ما تقول ،فإذا برزوا من عندك والمراد فإذا خرجوا من مكان إقامتك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والمراد نوت جماعة منهم عمل غير الذى طلبت منهم والله يكتب ما يبيتون والمراد والله يسجل الذى ينوون عمله من الشر فى كتبهم ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يعرض عنهم والمراد أن يترك التعامل معهم وأن يتوكل على الله والمراد أن يحتمى من عذاب الله بطاعة حكم الله ويكفيه الله وكيلا والمراد ويكفيه الله حاميا له من شرهم ومن عذاب الأخرة والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"المعنى أفلا يطيعون الوحى؟ولو كان من لدى سوى الله للقوا فيه تناقضا عظيما،يسأل الله أفلا يتدبرون القرآن أى أفلا يتبعون حكم الله؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الناس لا يطيعون حكم الله ،ويبين للجميع أن القرآن لو كان من عند غيره والمراد لو كان مصدره غير الله لوجدوا فيه اختلافا عظيما والمراد لعلموا به تناقضا كبيرا يظهر أن مصدره ليس هو الله وهذا يعنى أن دليل كون القرآن من عند الله هو خلوه من التناقض وهو الاختلاف غير المنصوص عليه وهو الناسخ والمنسوخ.
"وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان إلا قليلا"المعنى وإذا أتاهم شىء من الطمأنينة أو الرعب نشروه ولو أعادوه إلى النبى(ص)وإلى أهل الحكم منهم لعرفه الذين يستخرجونه منهم ولولا نفع الله لكم أى فائدته لأطعتم الكافر إلا قليلا،يبين الله للمؤمنين أن الفريق المنافق إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف والمراد إذا أتاهم موضوع من السكينة أو الفزع أى من الخير أو الشر أذاعوا به والمراد نشروه بين الناس لإحداث الخلاف ولو ردوا الأمر إلى الرسول وإلى أولى الأمر والمراد لو أعادوا الموضوع إلى النبى(ص) وإلى أهل العلم منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم والمراد لعرفه الذين يدرسونه فى الوحى فيعرفون حكم الموضوع فيه والغرض من رد الأمر للنبى(ص)وأولى الأمر هو أن يصدروا الحكم الصحيح فى القضية ،ويبين الله للمؤمنين أن لولا فضل الله وهو رحمته أى رأفته أى نفعه لهم لاتبعتم الشيطان إلا قليلا والمراد لأطعتم الكفار إلا عدد قليل منهم والقول مكون من ثلاث أقوال أولها حتى أذاعوا به يخاطب النبى (ص)وما بعده حتى يستنبطونه منهم يخاطب الناس وما بعده يخاطب المؤمنين والظاهر أنها ثلاث أقوال حذف من كل منها بقيتها.
"فقاتل فى سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا"يفسر قوله"فقاتل فى سبيل الله" قوله تعالى بسورة التوبة "جاهد الكفار والمنافقين"فقاتل تعنى جاهد وقوله "وحرض المؤمنين "يفسره قوله بسورة الأنفال "حرض المؤمنين على القتال"فتحريض المؤمنين هو على القتال وقوله "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا "يفسره قوله بسورة الفتح"وكف أيدى الناس عنكم"فبأس الذين كفروا هو أيدى الناس وقوله"والله أشد بأسا وأشد تنكيلا "يفسره قوله بسورة فصلت "ألم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة"فبأسا أى تنكيلا تعنى قوة والمعنى فحارب فى نصر دين الله لا يفرض عليك إلا ذاتك وحث المصدقين بالوحى عسى أن يمنع الله أذى الذين كذبوا الوحى والله أعظم إيذاء أى أكبر عقابا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقاتل فى سبيل الله والمراد أن يجاهد لإعلاء دين الله ويبين له أنه لا يكلف إلا نفسه والمراد لا يحمل سوى قدرته وهى أن يقاتل بنفسه وأما المؤمنين وهم المصدقين بحكم الله فكل ما عليه هو أن يحرضهم أى يحثهم أى يدعوهم للخروج إلى القتال والسبب هو أن يكف الله بأس الذين كفروا والمراد أن يمنع الله أذى الذين كذبوا بحكم الله عن طريق إرهابهم وقتالهم ويبين له أن الله أشد بأسا أى تنكيلا والمراد أعظم أذى للكفار وهذا يعنى أن أذاه أكبر من أذى الكفار للمؤمنين والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شىء مقيتا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة النمل"من جاء بالحسنة فله خير منه ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم فى النار" فالشفاعة هى الحسنة والنصيب هو الخير من الحسنة والشفاعة هى السيئة والكفل هو النار وقوله"وكان الله على كل شىء مقيتا "يفسره قوله بسورة النساء"إن الله كان على كل شىء حسيبا"فمقيتا تعنى حسيبا والمعنى من يعمل عملا صالحا يكن له ثواب عليه ومن عمل عملا فاسدا يكن له عقاب عليه وكان الله على كل عمل رازق،يبين الله لنا أن من يشفع شفاعة حسنة والمراد من يفعل فعلا صالحا يكن له نصيب منه والمراد يصبح له ثواب له عليه من الله ومن يشفع شفاعة سيئة أى من يفعل فعلا فاسدا يكن له كفل منه أى يصبح له عقاب على فعله والشفاعة بمعنى المناصرة ممنوعة فى الإسلام حيث قال بسورة النساء"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم" ويبين الله لنا أنه مقيت أى رازق على العمل
"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شىء حسيبا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة النساء"وكان الله على كل شىء مقيتا "فحسيبا تعنى مقيتا والمعنى وإذا سلم عليكم بسلام فسلموا بأفضل منه أو أعيدوه إن الله كان على كل عمل مجازيا ،يبين الله للمؤمنين أن الناس إذا حيوهم بتحية والمراد إذا قالوا لهم سلام مثل السلام عليكم وصباح الخير وأسعد الله مساءك وسميت التحية بهذا لأنها تطلب الحياة وهى الخير للناس فالواجب على المؤمنين أن يحيوهم بأحسن منها أو يردوها والمراد أن يقولوا لهم قولا يزيد عليها فى طلب الخير أو يكرروا ما قاله الأخرون لهم ويبين الله لهم أنه حسيب أى مجازى على كل شىء أى على كل عمل والخطاب للمؤمنين .
"الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا"يفسر قوله"ليجمعنكم إلى يوم القيامة " قوله تعالى بسورة الإسراء"ونحشرهم يوم القيامة"فيجمع تعنى يحشر وقوله "لا ريب فيه "يفسره قوله بسورة غافر"لا ظلم اليوم"فالريب هو الظلم وقوله "ومن أصدق من الله حديثا "يفسره قوله بسورة النساء"ومن أصدق من الله قيلا"وقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما"فأصدق تعنى أحسن وحديثا تعنى حكما تعنى قيلا والمعنى الله لا رب سواه ليحشرنكم إلى يوم البعث لا ظلم فيه ومن أحسن من الله حكما،يبين الله للمؤمنين أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب يستحق الطاعة سواه وهو سيجمعهم ليوم القيامة والمراد سيبعثهم يوم البعث للحساب حيث لا ريب فيه والمراد حيث لا ظلم فى ذلك اليوم لأحد،ويبين لهم أنه لا يوجد أصدق من الله حديثا والمراد لا يوجد أعدل من الله فى حكمه المنزل فى صورة كلام والخطاب للناس.
"فما لكم فى المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "يفسر قوله "والله أركسهم بما كسبوا " قوله بسورة الزمر"فأصابهم سيئات ما كسبوا"فأركسهم تعنى أصابهم السيئات وقوله "أتريدون أن تهدوا من أضل الله"يفسره قوله بسورة البقرة"أفتطمعون أن يؤمنوا لكم "فإرادة أن تهدوا من أضل الله هى الطمع أن يؤمنوا وقوله "ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "يفسره قوله بسورة الرعد"ومن يضلل الله فما له من هاد"فالسبيل هى الهادى أى المنقذ والمعنى فما لكم فى المذبذبين جماعتين ؟ والله عاقبهم بالذى عملوا ،أتحبون أن ترحموا من عذب الله؟ومن يعذب الله فلن تلق له منقذا من العذاب؟،يسأل الله المؤمنين فما لكم فى المنافقين فئتين؟ والمراد لماذا أنتم فى المذبذبين بين الإسلام والكفر جماعتين ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن موقفهم من المنافقين لابد أن يكون واحدا وهو عداوتهم والسبب هو أن الله أركسهم بما كسبوا والمراد هو أن الله عذبهم بالذى عملوا من الذنوب ،ويسألهم الله :أتريدون أن تهدوا من أضل الله؟والمراد هل تحبون أن تقربوا للجنة من أبعد الله عنها للنار ؟ والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم لن يستطيعوا إنقاذ المنافقين من النار والسبب هو أنهم لن يؤمنوا ويبين الله للمؤمنين أن من يضلل الله أى من يعاقب الله فلن تجد له سبيلا والمراد فلن تلق له منقذا من عذاب النار والخطاب حتى أضل الله للمؤمنين وما بعده للنبى(ص) والقول بعده خطاب للمؤمنين.
"ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فى سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا "يفسر قوله "ودوا لو تكفرون" قوله تعالى بسورة آل عمران"ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم"فود كفر المؤمنين هو ود إضلالهم وقوله "فلا تتخذوا منهم أولياء "يفسره قوله بسورة الممتحنة "لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء " يعنى أن المنافقين هم عدو الله والمسلمين وقوله "واقتلوهم حيث ثقفتموهم "يفسره قوله بسورة البقرة"واقتلوهم حيث ثقفتموهم"فوجدتموهم تعنى ثقفتموهم والمعنى أحبوا لو تكذبون بالوحى كما كذبوا به فتصبحون متساوين فلا تجعلوا منهم أنصار حتى ينتقلوا إلى دين الله فإن أعرضوا فأمسكوهم أى اذبحوهم حيث لقيتموهم ولا تجعلوا منهم لكم معينا أى ناصرا ،يبين الله للمؤمنين أن سبب طلبه عداوة المنافقين أنهم ودوا لو تكفرون كما كفروا والمراد أنهم أرادوا أن تكذبوا حكم الله كما كذبوه هم فتكونون سواء والمراد فتصبحون متساوين فى الكفر والعقاب ،ومن ثم يطلب الله من المؤمنين ألا يتخذوا منهم أولياء والمراد ألا يجعلوا المنافقين أنصار لهم إلا أن يهاجروا فى سبيل الله أى إلا أن ينتقلوا صادقين إلى دين الله أى يصبحوا مؤمنين حقا ،ويبين للمؤمنين أن المنافقين إن تولوا أى كفروا فالواجب هو أخذهم أى إمساكهم أى قتلهم حيث وجدوهم والمراد ذبحهم حيث لقوهم تطبيقا لحد الردة حيث سبق أن أعلنوا إسلامهم ويكرر الله طلبه للمؤمنين ألا يتخذوا من المنافقين وليا أى نصيرا والمراد ألا يجعلوا المذبذبين بين الإسلام والكفر معينين لهم أى ناصرين لهم .
"إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا"المعنى لا تتخذوا المنافقين أنصار إلا الذين يقربون إلى جماعة بينكم وبينهم عهد أو أتوكم كشفت نفوسهم أن يحاربوكم أو يحاربوا أهلهم ولو أراد الله لبعثهم عليكم فلحاربوكم فإن تركوكم فلم يحاربوكم أى أعلنوا لكم الإسلام فما حكم الله لكم عليهم بعقاب،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين المستثنين من القتل هم الذين يصلون إلى قوم بين المؤمنين وبينهم ميثاق والمراد الذين ينتمون لناس بينهم وبين المسلمين عهد سلام وأيضا الذين يجيئون للمؤمنين حصرت صدورهم أن يقاتلوهم أو يقاتلوا قومهم والمراد الذين يحضرون للمسلمين وقد كشفت أنفسهم أنهم لن يحاربوهم أو يحاربوا أهلهم وبألفاظ أخرى المنافقين الذين يعلنون أنهم يطلبون عمل عهد سلام مع المسلمين ومع أهلهم ،ويبين الله للمؤمنين أنه لو شاء لسلطهم عليهم والمراد لحرضهم على حرب المسلمين فلقاتلوكم أى فحاربوكم ولكنه لم يرد ذلك ،ويبين لهم أن المنافقين إن اعتزلوهم فلم يقاتلوهم والمراد إن سالموهم فلم يحاربوهم وألقوا إليكم السلم والمراد وأعلنوا لكم الإسلام فما جعل الله لكم عليهم سبيلا والمراد فليس للمؤمنين عليهم حق العقاب لأنهم مسلمون والخطاب وما بعده للمؤمنين .
"ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا"المعنى ستعلمون بآخرين يحبون أن يعتزلوكم ويعتزلوا أهلهم كلما أعيدوا إلى البلاء سقطوا فيه فإن لم يتركوكم أى يعلنوا لكم الإسلام أى يمنعوا أنفسهم فأمسكوهم أى اذبحوهم حيث وجدتموهم وأولئكم فرضنا لكم عليهم عقابا عظيما،يبين الله للمؤمنين أنهم سيجدون والمراد سيعرفون بطائفة أخرى يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم والمراد يحبون أن يسالموا المؤمنين ويسالموا أهلهم ولكنهم كلما ردوا إلى الفتنة والمراد كلما تعرضوا لامتحان مع المسلمين أركسوا فيه أى سقطوا فيه والمراد أنهم يذنبون فى حق المسلمين إذا حانت لهم الفرصة ،ويبين لهم أن الطائفة إن لم يعتزلوا أى يسالموا المسلمين ويلقوا إليهم السلم والمراد ويعلنوا لهم الإسلام وفسر هذا بأنهم يكفوا أيديهم أى يمنعوا طاعة أهواء أنفسهم فالواجب على المؤمنين فى تلك الحالة هو:
أن يأخذوهم أى يمسكوهم أى يقتلوهم حيث ثقفوهم والمراد ثم يذبحوهم حيث يجدوهم وهذا تطبيق لحد الردة عليهم لقوله بنفس السورة"واقتلوهم حيث وجدتموهم"ويبين لهم أنه جعل لهم على الطائفة المنافقة سلطان مبين والمراد أنه فرض لهم على المنافقين عقاب عظيم أى حكم لهم أن يكونوا المنفذين لعقوبة الردة فى المنافقين.
"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما"المعنى وما كان لمسلم أن يذبح مسلما إلا غفلة ومن ذبح مسلما سهوا فعتق إنسان مسلم ومال مؤدى لأسرته إلا أن يعفوا فإن كان من قوم حرب عليكم وهو مسلم فعتق إنسان وإن كان من قوم بينكم وبينهم عهد فمال مؤدى لأسرته وعتق إنسان مسلم فمن لم يلق فصيام شهرين متتاليين غفران من الله وكان الله خبيرا قاضيا،يبين الله للمؤمنين أن المؤمن وهو المصدق بحكم الله لا يمكن أن يقتل مؤمن إلا خطأ والمراد لا يمكن أن يذبح مصدق بحكم الله إلا سهوا أى غير عمد ،ويبين لهم أن من قتل مؤمنا خطأ والمراد أن من ذبح مصدقا بحكم الله غير عامد فالواجب عليه تحرير رقبة مؤمنة أى فعتق عبد أو أمة مصدق بحكم الله ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا والمراد ومال مدفوع إلى أسرة القتيل إلا أن يتنازلوا عن المال تكفيرا عن جريمته،وأما إذا كان القتيل من قوم عدو أى محاربين للمسلمين وهو مؤمن أى مصدق بحكم الله فالواجب على القاتل هى تحرير رقبة مؤمنة أى عتق عبد مصدق أو أمة مصدقة بحكم الله وأما إن كان من قوم بين المسلمين وبينهم ميثاق أى عهد سلام فالواجب هو دية مسلمة لأهله أى مال مدفوع لأسرة القتيل وهذا يعنى أن الكفار يرثون المسلم قريبهم وتحرير رقبة مؤمنة أى وعتق عبد أو أمة مصدق بحكم الله ،ويبين الله لهم أن القاتل إن لم يجد أى يلق مال لتحرير الرقبة ودفع الدية فالواجب عليه هو صيام شهرين متتابعين أى الإمتناع عن الطعام والشراب والجماع نهارا لمدة شهرين متتاليين،وهذه الأحكام هى توبة أى غفران من الله لذنب القتل الخطأ ،ويبين لهم أنه عليم أى خبير بكل شىء وسيحاسب عليه وهو حكيم أى قاضى يقضى بالحق والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" يفسر قوله "وغضب الله عليه ولعنه " قوله تعالى بسورة آل عمران"كمن باء بسخط من الله"فغضب تعنى سخط وقوله "وأعد له عذابا عظيما"يفسره قوله بسورة الأحزاب"وأعد لهم عذابا مهينا"فعظيما تعنى مهينا والمعنى ومن يذبح مسلما قاصدا فعقابه النار باقيا فيها أى سخط الله له أى عاقبه أى جهز له عقابا شديدا،يبين الله للمؤمنين أن من يقتل مؤمنا متعمدا والمراد من يذبح مصدقا بحكم الله قاصدا ذبحه يكون جزاؤه أى عقابه هو جهنم وهى النار وفسرها بأنها غضب الله الذى فسره بأنه لعنة الله وفسر هذا بأنه أعد لهم عذابا عظيما أى جهز له عقابا أليما وهو خالد أى باقى فيه لا يخرج منه.
"يا أيها الذين أمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا"يفسر قوله "تبتغون عرض الحياة الدنيا "قوله تعالى بسورة الأنفال"تريدون عرض الدنيا"فتبتغون تعنى تريدون وقوله "إن الله كان بما تعملون خبيرا"يفسره قوله بسورة يونس"والله عليم بما يفعلون" فعليم تعنى خبير ويعملون تعنى يفعلون والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله إذا خرجتم فى نصر دين الله فتثبتوا ممن تريدون حربه ولا تقولوا لمن أعلن لكم الإسلام لست مسلما تريدون متاع الحياة الأولى فلدى الله أمتعة عظيمة كذلك كنتم كفارا من قبل فتفضل الله عليكم فتثبتوا من أمره إن الله كان بالذى تفعلون عليما ،يخاطب الله المؤمنين طالبا منهم التبين وهو التثبت من المعلومات إذا ضربوا فى سبيل الله والمراد إذا خرجوا للجهاد لنصر دين الله قبل أن يحاربوا حتى لا يصيبوا قوما مسلمين دون أن يدروا ،وينهى الله المؤمنين أن يقولوا :لست مؤمنا أى مصدقا بحكم الله وذلك لمن ألقى لهم السلام والمراد لمن أعلن لهم إسلامه لأنهم إن فعلوا هذا فهم يبتغون عرض الحياة الدنيا والمراد فهم يريدون من خلف قتل المؤمن متاع الحياة الأولى وهو مال الرجل ،ويبين لهم أن عنده مغانم كثيرة والمراد أن لديه منافع كبيرة لمن يطيع حكمه ويبين لهم أنهم كانوا كذلك من قبل والمراد أنهم كانوا كفارا قبل إسلامهم فمن الله عليهم أى تفضل الله عليهم برحمته ،ويكرر لهم طلبه بأن يتبينوا أى يتثبتوا من المعلومات قبل حربهم أى قتلهم للناس ويبين لهم أنه خبير أى عليم بالذى يعملون أى يفعلون وسيحاسبهم عليه ومن ثم عليهم الحذر من مخالفته والخطاب للمؤمنين.